نهتم، أنا والخطيبي، بأشياء واحدة: بالصور والدلالات والآثار والحروف والعلامات. وفي الوقت نفسه، يعلمني الخطيبي شيئا جديدا، ويخلخل معرفتي، لأنه يغير مكان هذه الأشكال في بصري، ولأنه يحملني بعيدا عن ذاتي، في بلده الأصلي، وكأنني
يعد الخطيبي راهنيا، ويساهم في ذلك الإشراق الذي ينمو اليوم بداخلي: شيئا فشيئا، أدرك كيف أن المشروع السيميولوجي الذي ساهمت فيه وما أزال، ظل سجين المقولات الكلية التي تقعد كل منهج في الغرب منذ أرسطو. كنت أفترض ببراءة، مسائلا بنية الدلالات، أن هذه البنية تبرهن على عمومية ما، وتؤكد هوية ما، التي لم تكن في العمق، بحكم المتن الذي اشتغلت عليه دائما، إلا هوية الإنسان الثقافي الغربي. ويقوم الخطيبي بمعنى ما بالشيء نفسه لحسابه الخاص، ويسائل الدلالات التي تظهر له هوية شعبه. ولكن الشعب ليس واحدا. إن شعبي لم يعد "شعبيا". لم تعد صورة هويته/التي نسميها "تقاليد"ه/ سوى مادة متحفية (وبالضبط مادة بمتحف "التقاليد الشعبية" الكائن بمحاذاة بوا دو بولوني(1)، وغير بعيد عن حديقة قديمة للحيوانات: وفي كلتي الحالتين، يتعلق الأمر بمحمية ل"الغرابة").
إن ما مكنني مساءلته، على مستوى معين من السلم الإجتماعي الذي أتواجد به، هو الفرنسي "الثقافي"، مصوغا بالموجات المتعاقبة للعقلانية والديمقراطية ووسائل الإتصال الجماهيري. وما يسائله الخطيبي هو إنسان "شعبي" كلية، الذي لا يتكلم إلا بالدلالات الخاصة به، والذي يجد نفسه دائما مخذولا من طرف الآخرين، سواء كان منطوقا (بواسطة الفلكلوريين) أو بكل بساطة منسيا (بواسطة المثقفين). إذا، أصالة الخطيبي ساطعة داخل إثنيته الخاصة: حتما صوته متميزا، ومن تم منفردا أيضا. ولأن ما يقترحه، بشكل متناقض، إيجاد الهوية والإختلاف في آن. هوية من معدن جد خالص وجد متوهج، والتي ترغم أي كان على قراءتها كاختلاف.
وهنا يمكن لغربي (مثلي) أن يتعلم شيئا من الخطيبي. لا نستطيع فعل ما يفعله، ليس أساسنا اللغوي واحدا: لكن يمكن أن نأخذ عنه درسا في الإستقلال، مثلا: من المؤكد أننا واعون بإنغلاقنا الإيديولوجي، وأن من بيننا من يبحث عن بعض أفكار الاختلاف بمساءلة الآخر المطلق، الشرق (الزن والتاو والبوذية)؛ ولكن ما يجب تعلمه ليس استظهار نموذج ما (تحول اللغة بيننا تماما)، بل إبداع لأنفسنا لغة "هيتيرومنطقية"، "لمامة" من الإختلافات، حيث يقوض المزيج قليلا المثانة الخطيرة (لأنها تاريخيا) جد قديمة للمنطق الغربي. لهذا، نحاول أن نكون "مزّاجين"، نستعير من هنا وهناك بقايا "الأمكنة الأخرى" (شيئا من الزن، وشيئا من التاو، إلخ...)، وزحزحت تلك الهوية الغربية التي تجثم علينا دائما كلباس القديس (ليس دائما: فلها قيمتها وامتيازها). لهذا، لايمكن أن نعود إلى ماهو "شعبي" فينا، فنحن لانملكه؛ ولكن يمكننا الإنفتاح على "شعبيات" أخرى، ويمكننا أن "ننزاح عن المركز" كما نقول الآن. وهنا تمنحنا كتب الخطيبي متتالية بارعة وقوية من الدلالات التي لا تقبل الإختزال ومفسرة في آن: مما يسمح لنا بالإمساك بالآخر انطلاقا من أنفسنا.
الهوامش:
*) Roland BARTHES : « Ce que je dois à Khatibi », In « La mémoire tatouée » par Abdelkébir Khatibi.
