الأستاذ الدكتور محمد محمد حسين (1912 ـ 1982) في رأيي المتواضع ناقد عظيم، وواحد من أهم أساتذة الأدب العربي، وهو أقرب أساتذة الأدب العربي ومؤرخيه إلى التوجه السلفي السائد في السعودية، والمعاهد العلمية القليلة المرتبطة بها، وهو في الوقت ذاته أكثر أساتذة الأدب العربي وتاريخها عداء للتوجهات الإصلاحية المنسوبة إلى مدرسة الشيخ محمد عبده، وأستاذه الأفغاني وتلميذه سعد زغلول، وهو أيضا من فُهم أو استوعب على أنه سريع النقد والانتقاد لتوجهاتهم الفكرية، ونظرا لأنه أستاذ هادئ وغير خطابي فيما يقدمه من رؤى فإن نسبة الاقتناع بآرائه لا تزال تتعدى حدود الصواب في هذه الآراء، حتى تكاد تكون بمثابة مذهب نقدي سلفي لا علاقة له بالحركة الأدبية من قريب أو بعيد إلا من حيث الظن بأنها حركة غريبة وغربية وليست وافدة فحسب.
ومع كل الاحترام والتقدير لآرائه فإنها تمثل خطورة شديدة على الوعي العلمي الذي لا يعرف هذه المسلمات التي يخلقها أستاذنا الدكتور محمد محمد حسين من الفرضيات، ثم يبنى عليها مسلمات أخرى وتكون النتيجة حالة من القطع التام مع آداب متعددة تقبلها العقل الإسلامي بل وصفها ووضعها ووظفها على مدى القرون الماضية. ومن العجيب الذي لا أراه عجيبا وإنما أراه أمرا طبيعيا أن هذا الأستاذ لم يمر في تعليمه الأكاديمي بالأزهر ولا المعاهد التي كانت ذات علاقه بالأزهر (كدار العلوم ومدرسه القضاء الشرعي) ولو أنه مر بها لنمت في مهاراته النقدية والتاريخية حاسة تقبُل الاختلاف وفهم التعدد واستيعاب الآخر لكنه كان خريجا تقليديا بالآداب التي قد يبدأ الطالب فيها دراسة الآداب العربية من نقطة بعيدة تمما عن البدايات الآمنة والراسخة مع مناهج الجاهليين والعباسيين والشعراء والنحاة والشواهد النحوية والمتون والشرح والحواشي والتعليقات، كذلك فإن هذا الأستاذ العظيم لم يتعرض للصدمات الحضارية التي يمر بها طُلاب البعثات العلمية فتجعل إيمانهم بالحق قائما على الصراع الذي ينتصرون فيه، وتجعل إيمانهم بالعلم حاويا في الوقت ذاته إيمانا بالمدراس العلمية وتعددها واختلافها.
"الإسلام والحضارة الغربية" وهو الكتاب الرائد للمفكرين السعوديين الذي حاولوا الكتابة في تاريخ الحضارة والواقع المعاصر ومنهم الأستاذ سفر الحوالي الذي وضع كتابا بعنوان مقارب لهذا العنوان
ولد الدكتور محمد محمد حسين في سوهاج 1912 وتلقي تعليمه كله في سوهاج ما عدا السنة الأولى الثانوية التي قضاها في أسيوط عاصمة الصعيد، وتخرج في دفعة 1937 من كلية الادب جامعة القاهرة وهي من دفعات ذلك الجيل الذي ضم عددا من أساتذة الأدب العربي المشاهير فالدكتور شوقي ضيف تخرج قبله بعامين 1935 والدكتور محمد طه الحاجري 1936 أما الدكتوران عبد القادر القط وعبد العزيز الأهواني فتخرجا بعده بعام 1938، وتخرجت الدكتورة عائشة عبد الرحمن بعده بعامين 1939 وتخرج الدكتوران عبد الحميد يونس وشكري عياد بعده بثلاث أعوام 1940.
لم يكن نظام المعيدين في ذلك الوقت مطبقا على صعيد واسع لكنه كان من باب الطرافة أول معيد يعين في نفس سنة تخرجه وفيما قبل هذا كان الأساتذة يخلقون لتلاميذهم النجباء من أمثاله وظائف موازية كوظائف المعيدين، وهكذا فإنهم بعد تعيينه معيدا في الكلية انتدبوه للتدريس في فرع كلية الآداب في الإسكندرية قبل تأسيس الجامعة فلما تأسست الجامعة كجامعة سنة 1942 (في عهد وزارة الوفد) نقل إليها وتدرج في وظائفها حتى نال درجة الأستاذية 1954 بمعدل متميز. وفي أثناء عمل الدكتور محمد محمد حسين في جامعة الإسكندرية شارك في تأسيس جامعة بيروت العربية ثم إنتقل إليها بعد تقاعده ببلوغه الستين 1972. ثم انتقل إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1976 حيث أصبح بمثابة أستاذ الأدب العربي المتوافق مع المدرسة العلمية السعودية على نحو ما هو معروف، وقد اعتبره أعضاء هذه المدرسة محاربا للحركات الهدامة في العصر الحديث ومقاوما لكل ما تقبله المجتمع الغربي أو البريطاني من عقلية الإسلام.
