أتعبني هذا الغلام، أطلب منه أن يأتيني بقلم، فيحضر لي كتاباً، مشتت الفكر، لا ينتبه إلا لمشاغله وألعابه، في العاشرة من عمره، أصيح به وآمره بإيقاف عبثه، أنا أسميه عبثاً، اما هو فيصر على أنه يتمرن على رمي كرة القدم أو صدها، تعلو طبطبات الكرة على الكرة الأرضية، أهتزّ أنا وكرسي البلاستك القديم، حتى حديقتي الصغيرة التي أجلس قرب طرفها تقشعر، أشعر أنها قلقة، ولولا وجودي وخشيته من صياحي أو من عقاب لتحرر في لعبه، ولتمردت الكرة وداست أشجار الفواكه التي ما زالت غضة، وفسلات الخضار التي زرعتها قبل أقل من أسبوع.
انتظرت طويلاً قدوم نيسان، ومثلي يملّ شهورالشتاء الطويلة في أمريكا، ما إن بدأ أبريل حتى زرعت الوجبة الأولى من البنادورى والخيار والكوسا، في اليوم الثالث كانت أثراً بعد عين، جمدتها موجة باردة قاسية فقضت عليها، فاضطررت للذهاب لسوق بعيد لشراء دفعة جديدة، وحتى أشغله عن شقاوته أطلب من الغلام أن يأتيني بكتاب أقرؤه، مع انني أستمتع بمشاهدة عشرات النسور المدينية سوداء اللون، أكبر من الصقر، وأصغر من النسر، لكنها آكلة لحوم، تحوم على ارتفاعات منخفضة، تبحث عن صيد أو جيفة، لكنها بدأت تحط رحالها على برج المياه بجانب بيتنا، عوضها هذا البرج الشامخ عن الجبال والمرتفعات، يعانق السماء ويخزن لنا الماء، لكل مدينتنا الصغيرة، هادئة وأهلها مسالمون، ما زال العفريت ينقر الكرة والأرض تهتز تحتي ومن حولي، أشفق على اليابانيين من زلزالهم الأخير قبل أقل من شهر، أتخيلهم والأرض تهتز بهم، شتتهم ودمر وهدم وأفاض البحر، فمن موجة واحدة كانت المدينة كلها بمن فيها جزءا من المحيط غير الهادي ذاك اليوم، غرقت السيارات والطائرات والبيوت والحيوانات والبشر، ومن نجا فبأعجوبة أو ضربة حظ، ألا تهدأ قليلاً يا بني، ألا تبتعد عني؟ لكنه يضحك ويزداد مشاكسة واقتراباً، وبحكم الخبرة والعمر أفهم أن الطفل يزداد حماساً وجرأة في حضرة والده، أسمع نفسي قائلاً له: هلا ذهبت لإحضار الماء لي؟ لا أدري هل سمع مقولتي أم طنشني، وحين ناديته باسمه ضم أصابع يده اليمنى وهزها، يطلب مني أن اتعلم الصبر، ناديته باسمه للمرة الثانية بشيء من حدة، أوقف رفسه للكرة، يحملها معه يحتضنها وهو يبتعد، هل سمع ما طلبت منه في البداية يا ترى؟ أم سيغيب بلا عودة؟ ألا يخشى العقاب؟ ولو مجرد الإمساك بأذنه على طريقة الأجداد، لم أعد أجرؤ عليها هنا في أمريكا، معلموه ومدرسته يطلبون منه إبلاغهم إن شدد عليه أهله بأي عقاب جسدي أو نفسي أو حرمان، نحتار كيف نربي أبناءنا، حين أتذكر طفولتي أضحك حتى البكاء، الضرب والحرمان كانا أهم الوسائل لتربيتنا وتعليمنا الصواب من الخطأ، تجنبنا الكثير من الأهوال والأخطاء والمصائب، لاذكاء ولا حرصاً، وإنما خوفاً من عقاب الأهل، حتى دون فهم الأسباب والنتائج.
بدأت تتكاثر الغيوم وتتجمع في السماء فوق رؤوسنا، ونسمات هواء باردة تهب من الغرب تارة، ومن الشمال تارة أخرى، لكنني لم أشعر بالبرودة بعد، ارتديت معطفاً خفيفاً قبل اتخاذي قرار الجلوس في حديقة منزلي، ولكن ما إن قاربت الساعة على السادسة مساء حتى اختفى قرص الشمس بعد أن هبطت كثيراً من عليائها، قبل موعد الغروب بساعتين ، أخفتها أشجار نورث كارولاينا العالية الغزيرة، ، يعود الولد ومعه الماء في القارورة الزرقاء، إنها إنائي المفضل للشرب منه، حتى لا يستعمله أحد سواي، يقول الصبي، لا تنس موعد الطبيب غداً يا والدي، لقد أجبت الهاتف قبل قليل، أرادوا أن يذكروك بالموعد المقرر في الغد، يزداد الجو رطوبة مع تواصل الزلزلة على الأرض، أهدد الولد لكي يحرص على ان لا تتجه الكرة لأشجار حديقتي، قطرات من الماء خفيفة تضايقني، بل أحسها تنقر جلدة رأسي خفيف الشعر، تتسارع قطرات الماء وتتكاثر، لم أعد أحتمل الجلوس قرب أشجاري، يهطل المطر وأسرع للنجاة بملابسي وأفارق حديقتي رغماً عني، لكنني دخلت المنزل وملابسي مبتلة، تتنطع زوجتي لي، وتصرّ على أن أخلعها عند الباب.
