أقدم القائمون على جائزة نوبل على الكشف عن أسماء المرشحين للجائزة بعد مرور 50 عامًا على سنة الترشح للجائزة، ليصبح متاحًا للجميع التعرف على المرشحين لجائزة نوبل في كل الفروع من عام 1901 وحتى عام 1969، وكل عام يضاف مجموعة المرشحين من العام الجديد الذي يكون قد مرت عليه خمسون سنة.
وفرت القوائم معلومات جديدة هامة للغاية لفهم الجائزة التي ثار عنها كثير من اللغط في كل عام مع أي اختيار لها في أي فرع من فروعها، وخاصة السلام والأدب. وظهر ترشح عديد من الأدباء لعشرات المرات حتى أمهلم الزمان الوقت ليفوزوا بها قبل وفاتهم. لكن بعض الأدباء الآخرين لم ينجحوا في الفوز بالجائزة رغم عشرات الترشيحات، ومنهم الأديب والمفكر المصري طه حسين الذي تُظهر القوائم الخاصة بجائزة نوبل ترشحه لها أربع عشرة مرة من دون أن يفوز. هذه الترشيحات هي التي تمت حتى عام 1969، أي أن من المحتمل أنه رشح لها أيضًا في السنوات اللاحقة حتى وفاته عام 1973 لتتوقف الترشيحات وتنتهي فرصة الفوز بالجائزة.
لكن لماذا لم يفز طه حسين بالجائزة رغم تعدد مرات ترشحه؟ وكيف يتم الاختيار؟ ومن رشحه؟ ولأي سبب رشح؟ وهل هناك أسباب قاطعة لعدم فوزه بالجائزة أم أن هذا السر سيبقي سرًا للأبد؟
من طه حسين؟
ولد طه حسين في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1889 وأصيب بالعمى في عمر الثالثة، لكنه أكمل دراسته في الأزهر ثم التحق بالجامعة المصرية الأهلية فور افتتاحها عام 1908 وحصل على درجة الدكتوراه عام 1914 قبل أن يسافر لفرنسا ضمن بعثة مصرية ليكمل دراسته في مونبيليه، ثم باريس ليعود أستاذًا للتاريخ في الجامعة، ثم أستاذًا للغة العربية، قبل أن يصبح واحدًا من أشهر عمداء كلية الآداب ثم وزيرًا للمعارف.
قدم طه حسين خلال مسيرته الأدبية والفكرية أعمالًا كثيرة من أبرزها «في الأدب الجاهلي»، و«مستقبل الثقافة في مصر»، فضلًا عن سيرته الذاتية في ثلاثة أجزاء «الأيام».
الترشح الأول 1949 (لن يفوز أحد!)
رشّح المصري أحمد لطفي السيد، وهو واحد من أهم المفكرين المصريين والذي وصفه عباس العقاد بأنه «أرسطو العرب»، الدكتور طه حسين للفوز بجائزة نوبل للأدب. وكان لطفي السيد أحد المساندين لطه حسين في أزمته الشهيرة في الجامعة عندما استقال من منصبة كعميد لكلية الآداب بعد منح الدكتوراه الفخرية لمجموعة من الشخصيات المصرية التي كانت لها مواقف سياسية مثيرة للجدل، منهم عبدالعزيز فهمي، وعلي ماهر باشا، وتم حينها تحويل طه حسين للعمل في وزارة المعارف، لكنه رفض استلام وظيفته مما حدا بالحكومة المصرية لإحالته للتقاعد في سن 43 سنة.
لم يفُز طه حسين بالجائزة هذا العام الذي يعد واحدًا من أغرب الأعوام في تاريخ جائزة نوبل للأدب. ففي عام 1949، قررت اللجنة المسئولة عن تحديد الفائز تأجيل الجائزة عام كامل لعدم توافر الشروط المطلوبة في أي من المرشحين، ثم أُعلن فوز الروائي الأميركي ويليام فوكنر بالجائزة لاحقًا!
