في سبعينيات القرن ٢٠ عرفتنا منشورات "صلاح الدين" في القدس على الكاتب الجزائري الطاهر وطار، فقرأنا له رواياته "اللاز" و "عرس بغل" و"الحوات والقصر" ومجموعته القصصية "الشهداء يعودون هذا الأسبوع"، وفي الفترة نفسها طبعت له منشورات الأسوار في عكا رواية "الزلزال"، كما طبعت له دار الكاتب مجموعته القصصية "الطعنات" وصار الكاتب نافذتنا إلى الأدب العربي في المغرب العربي، ولا أعرف إن كان جيل القراء في الألفية الثالثة قرؤوا وطار كما قرأناه. وأغلب الظن أن الجيل الجديد قرأ أحلام مستغانمي وواسيني الأعرج أكثر مما قرؤوا وطار.
شخصيا لم أكتف بقراءة وطار بل أخذت أدرس بعض أعماله في الجامعة؛ درست له بعض قصصه القصيرة مثل "الشهداء يعودون هذا الأسبوع" (١٩٧٤) و"اشتراكي حتى الموت" و"الرسام الكبير والشاعرة الناشئة" وروايتيه "اللاز" و "الزلزال"، وكتبت عن النصوص السابقة غير مرة.
إن قصة "اشتراكي حتى الموت" غالباً ما تستحضر في مقالاتي، وغالباً ما أذكرها حين أسخر من نفسي وحين أسخر من يساريين تحولوا، وصارت فكرة القصة، وقصة نجاتي صدقي "الشيوعي المليونير" مدخلا لفكرة تلح على ذهني وهي فكرة تحولات اليسار في الرواية العربية - آخر عمل قرأته حول هذه الفكرة هو رواية حيدر حيدر "شموس الغجر" -، وقصة نجاتي صدقي أسبق من قصة وطار؛ فقد صدرت في مجموعة تحمل عنوان "الشيوعي المليونير" في العام ١٩٦٣.
قصة "الشاعرة الناشئة والرسام الكبير" لا تغيب عن الذاكرة، وفي هذه الأيام تلح على الذاكرة أكثر وأكثر، بخاصة أن الشاعرات الناشئات والشعراء الناشئين يتكاثرون بمتوالية هندسية لا بمتوالية حسابية- هل تتذكرون نظرية مالثوس؟
ليس الشعراء والشاعرات هم من يتكاثرون، فقد أخذ يتكاثر الروائيون والروائيات وتكاثرت أيضاً دور النشر التي صارت تطبع لمن يريد أن يطبع كتابا، بل وصارت دور النشر هذه تسعى وراء الكتّاب، ما دفعني قبل أسابيع إلى كتابة مقال عنوانه "ناشرون يبحثون عن كتاب".
حين تقرأ لعديد من الكتاب الجدد تقرأ أعمالا أدبية توحي لك بأن صاحبها يمتلك اللغة العربية ويتقنها إلى حد كبير، ولكنك حين تتراسل مع هؤلاء الكتاب تتذكر قصة وطار "الشاعرة الناشئة والرسام الكبير"، وقد تتورط قبل أن تتراسل مع هؤلاء في الكتابة عنهم ومدح أعمالهم، ثم ... .
أحيانا تلحظ أن هناك أدباء كبارا أو نقادا كبارا يتورطون في علاقة مع شاعرة ناشئة أو قاصة ناشئة أو روائية ناشئة، وقد تتورط شخصيا مع هؤلاء، فيطلبون منك أن تكتب عن أعمالهم أو أن تكتب تصديرا لعمل جديد لهم، وغالبا ما أعتذر لدرجة أن كتابتي مقدمات لأعمال أدبية هي نادرة جدا، وإن لم تخني الذاكرة فقد كتبت تصديرا لأعمال مات مؤلفوها منذ عقود، وأعيدت طباعة بعض أعمالهم، مثل رواية "الوارث" لخليل بيدس، ورواية "الحياة بعد الموت" لاسكندر الخوري البيتجالي.
في الأسابيع الأخيرة قرأت فقرة أو مقالا يذم فيه كاتبه الكتاب الكبار أو النقاد الكبار الذين يتورطون في مديح كاتبات ناشئات لا يستحققن المديح، وقرأت عن صدور كتب مشتركة بين كتاب كبار وكاتبات عاديات، ولا أعرف إن كان الكتاب يعرفون المستوى الحقيقي لهؤلاء الكاتبات.
