الشخصيات:
ابنة
أب
غرفة صغيرة بلا نوافذ. ثمة رفوف تحيط بجدران الغرفة مليئة بالمكانس وفرش التنظيف، وعلب مبيدات الحشرات، ومساحيق الصابون، وعلب لرش المبيدات.
الجدارن مغطاة بأوراق الإعلانات،والملصقات المصورة، وغير المصورة، خاصة بمكافحة الحشرات يمكن قراءة بعضها ((كيف تتخلص من الحشرات الضارة؟))، ((أقصر السبل للقضاء على الخنفساء: الطبعة الثانية)) (ضد الذباب والعقارب والصراصير)) وتحتها صورة علبة لمبيد الحشرات ((استعمل الكبريت وأضمن راحتك ـ كبريت الراحة)). ثمة في إحدى الزوايا زاوية أخرى منضدة خشبية صغيرة. الأب يجلس في مقدمة المنضدة يدقق في دفتر أمامه.
الابنة، فتاة تبلغ الخامسة والعشرين. نحيفة. تحاول إيقاف لعبة على أصابع قدميها.اللعبة حمراء والأخرى خضراء تشتعلان وتنطفئان بضوء شاحب)
الابنة - حاولي أن تقفي على قدميك ياحلوة.. هيا حاولي..
الأب- (منشغل بالحساب) خمس علب من الصابون.. كيلوان من الكبريت.. ثلاثة كيلوات من الأسيدبوريك.. أربع علب من الـ DDT.. خمسون سنتمترا من الدانتيل (يرفع رأسه) ما هذا؟
الابنة (بارتباك)ـ إنها للباس لعبتي..
الأب (متضايقاً) ـ اللعبة.. اللعبة دائماً اللعبة!. تبتاعين كل ما تجدينه عند البائع كل ما تجدينه!
الابنة - وما الذي يبيعه غير مبيدات الحشرات؟ غير المكانس والفرش؟
الأب (بريبة)ـ ألم تبتاعي منه الدانتيل؟.. إذا لم يكن هو الذي يبيعه فمن أين لك أن تبتاعينه؟
الابنة (بوجل) ـ مجرد خمسون سنتمترا فقط..
الأب - (بشك أكبر) ndash; أم أنك خرجت دون علمي!
الابنة - تعلم جيداً، إنني لن أفعل ذلك حتى لو أردت..
الأب (يتأملها فترة. يتبدد شكه رويداً رويداً يعود إلى الكتابة في الدفتر) خمسون سنتمتراً من الدانتيل.. لباساً للعبة ( تبدو عليه إمارات الابتسامة) وهل ناسبها اللباس؟
الابنة - (تعود إلى اللعبة) دعني أرى.. هيا اهدئي قليلاً..
الأب يرفع رأسه ـ هيا قولي..
الابنة - ماذا؟
الاب - هل بدأ اللباس جميلاً عليها؟
الابنة - ماذا؟
الأب - لباس اللعبة..
الابنة (تضع اللعبة على أطراف أصبع قدميها ترفع طرف تنورتها، الا أنها تتخلى عن ذلك، وتهرع فجأة نحو زاوية الجدار. تسقط اللعبة على الأرض. تتناول الابنة مبيدً للحشرات تضغط منه عدة رشات على زاوية الجدار).. ثلاث.. قتلت ثلاث حشرات!..
الأب - (يضرب بقبضته على المنضدة) استعملت الرشة أيضاً؟!.. إنها علبة غالية الثمن.. ألا تستطيعين سحقها بقدميك؟.. ما الذي يحصل لو سحقت الحشرات بقدميك؟!
الابنة - (بتردد) أن ذلك يوسخ نعلي.
الأب - يالكِ من فتاة حساسة!
(تلتقط الابنة المكنسة،وتبدأ بكنس زاوية الغرفة ثم تفرغ ماكنسته في صفيحة تغلفها بإحكام.. تتأمل يديها).
الأب ـ إنك حساسة للغاية.. تنفقين أموالي على النظافة وكأن ماننفقه لشراء مبيدات الحشرات لا يكفيك..
الابنة (تذهب لتغسل يديها في الصفحة الواقعة بزاوية الغرفة) ـ.. أجل لأن الحشرات تتكاثر باستمرار..
الأب ـ لماذا تنظفين يديك بالصابون؟
الأبنة ـ لقد توسختا!
الأب - توسختا! أنك لم تلمسي الحشرات، بل أمسكت بالمكنسة فقط!
الابنة (تجفف يديها ثم تنظر ثانية إليهما) ـ تعلم يا أبي، أحس دائماً وكأن الحشرات ملتصقة بيدي.
(تشم يديها، مستفيدة من عودة أبيها إلى دفتر حساباته. تسكب قليلاً من الكولونيا في كفيها).
الأب - (يرفع رأسه مسرعاً) لماذا أخذت من الكولونيا؟
الابنة - (تخفي يديها خلفها) لم أخذ..
الأب (بإصرار) - أخذت، أخذت.. أشم رائحتها.
(يعود إلى دفتره يضع رأسه بين يديه،بصوت موشك البكاء) ـ ستجعلينني أفلس.. (يتأوه كالمريض) أفلس تماماً..
الابنة (تذهب إلى أبيها مترددة) ـ لا تبك يا أبي.. لا تبك!
(تبدأ في البكاء بهدوء) قليل من الكولونيا لا يتجاوز القطرتين.. (عبارة غصن الربيع مكتوبة على قنينة العطر) إلى هذا الحد؟!
(تبكي بحرقة)
انه الربيع.. ربيع الفتيات.. مع أبائهن، في الربيع (تبكي) نحن مع الحشرات..
الأب (يرفع رأسه محاولا أن يبتسم).. لماذا تبكين؟ هه لماذا؟ يالك من ماكرة (يدغدغها) لماذا.. هه.. لماذا؟ لماذا؟
الابنة - (تضحك من أثر الدغدغة) لا شيء (تهرع وتحمل لعبتها تحاول إيقافها على قدميها) تاتي.. تاتي (تقع اللعبة) إنها لا تقف. لا تقف أبداً. تسقط باستمرار.
الأب (ينطلق من مكانه. يقترب من الجدار في الجهة اليسرى متأملاً نقطة ثابتة، ينزع حذاءه، يضرب به الحائط).. لقد فرت.. فرت إلى أين؟ (يبحث عنها).
الابنة (تذهب إلى حيث أبيها، تبحث معه) ndash; فرت حسناً فعلت إذ فرت! لا أريد أن تسحقها على الحائط.. الحيطان تتوسخ. رغم أنني أغطيها بالإعلانات فان الوساخة تبقى معلقة بها.
الأب - (يستمر في البحث) سحقاً! أين تختفي هذه الحشرات؟.. كانت قبل لحظة أمام عيني.. أنها تربك الإنسان.
الابنة - أجل أنها تربك.
الأب (يعود إلى المائدة) ـ انتظري هناك.. سوف تخرج من إحدى الثقوب.
الابنة (تنظر إلى الأرض) ndash; يا إلهي! إنها صغار.. صغار الحشرات.. لا داعي للبحث (تسحقها بقدميها باشمئزاز) لقد غرق نعلي بالقذارة.. نعلي والأرض..
الأب - أسكتي إنني منشغل بحساباتي!
