زخر التراث العربي بأشكال سردية عديدة، ولا يمكن تصنيف هذه الأشكال، إلا بالولوج الفعلي داخل بنيتها، ودراسة مضامينها، فمن الظلم أن يلج الباحث/ الناقد المعاصر بقناعات وتصورات مسبقة، يريد أن يتحقق من وجودها في التراث العربي، ويقيس على هذه المسبقات، كل ما يصادفه من أشكال أدبية، فهذا نوع من الحكم الصادر مقدمًا، الذي يتنافى مع طبيعة الدراسة الأدبية والنقدية للأعمال التراثية لأن هذه الأعمال التراثية، أنجزت في فترة تاريخية سابقة، وبالتالي لا يمكن فهم تشكلِّها إلا بالاطلاع على طبيعة المجتمع ومتلقيه وثقافته، والعوامل المؤثرة والمشكّلة لهذه الثقافة، وبالتالي نكون أكثر فهمًا لمسببات تكوين هذا الشكل الأدبي أو ذاك، في ضوء الظروف التاريخية، التي ساهمت في بروزه. ويكون الحكم على بنية هذا الشكل الأدبي وجماله من خلال استقراء أهم الأشكال الأدبية السائدة في عصره؛ لمعرفة درجة الإبداع أو التقليد، التي تسِمُه.
فمصطلح «شكل أدبي» يعني: صور الشيء الخارجية، في مقابل المادة التي يتركب منها. وأيضًا هو «طريقة التعبير عن الفكرة أو الأسلوب أو المبنى في مقابل المعنى أو الفكرة، التي تراد الإبانة عنها. ونلاحظ في هذا التعريف، أنه يقدم محددات لمفهوم الشكل الأدبي، فهو معنيٌ برصد الأبعاد الخارجية للعمل الأدبي؛ وأن هذا الرصد نابع من مضمون العمل الأدبي ومن الفكر الذي يريد المؤلف طرحه من خلاله، وأنه لا انفصام بين الشكل والمضمون، فكلٌ منهما مكمل للآخر، فلن يتحقق الشكل إلا بوجود مضمون داخله، وإلا استحال زخرفة عبثية، ولن يتحقق المضمون إلا من خلال شكل يحتويه وإلا أصبح كلامًا مرسلاً ومعاني فضفاضة، تفتقد الإطار الجمالي الذي يحويها.
كما يلتقي معه مفهوم «الأشكال القصصية» الذي يفيد بأنها مجموعة الأشكال الأدبية، التي احتوت القصص في متنها، وشكّلت القصص لحمة هذا المتن، والقصص تختلف حجمًا ما بين الطول والقصر، وتتعدد عوالمها ما بين الواقع والمتخيل، وتتنوع أساليبها ما بين المحلى بالصنعة اللفظية، والأسلوب القصصي الدرامي. ويكون السؤال: ما علاقة التقاليد الأدبية بما تقدم من نقاش؟ والإجابة تبدأ من أن مصطلح «تقليد أدبي» يعني اتخاذ أثر فني نموذجًا والنسج على منواله، إما من حيث المضمون، وإما من حيث الأسلوب، وإما من حيث الاثنين معًا.