يقول الأستاذ محمد سلماوي إن الدكتور طه حسين كان أقرب المرشحين للفوز والتفوق على فوكنر، لكن الأزمة الحقيقية أن فوكنر لم يكن أصلًا واحدًا من المرشحين لنيل الجائزة، ويبدو أن اللجنة كانت تحاول تقديم الجائزة لفوكنر، فاضطرت لتأجيلها لعام آخر حتى يتم ترشيحه ومن ثم إعلان فوزه، أو أنها رفضت فوز طه حسين نفسه بعد علمها أو توقعها فوزه بالتصويت من قائمة المرشحين.
يعزو بعض النقّاد، ومنهم سلماوي، عدم فوز طه حسين عام 1949 إلى قيام دولة إسرائيل وشنها حرباً على الدول العربية قبل ذلك بعام واحد (1948)، واحتياجها لطمس الهوية العربية في العالم وعدم ذكرها. لكن ما من دليل لذلك التحليل.
المرشحون
يتناقض قرار اللجنة بتأجيل الجائزة لعدم وجود مرشح مناسب مع حقيقة أن مرشحين عديدين ممن رفضتهم اللجنة هذا العام عادوا ليفوزوا بالجائزة لاحقًا!
رشح الفرنسي ألبير كامى وفاز بالجائزة عام 1957
رشح الأمريكي جون شتاينبك وفاز بالجائزة عام 1962
رشح الإنجليزي وينستون تشرشيل (رئيس الوزراء البريطاني الشهير!) وفاز بالجائزة عام 1953
رشح السويدي بار لاغركفيست وفاز بالجائزة عام 1951
رشح الفرنسي فرنسوا مورياك وفاز بالجائزة عام 1952
إذًا فقرار اللجنة لا يبدو أنه كان فعلًا مدفوعًا بالتبرير الذي صرّحت به، فخمسة من المرشحين فازوا تباعًا بالجائزة، ثلاثة منهم في السنوات الأربع التالية، مما يعني صعوبة إنجازهم شيئًا ما يحولهم من مرشحين غير مطابقين للمواصفات لفائزين بالجائزة.
الشاهد الأساسي من قائمة المرشحين الخمسة هو وجود كثير ممن هم أقل قيمة من طه حسين ليس بشهادة المصريين أو العرب، ولكن بشهادة المثقفين الأوروبيين أو الأجانب أنفسهم، فهناك عبارة شهيرة عن فرانسوا مورياك، أنه لم يعد يقرأ بعد فوزه بالجائزة ولم يكن يقرأ أبدًا قبلها، ويعزو بعضهم فوزه بها لآرائه السياسية المناهضة للحرب والتعذيب خاصة الممارسات الفرنسية في فيتنام والجزائر، وإن كانت وجهة النظر تلك تتعارض مع الفوز الغريب جدًا لتشرشل رجل المستعمرات البريطانية الأول بجائزة الأدب رغم افتقاره لأي معيار يسمح له بالفوز بالجائزة.
يمكن أن نستنتج أن الترشح الأول لطه حسين وعدم فوزه بالجائزة جاء نتيجة تخبط ما في اللجنة التي ربما حاولت استبعاد طه حسين شخصيًا إن كانت تصريحات سلماوي سليمة، وربما أرادت لأسباب أخرى أن تعطي الجائزة لويليام فوكنر الذي يعتبر واحدًا من أهم الكتاب الأمريكيين.
الترشيح الثاني 1950
في العام التالي 1950، رشّح البروفيسور الفرنسي برنارد جويان الدكتور طه حسين للفوز بالجائزة، وعمل الفرنسي كأستاذ للأدب الفرنسي في جامعة مارسيليا، وكان أحد المهتمين بالمنجز العلمي لطه حسين خاصة رسالتي طه حسين عن أبي العلاء المعري وابن خلدون، واعتبر أن طه حسين صاحب تأثير كبير في فهم الثقافة العربية التاريخية، لكن الفوز هذه المرة كان لصالح الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل الذي اعتبر فوزه غير مفاجئ نظرًا لإنجازاته في عدة حقول علمية بينها الفلسفة والرياضيات، بالإضافة إلى كونه ناشطًا سياسيًا بارزًا خلال تلك الفترة.