الابنة - (تخلع نعليها اللتين سحقت بها الحشرات، تذهب إلى صنبور الماء تملأ دلواً بالماء وتضع فيه كمية من مسحوق الصابون. تأتي إلى المكان الذي سحقت فيه الحشرات تأخذ خرقتين، تضع أحداهما في الماء تعصرها، وتمسح بها نعليها، ثم
تتجه إلى صنبور الماء وتغسل يديها بالصابون تسكب الكولونيا في كفيها. ينتبه الأب بعصبية. تعود الفتاة، وتبدأ بمسح الأرض، تتناول الخرقة والدلو باليد الأخرى وتتجه نحو الباب).
لو أستطيع أن أذهب بعيداً.. أبعد من هذه العتبة.
الأب - (يرفع رأسه فجأة بشك وخوف) إلى أين تذهبين؟
الأبنة - لن أخرج إلى الخارج..
الأب- كنت على وشك أن تخرجي.
الأبنة - سأسكب هذا الدلو من عتبة الباب مثل كل مرة.. من العتبة.
الأب - (يهرع من مكانه يقترب من ابنته)
تريدين خداعي، أليس كذلك؟
الابنة - (منفعلة قليلاً لأول مرة تفتح الباب. يغمر الخارج ظلام دامس)
قلت سأسكب الماء من العتبة. أقف في العتبة وأسكبه.
الأب - (ينظر كيف أن الظلام يغمر كل مكان )إياك أن تخرجي أنه ظلام حالك.
الابنة - (تنظر بهلع إلى الخارج) أجل انه ظلام دامس (تسكب الدلو من العتبة) تعود مسرعة نحو صنبور الماء) أية قذارة! أية قذارة يا إلهي!
(تغلق الباب مسرعة.) علينا أن نحفر حفرة لتصريف المياه القذرة.. حفرة في الزاوية المضاءة..
الأب - (ينظر إليها بارتياب) تستطيعين سكب الماء في المغسلة. ليست ثمة ضرورة لخروجك..
(يعود إلى مكانه، بعد أن يتأكد من انغلاق الباب)
الأبنة - (تشطف الدلو) توسخ هذا المكان كثيرأ، حينما أغسل وجهي، أشم دائماً رائحة الحشرات الميتة.
الأب - عليك أن تعتادي على ذلك.. الإنسان عليه أن يعتاد على كل شيء.
الأبنة - (تقف برهة مثل طفلة..) لقد كبرت في السن ومازلت أتعود (تنظر خلسة إلى الباب) أليس ذلك ياأبي؟
الأب - (مستغرقاً في حساباته) هناك نقص كيلو من الكبريت.. كيلو آخر لرش زوايا الغرفة.. كيلو مسحوق الكبريت.. (يرفع رأسه، كأنه تذكر أمراً) لم نبتاع الكبريت؟ أنه لطرد الثعابين.
الابنة - (تغسل يديها بعد انتهائها من غسل الدلو) كما أن رائحة الكبريت المحترق تطرد الصراصير هل نسيت؟ ألم يقل البائع ذلك (تشم يديها) كما أنه قال، أن الثعابين قد تزحف إلى أماكن وجود الحشرات..
الأب - إنه يخدعنا. يخدعنا كي يبيع لنا المزيد من مساحيق ومبيداته..
الأبنة - ولكن مهما كان فعلينا طرد الثعابين.. إنها..
الأب - (يقاطعها) أعتقد أن علينا القضاء على الحشرات أولاً. لو قضينا عليها فأن الثعابين..
الأبنة - (ضجرة ) وهل نفعل غير ذلك يا أبي؟
فنحن نفعل ذلك في هذه الغرفة منذ أن وعيت على نفسي.. (تندفع نحو الصنبور) اثنتان معاً! (تخلع نعلها) هربتا.. هربتا معاً.. (تنتاول علبة رش من الرف) لو استطعنا إخراجها من هنا!
الأب - هل عدت إلى علبة الرش ثانية؟ ألم أقل لك مراراً يجب أن لا تلجئي إليها إلا عند الضرورة القصوى.؟. استعملي (الفليت) هيا استعمليه.
الأبنة - (تتناول جهاز الفليت، تضغط) لها رائحة كريهة، رائحة لا تطاق..
الأب - تشتكين من كل شيء دائما.. سئمت منك.. (تتوجه الابنة نحو المغسلة وتتقيأ (ينتبه الأب إليها ينهض نحوها باضطراب) هل أنتِ مريضة؟
الابنة - أشعر بالغثيان.
الأب - إياك أن تكوني؟ (تنتبه الأبنة، تنظر إليه) أقصد حبلى.. أن يكون هناك جنين..
الابنة - (مستغربة) كيف (يائسة) وممن؟(تبكي) أمن الصراصير.. لو ولدت فسألد دزينة من الحشرات..
الأب - (يمسك بها، يجلسها على الكرسي) يالك من فتاة مضحكة (تبكي) يالك من هازلة تبدين باكية بينما تضحكين من جهة أخرى. تضحكين أليس كذلك؟ اضحكي اضحكي.. سأحكي لك قصة رائعة جداً.. لم تسمعي بها من قبل.. اسمعي لا تبكي بل اسمعي.. لن أتحدث لو استمريت بالبكاء. اسمعي أنها ليست مجرد حكاية بل حقيقة (يبدأ الحديث بسماجة وبأسلوب غير مشوق) في أزمنة.. أي في زمن ما.. قام رجل بالتعرف على رجل غني. وهذا الرجل الغني، كان يقطن في منطقة موحشة لكنه يذهب كل اسبوع إلى القرية من أجل محاصيله الكثيرة هناك، ويملأ جيوبه بالمال الوفير ويعود إلى بيته. أن هذا الرجل الغني كان عليه أثناء العودة، المرور من مناطق منعزلة وموحشة لأن بيته يقع في هكذا منطقة. كما قلت كان هناك رجل معدم. هذا الرجل وصل به فقره إلى درجة لا تطاق،كان يقوم مساء يوم..
الأبنة - (تقاطعه وهي مستمرة في البكاء) وما هي الروعة الموجودة في هذه القصة؟..إنها قصة رديئة للغاية..
الأب - (يركع قرب إبنته يمسك يديها) نهايتها مشوقة، اسمعيها حتى النهاية وستعجبك.
الابنة - (مستمرة بالبكاء) لا أريد..
الأب - لا تريدين هذه. على كل حال فأنا أعرف حكاية أخرى أجمل من سابقتها، ولكن كفي عن البكاء. (مستمرة في النحيب) على كل حال سأحكيها لكِ واستمري بالبكاء إن شئت ذلك. أنها حكاية لامثيل لهل (يبدأ الحديث بنفس الاسلوب الممل):
كانت هناك إمرأة مسنة. هذه المرأة المسنة كانت تتأمل الماء لان ساقية صغيرة كانت تمر من أمام دارها. وهي تتأمل الساقية فكرت، كيف أنها طعنت في السن وأصبحت قبيحة بهذه السرعة..
الأبنة - (يزداد نحيبها) حزينة.. أنها حزينة للغاية يا أبي!
الأب - أنها ليست كذلك اسمعي نهايتها، وسوف تنفجرين من الضحك. هذه المرأة الطاعنة في السن حينما كانت تتأمل صورتها في حياتها السابقة فكرت في يوم (يضحك مضطرا) أتدرين إنها لم تعشق منذ فترة طويلة لأنها لم تهتم بأي رجل..