فالتقليد الأدبي يبدأ بعمل أدبي فريد، ومن ثم يتم النسج على شاكلته من قبل أعمال أدبية أخرى، حتى يصبح أمرًا لازمًا في بنية كل عمل أدبي، يتخذ هذا الدرب سبيلا. وبناء على ذلك، فإن اصطلاح «تقاليد أدبية» ينتج مناهج وأساليب متبعة في تحقيق الأثر وفي مضمونه، ومأخوذة عادة عن السلف جيلاً بعد جيل، بحيث تصبح مع مرور الزمن ميزة عضوية في أدب من الآداب أو فن من الفنون، ويعتبر التحرر منها أو الابتعاد عنها خروجًا عن السنة المسلّم بها، أو ثورة على التراث المتوارث. ومن احترام التقاليد والتقيد بها يتشابه الأدباء والفنانون. وتنبع علاقة التقاليد الأدبية بمفهوم الأشكال القصصية، من كون التقاليد الأدبية تقدم لنا مفهوما شكلانيا ومضمونيا، لا يقتصر على الجانب الشكلاني وحسب؛ كما يتبادر إلى الذهن، بل يشمل المضمون أيضا. وبالتالي فإن الأشكال القصصية عندما ترسخت أدبيًا عبر المدونات والكتب، اتخذت بمرور الوقت تقاليد ميزتها عن سائر أشكال الأدب عامة، والنثر خاصة؛ لأنها تحوي الحكاية التي يألفها الإنسان مهما كانت درجة بداوته أو تحضره. كما أنها بقدر ما ترصد أوجه الاتفاق ما بين الشكل الأدبي القصصي الواحد، فإنها ترصد أوجه الاختلاف، ما بين كل شكل قصصي عن آخر، وبالتالي تكون سببًا لتميزه وتحديده عند إجراء أي موازنة.
إن الوعي بالتقاليد الأدبية يكون عونًا للأديب، كي يحدد بسهولة الشكل الأدبي القصصي، الذي يريد أن يتبعه، لأنها عالقة في ذهنه من قراءاته الإبداعات السابقة، فمثلا شكل المقامة القصصي، ترسخ عبر أعمال أدبية عدة قديمًا، على يد بديع الزمان الهمذاني والحريري وغيرهما، وعندما رأى أحد المبدعين في القرن التاسع عشر الميلادي، أن هذا الشكل القصصي مناسب لفكر يبغي طرحه، استدعى هذا الشكل، ليكون حاويًا مضمون فكره، إنه إسحق المويلحي في كتابه الموسوم: «حديث عيسى بن هشام»، الذي اتبع فيه التقاليد الأدبية التي نضجت في كتب المقامة قديمًا، وأبدع على شاكلتها حديثا.
وفي الوقت نفسه يكون الوعي بالتقاليد الأدبية وفهمها عونًا للباحث والناقد الأدبي في رصد مقدار الإبداع، الذي حققه هذا الأديب في إبداعه، ومدى التزامه أو تمرده على هذه التقاليد المترسخة، والتمرد يعني البحث عن شكل أدبي جديد يؤسس لتقاليد جديدة.
ومن المهم الانتباه إلى أن الوجه الإيجابي للالتزام بالتقاليد الأدبية يتضمن معرفة الشكل الأدبي القصصي، بيسر من قبل متلقي القص بشكل خاص ومن قبل الباحث أيضًا، أما الوجه السلبي لهذا الالتزام فهو التمسك بها بدرجة تقترب من إسباغ القداسة عليها، وهو ما يعني للأدب جمودًا، ويعني للذائقة المتلقية خمودًا، ويعني للبحث الأدبي ركودًا. كذلك، فإن للخبر – بمفهومه السردي التراثي- علاقة وثيقة بالشكل القصصي، فالخبر يسوق حادثة، وفي الحادثة جانب قصصي يتضمن أشخاصًا وأحداثًا وزمانًا ومكانًا، ولكن يمتاز الخبر بكونه معبرًا عن واقعة حدثت بالفعل، كما يذكر الراوي، أما القصص فقد تكون متخيلة أو محرفة عن الواقع. فالمقامات أشكال قصصية متخيلة، ومن ألوان السرديات التراثية كتب ادّعى مؤلفوها أنها أحداث وقعت بالفعل، وقد صاغوها وفق الأشكال القصصية التي كانت سائدة في الأزمنة القديمة.
