بدأت الجامعة تفتتح أقسام الدراسات العليا في النصف الأول من ٩٠ القرن ٢٠ ، ولم تكن أعداد الطلاب في البداية تزيد على اثني عشر طالبا وطالبة ، ومع مرور الأيام وصل عدد الطلاب المقبولين إلى ثلاثين ، علما بأن عدد أعضاء هيئة التدريس لم يتضاعف تضاعف عدد الطلاب.
كانت حلقات الدرس في البداية تعقد في مكاتب أعضاء هيئة التدريس ثم صارت تعقد في قاعات الدراسة المخصصة لبرنامج البكالوريوس ، وصار الأستاذ يحاضر في طلبة الماجستير كما يحاضر في طلبة البكالوريوس . صار يتخلى عن الطلب من الطلاب كتابة الأبحاث ومناقشتها معهم في قاعات الدراسة ويجري امتحانات عوضا عن ذلك ، فمن غير المعقول مناقشة ثلاثين بحثا في عشر لقاءات.
مع مرور الأيام خف إقبال الطلاب على برنامج الماجستير ، فلم يجن الطلبة الحاصلون على الشهادة ثمارا تعادل ما توقعوه أو ما بذلوه من جهد.
ثمة طلاب كتبوا رسائل علمية ممتازة ، وثمة آخرون كتبوا رسائل عادية وأخرى مستواها ضعيف ، وهذا لا شك يحدث في جامعات عديدة.
غير أن اللافت في الدراسة مع مرور الأيام هو تقارب الدراسة الجامعية مع الدراسة في المدارس ، فالمعروف أن علامات طلاب الأخيرة ، قياسا الى سنوات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين ، ارتفعت ارتفاعا لا يصدق . فمثلا حين تقدمت في العام ١٩٧٢ إلى امتحان التوجيهي حصلت على معدل ٦ , ٨٤ وكنت الرابع على الضفة الغربية والتاسع بين الذكور في المملكة الأردنية الهاشمية ، ومعدلي هذا في هذه السنوات يجعلني في المرتبة ٣٠٠٠ ، إن لم يكن في المرتبة ٦٠٠٠.
غالبا ما كان الطلاب يشكون من تشددي في العلامات ويذكرونني بمعدلاتهم في امتحان التوجيهي ، وهنا آتي على قصة أحد الطلاب المتميزين ممن حصلوا في امتحان التوجيهي على معدل ٩٩.
تعرفت إلى هذا الطالب في مكتب زميل لي ، وكان يراجع علامة له ، وأظنها كانت ٢٠ من ٢٥.
لم ترق العلامة للطالب الذي شكا وتذمر وكان حزينا جدا ، فما كان مني إلا التوضيح له أن الدراسة الجامعية تحتلف عن الدراسة في المدرسة ، وأنني أنا لو تقدمت بامتحان في تخصصي لربما حصلت على ٢٠ من ٢٥ علامة .
عندما درست الطالب العديد من المساقات كان يحصل على علامات مرتفعة ولكن ليس كما يتمنى أو يتوقع ، وكنت بعد أن أسلمه ورقة إجابته اصطحبه معي وأوضح له الخلل في إجابته وإنني راعيته في التصحيح لنشاطه في المحاضرات ، ولقد أخذت بيده وشجعته على كتابة الأبحاث في مرحلتي البكالوريوس والماجستير ، وكان أن فاز بجائزة على بحث كتبه في مساق " مناهج البحث العلمي " ونشر في مجلة محكمة بحثا كتبه في مساق الأدب العربي الحديث في الماجستير .
هذا الطالب خلوق ومهذب ولكنه أصيب ، لمجاملة المحاضرين له ، بقدر من الغرور ، لدرجة أنه كتب على صفحة الفيس بوك الخاصة به فقرة " بوست " ذهب فيه إلى أن العلم لا يؤخذ عن أستاذ . كما لو أنه لم يفد شيئا من دراسته الجامعية ، والطريف أن أيا من أساتذة القسم لم يعترض على الفقرة " البوست" وعندما التقيت بالطالب في مكتب رئيس القسم قلت له إن ما كتبه يعني أننا لا ندرس وأن على الجامعة أن تمنحه الدكتوراه فورا ، وأن عليه هو أن يعلمنا ، وأخذت أوجه له العديد من الأسئلة حول ما علمناه إياه في القسم ، وإن كان سمع به من قبل ، وكاد يذوب خجلا ، وحين غادر عمل على حذف ما كتب.