أشهر كتبه هو "الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر" (في جزأين)، وقد اعتبره أنصار المدرسة السلفية مصدرا للتأريخ لمصر في ذلك العهد متجاوزين عن كل التفصيلات التي تضئ التاريخ ومواقفه، منحصرين برؤيته في زاوية ضيقة لا ينقصها الصواب لكنها تفتقد إلى القدرة على دراسة التاريخ السياسي والاجتماعي وفهمهما. ويرتبط بهذا الكتاب كتابان أولهما يتضمن ما أدلى به من أحاديث إذاعية في إذاعة الرياض وقد ضمن هذه الأحاديث الثلاثية كتابه "أزمة العصر"، أما كتابه الثاني "حصوننا مهددة من الداخل" فيضم مجموعة مقالات شهرية نشرها في مجلة الأزهر وجمعها في هذا الكتاب.
ويتصل بهذه الكتب الثلاثة كتابه الرابع "الإسلام والحضارة الغربية" وهو الكتاب الرائد للمفكرين السعوديين الذي حاولوا الكتابة في تاريخ الحضارة والواقع المعاصر ومنهم الأستاذ سفر الحوالي الذي وضع كتابا بعنوان مقارب لهذا العنوان. ويتكامل مع هذه الكتب أيضا كتابه "الروحية الحديثة دعوة هدامة" وهو في الأصل محاضرة ألقاها في جمعية الشبان المسلمين في الإسكندرية. بالإضافة إلى هذه الكتب الأربع التي تتماس بدراسة الأدب مع السياسة فإن للدكتور محمد محمد حسين كتبا أكاديمية مهمة:
– الهجاء والهجاؤون في صدر الإسلام
– الهجاء والهجاؤون في الجاهلية
– أساليب الصناعة في شعر الخمر والأسفار
– المتنبي والقرامطة
– مقالات في الأدب والقصة
حقق الدكتور محمد محمد حسين ديوان الأعشى الكبير وساعده في تحقيقه الأستاذ محمد شوقي أمين، وقد كان بحثه للماجستير عن الأعشى صناجة العرب في ميدان الإبداع ألف الدكتور محمد محمد حسين رواية "الدموع". كتب الدكتور إبراهيم عوضين عنه دراسة بعنوان: "موقف الدكتور محمد محمد حسين من الحركات الهدامة" كما أنجز عليان الحازمي رسالة ماجستير في جامعة الإمام بعنوان "محمد محمد حسين: حياته وآثاره الفكرية والأدبية" (1987) وأنجز محمد عبد الحميد خليفة رسالة ماجستير في قسم اللغة العربية بآداب الإسكندرية بعنوان "دراسة النص الأدبي عند محمد محمد حسين" (1994).
د. محمد الجوادي
ومع كل الاحترام والتقدير لآرائه فإنها تمثل خطورة شديدة على الوعي العلمي الذي لا يعرف هذه المسلمات التي يخلقها أستاذنا الدكتور محمد محمد حسين من الفرضيات، ثم يبنى عليها مسلمات أخرى وتكون النتيجة حالة من القطع التام مع آداب متعددة تقبلها العقل الإسلامي بل وصفها ووضعها ووظفها على مدى القرون الماضية. ومن العجيب الذي لا أراه عجيبا وإنما أراه أمرا طبيعيا أن هذا الأستاذ لم يمر في تعليمه الأكاديمي بالأزهر ولا المعاهد التي كانت ذات علاقه بالأزهر (كدار العلوم ومدرسه القضاء الشرعي) ولو أنه مر بها لنمت في مهاراته النقدية والتاريخية حاسة تقبُل الاختلاف وفهم التعدد واستيعاب الآخر لكنه كان خريجا تقليديا بالآداب التي قد يبدأ الطالب فيها دراسة الآداب العربية من نقطة بعيدة تمما عن البدايات الآمنة والراسخة مع مناهج الجاهليين والعباسيين والشعراء والنحاة والشواهد النحوية والمتون والشرح والحواشي والتعليقات، كذلك فإن هذا الأستاذ العظيم لم يتعرض للصدمات الحضارية التي يمر بها طُلاب البعثات العلمية فتجعل إيمانهم بالحق قائما على الصراع الذي ينتصرون فيه، وتجعل إيمانهم بالعلم حاويا في الوقت ذاته إيمانا بالمدراس العلمية وتعددها واختلافها.
