يبعثرُ الرَّملَ البحري بمقدمة حذائه، يشعر بغبطة طفل وهو يفعل ذلك أثناء سيره على شاطئ ساحل أبيض. سينسى الآن مشهد الدماء التي نضحت من صدر غريمه قبل أيام، لذلك سار متأملاً السماء متشمماً رائحة السمك في الهواء.
- والآن..
يقول لنفسه بعد شهيق وزفير عميق، وكأنما خلا عقله من ذلك الإزدحام الذي كان يشغله دائماً، هناك فراغ عريض مبثوث في وعيه الزماني..
- ماذا سأفعل؟
رأى ركاماً من الأخشاب على حرف الشاطئ، وقد تبعثرت على المساحة الرملية الأخرى بقايا الأخشاب بقوة التيارات المائية والهوائية، فوقف وتأملها، كان هناك القليل من الطحالب والأعشاب الصفراء قد نمت بين فجوات الحطام. أدرك أنه حطام قديم، ربما لمركب متوسط الحجم، ولكن أخشابه لم تكن متينة كأخشاب المراكب. انحنى والتقط خشبة، ولسبب غير معلوم لديه، قربها من أنفه وتشممها، فلم يشتم سوى رائحة الخشب الرطب المعهودة. وكما كان يبعثر الرمال، فقد ركل الأكوام الخشبية، ركلتين أو ثلاث، فتباعدت ورأى الأرض تحتها رطبة وتعج بالحشرات الدقيقة.
- أي نوع من الحشرات هذا؟
جلس على أمشاط قدميه، وأخذ يعبث بخشبة في ملاذ الحشرات، التي فزعت من الضوء أولاً، ومن حركات الخشبة ثانياً ففرت وتشتت في كل اتجاه.
تأمل الأخشاب، ولم يستطع تمييزها هندسياً، فهي متشابهة، ذات الطول والسمت.
- كيف تكون بقايا مركب إذاً؟
نهض وقد تعرق جبينه، متأملاً مساحة الرمل التي يتوزع عليها الحطام...لم يكن من شيء، شاطئ أبيض، وبعض المستطيلات الخشبية الرفيعة هنا وهناك.
سيعود غداً لهذا المكان، أما الآن فقد دار على عقبيه ليعود أدراجه، ماشياً ببطء، وهو يركل الرمل بمقدمة حذائه.
...
كان وجه غريمه فزعاً، حين رآه يشهر مسدسه. كان الزقاق ضيقاً، ورمادياً، رفع غريمه يديه بسرعة، معلناً استسلامه، لكنه لم يأبه. الرصاصات الثلاث أحدثت ثقباً واحداً فقط. لقد كانت يده قوية الزند والقبضة، لذلك لم يهتز المسدس الصغير إلا بضعف متساوٍ.
ارتمت الجثة عند زاوية مقلب نفايات حديدي قديم وسكنت هناك بوجه مضحك.
أدخل مسدسه في جيب بنطلونه، وبهدوء تأمل الشارع الرئيسي، حيث لا أحد.فخرج وسار على جانبه وهو ينكش التراب بمقدمة حذائه.
...
- لقد خرج في هذه الساعة بالضبط.
كانت الكاميرات تنقل صورته لرجال الشرطة وهو يمشي حتى سيارته، ثم يدير محركها ويبتعد، فتتابع الصور في الشاشات بتتابع حركة سيارته حتى منزله.
- لماذا هذه التقنية مخصصة لجهاز الأمن فقط؟
سأل الضابط الشرطي نفسه بغيرة، ثم جمع فريقه وخرج. وفي السيارة صرح بحديثه إليهم. لكنهم جفلوا من التعليق، فأدرك أنهم جبناء.
- المهم أننا عرفنا القاتل.
همس بيأس.
...
واقف أمام الأنقاض الخشبية، لكنه لاحظ أن هناك قسماً منها قد جرفه المدُّ إلى مقدمة الماء فأخذ يسبح بتؤدة جيئة وذهاباً.
أخذ مجموعة من الخشب وأعاد رصها على الشاطئ فصنع منها حدوداً لمستطيل بطول ثلاثة أمتار وعرض مترين، ثم أخذ يراكم الأخشاب فوق بعضها. لقد بذل جهداً مقدراً لخلق شيء من اللا شيء. وحين ارتفعت الجدران الخشبية حتى مستوى رأسه، تذكر أنه لم يترك مساحة للدخول، فعاد وأزال الحائط المطل على الشاطئ، ثم أعاد بناءه بفراغ مستطيل في المنتصف. بعدها، أخذ يشبك الأخشاب على السقف. ثم وقف داخل عريشته الظليلة، متأملاً من باب العريشة، فرأى قطاعاً من الشاطئ، والمياه تتلألأ في صمت، وتتحرك مداً وجزراً.
خرج، وتأمل العريشة لبرهة، كانت جيدة إلى حد كبير. أخذ نفساً عميقاً، ثم تركها، وغادر مبتعداً بغير إكتراث فلم يلتفت إليها حين جذب المد قاعدتها الخشبية من أسفل، فانهارت متهاوية كما تهاوى حبل المشنقة بجثته بعد ذاك.