الترشح الثالث 1951 (جامعة فؤاد الأول)
ثالث ترشيح ناله طه حسين كان عن طريق أساتذة جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا) التي كان لها حق الترشيح هذا العام، وخسر طه حسين الجائزة أمام المرشح السويدي بار لاغركفيست الذي ساعدته جنسيته السويدية كثيرًا لحسم مسألة فوزه، خاصة أن أعماله لم تترجم لأي لغة قبل فوزه بجائزة نوبل، وهو أمر كان مثار عجب كثيرين وقت إعلان فوزه.
الترشح الرابع 1952
كان طه حسين على موعد مع ترشح جديد من خلال المستشرق السويدي كارل زترستين الذي ترجم القرآن للسويدية، وكان له اهتمام كبير بتاريخ الفلسفة الإسلامية، وكان يقدر أعمال طه حسين كثيرًا في هذا الجانب. لكن الفرنسي فرنسوا مورياك فاز بالجائزة، وكان هذا الفوز مسار سخرية كبيرة؛ فمورياك لم يكن من أعلام الأدب أو الفلسفة في وقته، ولم يكن له من إنجاز حقيقي يذكر. وكما تقول الكلمة الشهيرة: «لم يُقرأ بعد الجائزة، وما كان له أن يُقرأ قبلها»!
الترشيح الخامس 1960
تأخر الترشح الخامس لطه حسين ثماني سنوات بعد آخر ترشح له. وكان سويدي جديد هو هيدبرج، لا تتوافر عنه كثير من المعلومات، هو من رشحه، وهو نفسه من سيعود ليرشح طه حسين مرتين أخريين أعوام 1961 و1962. فاز بالجائزة في ذلك العام الشاعر والدبلوماسي الفرنسي سان جون بيرس.
الترشيح الثلاثي 1961
للمرة الأولى، يحوز طه حسين ثلاثة ترشيحات في عام واحد، من قبل السويدي هيدبرج الذي رشحه في العام السابق، ومحمد خلف الله، أستاذ اللغة العربية بجامعة الإسكندرية، وهنريك صاموئيل نايبرج، الأكاديمي السويدي أحد أعضاء أكاديمية العلوم الملكية السويدية المسئولة عن اختيار الجائزة.
ورغم ارتفاع حظوظ طه حسين لدرجة غير مسبوقة بسبب ترشيحه الثلاثي، ووجود عضو من الأكاديمية يدعمه، فإن الجائزة ذهبت إلى الصربي إيفوأندريتش الذي تخلى عن جنسيته البوسنية لصالح الصربية إبان الحرب بين الدولتين، وكانت معظم كتاباته عن البوسنة تحت الحكم العثماني. بُرّر منح الجائزة لإيفو أندريتش، كما جاء في إعلان فوزه، «لجهوده العظيمة التي قام من خلالها بتتبع مصائر الإنسانية المرسومة من تاريخ مدينته».
الترشيح الثنائي 1962
رشّح طه حسين عام 1962 اثنان هما هيدبرج ونايبرج اللذان كانا قد رشحاه من قبل في العام الفائت؛ لكن الجائزة ذهبت إلى الأمريكي من أصول ألمانية جون شتاينبك، وهو الفوز الذي قابله العقاد باستهجان شديد، وقال إن في مصر من هم أهم وأفضل من شتاينبك، ومنهم نجيب محفوظ، لكن رؤية العقاد الثاقبة لن تتحقق قبل مرور أكثر من ربع قرن عندما يفوز نجيب محفوظ بالجائزة عام 1988.
الترشيح الحادي عشر 1963
جاء الترشح الحادي عشر في تاريخ طه حسين على يد المستشرق الفرنسي شارل بلا الذي كان واحدًا من المهتمين بالفلسفة الإسلامية، وخاصة الجاحظ، وكتب عنه عدة مؤلفات، وكان متقنًا للغة العربية، وعُيِّن أستاذًا للدراسات الشرقية في جامعة باريس. لكن الجائزة كانت من نصيب الشاعر اليوناني الشهير جيورجيوس سفريادس الذي عرف باسمه المستعار جيورجوس سفريس.