ولذا، من الواجب التعرف على أبرز الأشكال القصصية، وتقاليدها الأدبية السائدة في أزمنة التراث العربي المتتابعة، وقتما أنشأ كل مبدع سردي نصوصه وقصصه، ولندرك أبرز الأشكال وتقاليدها التي تأثر بها، وسعى إلى أن يبدع مؤلفاته من خلال تلك التقاليد، مراعيًا ثقافة المتلقي التي يستقبل بها النص، في ضوء الأدب النثري السائد في عصره. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، فإنه يلزم فهم أبرز السرديات القصصية ومنهجها في البناء والرواية والتوثيق في تراثنا العربي؛ بهدف إبراز أوجه الاتفاق والاختلاف بين هذه السرديات، وكذلك مدى الانحراف (التمايز) الذي عليه كل كتاب عما هو سائد في عصره، وإيضاح عناصر الاتفاق والاختلاف في تحقيق دلالات مهمة في بنية الكتاب؛ ليتحقق له التلقي المنشود من القراء في عصره .
٭ كاتب من مصر
فمصطلح «شكل أدبي» يعني: صور الشيء الخارجية، في مقابل المادة التي يتركب منها. وأيضًا هو «طريقة التعبير عن الفكرة أو الأسلوب أو المبنى في مقابل المعنى أو الفكرة، التي تراد الإبانة عنها. ونلاحظ في هذا التعريف، أنه يقدم محددات لمفهوم الشكل الأدبي، فهو معنيٌ برصد الأبعاد الخارجية للعمل الأدبي؛ وأن هذا الرصد نابع من مضمون العمل الأدبي ومن الفكر الذي يريد المؤلف طرحه من خلاله، وأنه لا انفصام بين الشكل والمضمون، فكلٌ منهما مكمل للآخر، فلن يتحقق الشكل إلا بوجود مضمون داخله، وإلا استحال زخرفة عبثية، ولن يتحقق المضمون إلا من خلال شكل يحتويه وإلا أصبح كلامًا مرسلاً ومعاني فضفاضة، تفتقد الإطار الجمالي الذي يحويها.
كما يلتقي معه مفهوم «الأشكال القصصية» الذي يفيد بأنها مجموعة الأشكال الأدبية، التي احتوت القصص في متنها، وشكّلت القصص لحمة هذا المتن، والقصص تختلف حجمًا ما بين الطول والقصر، وتتعدد عوالمها ما بين الواقع والمتخيل، وتتنوع أساليبها ما بين المحلى بالصنعة اللفظية، والأسلوب القصصي الدرامي. ويكون السؤال: ما علاقة التقاليد الأدبية بما تقدم من نقاش؟ والإجابة تبدأ من أن مصطلح «تقليد أدبي» يعني اتخاذ أثر فني نموذجًا والنسج على منواله، إما من حيث المضمون، وإما من حيث الأسلوب، وإما من حيث الاثنين معًا.
فالتقليد الأدبي يبدأ بعمل أدبي فريد، ومن ثم يتم النسج على شاكلته من قبل أعمال أدبية أخرى، حتى يصبح أمرًا لازمًا في بنية كل عمل أدبي، يتخذ هذا الدرب سبيلا. وبناء على ذلك، فإن اصطلاح «تقاليد أدبية» ينتج مناهج وأساليب متبعة في تحقيق الأثر وفي مضمونه، ومأخوذة عادة عن السلف جيلاً بعد جيل، بحيث تصبح مع مرور الزمن ميزة عضوية في أدب من الآداب أو فن من الفنون، ويعتبر التحرر منها أو الابتعاد عنها خروجًا عن السنة المسلّم بها، أو ثورة على التراث المتوارث. ومن احترام التقاليد والتقيد بها يتشابه الأدباء والفنانون. وتنبع علاقة التقاليد الأدبية بمفهوم الأشكال القصصية، من كون التقاليد الأدبية تقدم لنا مفهوما شكلانيا ومضمونيا، لا يقتصر على الجانب الشكلاني وحسب؛ كما يتبادر إلى الذهن، بل يشمل المضمون أيضا. وبالتالي فإن الأشكال القصصية عندما ترسخت أدبيًا عبر المدونات والكتب، اتخذت بمرور الوقت تقاليد ميزتها عن سائر أشكال الأدب عامة، والنثر خاصة؛ لأنها تحوي الحكاية التي يألفها الإنسان مهما كانت درجة بداوته أو تحضره. كما أنها بقدر ما ترصد أوجه الاتفاق ما بين الشكل الأدبي القصصي الواحد، فإنها ترصد أوجه الاختلاف، ما بين كل شكل قصصي عن آخر، وبالتالي تكون سببًا لتميزه وتحديده عند إجراء أي موازنة.