الابنة - لأن أي رجل لم يهتم بها..
الأب - اعتقدي أنتِ ذلك. هذه المرأة كانت قبيحة، لكنها كانت تمتلك شيئا، يبدو جميلاً للكل: كانت ثرية..
الابنة - أما نحن فلسنا بأثرياء..(تنهض فجأة).
لا نملك في بيتنا غير الصراصير، صراصير لا نستطيع القضاء عليها هذا كل ما نملكه.
الأب - ألست موجوداً؟ أنا لك وأنتِ لي، نحن موجودان. أما تلك المرأة فقد كانت وحيدة لم يكن يتحدث إليها غير راعي قطعانها. أتساوين بين غلام وبين سيدة طاعنة وفتاة ريانة؟ هما سيدة وغلام، أما نحن فأب وابنته. كما هذا الراعي وحيد.أغلب الرعاة هم بلا أهل. لذلك يجلس الراعي في المساء الحالك تحت شجرة..
الابنة - أنك تجعلني أصاب باليأس.
الأب - (ينهض من مكانه متأثرا) ألا تودين حديثي؟
الأبنة - كفى! القذارة تحاصر كل جهاتي. قذارة لم أقض عليها!
الأب - يالك من فتاة عصبية!. فتاة لا تحتمل!.. سئمتك..! إنك تمنعيني حتى من إكمال حساباتي..أن عملي يتطلب الهدوء وراحة البال قبل كل شيء..
الأبنة - (تحاول استرضاءه) جسمي لزج.. المسني.. المس اللزوجة..
الأب - يالك من مزاجية! وماذا يعني لو كانت هناك لزوجة؟ نحن نحارب الحشرات هذا كل شيء. هل أنت الوحيدة التي تحارب الحشرات؟!
الابنة ndash; (تغمغم) دائماً في هذه الغرفة..
الأب ndash; ما الذي تفعلينه لو حاربت ضد جيش جرار. ههه أسالك في جبهات القتال النساء أيضاً يحاربن كالرجال، تحت وابل من القنابل. لم يتلطخ جسمك بدم البشر. إنها مجرد صراصير. ورغم ذلك تبدين متذمرة.. أنا لا أبخل لشراء المبيدات ماذا تريدين أكثر من ذلك يا ابنة الخنزير؟
الأبنة (تداعب اللعبة تحدثها برهة)سأمنحك حريتك. سأظل حتى اشتعال عينيك بنفس الألوان.. حينما تشتعل الألوان ستبصرين اتجاهك، ستبصرين واقعك..أيتها الحشرات (أفكارها غير مرتبة) حينما تشتعل عيناك بنفس الألوان.. الحرية واقعك.لا تخشي من شيء خارج البيت الخوف.. الرعب.. (تصرخ) إنني أختنق! (تندفع نحو الباب).
الأب - (يندفع خلفها) لا تذهبي! لو كنت تريدين الخروج سأرافقك، سنتجول معاً في المتنزهات..
الأبنة - أنت خرف، أناني وحزين..
الأب - سنبتاع أدوية ومبيدات جديدة.
الابنة - لتتهدم هذه الجدران عليكم!(تدفعه، تفتح الباب على مصراعيه. الخارج يبدو غارقاً في ظلام دامس تندفع عاصفة إلى الداخل).
الأب ndash; (متوسلاً) عقاقير ومبيدات أكثر تأثيراً.. قفي لا تخرجي(تتردد أمام العاصفة والظلمة. ترجع خطوة إلى الوراء) إذا كنت مصرة على الخروج فليكن في يوم مشمس، سنخرج معاً.. العاصفة من القوة بحيث ستلقيك أرضا عند أول خطوة (يستغل خوفها المتزايد، ويغلق الباب بهدوء) تخرجين في نهار مشمس.. حينما تتفتح براعم الربيع على الأغصان.. حيث تجمعين أزهار الأقحوان..
الابنة - (تهمهم) انتظري انتظري.. يبدو أن الكل ينتظر.. ليخرج الكل إلى الخارج.
الأب - (خائفاً من أن تكون فهمت شيئاً ما)
سأبتاع مبيدات أكثر تأثيرا.. مبيدات ستقضي على الحشرات قضاءاً مبرماً.. (يمسك بيدها، يقودها إلى أمام الإعلانات عن المبيدات) هناك عقاقير ومبيدات قوية للغاية. لو رغبت سنتباع منها. هذه إنها الأفضل هكذا يقولون. ألم يقل البائع ذلك سنذهب إلى المتنزه؟ انظري هذه المبيدات إنها تقضي على الحشرات بشكل قاطع، قد تكون أسعارها غالية، لتكن ما دامت ستقضي عليها، فأنا على استعداد لأنفاق كل ما أملك
الابنة (منهكة، تعبة) أنت لن تنفق شيئاً، أي شيء.
الأب - ألم انفق من قبل؟ الم انفق ثمن الدانتيل لصنع لعبتك؟
(تطرق رأسها)
لم اهتم بالبيت كما يجب، أعلم ذلك، لهذا ظهرت الحشرات. لم أحاربها في وقتها كما يجب. كنت وحيداً. حين يكون المرء وحيداً يعجز عن حل مشاكله. أمك والآخرون حاربنا معاً.. لكن الكل رحلوا الواحد تلو الأخر.. بقيت وحيداً لم يعد يهم أن أدفع ما دمت وحيداً..
الابنة - (تقاطعه) تثرثر بلا طائل يا أبي.. بلا طائل.. (تصرخ) ليس لي ما أدفعه! لا أملك شيئا! أدفع مقابل ماذا وبماذا ولماذا؟!
الأب - أتدفعين؟
(يذهب لإلقاء نظرة على دفتره)
أنظري علب Kill ndash; off، هل دفعت أنت ثمنها؟
الابنة - أجل أنا من ملأ البيت بالحشرات.
الأب - لكنني كنا نواصل معا.. لولا تذمرك.. اسمعي، خمس علب من سموم الفئران..
الأبنة - لم أطلب سماً للفئران. كلا لم أطلب أياً منها.. كان من الممكن أن ألد في بيت خالٍ من الحشرات.. بيت جدرانه ناصعة البياض، نوافذه مضيئة.. بابه مشرق. بيت منير، مشمس..
الأب - (يهمهم) هناك من لا يهتم البتة بالحشرات وهناك من لا يبصرها أبداً.. وهذا لايعني بأنها غير موجودة.
الابنة - لا تعد إلى الهذيان ثانية!
الأب - (متأثراً) قليلة الأدب!
الأبنة - لقد أثقلت كاهلي.. لهذا أنا ضعيفة إلى هذا الحد.. لهذا أنا ضعيفة بسبب ثقل جسمك الكهل!
الأب - (يبكي) سحقاً لكِ.
الأبنة - لا تبك.
الأب -(باكياً) أهذه عبارات تقال للأب (شاكياً) أب مثلي، أب جميل.
الأبنة - (تهرع، تحتضن لعبتها) لعبتي.. لعبتي.
الأب - (ينظر إليها) امتلأ شعر اللعبة بالحشرات!
