لقد ذهب بشار بن برد الشاعر ضحية للسانه، وليس لكفره وزندقته كما أشيع عنه. لقد كان من المقربين للخليفة المهدي، بيد أنه رغم موقعه هذا، تجرأ بالسخرية حتى من خال الخليفة يزيد بن منصور الحميري، وكان هذا على شيء من البلاهة والغفلة. دخل يوماً فرأى بشار بن برد ينشد المهدي قصيدة في مدحه. فلما فرغ منها، سأله: «يا شيخ ما صناعتك؟»، فأجابه الشاعر: أثقب اللؤلؤ! فضحك المهدي، ولكنه نهره قائلاً: ويلك! أتتندر على خالي؟ فقال: وما أصنع به؟ يرى شيخاً أعمى ينشد الخليفة شعراً، ويسأله عن صناعته!
بدأت علاقته بالخليفة تسوء بعد أن نقلوا للخليفة بيتين قالهما في نصح شاب أعياه ما يريد من امرأة محجبة، فنصحه بشار قائلاً:
لا يؤيسنّك من مخبأة
قول تغلظه وإن جرحا
عسر النساء إلى مياسرة
والصعب يمكن بعدما جمحا
اتبع الشاب نصيحة بشار، فثابر في سعيه وراءها حتى أجابته، فكافأ الشاعر بمائتي دينار. سمع ذلك المهدي، فاستدعاه واستنشده ما قال ففعل، فغضب عليه وشتمه، وقال: أتحض النساء على الفجور، وتقذف المحصنات المخبآت؟ ثم قطع عنه عطاءه، فاغتاظ الشاعر وقال فيه البيتين الشهيرين: «خليفة.. يلعب بالدبوق والصولجان..» إلى آخر الشعر. أنشد البيتين أمام يونس النحوي، فسعى به، على عادة معظم أدباء زماننا هذا، إلى وزير الخليفة يعقوب بن داود، وكان بشار قد هجاه قائلاً:
بني أمية هبوا طال نومكم
إن الخليفة يعقوب بن داود
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا
خليفة الله بين الناي والعود
كان ابن داود ينتظر الفرصة، فأسرع إلى الخليفة: «يا أمير المؤمنين، إن هذا الأعمى الملحد الزنديق بشاراً قد هجاك. قال: بأي شيء؟ فأجابه قائلاً: بما لا ينطق به لساني، ولا يتوهمه فكري. فألح عليه الخليفة، ولكنه ظل يتمنع: والله لو خيرتني بين إنشادي إياه وضرب عنقي، لاخترت ضرب عنقي».
ظل الخليفة يلح عليه حتى توصلا إلى حل وسط: أن يكتب له ما قاله الشاعر على ورقة. ففعل، فكاد الخليفة ينشق غيظاً، ثم ذهب إلى البصرة للنظر في أمرها. سمع أذاناً في ضحى النهار، فسأل عن ذلك، فإذا به بشار في حالة السكر، فقال له: يا زنديق أتلهو بالأذان في غير وقت الصلاة وأنت سكران، ثم أمر بضربه سبعين سوطاً.
قالوا: فكان إذا أصابه السوط صرخ: «حس! حس!»؛ وهو ما تقوله العرب للشيء إذا أوجع. فقالوا له: لماذا لا تقول بسم الله؟ فقال: ويلكم! أهو طعام فأسمي عليه؟ قال له آخر: أفلا قلت الحمد لله؟ قال: أهي نعمة فأحمد الله عليها؟ فما زالوا يجلدونه حتى مات. فأخرجت جنازته، فما تبعه أحد غير جارية سندية عجماء!
بدأت علاقته بالخليفة تسوء بعد أن نقلوا للخليفة بيتين قالهما في نصح شاب أعياه ما يريد من امرأة محجبة، فنصحه بشار قائلاً:
لا يؤيسنّك من مخبأة
قول تغلظه وإن جرحا
عسر النساء إلى مياسرة
والصعب يمكن بعدما جمحا
اتبع الشاب نصيحة بشار، فثابر في سعيه وراءها حتى أجابته، فكافأ الشاعر بمائتي دينار. سمع ذلك المهدي، فاستدعاه واستنشده ما قال ففعل، فغضب عليه وشتمه، وقال: أتحض النساء على الفجور، وتقذف المحصنات المخبآت؟ ثم قطع عنه عطاءه، فاغتاظ الشاعر وقال فيه البيتين الشهيرين: «خليفة.. يلعب بالدبوق والصولجان..» إلى آخر الشعر. أنشد البيتين أمام يونس النحوي، فسعى به، على عادة معظم أدباء زماننا هذا، إلى وزير الخليفة يعقوب بن داود، وكان بشار قد هجاه قائلاً:
بني أمية هبوا طال نومكم
إن الخليفة يعقوب بن داود
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا
خليفة الله بين الناي والعود
كان ابن داود ينتظر الفرصة، فأسرع إلى الخليفة: «يا أمير المؤمنين، إن هذا الأعمى الملحد الزنديق بشاراً قد هجاك. قال: بأي شيء؟ فأجابه قائلاً: بما لا ينطق به لساني، ولا يتوهمه فكري. فألح عليه الخليفة، ولكنه ظل يتمنع: والله لو خيرتني بين إنشادي إياه وضرب عنقي، لاخترت ضرب عنقي».
ظل الخليفة يلح عليه حتى توصلا إلى حل وسط: أن يكتب له ما قاله الشاعر على ورقة. ففعل، فكاد الخليفة ينشق غيظاً، ثم ذهب إلى البصرة للنظر في أمرها. سمع أذاناً في ضحى النهار، فسأل عن ذلك، فإذا به بشار في حالة السكر، فقال له: يا زنديق أتلهو بالأذان في غير وقت الصلاة وأنت سكران، ثم أمر بضربه سبعين سوطاً.
قالوا: فكان إذا أصابه السوط صرخ: «حس! حس!»؛ وهو ما تقوله العرب للشيء إذا أوجع. فقالوا له: لماذا لا تقول بسم الله؟ فقال: ويلكم! أهو طعام فأسمي عليه؟ قال له آخر: أفلا قلت الحمد لله؟ قال: أهي نعمة فأحمد الله عليها؟ فما زالوا يجلدونه حتى مات. فأخرجت جنازته، فما تبعه أحد غير جارية سندية عجماء!