عندما سجل هذا الطالب ، وهو من الطلاب الممتازين عموما ، رسالة الماجستير مع أستاذ اختاره ، لم يتفق مع أستاذه الذي تبناه ، وصار في حيص بيص بخصوص الموضوع الذي سيكتب رسالته فيه . ماذا سيفعل؟
لم أكن أعرف المآل الذي آل إليه مع أستاذه ، حين اتصل بي ، وكنت أنهيت عملي في الجامعة ، يسألني عن روايات وظف كتابها فيها الموروث ، وكنت يوم درسته في الماجستير درسته رواية يحضر فيها الموروث.
لقد اختار الطالب موضوعا جديدا صلته به قليلة مع مشرف لا صلة له بالموضوع ، وبالتالي توجه إلي يسألني ، فاقترحت عليه كاتبة محددة حضر الموروث في رواياتها.
لم يخبرني الطالب أنه سأل عن الروايات ليسجل رسالة ماجستير في الموضوع ، وقد عرفت لاحقا بالأمر ، وعندما التقيت به في السوق ابتسمت وسألته :
- حقا أما زلت عند رأيك بأن العلم لا يؤخذ من الأساتذة؟
كنت من قبل أتيت على فكرة موضوعات رسائل الماجستير واختيارها ودور الطلاب في الاختيار .
الآن أتساءل من جديد :
- كيف ستحل مشكلة كتابة رسائل الدكتوراه في قسم أكثر أعضاء هيئته التدريسية غير مؤهلين لتدريس الدكتوراه والإشراف على رسائل دكتوراه ، قسم قبل للبرنامج ٢٨ طالبا والعدد في ازدياد؟
إن قصة هذا الطالب قصة ربما لا تعرفها إدارة الجامعة ، أو ربما لا تعرفها الفصائل السياسية الفلسطينية التي أحيانا تروج أن بعض الطلاب الذين ينتمون إليها كتبوا لأساتذتهم أبحاثهم ، ومرة كتبت أن من يكتب لي أبحاثي هو أنثى ، فأخذ المجتمع كله يبحث عنها ، وأنهيت عملي في الجامعة دون أن يعرفوا من هي . أحيانا يكون الغباء عاما طاما .
أتمنى أن أكون مخطئا!!
كانت حلقات الدرس في البداية تعقد في مكاتب أعضاء هيئة التدريس ثم صارت تعقد في قاعات الدراسة المخصصة لبرنامج البكالوريوس ، وصار الأستاذ يحاضر في طلبة الماجستير كما يحاضر في طلبة البكالوريوس . صار يتخلى عن الطلب من الطلاب كتابة الأبحاث ومناقشتها معهم في قاعات الدراسة ويجري امتحانات عوضا عن ذلك ، فمن غير المعقول مناقشة ثلاثين بحثا في عشر لقاءات.
مع مرور الأيام خف إقبال الطلاب على برنامج الماجستير ، فلم يجن الطلبة الحاصلون على الشهادة ثمارا تعادل ما توقعوه أو ما بذلوه من جهد.
ثمة طلاب كتبوا رسائل علمية ممتازة ، وثمة آخرون كتبوا رسائل عادية وأخرى مستواها ضعيف ، وهذا لا شك يحدث في جامعات عديدة.
غير أن اللافت في الدراسة مع مرور الأيام هو تقارب الدراسة الجامعية مع الدراسة في المدارس ، فالمعروف أن علامات طلاب الأخيرة ، قياسا الى سنوات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين ، ارتفعت ارتفاعا لا يصدق . فمثلا حين تقدمت في العام ١٩٧٢ إلى امتحان التوجيهي حصلت على معدل ٦ , ٨٤ وكنت الرابع على الضفة الغربية والتاسع بين الذكور في المملكة الأردنية الهاشمية ، ومعدلي هذا في هذه السنوات يجعلني في المرتبة ٣٠٠٠ ، إن لم يكن في المرتبة ٦٠٠٠.
غالبا ما كان الطلاب يشكون من تشددي في العلامات ويذكرونني بمعدلاتهم في امتحان التوجيهي ، وهنا آتي على قصة أحد الطلاب المتميزين ممن حصلوا في امتحان التوجيهي على معدل ٩٩.