الأبنة (تقذف باللعبة) أين؟ (تأخذ مبيداً للحشرات، تضغط ما فيه على اللعبة.).
ولكن لماذا؟
الأب - انظري إلى الجدران.
الأبنة - (غير مهتمة) كيف للعبة أن تتحمل كل هذا العدد من الحشرات، والمبيدات السامة (تتأمل اللعبة التي إنطفأ الضوءان الأحمر والأخضر في عينيها)
الأب - (يقترب منها) ماذا بها؟
الابنة - لا شيء البتة. لا الضوء الأحمر ولا الأخضر.
الأب ndash; هل إنطفأ؟
الأبنة - (تصرخ) سمه ما شئت عن حق بدون تهرب!
الأب - هل أنطفأ؟
الأبنة - ماتت يا أبي ماتت!
الأب - لا تهذي اللعبة لم تكن حية!
الأبنة - (تنهض، تلتقط المكنسة المعلقة على الحائط، تبدأ بكنس اللعبة)
جثث.. جثث.. ما أكثرها!
الأب - (ينطلق نحوها، ويحاول انتزاع المكنسة!) قفي، لا تكنسي اللعبة يمكن إصلاحها يمكن أن يعود الضياء إلى عينها بشراء بطارية جديدة.
الابنة - دعني.. لن تلعب بها ثانية، لن تلعب!
الأب - لن ألعب بها، ستلعبين معها أنتِ من جديد.
الأبنة - (تهز المكنسة في وجهه) قلت لك دعني لا أريد لعبة تنطفئ إحدى عينيها، أريد لعبة تشتعل عيناها بنفس الضوء..
الأب - (يمسك بطرف المكنسة، لإنقاذ اللعبة) لعبة جديدة! يسهل قول ذلك لعبة جديدة. تحتاج إلى نقود كثيرة. بل يجب الاستدانة.. هل تفهمين لن أستطيع الإيفاء بها.
الأبنة - (صارخة) أما كل شيء أو لا شيء (تكنس اللعبة).
الأب - (يجلس متعباً. يتأمل كنس اللعبة باكياً) كيف تستطيعين الاحتفاظ بها في زواية بدلاً من كنسها.
الابنة - (وهي تكنس اللعبة) سأكنس نفسي لو استطعت ذلك (يرتعد الأب يسمعها لأول مرة باهتمام) (بضربة تقذف الأبنة اللعبة من أحد الشقوق في زاوية الغرفة إلى الخارج).. سأكنس نفسي أيضا خارج البيت.
(تحاول أعطاء المكنسة إلى أبيها)
اكنسني يا أبي! أتوسل إليك.. اكنس!
(تجلس متكورة على نفسها)
هيا.. اكنسني.. هيا..
الأب - (يداعب شعرها)
أنت لست بحشرة ولست بلعبة.
الأبنة - أي شيء أنا؟ هل تقول لي ذلك؟
الأب- أنتِِ ابنتي.
الابنة - أبي.. لا تثقل كاهلي من جديد فمثلك لا يحتمل.. (تعطيه المكنسة) هيا، اكنسني..
الأب- أعلم إنني لم أحمك كما يجب.. لم أدعك قوية كما يجب.. ربما البيت.. أو أمك.. (ينهض) هل السبب يعود إلى البيت وحده؟ أيمكن اتهام البيت؟
الابنة - تسأل ذلك دائماً. ومن غير البيت يعتبر سبباً في ذلك.. ثم أن هذا ليس ببيت بل.. بل..
الأب - (مهزوماً) ما دمنا مرغمين على العيش هنا، علينا مرغمين أيضا مكافحة الحشرات.
الابنة - (مبتعدة عنه) أنا لست مرغمة على العيش هنا.
الأب - (ببرود) إلى أين تستطيعين الذهاب؟
الابنة - (تقف مستغربة) هذه أول مرة تسألني فيها.
الأب - أنا لم أفكر بالذهاب.. لخوفي من ذهابك لم أفكر بالمكان الذي ستذهبين إليه.
الابنة - عليك أن لا تسأل. كنت أفكر دائماً بالرحيل، بالخروج وحيدة خارج عتبة هذا الباب، للقاء من خرجوا إلى الخارج.. أما الآن (تخلع نعليها بحركات ميكانيكية، وتقذف بهما على الحائط) سحقت ثلاثاً بمرة واحدة (تلبس النعل، تمشي بلا اهتمام) يجب أن لاتكون قذارة الموتى أكثر من قذارة الأحياء بأي حالٍ من الأحوال (تسحق شيئاً ما على الأرض) كل شيء يتحرك يعمل.. أن ذلك أفضل من معرفة أين يتوجهون (تسحق) لا أريد أن أعتاد على هذا يا أبي!
الأب - (يتأملها وهي تسحق الحشرات هنا وهناك دون شعور بالاشمئزاز. يذهب نحو الباب ويفتحه، لا يزل الظلام يغمر الخارج) أنظري، كل شيء منير، مشمس.
الابنة - (تعود وتنظر بأمل إلى الخارج تبصر الظلام) أنت تكذب، الظلام هنالك
الأب - شمس ساطعة.
الابنة - (تنتظر تخليه عن فكرته)أليست هناك عاصفة؟
الأب - كلا. شمس ربيعية.
الابنة - من الممكن أن تهرب العاصفة من جديد ألم تكن تقول لي ذلك: لا تعتقدي أن الشمس دافئة في الخارج دائما، من الممكن أن تهب العاصفة في أية لحظة.
الأب - لكن الشمس ساطعة الآن (لحظة توتر) أخرجي لو كنت تودين ذلك.
الابنة - (تقترب من الباب خائفة) هل أخرج؟
الأب - لو أردت..
الابنة - لكنني.. قد لا أعود.. ألا تخشى أن لا أعود.
الأب - (يضحك بهدوء) كيف لا أخشى (بهدوء) أنها نهايتي.
الابنة - هل أنت واثق.. من عدم وجود أية حشرة في الخارج؟.
الأب - لست واثقاً.
الابنة - مع ذلك تدعني أذهب.
الأب- (ينظر إلى الظلام في الخارج) لقد أنهيت كل قصصي وحكاياتي.
الابنة - (بعناء) أتدعني أذهب؟
الأب - أجل..
الابنة - ولكن لماذا؟
الأب - قلت لك انتهيت من كل حكاياتي.
الابنة - (خائفة، تخطو أول خطوة ثم تقف) ألن تصرخ من خلفي؟
الأب - لن تسمعيها.
الابنة - (تتراجع) لو أعلم أنك لن تبكي خلفي..
الأب - (يدفعها برفق إلى الخارج) لن أبكي!
الابنة - (ترقد) أشعر بالخوف.
الأب - لا تخافي.
الابنة - أنت علمتني الشعور بالخوف خارج هذه الجدران.. لو كنت وحيدة..
(تخطو خطوة نحو الخارج) أخرج لأنك تريد ذلك، أنت أردت.. أنت أرغمتني..
الأب - قبل قليل كنت تتحدثين مع اللعبة.. لكل لعبة واقع ما.. أليس كذلك؟
الابنة - أنت أرغمتني..
الأب - ولربما الحشرات.. (بعد فترة) يجب أن يكون لكل لعبة واقعاً ما!
الابنة - أشعر بالخوف..