مرة قرأت أعمال كاتبة - أنهت التوجيهي فقط - ألحت علي أن أكتب عنها، ولما تواصلت لاحقا معها أكثر وأكثر، لاحظت الفارق الكبير بين مستوى لغتها في أعمالها الصادرة ومستوى لغتها التي تكتب لي بها، فتساءلت عن سبب هذا الفارق، وعرفت السبب. إنه دار النشر. بل ولاحظت أنها لم تقرأ الكثير لكتاب عرب معروفين ولكتاب عالميين وأن قراءاتها قليلة جدا، بل وشبه معدومة.
غالبا ما كنت أتذكر، وأنا اتراسل مع الكاتبة، قصة الطاهر وطار "الرسام الكبير والشاعرة الناشئة" فالكاتبة التي أصدرت أعمالا متواضعة بلغة أسلبتها لها دار النشر تريد أن تتقدم إلى جائزة بوكر للرواية العربية، وكلما كتبت لها عن فكرة في رواية لكاتب كبير ردت على كتابتي بأنها كتبت هذا في روايتها، ولكثرة حديثها عن روايتها، فقد أوحت لي بأنها "أم الروايات" وأن روايات الكتاب الكبار تناصت مع روايتها وأفادت منها، وأن روايتها تستحق جائزة بوكر للرواية العربية.
دور النشر التي تطبع لكثيرين من الكتاب تعرض مخطوطاتهم على كتاب يعيدون صياغة المخطوطات بأجر، ويكون هؤلاء الكتاب القلم الخفي الذي يمكن نعته بالكاتب الثاني.
قد يقول قائل إن دور النشر المحترمة غالبا ما تعرض ما تنشره على محررين محترفين، وأن اعتراضي غير مقنع. قد! ولكني لا أظن أن الكتاب الذين تنشر لهم دور النشر المحترمة كتاب لا يجيدون الكتابة بلغتهم وأن ثقافتهم ضئيلة وسطحية.
وأنا أتذكر كتابات تلك الكاتبة وكتابات كتاب آخرين مهووسين بإصدار كتاب لا يخطر ببالي سوى قصة وطار المذكورة.
الشاعرة الناشئة في القصة ترشحها الجهات المسؤولة لحضور المؤتمرات وتوقع معها دور النشر عقداً لنشر ديوانها الذي شرعت في كتابته مؤخراً، و .. و...
شخصيا لم أكتف بقراءة وطار بل أخذت أدرس بعض أعماله في الجامعة؛ درست له بعض قصصه القصيرة مثل "الشهداء يعودون هذا الأسبوع" (١٩٧٤) و"اشتراكي حتى الموت" و"الرسام الكبير والشاعرة الناشئة" وروايتيه "اللاز" و "الزلزال"، وكتبت عن النصوص السابقة غير مرة.
إن قصة "اشتراكي حتى الموت" غالباً ما تستحضر في مقالاتي، وغالباً ما أذكرها حين أسخر من نفسي وحين أسخر من يساريين تحولوا، وصارت فكرة القصة، وقصة نجاتي صدقي "الشيوعي المليونير" مدخلا لفكرة تلح على ذهني وهي فكرة تحولات اليسار في الرواية العربية - آخر عمل قرأته حول هذه الفكرة هو رواية حيدر حيدر "شموس الغجر" -، وقصة نجاتي صدقي أسبق من قصة وطار؛ فقد صدرت في مجموعة تحمل عنوان "الشيوعي المليونير" في العام ١٩٦٣.
قصة "الشاعرة الناشئة والرسام الكبير" لا تغيب عن الذاكرة، وفي هذه الأيام تلح على الذاكرة أكثر وأكثر، بخاصة أن الشاعرات الناشئات والشعراء الناشئين يتكاثرون بمتوالية هندسية لا بمتوالية حسابية- هل تتذكرون نظرية مالثوس؟
ليس الشعراء والشاعرات هم من يتكاثرون، فقد أخذ يتكاثر الروائيون والروائيات وتكاثرت أيضاً دور النشر التي صارت تطبع لمن يريد أن يطبع كتابا، بل وصارت دور النشر هذه تسعى وراء الكتّاب، ما دفعني قبل أسابيع إلى كتابة مقال عنوانه "ناشرون يبحثون عن كتاب".
