عبد الواحد السُّوَيِّح - شجرةُ دفلى تنبتُ في فمي.. شعر

لم يبق لي غير التّراب آكلُه
بحثتُ عن نوع جيٓد لا يُنبت الأشواك
لا يحتاج كثيرا إلى الماء
لا يُؤلم جذورَ الوردة
بحثتُ عن ذاك التٓراب في كلٓ مكان دون جدوى
بحثتُ في جزر الواق واق في السٓماء السٓابعة في مخدع الشٓيطان دون جدوى
ليس لي واللٓهِ إلآ التٓراب الٓذي حولي
دفعتُ بكمشتين منه إلى حلقي واستلقيتُ على ظهري
آلمتْني قهقهاتُ الشٓمس وتجاهلُ السٓماء
كان المطرُ مقيٓدا بسلاسل حقدهما
ثمٓة بذرة ضائعةٌ على ما يبدو في ذلك التٓراب
لم يستغرق الأمر كثيرا حتى نبتتْ وخرجت من فمي
شجرةُ دفلى
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

* شجرة دفلى تنبت في فمي * لعبد الواحد أبو محمود السويح
ينطلق النص بمقدمة يعقد السويح معنا من خلالها اتفاقا قد يحرره من لومنا عليه عما سيصله من نتيجة سلبية كانت او ايجابية في رحلة بحث لا نعلمها الا اذا تتبعنا مسارها ، فيستعمل اداة الجزم " لم " في منحى توكيدي يتبرأ من خلاله من جميع آفاق انتظاراتنا لما تعودناه منه ، فإذا به يحيلنا ضمنيا على نص * معدة حزينة على مكتب * ، الذي اقرّ فيه بأنه " لا خيار لي الا ان آكل نفسي "، فانه هنا يقرّ لنا بأنه " لم يبق لي غير التراب آكله " بعد أن " انهيت رأسي و الايام تمر " ، و لكن السويح لم يهدأ باله فبدأ رحلة البحث و لكن هذه المرة " عن نوع جيد لا ينبت الأشواك " و " لا يحتاج كثيرا من الماء " لأن روحه المهترئة الباحثة دوما عن الخلاص اصبحت تقنع بالقليل من اجل البقاء فقط ، بل اصبحت تحفل بآلام غيرها و تبحث عن مساعدتها و حمايتها مما لحقها سابقا من الألم : " بحثت عن نوع جديد .... لا يؤلم جذور الوردة " .
السويح لا يكلّ و لا يملً في رحلته الوجودية عن منبت صاف طاهر يطهّر من خلاله ذاته المثخنة بجراح السنين ، فيؤكد عزمه على النجاح في ذلك من خلال تكرار فعل " بحثت " ( سطر 5 و 6 ) " في كل مكان " ، ليصاب و يصيبنا معه بخيبة امل اولى " دون جدوى" و ان كان بحثه في مناحٍ شتّى : " جزر الواق واق ، السماء السابعة ، مخدع الشيطان " .
انه الفشل و الاقرار بالهزيمة :" ليس لي و الله الا التراب الذي حولي " . و رغم هذا الاقرار الضمني بالفشل الا انه كان وفيا لصورته لدينا ، فلم يستسلم في فعل يذكرنا بسيزيف ، فاذا به يقول: " دفعت بكمشتين منه الى حلقي و استلقيت على ظهري " ، انه الاصرار و استراحة المحارب في آن . و لكنه سرعان ما ينهار متألما ممّا لقيه من سياق معرقل كان دائما ملازما له :" آلمتني قهقهات الشمس و تجاهل السماء " . هذه الشمس التي دائما ما كانت عند السويح معرقلة فيخاطبها : " دعيني ايتها الشمس / كنت شمسا عاهرة فقط تضاجعين الغيب ليلا و تفتحين ساقيك لكل معتوه ، اليوم انت قاتلة فقط " ( نص نلتقي صباحا ايتها الشمس ) . لتجتمع الشمس مع " تجاهل السماء " و " كان المطر مقيدا بسلاسل حقدهما " . هل هو اليأس يتسلل الى السويح و عزيمته التي عهدناها لا تفتر ؟!
في السطر 12 تظهر بارقة امل يراوح بين الثقة و الشك ، بين " ثمّة بذرة ضائعة " و التأكّد من وجودها و بين الشك في ذلك " على ما يبدو في ذلك التراب " . انها رحلة البحث في الوجود تتأرجح فيها النفس بين الموجود و المنشود ، انه التساؤل و الحيرة المتجددة و التي سرعان ما يبدّدها السويح من خلال اسلوب التوكيد القائم على الجزم ليكون الكلام عودا على بدء ، " لم يستغرق الامر كثيرا حتى نبتت و خرجت من فمي " ، انه مخاض ولادة جديدة انتظرناها معه و تشوقنا لرؤية نتيجتها فاذا هي " شجرة دفلى " ، هذه الشجرة المتميزة بظاهر جميل و لكن باطنها يتميز بسميّة شديدة قاتلة ( انظر خصائص شجرة الدفلى ) فإذا بها تخيب ظنّ انتظارات السويح و انتظاراتنا ، انها " الدنيا " التي يلاعبها عبد الواحد و تلاعبه في رحلة بحث عن كنه الوجود و الخلاص .
م أ مخلوف
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...