"الإسلام والحضارة الغربية" وهو الكتاب الرائد للمفكرين السعوديين الذي حاولوا الكتابة في تاريخ الحضارة والواقع المعاصر ومنهم الأستاذ سفر الحوالي الذي وضع كتابا بعنوان مقارب لهذا العنوان
ولد الدكتور محمد محمد حسين في سوهاج 1912 وتلقي تعليمه كله في سوهاج ما عدا السنة الأولى الثانوية التي قضاها في أسيوط عاصمة الصعيد، وتخرج في دفعة 1937 من كلية الادب جامعة القاهرة وهي من دفعات ذلك الجيل الذي ضم عددا من أساتذة الأدب العربي المشاهير فالدكتور شوقي ضيف تخرج قبله بعامين 1935 والدكتور محمد طه الحاجري 1936 أما الدكتوران عبد القادر القط وعبد العزيز الأهواني فتخرجا بعده بعام 1938، وتخرجت الدكتورة عائشة عبد الرحمن بعده بعامين 1939 وتخرج الدكتوران عبد الحميد يونس وشكري عياد بعده بثلاث أعوام 1940.
لم يكن نظام المعيدين في ذلك الوقت مطبقا على صعيد واسع لكنه كان من باب الطرافة أول معيد يعين في نفس سنة تخرجه وفيما قبل هذا كان الأساتذة يخلقون لتلاميذهم النجباء من أمثاله وظائف موازية كوظائف المعيدين، وهكذا فإنهم بعد تعيينه معيدا في الكلية انتدبوه للتدريس في فرع كلية الآداب في الإسكندرية قبل تأسيس الجامعة فلما تأسست الجامعة كجامعة سنة 1942 (في عهد وزارة الوفد) نقل إليها وتدرج في وظائفها حتى نال درجة الأستاذية 1954 بمعدل متميز. وفي أثناء عمل الدكتور محمد محمد حسين في جامعة الإسكندرية شارك في تأسيس جامعة بيروت العربية ثم إنتقل إليها بعد تقاعده ببلوغه الستين 1972. ثم انتقل إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1976 حيث أصبح بمثابة أستاذ الأدب العربي المتوافق مع المدرسة العلمية السعودية على نحو ما هو معروف، وقد اعتبره أعضاء هذه المدرسة محاربا للحركات الهدامة في العصر الحديث ومقاوما لكل ما تقبله المجتمع الغربي أو البريطاني من عقلية الإسلام.
أشهر كتبه هو "الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر" (في جزأين)، وقد اعتبره أنصار المدرسة السلفية مصدرا للتأريخ لمصر في ذلك العهد متجاوزين عن كل التفصيلات التي تضئ التاريخ ومواقفه، منحصرين برؤيته في زاوية ضيقة لا ينقصها الصواب لكنها تفتقد إلى القدرة على دراسة التاريخ السياسي والاجتماعي وفهمهما. ويرتبط بهذا الكتاب كتابان أولهما يتضمن ما أدلى به من أحاديث إذاعية في إذاعة الرياض وقد ضمن هذه الأحاديث الثلاثية كتابه "أزمة العصر"، أما كتابه الثاني "حصوننا مهددة من الداخل" فيضم مجموعة مقالات شهرية نشرها في مجلة الأزهر وجمعها في هذا الكتاب.
ويتصل بهذه الكتب الثلاثة كتابه الرابع "الإسلام والحضارة الغربية" وهو الكتاب الرائد للمفكرين السعوديين الذي حاولوا الكتابة في تاريخ الحضارة والواقع المعاصر ومنهم الأستاذ سفر الحوالي الذي وضع كتابا بعنوان مقارب لهذا العنوان. ويتكامل مع هذه الكتب أيضا كتابه "الروحية الحديثة دعوة هدامة" وهو في الأصل محاضرة ألقاها في جمعية الشبان المسلمين في الإسكندرية. بالإضافة إلى هذه الكتب الأربع التي تتماس بدراسة الأدب مع السياسة فإن للدكتور محمد محمد حسين كتبا أكاديمية مهمة:
– الهجاء والهجاؤون في صدر الإسلام
– الهجاء والهجاؤون في الجاهلية
– أساليب الصناعة في شعر الخمر والأسفار
– المتنبي والقرامطة
– مقالات في الأدب والقصة
حقق الدكتور محمد محمد حسين ديوان الأعشى الكبير وساعده في تحقيقه الأستاذ محمد شوقي أمين، وقد كان بحثه للماجستير عن الأعشى صناجة العرب في ميدان الإبداع ألف الدكتور محمد محمد حسين رواية "الدموع". كتب الدكتور إبراهيم عوضين عنه دراسة بعنوان: "موقف الدكتور محمد محمد حسين من الحركات الهدامة" كما أنجز عليان الحازمي رسالة ماجستير في جامعة الإمام بعنوان "محمد محمد حسين: حياته وآثاره الفكرية والأدبية" (1987) وأنجز محمد عبد الحميد خليفة رسالة ماجستير في قسم اللغة العربية بآداب الإسكندرية بعنوان "دراسة النص الأدبي عند محمد محمد حسين" (1994).
د. محمد الجوادي