- والآن..
يقول لنفسه بعد شهيق وزفير عميق، وكأنما خلا عقله من ذلك الإزدحام الذي كان يشغله دائماً، هناك فراغ عريض مبثوث في وعيه الزماني..
- ماذا سأفعل؟
رأى ركاماً من الأخشاب على حرف الشاطئ، وقد تبعثرت على المساحة الرملية الأخرى بقايا الأخشاب بقوة التيارات المائية والهوائية، فوقف وتأملها، كان هناك القليل من الطحالب والأعشاب الصفراء قد نمت بين فجوات الحطام. أدرك أنه حطام قديم، ربما لمركب متوسط الحجم، ولكن أخشابه لم تكن متينة كأخشاب المراكب. انحنى والتقط خشبة، ولسبب غير معلوم لديه، قربها من أنفه وتشممها، فلم يشتم سوى رائحة الخشب الرطب المعهودة. وكما كان يبعثر الرمال، فقد ركل الأكوام الخشبية، ركلتين أو ثلاث، فتباعدت ورأى الأرض تحتها رطبة وتعج بالحشرات الدقيقة.
- أي نوع من الحشرات هذا؟
جلس على أمشاط قدميه، وأخذ يعبث بخشبة في ملاذ الحشرات، التي فزعت من الضوء أولاً، ومن حركات الخشبة ثانياً ففرت وتشتت في كل اتجاه.
تأمل الأخشاب، ولم يستطع تمييزها هندسياً، فهي متشابهة، ذات الطول والسمت.
- كيف تكون بقايا مركب إذاً؟
نهض وقد تعرق جبينه، متأملاً مساحة الرمل التي يتوزع عليها الحطام...لم يكن من شيء، شاطئ أبيض، وبعض المستطيلات الخشبية الرفيعة هنا وهناك.
سيعود غداً لهذا المكان، أما الآن فقد دار على عقبيه ليعود أدراجه، ماشياً ببطء، وهو يركل الرمل بمقدمة حذائه.
...
كان وجه غريمه فزعاً، حين رآه يشهر مسدسه. كان الزقاق ضيقاً، ورمادياً، رفع غريمه يديه بسرعة، معلناً استسلامه، لكنه لم يأبه. الرصاصات الثلاث أحدثت ثقباً واحداً فقط. لقد كانت يده قوية الزند والقبضة، لذلك لم يهتز المسدس الصغير إلا بضعف متساوٍ.
ارتمت الجثة عند زاوية مقلب نفايات حديدي قديم وسكنت هناك بوجه مضحك.
أدخل مسدسه في جيب بنطلونه، وبهدوء تأمل الشارع الرئيسي، حيث لا أحد.فخرج وسار على جانبه وهو ينكش التراب بمقدمة حذائه.
...
- لقد خرج في هذه الساعة بالضبط.
كانت الكاميرات تنقل صورته لرجال الشرطة وهو يمشي حتى سيارته، ثم يدير محركها ويبتعد، فتتابع الصور في الشاشات بتتابع حركة سيارته حتى منزله.
- لماذا هذه التقنية مخصصة لجهاز الأمن فقط؟
سأل الضابط الشرطي نفسه بغيرة، ثم جمع فريقه وخرج. وفي السيارة صرح بحديثه إليهم. لكنهم جفلوا من التعليق، فأدرك أنهم جبناء.
- المهم أننا عرفنا القاتل.
همس بيأس.
...
واقف أمام الأنقاض الخشبية، لكنه لاحظ أن هناك قسماً منها قد جرفه المدُّ إلى مقدمة الماء فأخذ يسبح بتؤدة جيئة وذهاباً.
أخذ مجموعة من الخشب وأعاد رصها على الشاطئ فصنع منها حدوداً لمستطيل بطول ثلاثة أمتار وعرض مترين، ثم أخذ يراكم الأخشاب فوق بعضها. لقد بذل جهداً مقدراً لخلق شيء من اللا شيء. وحين ارتفعت الجدران الخشبية حتى مستوى رأسه، تذكر أنه لم يترك مساحة للدخول، فعاد وأزال الحائط المطل على الشاطئ، ثم أعاد بناءه بفراغ مستطيل في المنتصف. بعدها، أخذ يشبك الأخشاب على السقف. ثم وقف داخل عريشته الظليلة، متأملاً من باب العريشة، فرأى قطاعاً من الشاطئ، والمياه تتلألأ في صمت، وتتحرك مداً وجزراً.
خرج، وتأمل العريشة لبرهة، كانت جيدة إلى حد كبير. أخذ نفساً عميقاً، ثم تركها، وغادر مبتعداً بغير إكتراث فلم يلتفت إليها حين جذب المد قاعدتها الخشبية من أسفل، فانهارت متهاوية كما تهاوى حبل المشنقة بجثته بعد ذاك.