الأب - (يخطف المكنسة ويهجم عليها) هيا اذهبي وإلا سأسكب عليك المبيدات كلها! الأبنة ndash; أسكبها علي ثم اكنسني..
الأب - أفضل أن أكنسك وأنت حية بدلاً من أن أكنسك وأنت جثة هامدة.
الأبنة - (في الخارج) سوف لن تلحق بي كي تعيدني ثانية أليس كذلك؟
الأب - ليس ذنبك أن تشعري الخوف إلى هذا الحد.
الأبنة ndash; (من الخارج) أبي.. ستبقى حياً.. لا أريد أن تبقى وحيداً.. لا أريد أبداً.. لا أريد لقاءك مع الحشرات بين القاذورات.. والديون (لحظات يبتعد صوتها) أبي! قل لي إلى أين أذهب؟ (يبتعد صوتها أكثر) أبي، أبي، أريد أن أشعر أنك لن تبكي خلفي!
(يبتعد الصوت أكثر) لا أعلم ما أفعل.
الأب - (بصوت منخفض) طيري.. طيري!
الأبنة - (من مسافة أبعد) أبي لاابصر طريقي.. لا أبصر طريقي..
الأب - (بصوت خفيض) لن تفلح (كمن يتمنى ذلك)لن تفلح..
الأبنة - (من بعيد) أستطيع أن أبصر طريقي.. الظلام ليس حالكاً.. أبي هل تسمعني؟ هل تشعر بالوحدة الشديدة؟ لا أريد أن أعرف بوحدتك (تضحك)لا تبك أبي عبثاً (يتردد صدى صوتها) صباح الخير أيها الأطفال.. صباح الخير.. صباح الخير..
الأب - (وحيداً) لكل واقعة واقعة.. (يتناول المكنسة، يسكب جميع مبيدات الحشرات على جسمه، يتمدد على الأرض، يحاول كنس نفسه وهو يتلوى..)
ابنة
أب
غرفة صغيرة بلا نوافذ. ثمة رفوف تحيط بجدران الغرفة مليئة بالمكانس وفرش التنظيف، وعلب مبيدات الحشرات، ومساحيق الصابون، وعلب لرش المبيدات.
الجدارن مغطاة بأوراق الإعلانات،والملصقات المصورة، وغير المصورة، خاصة بمكافحة الحشرات يمكن قراءة بعضها ((كيف تتخلص من الحشرات الضارة؟))، ((أقصر السبل للقضاء على الخنفساء: الطبعة الثانية)) (ضد الذباب والعقارب والصراصير)) وتحتها صورة علبة لمبيد الحشرات ((استعمل الكبريت وأضمن راحتك ـ كبريت الراحة)). ثمة في إحدى الزوايا زاوية أخرى منضدة خشبية صغيرة. الأب يجلس في مقدمة المنضدة يدقق في دفتر أمامه.
الابنة، فتاة تبلغ الخامسة والعشرين. نحيفة. تحاول إيقاف لعبة على أصابع قدميها.اللعبة حمراء والأخرى خضراء تشتعلان وتنطفئان بضوء شاحب)
الابنة - حاولي أن تقفي على قدميك ياحلوة.. هيا حاولي..
الأب- (منشغل بالحساب) خمس علب من الصابون.. كيلوان من الكبريت.. ثلاثة كيلوات من الأسيدبوريك.. أربع علب من الـ DDT.. خمسون سنتمترا من الدانتيل (يرفع رأسه) ما هذا؟
الابنة (بارتباك)ـ إنها للباس لعبتي..
الأب (متضايقاً) ـ اللعبة.. اللعبة دائماً اللعبة!. تبتاعين كل ما تجدينه عند البائع كل ما تجدينه!
الابنة - وما الذي يبيعه غير مبيدات الحشرات؟ غير المكانس والفرش؟
الأب (بريبة)ـ ألم تبتاعي منه الدانتيل؟.. إذا لم يكن هو الذي يبيعه فمن أين لك أن تبتاعينه؟
الابنة (بوجل) ـ مجرد خمسون سنتمترا فقط..
الأب - (بشك أكبر) ndash; أم أنك خرجت دون علمي!
الابنة - تعلم جيداً، إنني لن أفعل ذلك حتى لو أردت..
الأب (يتأملها فترة. يتبدد شكه رويداً رويداً يعود إلى الكتابة في الدفتر) خمسون سنتمتراً من الدانتيل.. لباساً للعبة ( تبدو عليه إمارات الابتسامة) وهل ناسبها اللباس؟
الابنة - (تعود إلى اللعبة) دعني أرى.. هيا اهدئي قليلاً..
الأب يرفع رأسه ـ هيا قولي..
الابنة - ماذا؟
الاب - هل بدأ اللباس جميلاً عليها؟
الابنة - ماذا؟
الأب - لباس اللعبة..
الابنة (تضع اللعبة على أطراف أصبع قدميها ترفع طرف تنورتها، الا أنها تتخلى عن ذلك، وتهرع فجأة نحو زاوية الجدار. تسقط اللعبة على الأرض. تتناول الابنة مبيدً للحشرات تضغط منه عدة رشات على زاوية الجدار).. ثلاث.. قتلت ثلاث حشرات!..
الأب - (يضرب بقبضته على المنضدة) استعملت الرشة أيضاً؟!.. إنها علبة غالية الثمن.. ألا تستطيعين سحقها بقدميك؟.. ما الذي يحصل لو سحقت الحشرات بقدميك؟!
الابنة - (بتردد) أن ذلك يوسخ نعلي.
الأب - يالكِ من فتاة حساسة!
(تلتقط الابنة المكنسة،وتبدأ بكنس زاوية الغرفة ثم تفرغ ماكنسته في صفيحة تغلفها بإحكام.. تتأمل يديها).
الأب ـ إنك حساسة للغاية.. تنفقين أموالي على النظافة وكأن ماننفقه لشراء مبيدات الحشرات لا يكفيك..
الابنة (تذهب لتغسل يديها في الصفحة الواقعة بزاوية الغرفة) ـ.. أجل لأن الحشرات تتكاثر باستمرار..
الأب ـ لماذا تنظفين يديك بالصابون؟
الأبنة ـ لقد توسختا!
الأب - توسختا! أنك لم تلمسي الحشرات، بل أمسكت بالمكنسة فقط!
الابنة (تجفف يديها ثم تنظر ثانية إليهما) ـ تعلم يا أبي، أحس دائماً وكأن الحشرات ملتصقة بيدي.
(تشم يديها، مستفيدة من عودة أبيها إلى دفتر حساباته. تسكب قليلاً من الكولونيا في كفيها).
الأب - (يرفع رأسه مسرعاً) لماذا أخذت من الكولونيا؟
الابنة - (تخفي يديها خلفها) لم أخذ..
الأب (بإصرار) - أخذت، أخذت.. أشم رائحتها.
(يعود إلى دفتره يضع رأسه بين يديه،بصوت موشك البكاء) ـ ستجعلينني أفلس.. (يتأوه كالمريض) أفلس تماماً..
الابنة (تذهب إلى أبيها مترددة) ـ لا تبك يا أبي.. لا تبك!
(تبدأ في البكاء بهدوء) قليل من الكولونيا لا يتجاوز القطرتين.. (عبارة غصن الربيع مكتوبة على قنينة العطر) إلى هذا الحد؟!