حين تقرأ لعديد من الكتاب الجدد تقرأ أعمالا أدبية توحي لك بأن صاحبها يمتلك اللغة العربية ويتقنها إلى حد كبير، ولكنك حين تتراسل مع هؤلاء الكتاب تتذكر قصة وطار "الشاعرة الناشئة والرسام الكبير"، وقد تتورط قبل أن تتراسل مع هؤلاء في الكتابة عنهم ومدح أعمالهم، ثم ... .
أحيانا تلحظ أن هناك أدباء كبارا أو نقادا كبارا يتورطون في علاقة مع شاعرة ناشئة أو قاصة ناشئة أو روائية ناشئة، وقد تتورط شخصيا مع هؤلاء، فيطلبون منك أن تكتب عن أعمالهم أو أن تكتب تصديرا لعمل جديد لهم، وغالبا ما أعتذر لدرجة أن كتابتي مقدمات لأعمال أدبية هي نادرة جدا، وإن لم تخني الذاكرة فقد كتبت تصديرا لأعمال مات مؤلفوها منذ عقود، وأعيدت طباعة بعض أعمالهم، مثل رواية "الوارث" لخليل بيدس، ورواية "الحياة بعد الموت" لاسكندر الخوري البيتجالي.
في الأسابيع الأخيرة قرأت فقرة أو مقالا يذم فيه كاتبه الكتاب الكبار أو النقاد الكبار الذين يتورطون في مديح كاتبات ناشئات لا يستحققن المديح، وقرأت عن صدور كتب مشتركة بين كتاب كبار وكاتبات عاديات، ولا أعرف إن كان الكتاب يعرفون المستوى الحقيقي لهؤلاء الكاتبات.
مرة قرأت أعمال كاتبة - أنهت التوجيهي فقط - ألحت علي أن أكتب عنها، ولما تواصلت لاحقا معها أكثر وأكثر، لاحظت الفارق الكبير بين مستوى لغتها في أعمالها الصادرة ومستوى لغتها التي تكتب لي بها، فتساءلت عن سبب هذا الفارق، وعرفت السبب. إنه دار النشر. بل ولاحظت أنها لم تقرأ الكثير لكتاب عرب معروفين ولكتاب عالميين وأن قراءاتها قليلة جدا، بل وشبه معدومة.
غالبا ما كنت أتذكر، وأنا اتراسل مع الكاتبة، قصة الطاهر وطار "الرسام الكبير والشاعرة الناشئة" فالكاتبة التي أصدرت أعمالا متواضعة بلغة أسلبتها لها دار النشر تريد أن تتقدم إلى جائزة بوكر للرواية العربية، وكلما كتبت لها عن فكرة في رواية لكاتب كبير ردت على كتابتي بأنها كتبت هذا في روايتها، ولكثرة حديثها عن روايتها، فقد أوحت لي بأنها "أم الروايات" وأن روايات الكتاب الكبار تناصت مع روايتها وأفادت منها، وأن روايتها تستحق جائزة بوكر للرواية العربية.
دور النشر التي تطبع لكثيرين من الكتاب تعرض مخطوطاتهم على كتاب يعيدون صياغة المخطوطات بأجر، ويكون هؤلاء الكتاب القلم الخفي الذي يمكن نعته بالكاتب الثاني.
قد يقول قائل إن دور النشر المحترمة غالبا ما تعرض ما تنشره على محررين محترفين، وأن اعتراضي غير مقنع. قد! ولكني لا أظن أن الكتاب الذين تنشر لهم دور النشر المحترمة كتاب لا يجيدون الكتابة بلغتهم وأن ثقافتهم ضئيلة وسطحية.
وأنا أتذكر كتابات تلك الكاتبة وكتابات كتاب آخرين مهووسين بإصدار كتاب لا يخطر ببالي سوى قصة وطار المذكورة.
الشاعرة الناشئة في القصة ترشحها الجهات المسؤولة لحضور المؤتمرات وتوقع معها دور النشر عقداً لنشر ديوانها الذي شرعت في كتابته مؤخراً، و .. و...
شيخنا وطار والشاعرة الناشئة - عادل الأسطة - دفاتر الأيام
www.al-ayyam.ps