صابر رشدي - الطريق إلى الاستاد.. قصة قصيرة

في اليوم التالي، كانوا يستقبلوني وسط أجواء احتفالية، واضعين ما أفعله في خانة البطولات معتقدين أن ليس بإمكان أيٍّ منهم النهوض بهذا العمل. إنهم أصدقائي في المدرسة، الذين كانوا لا يصدقون أني أستطيع الذهاب وحدي إلى استاد القاهرة لمشاهدة المباريات الكبرى، ورؤية اللاعبين عن قرب، كانوا يعدون ما أقوله جنوحًا شديدًا إلى المبالغة، ولا يتوقفون كثيرًا أمام ما أرويه لهم عما حدث بعيدًا عن الكاميرا: معارك اللاعبين، شتائم الجمهور، انفعالات المدربين على التحكيم، هراوات الشرطة فوق أجساد المتسللين من فوق الأسوار، اشتباكت مشجعي الفريقين المتنافسين بعد الخروج من المدرجات.
لم أكن أعرف سوى وسيلة واحدة للوصول إلى هناك، مترو مصر الجديدة، من ميدان رمسيس. أصعد إلى أحد الخطوط الثلاثة: النزهة، الميرغني، عبد العزيز فهمي، جميعها تتجه إلى محطة روكسي، ثم يتفرقون بعدها في اتجاهات مختلفة. من هناك أيضًا، يبدأ خط آخر، ينتهي به المطاف في مدينة نصر، أستكمل به الطريق، لأهبط بالقرب من هدفي. أسرع صوب البوابة الرئيسية، أندس بين أى مجموعة تحمل بطاقات الدخول، أتوارى بينهم، كواحد منهم. أو أتجه ناحية الرجال الذين ينظمون الدخول، ثم أفتعل البكاء وأنا أقترب من أحدهم، ثابتًا لا أريم:
ــ يا عم. أريد اللحاق بشقيقي الأكبر، التذاكر معه والنقود.
ــ أين هو؟ يسأل الموظف
أشير إلى الداخل:
ـ هناك.
يشفق الرجل على طفولتي، وهو يلعن شقيقي الوهمي الذي تركني وحدي بلا إحساس بالمسئولية.
ــ تعال هنا.
أمر من الباب الضيق، متجاوزًا الطابور الطويل.
يواصل:
ــ اِسرع حتى تلحق به.
أندفع خفيفًا، كطائر رشيق، ذائبًا في هذه الجموع، أسلك معهم الطريق إلى الملعب.
في صباح اليوم التالي، أحكي لأصدقائي، مفاخرًا بشيء يستحق الثناء، لكنهم، غير مستعدين للقبول بهذا الكلام، يرون استحالة حدوث هذه الرحلة، وأن من الصعب وصولي إلى هذا المكان البعيد، واختراق حصونه المنيعة. لا شيء يوثق هذا الحضور، أو يؤكده، لا بد من حيلة إذن، برهان دامغ، لا يستطيع أحد إنكاره.
بادرتهم في إحدى المرات:
ــ سأذهب غدًا إلى الاستاد.
أَطَلَّت السخرية من أعينهم.
واصلت بعناد:
ــ سأناديكم بأسمائكم من هناك.
ــ نحن؟
ــ نعم.
ثم أضفت متحديًا:
ــ فقط، انتظروا المباراة أمام التليفزيون.
كانت خطتي تتلخص في الوصول إلى أقرب نقطة من مذيع المباراة، مسافة معقولة من الميكروفون المشرع أمامه على الطاولة. إنه يتخذ موقعه بين جماهير المقصورة، دون ساتر، أو حراسة مشددة. عندما صرت على مقربة شديدة منه، أخذت أصيح عاليا، معددًا أسماء الأصدقاء، واحدًا بعد الآخر، ذاكرًا اسم المدرسة، والفصل الدراسي، لأنسحب بعدها، هاربًا من النظرات الغاضبة للمعلق الشهير، أجلس بعيدًا، مبهور الأنفاس، أكمل مشاهدة المباراة، سعيدًا بهذا الإنجاز المذهل.


* مجلة "الإذاعة والتلفزيون"


تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...