الترشيحان الثاني والثالث عشر 1963
ترشح طه حسين للمرة الثالثة مرتين للفوز بجائزة نوبل للأدب، على يد البروفيسور السويسري سيزار دوبلير، أستاذ اللغات الشرقية بجامعة زيورخ السويسرية، والمستشرق الفرنسي ريجي بلاشير الذي ترجم القرآن للفرنسية وكانت له اهتمامات واسعة بالفلسفة والشعر الإسلامي. لكن الجائزة فاز بها الفرنسي جون بول سارتر الذي رفض استلامها وقال، إنه يرفض أن يتحول لمؤسسه وإن الجائزة قد تعيقه عن استكمال عمله.
الترشح الأخير 1964
كان الترشح الأخير لطه حسين، حسب ما توفر لنا حتى عام 2019، على يد المستشرق الفرنسي شارل بلا للمرة الثانية، لكن الجائزة فاز بها السوفيتي ميخائيل شولوخوف الذي واجهته كثير من الصعوبات والجدل، خاصة حقيقة كتابته لروايته الشهيرة «الدون الهادئ» التي صاحبها الجدل حتى بعد وفاته بسبب ادعاء الكثيرين ملكيتهم الأصلية للنص لكن العديد من الدراسات والأبحاث زعمت بعد ذلك أنه من كتب الرواية بمقارنة باقي رواياته وأسلوبه، معها.
هل خسر طه حسين بعدم فوزه؟
بالطبع تعطي جائزة نوبل في الأدب كثيرًا للفائزين بها. ربما من أهم ما توفره هو ترجمة أعمالهم للغات عدة، وهو ما تكرر مع معظم الفائزين بالجائزة؛ لكن طه حسين بالفعل تمت ترجمة كثير من أعماله، ربما ما يزيد على اثني عشر عملًا، معظمهم للفرنسية، البلد الذي تأثر به وأثر فيه بحسب كثيرين.
لكن بالتأكيد فشلت نوبل في الظفر بمفكر بحجم طه حسين، فكما يستفيد الكاتب بالجائزة تستفيد الجائزة به. ومن الواضح أن خلال الفترة التي رشح فيها طه حسين، كانت الجائزة تعاني كثيرًا من التخبط، وساد في الأوساط الثقافية امتعاض من نتائجها؛ ليبقى السؤال: هل كان طه حسين ليُقرأ بشكل مختلف في العالم لو أنه فاز بالجائزة؟ وهل كان ليُقرأ بشكل مختلف في بلده ووطنه العربي لو أنه فاز بالجائزة؟
وفرت القوائم معلومات جديدة هامة للغاية لفهم الجائزة التي ثار عنها كثير من اللغط في كل عام مع أي اختيار لها في أي فرع من فروعها، وخاصة السلام والأدب. وظهر ترشح عديد من الأدباء لعشرات المرات حتى أمهلم الزمان الوقت ليفوزوا بها قبل وفاتهم. لكن بعض الأدباء الآخرين لم ينجحوا في الفوز بالجائزة رغم عشرات الترشيحات، ومنهم الأديب والمفكر المصري طه حسين الذي تُظهر القوائم الخاصة بجائزة نوبل ترشحه لها أربع عشرة مرة من دون أن يفوز. هذه الترشيحات هي التي تمت حتى عام 1969، أي أن من المحتمل أنه رشح لها أيضًا في السنوات اللاحقة حتى وفاته عام 1973 لتتوقف الترشيحات وتنتهي فرصة الفوز بالجائزة.
لكن لماذا لم يفز طه حسين بالجائزة رغم تعدد مرات ترشحه؟ وكيف يتم الاختيار؟ ومن رشحه؟ ولأي سبب رشح؟ وهل هناك أسباب قاطعة لعدم فوزه بالجائزة أم أن هذا السر سيبقي سرًا للأبد؟
من طه حسين؟
ولد طه حسين في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1889 وأصيب بالعمى في عمر الثالثة، لكنه أكمل دراسته في الأزهر ثم التحق بالجامعة المصرية الأهلية فور افتتاحها عام 1908 وحصل على درجة الدكتوراه عام 1914 قبل أن يسافر لفرنسا ضمن بعثة مصرية ليكمل دراسته في مونبيليه، ثم باريس ليعود أستاذًا للتاريخ في الجامعة، ثم أستاذًا للغة العربية، قبل أن يصبح واحدًا من أشهر عمداء كلية الآداب ثم وزيرًا للمعارف.