(تبكي بحرقة)
انه الربيع.. ربيع الفتيات.. مع أبائهن، في الربيع (تبكي) نحن مع الحشرات..
الأب (يرفع رأسه محاولا أن يبتسم).. لماذا تبكين؟ هه لماذا؟ يالك من ماكرة (يدغدغها) لماذا.. هه.. لماذا؟ لماذا؟
الابنة - (تضحك من أثر الدغدغة) لا شيء (تهرع وتحمل لعبتها تحاول إيقافها على قدميها) تاتي.. تاتي (تقع اللعبة) إنها لا تقف. لا تقف أبداً. تسقط باستمرار.
الأب (ينطلق من مكانه. يقترب من الجدار في الجهة اليسرى متأملاً نقطة ثابتة، ينزع حذاءه، يضرب به الحائط).. لقد فرت.. فرت إلى أين؟ (يبحث عنها).
الابنة (تذهب إلى حيث أبيها، تبحث معه) ndash; فرت حسناً فعلت إذ فرت! لا أريد أن تسحقها على الحائط.. الحيطان تتوسخ. رغم أنني أغطيها بالإعلانات فان الوساخة تبقى معلقة بها.
الأب - (يستمر في البحث) سحقاً! أين تختفي هذه الحشرات؟.. كانت قبل لحظة أمام عيني.. أنها تربك الإنسان.
الابنة - أجل أنها تربك.
الأب (يعود إلى المائدة) ـ انتظري هناك.. سوف تخرج من إحدى الثقوب.
الابنة (تنظر إلى الأرض) ndash; يا إلهي! إنها صغار.. صغار الحشرات.. لا داعي للبحث (تسحقها بقدميها باشمئزاز) لقد غرق نعلي بالقذارة.. نعلي والأرض..
الأب - أسكتي إنني منشغل بحساباتي!
الابنة - (تخلع نعليها اللتين سحقت بها الحشرات، تذهب إلى صنبور الماء تملأ دلواً بالماء وتضع فيه كمية من مسحوق الصابون. تأتي إلى المكان الذي سحقت فيه الحشرات تأخذ خرقتين، تضع أحداهما في الماء تعصرها، وتمسح بها نعليها، ثم
تتجه إلى صنبور الماء وتغسل يديها بالصابون تسكب الكولونيا في كفيها. ينتبه الأب بعصبية. تعود الفتاة، وتبدأ بمسح الأرض، تتناول الخرقة والدلو باليد الأخرى وتتجه نحو الباب).
لو أستطيع أن أذهب بعيداً.. أبعد من هذه العتبة.
الأب - (يرفع رأسه فجأة بشك وخوف) إلى أين تذهبين؟
الأبنة - لن أخرج إلى الخارج..
الأب- كنت على وشك أن تخرجي.
الأبنة - سأسكب هذا الدلو من عتبة الباب مثل كل مرة.. من العتبة.
الأب - (يهرع من مكانه يقترب من ابنته)
تريدين خداعي، أليس كذلك؟
الابنة - (منفعلة قليلاً لأول مرة تفتح الباب. يغمر الخارج ظلام دامس)
قلت سأسكب الماء من العتبة. أقف في العتبة وأسكبه.
الأب - (ينظر كيف أن الظلام يغمر كل مكان )إياك أن تخرجي أنه ظلام حالك.
الابنة - (تنظر بهلع إلى الخارج) أجل انه ظلام دامس (تسكب الدلو من العتبة) تعود مسرعة نحو صنبور الماء) أية قذارة! أية قذارة يا إلهي!
(تغلق الباب مسرعة.) علينا أن نحفر حفرة لتصريف المياه القذرة.. حفرة في الزاوية المضاءة..
الأب - (ينظر إليها بارتياب) تستطيعين سكب الماء في المغسلة. ليست ثمة ضرورة لخروجك..
(يعود إلى مكانه، بعد أن يتأكد من انغلاق الباب)
الأبنة - (تشطف الدلو) توسخ هذا المكان كثيرأ، حينما أغسل وجهي، أشم دائماً رائحة الحشرات الميتة.
الأب - عليك أن تعتادي على ذلك.. الإنسان عليه أن يعتاد على كل شيء.
الأبنة - (تقف برهة مثل طفلة..) لقد كبرت في السن ومازلت أتعود (تنظر خلسة إلى الباب) أليس ذلك ياأبي؟
الأب - (مستغرقاً في حساباته) هناك نقص كيلو من الكبريت.. كيلو آخر لرش زوايا الغرفة.. كيلو مسحوق الكبريت.. (يرفع رأسه، كأنه تذكر أمراً) لم نبتاع الكبريت؟ أنه لطرد الثعابين.
الابنة - (تغسل يديها بعد انتهائها من غسل الدلو) كما أن رائحة الكبريت المحترق تطرد الصراصير هل نسيت؟ ألم يقل البائع ذلك (تشم يديها) كما أنه قال، أن الثعابين قد تزحف إلى أماكن وجود الحشرات..
الأب - إنه يخدعنا. يخدعنا كي يبيع لنا المزيد من مساحيق ومبيداته..
الأبنة - ولكن مهما كان فعلينا طرد الثعابين.. إنها..
الأب - (يقاطعها) أعتقد أن علينا القضاء على الحشرات أولاً. لو قضينا عليها فأن الثعابين..
الأبنة - (ضجرة ) وهل نفعل غير ذلك يا أبي؟
فنحن نفعل ذلك في هذه الغرفة منذ أن وعيت على نفسي.. (تندفع نحو الصنبور) اثنتان معاً! (تخلع نعلها) هربتا.. هربتا معاً.. (تنتاول علبة رش من الرف) لو استطعنا إخراجها من هنا!
الأب - هل عدت إلى علبة الرش ثانية؟ ألم أقل لك مراراً يجب أن لا تلجئي إليها إلا عند الضرورة القصوى.؟. استعملي (الفليت) هيا استعمليه.
الأبنة - (تتناول جهاز الفليت، تضغط) لها رائحة كريهة، رائحة لا تطاق..
الأب - تشتكين من كل شيء دائما.. سئمت منك.. (تتوجه الابنة نحو المغسلة وتتقيأ (ينتبه الأب إليها ينهض نحوها باضطراب) هل أنتِ مريضة؟
الابنة - أشعر بالغثيان.
الأب - إياك أن تكوني؟ (تنتبه الأبنة، تنظر إليه) أقصد حبلى.. أن يكون هناك جنين..
الابنة - (مستغربة) كيف (يائسة) وممن؟(تبكي) أمن الصراصير.. لو ولدت فسألد دزينة من الحشرات..
الأب - (يمسك بها، يجلسها على الكرسي) يالك من فتاة مضحكة (تبكي) يالك من هازلة تبدين باكية بينما تضحكين من جهة أخرى. تضحكين أليس كذلك؟ اضحكي اضحكي.. سأحكي لك قصة رائعة جداً.. لم تسمعي بها من قبل.. اسمعي لا تبكي بل اسمعي.. لن أتحدث لو استمريت بالبكاء. اسمعي أنها ليست مجرد حكاية بل حقيقة (يبدأ الحديث بسماجة وبأسلوب غير مشوق) في أزمنة.. أي في زمن ما.. قام رجل بالتعرف على رجل غني. وهذا الرجل الغني، كان يقطن في منطقة موحشة لكنه يذهب كل اسبوع إلى القرية من أجل محاصيله الكثيرة هناك، ويملأ جيوبه بالمال الوفير ويعود إلى بيته. أن هذا الرجل الغني كان عليه أثناء العودة، المرور من مناطق منعزلة وموحشة لأن بيته يقع في هكذا منطقة. كما قلت كان هناك رجل معدم. هذا الرجل وصل به فقره إلى درجة لا تطاق،كان يقوم مساء يوم..