رالي في 12/4/2011
انتظرت طويلاً قدوم نيسان، ومثلي يملّ شهورالشتاء الطويلة في أمريكا، ما إن بدأ أبريل حتى زرعت الوجبة الأولى من البنادورى والخيار والكوسا، في اليوم الثالث كانت أثراً بعد عين، جمدتها موجة باردة قاسية فقضت عليها، فاضطررت للذهاب لسوق بعيد لشراء دفعة جديدة، وحتى أشغله عن شقاوته أطلب من الغلام أن يأتيني بكتاب أقرؤه، مع انني أستمتع بمشاهدة عشرات النسور المدينية سوداء اللون، أكبر من الصقر، وأصغر من النسر، لكنها آكلة لحوم، تحوم على ارتفاعات منخفضة، تبحث عن صيد أو جيفة، لكنها بدأت تحط رحالها على برج المياه بجانب بيتنا، عوضها هذا البرج الشامخ عن الجبال والمرتفعات، يعانق السماء ويخزن لنا الماء، لكل مدينتنا الصغيرة، هادئة وأهلها مسالمون، ما زال العفريت ينقر الكرة والأرض تهتز تحتي ومن حولي، أشفق على اليابانيين من زلزالهم الأخير قبل أقل من شهر، أتخيلهم والأرض تهتز بهم، شتتهم ودمر وهدم وأفاض البحر، فمن موجة واحدة كانت المدينة كلها بمن فيها جزءا من المحيط غير الهادي ذاك اليوم، غرقت السيارات والطائرات والبيوت والحيوانات والبشر، ومن نجا فبأعجوبة أو ضربة حظ، ألا تهدأ قليلاً يا بني، ألا تبتعد عني؟ لكنه يضحك ويزداد مشاكسة واقتراباً، وبحكم الخبرة والعمر أفهم أن الطفل يزداد حماساً وجرأة في حضرة والده، أسمع نفسي قائلاً له: هلا ذهبت لإحضار الماء لي؟ لا أدري هل سمع مقولتي أم طنشني، وحين ناديته باسمه ضم أصابع يده اليمنى وهزها، يطلب مني أن اتعلم الصبر، ناديته باسمه للمرة الثانية بشيء من حدة، أوقف رفسه للكرة، يحملها معه يحتضنها وهو يبتعد، هل سمع ما طلبت منه في البداية يا ترى؟ أم سيغيب بلا عودة؟ ألا يخشى العقاب؟ ولو مجرد الإمساك بأذنه على طريقة الأجداد، لم أعد أجرؤ عليها هنا في أمريكا، معلموه ومدرسته يطلبون منه إبلاغهم إن شدد عليه أهله بأي عقاب جسدي أو نفسي أو حرمان، نحتار كيف نربي أبناءنا، حين أتذكر طفولتي أضحك حتى البكاء، الضرب والحرمان كانا أهم الوسائل لتربيتنا وتعليمنا الصواب من الخطأ، تجنبنا الكثير من الأهوال والأخطاء والمصائب، لاذكاء ولا حرصاً، وإنما خوفاً من عقاب الأهل، حتى دون فهم الأسباب والنتائج.
بدأت تتكاثر الغيوم وتتجمع في السماء فوق رؤوسنا، ونسمات هواء باردة تهب من الغرب تارة، ومن الشمال تارة أخرى، لكنني لم أشعر بالبرودة بعد، ارتديت معطفاً خفيفاً قبل اتخاذي قرار الجلوس في حديقة منزلي، ولكن ما إن قاربت الساعة على السادسة مساء حتى اختفى قرص الشمس بعد أن هبطت كثيراً من عليائها، قبل موعد الغروب بساعتين ، أخفتها أشجار نورث كارولاينا العالية الغزيرة، ، يعود الولد ومعه الماء في القارورة الزرقاء، إنها إنائي المفضل للشرب منه، حتى لا يستعمله أحد سواي، يقول الصبي، لا تنس موعد الطبيب غداً يا والدي، لقد أجبت الهاتف قبل قليل، أرادوا أن يذكروك بالموعد المقرر في الغد، يزداد الجو رطوبة مع تواصل الزلزلة على الأرض، أهدد الولد لكي يحرص على ان لا تتجه الكرة لأشجار حديقتي، قطرات من الماء خفيفة تضايقني، بل أحسها تنقر جلدة رأسي خفيف الشعر، تتسارع قطرات الماء وتتكاثر، لم أعد أحتمل الجلوس قرب أشجاري، يهطل المطر وأسرع للنجاة بملابسي وأفارق حديقتي رغماً عني، لكنني دخلت المنزل وملابسي مبتلة، تتنطع زوجتي لي، وتصرّ على أن أخلعها عند الباب.
رالي في 12/4/2011