قدم طه حسين خلال مسيرته الأدبية والفكرية أعمالًا كثيرة من أبرزها «في الأدب الجاهلي»، و«مستقبل الثقافة في مصر»، فضلًا عن سيرته الذاتية في ثلاثة أجزاء «الأيام».
الترشح الأول 1949 (لن يفوز أحد!)
رشّح المصري أحمد لطفي السيد، وهو واحد من أهم المفكرين المصريين والذي وصفه عباس العقاد بأنه «أرسطو العرب»، الدكتور طه حسين للفوز بجائزة نوبل للأدب. وكان لطفي السيد أحد المساندين لطه حسين في أزمته الشهيرة في الجامعة عندما استقال من منصبة كعميد لكلية الآداب بعد منح الدكتوراه الفخرية لمجموعة من الشخصيات المصرية التي كانت لها مواقف سياسية مثيرة للجدل، منهم عبدالعزيز فهمي، وعلي ماهر باشا، وتم حينها تحويل طه حسين للعمل في وزارة المعارف، لكنه رفض استلام وظيفته مما حدا بالحكومة المصرية لإحالته للتقاعد في سن 43 سنة.
لم يفُز طه حسين بالجائزة هذا العام الذي يعد واحدًا من أغرب الأعوام في تاريخ جائزة نوبل للأدب. ففي عام 1949، قررت اللجنة المسئولة عن تحديد الفائز تأجيل الجائزة عام كامل لعدم توافر الشروط المطلوبة في أي من المرشحين، ثم أُعلن فوز الروائي الأميركي ويليام فوكنر بالجائزة لاحقًا!
يقول الأستاذ محمد سلماوي إن الدكتور طه حسين كان أقرب المرشحين للفوز والتفوق على فوكنر، لكن الأزمة الحقيقية أن فوكنر لم يكن أصلًا واحدًا من المرشحين لنيل الجائزة، ويبدو أن اللجنة كانت تحاول تقديم الجائزة لفوكنر، فاضطرت لتأجيلها لعام آخر حتى يتم ترشيحه ومن ثم إعلان فوزه، أو أنها رفضت فوز طه حسين نفسه بعد علمها أو توقعها فوزه بالتصويت من قائمة المرشحين.
يعزو بعض النقّاد، ومنهم سلماوي، عدم فوز طه حسين عام 1949 إلى قيام دولة إسرائيل وشنها حرباً على الدول العربية قبل ذلك بعام واحد (1948)، واحتياجها لطمس الهوية العربية في العالم وعدم ذكرها. لكن ما من دليل لذلك التحليل.
المرشحون
يتناقض قرار اللجنة بتأجيل الجائزة لعدم وجود مرشح مناسب مع حقيقة أن مرشحين عديدين ممن رفضتهم اللجنة هذا العام عادوا ليفوزوا بالجائزة لاحقًا!
رشح الفرنسي ألبير كامى وفاز بالجائزة عام 1957
رشح الأمريكي جون شتاينبك وفاز بالجائزة عام 1962
رشح الإنجليزي وينستون تشرشيل (رئيس الوزراء البريطاني الشهير!) وفاز بالجائزة عام 1953
رشح السويدي بار لاغركفيست وفاز بالجائزة عام 1951
رشح الفرنسي فرنسوا مورياك وفاز بالجائزة عام 1952
إذًا فقرار اللجنة لا يبدو أنه كان فعلًا مدفوعًا بالتبرير الذي صرّحت به، فخمسة من المرشحين فازوا تباعًا بالجائزة، ثلاثة منهم في السنوات الأربع التالية، مما يعني صعوبة إنجازهم شيئًا ما يحولهم من مرشحين غير مطابقين للمواصفات لفائزين بالجائزة.
الشاهد الأساسي من قائمة المرشحين الخمسة هو وجود كثير ممن هم أقل قيمة من طه حسين ليس بشهادة المصريين أو العرب، ولكن بشهادة المثقفين الأوروبيين أو الأجانب أنفسهم، فهناك عبارة شهيرة عن فرانسوا مورياك، أنه لم يعد يقرأ بعد فوزه بالجائزة ولم يكن يقرأ أبدًا قبلها، ويعزو بعضهم فوزه بها لآرائه السياسية المناهضة للحرب والتعذيب خاصة الممارسات الفرنسية في فيتنام والجزائر، وإن كانت وجهة النظر تلك تتعارض مع الفوز الغريب جدًا لتشرشل رجل المستعمرات البريطانية الأول بجائزة الأدب رغم افتقاره لأي معيار يسمح له بالفوز بالجائزة.
يمكن أن نستنتج أن الترشح الأول لطه حسين وعدم فوزه بالجائزة جاء نتيجة تخبط ما في اللجنة التي ربما حاولت استبعاد طه حسين شخصيًا إن كانت تصريحات سلماوي سليمة، وربما أرادت لأسباب أخرى أن تعطي الجائزة لويليام فوكنر الذي يعتبر واحدًا من أهم الكتاب الأمريكيين.
الترشيح الثاني 1950
في العام التالي 1950، رشّح البروفيسور الفرنسي برنارد جويان الدكتور طه حسين للفوز بالجائزة، وعمل الفرنسي كأستاذ للأدب الفرنسي في جامعة مارسيليا، وكان أحد المهتمين بالمنجز العلمي لطه حسين خاصة رسالتي طه حسين عن أبي العلاء المعري وابن خلدون، واعتبر أن طه حسين صاحب تأثير كبير في فهم الثقافة العربية التاريخية، لكن الفوز هذه المرة كان لصالح الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل الذي اعتبر فوزه غير مفاجئ نظرًا لإنجازاته في عدة حقول علمية بينها الفلسفة والرياضيات، بالإضافة إلى كونه ناشطًا سياسيًا بارزًا خلال تلك الفترة.
الترشح الثالث 1951 (جامعة فؤاد الأول)
ثالث ترشيح ناله طه حسين كان عن طريق أساتذة جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا) التي كان لها حق الترشيح هذا العام، وخسر طه حسين الجائزة أمام المرشح السويدي بار لاغركفيست الذي ساعدته جنسيته السويدية كثيرًا لحسم مسألة فوزه، خاصة أن أعماله لم تترجم لأي لغة قبل فوزه بجائزة نوبل، وهو أمر كان مثار عجب كثيرين وقت إعلان فوزه.
الترشح الرابع 1952
كان طه حسين على موعد مع ترشح جديد من خلال المستشرق السويدي كارل زترستين الذي ترجم القرآن للسويدية، وكان له اهتمام كبير بتاريخ الفلسفة الإسلامية، وكان يقدر أعمال طه حسين كثيرًا في هذا الجانب. لكن الفرنسي فرنسوا مورياك فاز بالجائزة، وكان هذا الفوز مسار سخرية كبيرة؛ فمورياك لم يكن من أعلام الأدب أو الفلسفة في وقته، ولم يكن له من إنجاز حقيقي يذكر. وكما تقول الكلمة الشهيرة: «لم يُقرأ بعد الجائزة، وما كان له أن يُقرأ قبلها»!
الترشيح الخامس 1960
تأخر الترشح الخامس لطه حسين ثماني سنوات بعد آخر ترشح له. وكان سويدي جديد هو هيدبرج، لا تتوافر عنه كثير من المعلومات، هو من رشحه، وهو نفسه من سيعود ليرشح طه حسين مرتين أخريين أعوام 1961 و1962. فاز بالجائزة في ذلك العام الشاعر والدبلوماسي الفرنسي سان جون بيرس.
الترشيح الثلاثي 1961
للمرة الأولى، يحوز طه حسين ثلاثة ترشيحات في عام واحد، من قبل السويدي هيدبرج الذي رشحه في العام السابق، ومحمد خلف الله، أستاذ اللغة العربية بجامعة الإسكندرية، وهنريك صاموئيل نايبرج، الأكاديمي السويدي أحد أعضاء أكاديمية العلوم الملكية السويدية المسئولة عن اختيار الجائزة.
ورغم ارتفاع حظوظ طه حسين لدرجة غير مسبوقة بسبب ترشيحه الثلاثي، ووجود عضو من الأكاديمية يدعمه، فإن الجائزة ذهبت إلى الصربي إيفوأندريتش الذي تخلى عن جنسيته البوسنية لصالح الصربية إبان الحرب بين الدولتين، وكانت معظم كتاباته عن البوسنة تحت الحكم العثماني. بُرّر منح الجائزة لإيفو أندريتش، كما جاء في إعلان فوزه، «لجهوده العظيمة التي قام من خلالها بتتبع مصائر الإنسانية المرسومة من تاريخ مدينته».
الترشيح الثنائي 1962
رشّح طه حسين عام 1962 اثنان هما هيدبرج ونايبرج اللذان كانا قد رشحاه من قبل في العام الفائت؛ لكن الجائزة ذهبت إلى الأمريكي من أصول ألمانية جون شتاينبك، وهو الفوز الذي قابله العقاد باستهجان شديد، وقال إن في مصر من هم أهم وأفضل من شتاينبك، ومنهم نجيب محفوظ، لكن رؤية العقاد الثاقبة لن تتحقق قبل مرور أكثر من ربع قرن عندما يفوز نجيب محفوظ بالجائزة عام 1988.
الترشيح الحادي عشر 1963
جاء الترشح الحادي عشر في تاريخ طه حسين على يد المستشرق الفرنسي شارل بلا الذي كان واحدًا من المهتمين بالفلسفة الإسلامية، وخاصة الجاحظ، وكتب عنه عدة مؤلفات، وكان متقنًا للغة العربية، وعُيِّن أستاذًا للدراسات الشرقية في جامعة باريس. لكن الجائزة كانت من نصيب الشاعر اليوناني الشهير جيورجيوس سفريادس الذي عرف باسمه المستعار جيورجوس سفريس.
الترشيحان الثاني والثالث عشر 1963
ترشح طه حسين للمرة الثالثة مرتين للفوز بجائزة نوبل للأدب، على يد البروفيسور السويسري سيزار دوبلير، أستاذ اللغات الشرقية بجامعة زيورخ السويسرية، والمستشرق الفرنسي ريجي بلاشير الذي ترجم القرآن للفرنسية وكانت له اهتمامات واسعة بالفلسفة والشعر الإسلامي. لكن الجائزة فاز بها الفرنسي جون بول سارتر الذي رفض استلامها وقال، إنه يرفض أن يتحول لمؤسسه وإن الجائزة قد تعيقه عن استكمال عمله.
الترشح الأخير 1964
كان الترشح الأخير لطه حسين، حسب ما توفر لنا حتى عام 2019، على يد المستشرق الفرنسي شارل بلا للمرة الثانية، لكن الجائزة فاز بها السوفيتي ميخائيل شولوخوف الذي واجهته كثير من الصعوبات والجدل، خاصة حقيقة كتابته لروايته الشهيرة «الدون الهادئ» التي صاحبها الجدل حتى بعد وفاته بسبب ادعاء الكثيرين ملكيتهم الأصلية للنص لكن العديد من الدراسات والأبحاث زعمت بعد ذلك أنه من كتب الرواية بمقارنة باقي رواياته وأسلوبه، معها.
هل خسر طه حسين بعدم فوزه؟
بالطبع تعطي جائزة نوبل في الأدب كثيرًا للفائزين بها. ربما من أهم ما توفره هو ترجمة أعمالهم للغات عدة، وهو ما تكرر مع معظم الفائزين بالجائزة؛ لكن طه حسين بالفعل تمت ترجمة كثير من أعماله، ربما ما يزيد على اثني عشر عملًا، معظمهم للفرنسية، البلد الذي تأثر به وأثر فيه بحسب كثيرين.
لكن بالتأكيد فشلت نوبل في الظفر بمفكر بحجم طه حسين، فكما يستفيد الكاتب بالجائزة تستفيد الجائزة به. ومن الواضح أن خلال الفترة التي رشح فيها طه حسين، كانت الجائزة تعاني كثيرًا من التخبط، وساد في الأوساط الثقافية امتعاض من نتائجها؛ ليبقى السؤال: هل كان طه حسين ليُقرأ بشكل مختلف في العالم لو أنه فاز بالجائزة؟ وهل كان ليُقرأ بشكل مختلف في بلده ووطنه العربي لو أنه فاز بالجائزة؟