الأبنة - (تقاطعه وهي مستمرة في البكاء) وما هي الروعة الموجودة في هذه القصة؟..إنها قصة رديئة للغاية..
الأب - (يركع قرب إبنته يمسك يديها) نهايتها مشوقة، اسمعيها حتى النهاية وستعجبك.
الابنة - (مستمرة بالبكاء) لا أريد..
الأب - لا تريدين هذه. على كل حال فأنا أعرف حكاية أخرى أجمل من سابقتها، ولكن كفي عن البكاء. (مستمرة في النحيب) على كل حال سأحكيها لكِ واستمري بالبكاء إن شئت ذلك. أنها حكاية لامثيل لهل (يبدأ الحديث بنفس الاسلوب الممل):
كانت هناك إمرأة مسنة. هذه المرأة المسنة كانت تتأمل الماء لان ساقية صغيرة كانت تمر من أمام دارها. وهي تتأمل الساقية فكرت، كيف أنها طعنت في السن وأصبحت قبيحة بهذه السرعة..
الأبنة - (يزداد نحيبها) حزينة.. أنها حزينة للغاية يا أبي!
الأب - أنها ليست كذلك اسمعي نهايتها، وسوف تنفجرين من الضحك. هذه المرأة الطاعنة في السن حينما كانت تتأمل صورتها في حياتها السابقة فكرت في يوم (يضحك مضطرا) أتدرين إنها لم تعشق منذ فترة طويلة لأنها لم تهتم بأي رجل..
الابنة - لأن أي رجل لم يهتم بها..
الأب - اعتقدي أنتِ ذلك. هذه المرأة كانت قبيحة، لكنها كانت تمتلك شيئا، يبدو جميلاً للكل: كانت ثرية..
الابنة - أما نحن فلسنا بأثرياء..(تنهض فجأة).
لا نملك في بيتنا غير الصراصير، صراصير لا نستطيع القضاء عليها هذا كل ما نملكه.
الأب - ألست موجوداً؟ أنا لك وأنتِ لي، نحن موجودان. أما تلك المرأة فقد كانت وحيدة لم يكن يتحدث إليها غير راعي قطعانها. أتساوين بين غلام وبين سيدة طاعنة وفتاة ريانة؟ هما سيدة وغلام، أما نحن فأب وابنته. كما هذا الراعي وحيد.أغلب الرعاة هم بلا أهل. لذلك يجلس الراعي في المساء الحالك تحت شجرة..
الابنة - أنك تجعلني أصاب باليأس.
الأب - (ينهض من مكانه متأثرا) ألا تودين حديثي؟
الأبنة - كفى! القذارة تحاصر كل جهاتي. قذارة لم أقض عليها!
الأب - يالك من فتاة عصبية!. فتاة لا تحتمل!.. سئمتك..! إنك تمنعيني حتى من إكمال حساباتي..أن عملي يتطلب الهدوء وراحة البال قبل كل شيء..
الأبنة - (تحاول استرضاءه) جسمي لزج.. المسني.. المس اللزوجة..
الأب - يالك من مزاجية! وماذا يعني لو كانت هناك لزوجة؟ نحن نحارب الحشرات هذا كل شيء. هل أنت الوحيدة التي تحارب الحشرات؟!
الابنة ndash; (تغمغم) دائماً في هذه الغرفة..
الأب ndash; ما الذي تفعلينه لو حاربت ضد جيش جرار. ههه أسالك في جبهات القتال النساء أيضاً يحاربن كالرجال، تحت وابل من القنابل. لم يتلطخ جسمك بدم البشر. إنها مجرد صراصير. ورغم ذلك تبدين متذمرة.. أنا لا أبخل لشراء المبيدات ماذا تريدين أكثر من ذلك يا ابنة الخنزير؟
الأبنة (تداعب اللعبة تحدثها برهة)سأمنحك حريتك. سأظل حتى اشتعال عينيك بنفس الألوان.. حينما تشتعل الألوان ستبصرين اتجاهك، ستبصرين واقعك..أيتها الحشرات (أفكارها غير مرتبة) حينما تشتعل عيناك بنفس الألوان.. الحرية واقعك.لا تخشي من شيء خارج البيت الخوف.. الرعب.. (تصرخ) إنني أختنق! (تندفع نحو الباب).
الأب - (يندفع خلفها) لا تذهبي! لو كنت تريدين الخروج سأرافقك، سنتجول معاً في المتنزهات..
الأبنة - أنت خرف، أناني وحزين..
الأب - سنبتاع أدوية ومبيدات جديدة.
الابنة - لتتهدم هذه الجدران عليكم!(تدفعه، تفتح الباب على مصراعيه. الخارج يبدو غارقاً في ظلام دامس تندفع عاصفة إلى الداخل).
الأب ndash; (متوسلاً) عقاقير ومبيدات أكثر تأثيراً.. قفي لا تخرجي(تتردد أمام العاصفة والظلمة. ترجع خطوة إلى الوراء) إذا كنت مصرة على الخروج فليكن في يوم مشمس، سنخرج معاً.. العاصفة من القوة بحيث ستلقيك أرضا عند أول خطوة (يستغل خوفها المتزايد، ويغلق الباب بهدوء) تخرجين في نهار مشمس.. حينما تتفتح براعم الربيع على الأغصان.. حيث تجمعين أزهار الأقحوان..
الابنة - (تهمهم) انتظري انتظري.. يبدو أن الكل ينتظر.. ليخرج الكل إلى الخارج.
الأب - (خائفاً من أن تكون فهمت شيئاً ما)
سأبتاع مبيدات أكثر تأثيرا.. مبيدات ستقضي على الحشرات قضاءاً مبرماً.. (يمسك بيدها، يقودها إلى أمام الإعلانات عن المبيدات) هناك عقاقير ومبيدات قوية للغاية. لو رغبت سنتباع منها. هذه إنها الأفضل هكذا يقولون. ألم يقل البائع ذلك سنذهب إلى المتنزه؟ انظري هذه المبيدات إنها تقضي على الحشرات بشكل قاطع، قد تكون أسعارها غالية، لتكن ما دامت ستقضي عليها، فأنا على استعداد لأنفاق كل ما أملك
الابنة (منهكة، تعبة) أنت لن تنفق شيئاً، أي شيء.
الأب - ألم انفق من قبل؟ الم انفق ثمن الدانتيل لصنع لعبتك؟
(تطرق رأسها)
لم اهتم بالبيت كما يجب، أعلم ذلك، لهذا ظهرت الحشرات. لم أحاربها في وقتها كما يجب. كنت وحيداً. حين يكون المرء وحيداً يعجز عن حل مشاكله. أمك والآخرون حاربنا معاً.. لكن الكل رحلوا الواحد تلو الأخر.. بقيت وحيداً لم يعد يهم أن أدفع ما دمت وحيداً..