"ما أدين به للخطيبي"، ضمن كتاب (عبدالكبير الخطيبي، الإسم العربي الجريح. ترجمة:محمد بنيس).
1) Bois de Boulogne.
يعد الخطيبي راهنيا، ويساهم في ذلك الإشراق الذي ينمو اليوم بداخلي: شيئا فشيئا، أدرك كيف أن المشروع السيميولوجي الذي ساهمت فيه وما أزال، ظل سجين المقولات الكلية التي تقعد كل منهج في الغرب منذ أرسطو. كنت أفترض ببراءة، مسائلا بنية الدلالات، أن هذه البنية تبرهن على عمومية ما، وتؤكد هوية ما، التي لم تكن في العمق، بحكم المتن الذي اشتغلت عليه دائما، إلا هوية الإنسان الثقافي الغربي. ويقوم الخطيبي بمعنى ما بالشيء نفسه لحسابه الخاص، ويسائل الدلالات التي تظهر له هوية شعبه. ولكن الشعب ليس واحدا. إن شعبي لم يعد "شعبيا". لم تعد صورة هويته/التي نسميها "تقاليد"ه/ سوى مادة متحفية (وبالضبط مادة بمتحف "التقاليد الشعبية" الكائن بمحاذاة بوا دو بولوني(1)، وغير بعيد عن حديقة قديمة للحيوانات: وفي كلتي الحالتين، يتعلق الأمر بمحمية ل"الغرابة").
إن ما مكنني مساءلته، على مستوى معين من السلم الإجتماعي الذي أتواجد به، هو الفرنسي "الثقافي"، مصوغا بالموجات المتعاقبة للعقلانية والديمقراطية ووسائل الإتصال الجماهيري. وما يسائله الخطيبي هو إنسان "شعبي" كلية، الذي لا يتكلم إلا بالدلالات الخاصة به، والذي يجد نفسه دائما مخذولا من طرف الآخرين، سواء كان منطوقا (بواسطة الفلكلوريين) أو بكل بساطة منسيا (بواسطة المثقفين). إذا، أصالة الخطيبي ساطعة داخل إثنيته الخاصة: حتما صوته متميزا، ومن تم منفردا أيضا. ولأن ما يقترحه، بشكل متناقض، إيجاد الهوية والإختلاف في آن. هوية من معدن جد خالص وجد متوهج، والتي ترغم أي كان على قراءتها كاختلاف.
وهنا يمكن لغربي (مثلي) أن يتعلم شيئا من الخطيبي. لا نستطيع فعل ما يفعله، ليس أساسنا اللغوي واحدا: لكن يمكن أن نأخذ عنه درسا في الإستقلال، مثلا: من المؤكد أننا واعون بإنغلاقنا الإيديولوجي، وأن من بيننا من يبحث عن بعض أفكار الاختلاف بمساءلة الآخر المطلق، الشرق (الزن والتاو والبوذية)؛ ولكن ما يجب تعلمه ليس استظهار نموذج ما (تحول اللغة بيننا تماما)، بل إبداع لأنفسنا لغة "هيتيرومنطقية"، "لمامة" من الإختلافات، حيث يقوض المزيج قليلا المثانة الخطيرة (لأنها تاريخيا) جد قديمة للمنطق الغربي. لهذا، نحاول أن نكون "مزّاجين"، نستعير من هنا وهناك بقايا "الأمكنة الأخرى" (شيئا من الزن، وشيئا من التاو، إلخ...)، وزحزحت تلك الهوية الغربية التي تجثم علينا دائما كلباس القديس (ليس دائما: فلها قيمتها وامتيازها). لهذا، لايمكن أن نعود إلى ماهو "شعبي" فينا، فنحن لانملكه؛ ولكن يمكننا الإنفتاح على "شعبيات" أخرى، ويمكننا أن "ننزاح عن المركز" كما نقول الآن. وهنا تمنحنا كتب الخطيبي متتالية بارعة وقوية من الدلالات التي لا تقبل الإختزال ومفسرة في آن: مما يسمح لنا بالإمساك بالآخر انطلاقا من أنفسنا.
الهوامش:
*) Roland BARTHES : « Ce que je dois à Khatibi », In « La mémoire tatouée » par Abdelkébir Khatibi.
"ما أدين به للخطيبي"، ضمن كتاب (عبدالكبير الخطيبي، الإسم العربي الجريح. ترجمة:محمد بنيس).
1) Bois de Boulogne.