تعرفت إلى هذا الطالب في مكتب زميل لي ، وكان يراجع علامة له ، وأظنها كانت ٢٠ من ٢٥.
لم ترق العلامة للطالب الذي شكا وتذمر وكان حزينا جدا ، فما كان مني إلا التوضيح له أن الدراسة الجامعية تحتلف عن الدراسة في المدرسة ، وأنني أنا لو تقدمت بامتحان في تخصصي لربما حصلت على ٢٠ من ٢٥ علامة .
عندما درست الطالب العديد من المساقات كان يحصل على علامات مرتفعة ولكن ليس كما يتمنى أو يتوقع ، وكنت بعد أن أسلمه ورقة إجابته اصطحبه معي وأوضح له الخلل في إجابته وإنني راعيته في التصحيح لنشاطه في المحاضرات ، ولقد أخذت بيده وشجعته على كتابة الأبحاث في مرحلتي البكالوريوس والماجستير ، وكان أن فاز بجائزة على بحث كتبه في مساق " مناهج البحث العلمي " ونشر في مجلة محكمة بحثا كتبه في مساق الأدب العربي الحديث في الماجستير .
هذا الطالب خلوق ومهذب ولكنه أصيب ، لمجاملة المحاضرين له ، بقدر من الغرور ، لدرجة أنه كتب على صفحة الفيس بوك الخاصة به فقرة " بوست " ذهب فيه إلى أن العلم لا يؤخذ عن أستاذ . كما لو أنه لم يفد شيئا من دراسته الجامعية ، والطريف أن أيا من أساتذة القسم لم يعترض على الفقرة " البوست" وعندما التقيت بالطالب في مكتب رئيس القسم قلت له إن ما كتبه يعني أننا لا ندرس وأن على الجامعة أن تمنحه الدكتوراه فورا ، وأن عليه هو أن يعلمنا ، وأخذت أوجه له العديد من الأسئلة حول ما علمناه إياه في القسم ، وإن كان سمع به من قبل ، وكاد يذوب خجلا ، وحين غادر عمل على حذف ما كتب.
عندما سجل هذا الطالب ، وهو من الطلاب الممتازين عموما ، رسالة الماجستير مع أستاذ اختاره ، لم يتفق مع أستاذه الذي تبناه ، وصار في حيص بيص بخصوص الموضوع الذي سيكتب رسالته فيه . ماذا سيفعل؟
لم أكن أعرف المآل الذي آل إليه مع أستاذه ، حين اتصل بي ، وكنت أنهيت عملي في الجامعة ، يسألني عن روايات وظف كتابها فيها الموروث ، وكنت يوم درسته في الماجستير درسته رواية يحضر فيها الموروث.
لقد اختار الطالب موضوعا جديدا صلته به قليلة مع مشرف لا صلة له بالموضوع ، وبالتالي توجه إلي يسألني ، فاقترحت عليه كاتبة محددة حضر الموروث في رواياتها.
لم يخبرني الطالب أنه سأل عن الروايات ليسجل رسالة ماجستير في الموضوع ، وقد عرفت لاحقا بالأمر ، وعندما التقيت به في السوق ابتسمت وسألته :
- حقا أما زلت عند رأيك بأن العلم لا يؤخذ من الأساتذة؟
كنت من قبل أتيت على فكرة موضوعات رسائل الماجستير واختيارها ودور الطلاب في الاختيار .
الآن أتساءل من جديد :
- كيف ستحل مشكلة كتابة رسائل الدكتوراه في قسم أكثر أعضاء هيئته التدريسية غير مؤهلين لتدريس الدكتوراه والإشراف على رسائل دكتوراه ، قسم قبل للبرنامج ٢٨ طالبا والعدد في ازدياد؟
إن قصة هذا الطالب قصة ربما لا تعرفها إدارة الجامعة ، أو ربما لا تعرفها الفصائل السياسية الفلسطينية التي أحيانا تروج أن بعض الطلاب الذين ينتمون إليها كتبوا لأساتذتهم أبحاثهم ، ومرة كتبت أن من يكتب لي أبحاثي هو أنثى ، فأخذ المجتمع كله يبحث عنها ، وأنهيت عملي في الجامعة دون أن يعرفوا من هي . أحيانا يكون الغباء عاما طاما .
أتمنى أن أكون مخطئا!!