إن الوعي بالتقاليد الأدبية يكون عونًا للأديب، كي يحدد بسهولة الشكل الأدبي القصصي، الذي يريد أن يتبعه، لأنها عالقة في ذهنه من قراءاته الإبداعات السابقة، فمثلا شكل المقامة القصصي، ترسخ عبر أعمال أدبية عدة قديمًا، على يد بديع الزمان الهمذاني والحريري وغيرهما، وعندما رأى أحد المبدعين في القرن التاسع عشر الميلادي، أن هذا الشكل القصصي مناسب لفكر يبغي طرحه، استدعى هذا الشكل، ليكون حاويًا مضمون فكره، إنه إسحق المويلحي في كتابه الموسوم: «حديث عيسى بن هشام»، الذي اتبع فيه التقاليد الأدبية التي نضجت في كتب المقامة قديمًا، وأبدع على شاكلتها حديثا.
وفي الوقت نفسه يكون الوعي بالتقاليد الأدبية وفهمها عونًا للباحث والناقد الأدبي في رصد مقدار الإبداع، الذي حققه هذا الأديب في إبداعه، ومدى التزامه أو تمرده على هذه التقاليد المترسخة، والتمرد يعني البحث عن شكل أدبي جديد يؤسس لتقاليد جديدة.
ومن المهم الانتباه إلى أن الوجه الإيجابي للالتزام بالتقاليد الأدبية يتضمن معرفة الشكل الأدبي القصصي، بيسر من قبل متلقي القص بشكل خاص ومن قبل الباحث أيضًا، أما الوجه السلبي لهذا الالتزام فهو التمسك بها بدرجة تقترب من إسباغ القداسة عليها، وهو ما يعني للأدب جمودًا، ويعني للذائقة المتلقية خمودًا، ويعني للبحث الأدبي ركودًا. كذلك، فإن للخبر – بمفهومه السردي التراثي- علاقة وثيقة بالشكل القصصي، فالخبر يسوق حادثة، وفي الحادثة جانب قصصي يتضمن أشخاصًا وأحداثًا وزمانًا ومكانًا، ولكن يمتاز الخبر بكونه معبرًا عن واقعة حدثت بالفعل، كما يذكر الراوي، أما القصص فقد تكون متخيلة أو محرفة عن الواقع. فالمقامات أشكال قصصية متخيلة، ومن ألوان السرديات التراثية كتب ادّعى مؤلفوها أنها أحداث وقعت بالفعل، وقد صاغوها وفق الأشكال القصصية التي كانت سائدة في الأزمنة القديمة.
ولذا، من الواجب التعرف على أبرز الأشكال القصصية، وتقاليدها الأدبية السائدة في أزمنة التراث العربي المتتابعة، وقتما أنشأ كل مبدع سردي نصوصه وقصصه، ولندرك أبرز الأشكال وتقاليدها التي تأثر بها، وسعى إلى أن يبدع مؤلفاته من خلال تلك التقاليد، مراعيًا ثقافة المتلقي التي يستقبل بها النص، في ضوء الأدب النثري السائد في عصره. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، فإنه يلزم فهم أبرز السرديات القصصية ومنهجها في البناء والرواية والتوثيق في تراثنا العربي؛ بهدف إبراز أوجه الاتفاق والاختلاف بين هذه السرديات، وكذلك مدى الانحراف (التمايز) الذي عليه كل كتاب عما هو سائد في عصره، وإيضاح عناصر الاتفاق والاختلاف في تحقيق دلالات مهمة في بنية الكتاب؛ ليتحقق له التلقي المنشود من القراء في عصره .
٭ كاتب من مصر