البروفيسور عادل الأسطة - أنا والجامعة : الأبحاث وجودتها ونوعيتها وعقدة الخواجا ( Impact Factor) (٤٤)

عندما تقدمت بأبحاثي للحصول على الترقية لم تكن الجامعة تشترط التنويع في مكان النشر ؛ خارج الوطن أو داخله ، أو في العالم العربي أو في العالم غير العربي ، ولم أكن سمعت بمصطلح ( Impact Factor ) .
لقد نشرت أبحاثي كلها في مجلة جامعة النجاح الوطنية ، وكانت الجامعة ترسل الأبحاث العلمية المقدمة للنشر فيها إلى أعضاء هيئة تدريس في العالم العربي ، وغالبا ما كانوا من الجامعات الأردنية ، والسبب يعود إلى أن الجامعات الفلسطينية في حينه كانت تخلو من أساتذة برتب علمية عالية . هل تختلف قيمة بحث يحكمه أستاذ في جامعة عربية - إن نشر في مجلة جامعة النجاح الوطنية - عن قيمته إن نشر في مجلة الجامعة الأردنية مثلا ، ومحكمه هو عضو هيئة تدريس في الأخيرة ؟
حين نادت الجامعة بضرورة التنويع في مجلات النشر أبديت رأيي السابق ، ذاهبا إلى أن أكثر أبحاثنا - وإن نشرت في جامعة النجاح الوطنية - قرأها محكمون من جامعات عربية . إن ما اشترطته جامعة النجاح لم يكن مقنعا عموما ، وما زال غير مقنع ، والأكثر إقناعا هو أن يرسل البحث لصاحب الاختصاص فيه وللمتمكن علميا ، وبعد ذلك لا أهمية لمكان نشره حتى لو نشر في صحيفة أو لم ينشر أصلا .
حصلت على الترقية على أبحاث نشرتها كلها في مجلة جامعة النجاح ؛ أبحاث حكم أكثرها في الأردن وأقلها في جامعات الأرض المحتلة ، ولم أنشر أي بحث في أي مجلة عالمية ، وإن كانت أبحاثي الأكثر اقتباسا ، منها ، من باحثين أجانب ، وإن كنت الأكثر مرجعية للدارسين في دراسة الأدب الفلسطيني .
من باب التشديد والصرامة صارت الجامعة تطلب من المتقدمين بأبحاثهم للحصول على الترقية أن يكونوا نشروا في مجلات " Impact Factor " ، وهذه مجلات غالبا ما تنشر الأبحاث فيها باللغة الانجليزية ، وأكثر أعضاء هيئة التدريس في أقسام اللغة العربية وبعض أقسام أخرى في كلية الآداب لا يتقنون الإنجليزية ، وهذا يعني استحالة ترقيتهم إلا إذا كتبوا أبحاثا مشتركة مع مدرسي قسم اللغة الإنجليزية . يكتب المتخصص في الأدب العربي البحث ويترجمه المتخصص في قسم اللغة الإنجليزية ، وينشران البحث معا على أنه بحث مشترك .
والحقيقة أنني كنت أسخر من قرار الإدارة بهذا الخصوص ، إذ ليس بالضرورة أن " كل افرنجي ابرنجي " و " ليس كل ما يأتي من الغرب يسر القلب " ، علما بأنني درست في الغرب وأفدت من دراستي هناك الكثير الكثير ، وعلما بأنني أشدد وأكرر على أنه ما كان لي أن أفيد من المناهج الوضعية والاجتماعية والبنيوية لو لم أدرس في ألمانيا ، وأنه ما كان يمكن لي أن أكتب العديد من الأبحاث بالطريقة التي كتبتها لو لم أفد من بعض القواميس والمعاجم المتخصصة المكتوبة بالألمانية .
وعلما أيضا بأنني ترجمت بعض الدراسات التي كتبها مستشرقون ألمان عن الأدب الفلسطيني وكان لي عليها بعض المآخذ ، وقد أتيت على هذا في كتابي " في مرآة الآخر : الاستشراق الألماني والأدب الفلسطيني " .
كانت مجلة الجامعة تعهد إلي بتحكيم بعض الأبحاث العلمية المكتوبة باللغة الإنجليزية وتتناول أعمالا أدبية فلسطينية ، ولم أكن أعتذر عن التحكيم ، فيمكن فهم أكثر ما هو مكتوب ، ومرة عهد إلي بتحكيم بحث في الأدب المقارن يركز على شاعرة فلسطينية وروائية عبرية / إسرائيلية ، ولحسن الحظ أنني قرأت للأخيرة ، بالألمانية ، بعض كتبها وترجمت رسالة ماجستير عن الأولى ، وكان رأيي أن البحث يحتاج إلى تعديلات جوهرية ، فالباحث الذي كتب عن الشاعرة الفلسطينية ، وهو فلسطيني ، اعتمد على ترجمات قصائدها إلى الإنجليزية ، ولم يعد إلى النص الأصلي بالعربية ، كما أنه اعتمد على مراجع ثانوية درست سيرة الشاعرة ، ولم يعد إلى السيرة نفسها ، وفوق ذلك أغفل يوميات الروائية العبرية المكتوبة أصلا بالإنجليزية .
لقد طلبت من كاتب البحث إجراء التعديلات ، وحين لم يجرها رفضته ، وكان أن أرسله إلى مجلة أجنبية وهي مصنفة على أنها ( Impact Factor ) وأجيز ، مع أنه يحفل بأخطاء منهجية .
ومرة حكمت ترقية لعضو هيئة تدريس في جامعة أردنية ، وكان من بين الأبحاث بحث منشور باللغة الانجليزية ، وقد حفل البحث بأخطاء معرفية ومنهجية جمة ، علما بأنه أجيز في مجلة عالمية . ويخيل إلي أن صلة محكمي البحثين بالأدب العربي صلة عابرة جدا .
غالبا ما أستشهد بالمثل الشعبي " أعط خبزك لخبازه لو حرق نصفه " ، ولهذا لا أثق شخصيا بسبعين بالمائة من الأبحاث المحكمة ورسائل الماجستير والدكتوراه في عالمنا العربي ، لضعف المشرفين عليها ولضعف لجان مناقشتها وهو ما كتبت عنه من قبل .
كنت ذهبت إلى أن الحلقة ٤٣ قد تكون الأخيرة ، وأحيانا لا بد من استدراكات .



4

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى