حاميد اليوسفي - عبده النصاب.. قصة قصيرة

لم يكن صديقا بالمعنى الدقيق . كان مجرد معرفة عابرة . درس في نفس الإعدادية ، وأقام بنفس الحي . المدرسة والحي واختلاط حلقة المعارف بحلقة الأصدقاء تجعل المرء منفتحا على ما يحب وما لا يحب من الناس .
عبده كذاب ونصاب ولص . في البداية لم يسرق إلا بعض أفراد أسرته . يتباهى ويفتخر بنسبه مثل غيره من إخوته وأقربائه . نسب يجمعهم مع الطبيب والمحامي والباشا ورجل الأعمال . فشل والده وأمه في تربيته . لم يكمل دراسته . من كثرة كذبه لا أحد يعرف هل انقطع عن الدراسة في الإعدادي أم الثانوي . أنيق في هندامه ، طويل في قامته ، نحيف في جسمه ، أكرد في شعره ، لكن ابتسامة ماكرة لا تفارق شفتيه . يحفظ عن ظهر قلب أسماء المسؤولين الكبار بالإدارات العمومية في المدينة من جميع القطاعات..
وجدك مرة جالسا رفقة صديق في مقهى فرنسا . حدث ذلك منذ زمن بعيد . كان مارا رفقة أحد ضحاياه . جلس إلى جانبك من غير إذن . قدمك لصاحبه على أنك أخ لمسؤول كبير في العدل . لا يبالي بقبولك أو رفضك لما ادعاه . يطلب قهوة ، يخرج سيجارة ، ويضع علبة (ل . م) فوق الطاولة وبجانبها المفاتيح . يسحب الدخان وينفثه . يرمي عقب السيجارة ولا زال فيها النصف . هذا جزء من المشهد يمثله بإتقان ثم ينهض مع صاحبه ولا يؤدي ثمن قهوته . يعدك بأنه راجع للتو ، لكن لن تراه إلا بعد ثلاثة أيام أو أكثر . لا تعرف بقية التمثيلية ، لكن يمكن أن تتخيل نهايتها .
أغلب أبناء الحي العاطلين عن العمل ، أو الذين يبحثون عنه ، يعجبهم تصرف عبده . فهو يجعل من هذا ابن قاض ، وذاك ابن كومسير أو ابن عم الباشا ، وهكذا دواليك . ويحصل على (مقابل) فهو يقدم دائما نفسه كوسيط . يظهر ويختفي . عندما يصرف آخر مليم يعود إلى الحي لمدة يوم أو يومين حتى أسبوع . يصطاد أحد الضحايا من باب المحكمة أو غيرها من الإدارات ويمثل عليه نفس المسرحية بعيدا عن الحي ، رغم إشراكه أحد أبناء الحي في التمثيل . ثم يختفي أسبوعا أو أكثر . وقد تدفعه البطالة إلى الاشتغال بالقوادة كما سمعت مؤخرا ، والعهدة على الرواة . المهم يجب أن تشتغل الآلة ويكسب دخلا لتلبية حاجياته.
كثير من الناس لا يعرفون سبب خجلك وخوفك من شخص تراه يلتقط صورة مع مسئول كبير لا يعرفه . فجأة تعود بك الذاكرة إلى سنوات خلت . تقفز إلى ذهنك صورة عبده .
قد يكون عبده اليوم شيخا مثلك له أبناء في سن الزواج . وربما عفا الله عنه ، وتاب وعاد إلى رشده وهو ما تتمناه مع نفسك .
وقد يحدث عكس ما تتمناه ، ويكون عبده قد لبس لحية طويلة صبغها بالحناء ، وحفظ ما تيسر من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف واستمر في لعبته القديمة التي قد لا يتقن غيرها لكي يعيش .

مراكش 13 يناير 2020
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...