الابنة - (تقاطعه) تثرثر بلا طائل يا أبي.. بلا طائل.. (تصرخ) ليس لي ما أدفعه! لا أملك شيئا! أدفع مقابل ماذا وبماذا ولماذا؟!
الأب - أتدفعين؟
(يذهب لإلقاء نظرة على دفتره)
أنظري علب Kill ndash; off، هل دفعت أنت ثمنها؟
الابنة - أجل أنا من ملأ البيت بالحشرات.
الأب - لكنني كنا نواصل معا.. لولا تذمرك.. اسمعي، خمس علب من سموم الفئران..
الأبنة - لم أطلب سماً للفئران. كلا لم أطلب أياً منها.. كان من الممكن أن ألد في بيت خالٍ من الحشرات.. بيت جدرانه ناصعة البياض، نوافذه مضيئة.. بابه مشرق. بيت منير، مشمس..
الأب - (يهمهم) هناك من لا يهتم البتة بالحشرات وهناك من لا يبصرها أبداً.. وهذا لايعني بأنها غير موجودة.
الابنة - لا تعد إلى الهذيان ثانية!
الأب - (متأثراً) قليلة الأدب!
الأبنة - لقد أثقلت كاهلي.. لهذا أنا ضعيفة إلى هذا الحد.. لهذا أنا ضعيفة بسبب ثقل جسمك الكهل!
الأب - (يبكي) سحقاً لكِ.
الأبنة - لا تبك.
الأب -(باكياً) أهذه عبارات تقال للأب (شاكياً) أب مثلي، أب جميل.
الأبنة - (تهرع، تحتضن لعبتها) لعبتي.. لعبتي.
الأب - (ينظر إليها) امتلأ شعر اللعبة بالحشرات!
الأبنة (تقذف باللعبة) أين؟ (تأخذ مبيداً للحشرات، تضغط ما فيه على اللعبة.).
ولكن لماذا؟
الأب - انظري إلى الجدران.
الأبنة - (غير مهتمة) كيف للعبة أن تتحمل كل هذا العدد من الحشرات، والمبيدات السامة (تتأمل اللعبة التي إنطفأ الضوءان الأحمر والأخضر في عينيها)
الأب - (يقترب منها) ماذا بها؟
الابنة - لا شيء البتة. لا الضوء الأحمر ولا الأخضر.
الأب ndash; هل إنطفأ؟
الأبنة - (تصرخ) سمه ما شئت عن حق بدون تهرب!
الأب - هل أنطفأ؟
الأبنة - ماتت يا أبي ماتت!
الأب - لا تهذي اللعبة لم تكن حية!
الأبنة - (تنهض، تلتقط المكنسة المعلقة على الحائط، تبدأ بكنس اللعبة)
جثث.. جثث.. ما أكثرها!
الأب - (ينطلق نحوها، ويحاول انتزاع المكنسة!) قفي، لا تكنسي اللعبة يمكن إصلاحها يمكن أن يعود الضياء إلى عينها بشراء بطارية جديدة.
الابنة - دعني.. لن تلعب بها ثانية، لن تلعب!
الأب - لن ألعب بها، ستلعبين معها أنتِ من جديد.
الأبنة - (تهز المكنسة في وجهه) قلت لك دعني لا أريد لعبة تنطفئ إحدى عينيها، أريد لعبة تشتعل عيناها بنفس الضوء..
الأب - (يمسك بطرف المكنسة، لإنقاذ اللعبة) لعبة جديدة! يسهل قول ذلك لعبة جديدة. تحتاج إلى نقود كثيرة. بل يجب الاستدانة.. هل تفهمين لن أستطيع الإيفاء بها.
الأبنة - (صارخة) أما كل شيء أو لا شيء (تكنس اللعبة).
الأب - (يجلس متعباً. يتأمل كنس اللعبة باكياً) كيف تستطيعين الاحتفاظ بها في زواية بدلاً من كنسها.
الابنة - (وهي تكنس اللعبة) سأكنس نفسي لو استطعت ذلك (يرتعد الأب يسمعها لأول مرة باهتمام) (بضربة تقذف الأبنة اللعبة من أحد الشقوق في زاوية الغرفة إلى الخارج).. سأكنس نفسي أيضا خارج البيت.
(تحاول أعطاء المكنسة إلى أبيها)
اكنسني يا أبي! أتوسل إليك.. اكنس!
(تجلس متكورة على نفسها)
هيا.. اكنسني.. هيا..
الأب - (يداعب شعرها)
أنت لست بحشرة ولست بلعبة.
الأبنة - أي شيء أنا؟ هل تقول لي ذلك؟
الأب- أنتِِ ابنتي.
الابنة - أبي.. لا تثقل كاهلي من جديد فمثلك لا يحتمل.. (تعطيه المكنسة) هيا، اكنسني..
الأب- أعلم إنني لم أحمك كما يجب.. لم أدعك قوية كما يجب.. ربما البيت.. أو أمك.. (ينهض) هل السبب يعود إلى البيت وحده؟ أيمكن اتهام البيت؟
الابنة - تسأل ذلك دائماً. ومن غير البيت يعتبر سبباً في ذلك.. ثم أن هذا ليس ببيت بل.. بل..
الأب - (مهزوماً) ما دمنا مرغمين على العيش هنا، علينا مرغمين أيضا مكافحة الحشرات.
الابنة - (مبتعدة عنه) أنا لست مرغمة على العيش هنا.
الأب - (ببرود) إلى أين تستطيعين الذهاب؟
الابنة - (تقف مستغربة) هذه أول مرة تسألني فيها.
الأب - أنا لم أفكر بالذهاب.. لخوفي من ذهابك لم أفكر بالمكان الذي ستذهبين إليه.
الابنة - عليك أن لا تسأل. كنت أفكر دائماً بالرحيل، بالخروج وحيدة خارج عتبة هذا الباب، للقاء من خرجوا إلى الخارج.. أما الآن (تخلع نعليها بحركات ميكانيكية، وتقذف بهما على الحائط) سحقت ثلاثاً بمرة واحدة (تلبس النعل، تمشي بلا اهتمام) يجب أن لاتكون قذارة الموتى أكثر من قذارة الأحياء بأي حالٍ من الأحوال (تسحق شيئاً ما على الأرض) كل شيء يتحرك يعمل.. أن ذلك أفضل من معرفة أين يتوجهون (تسحق) لا أريد أن أعتاد على هذا يا أبي!
الأب - (يتأملها وهي تسحق الحشرات هنا وهناك دون شعور بالاشمئزاز. يذهب نحو الباب ويفتحه، لا يزل الظلام يغمر الخارج) أنظري، كل شيء منير، مشمس.
الابنة - (تعود وتنظر بأمل إلى الخارج تبصر الظلام) أنت تكذب، الظلام هنالك
الأب - شمس ساطعة.
الابنة - (تنتظر تخليه عن فكرته)أليست هناك عاصفة؟
الأب - كلا. شمس ربيعية.
الابنة - من الممكن أن تهرب العاصفة من جديد ألم تكن تقول لي ذلك: لا تعتقدي أن الشمس دافئة في الخارج دائما، من الممكن أن تهب العاصفة في أية لحظة.
الأب - لكن الشمس ساطعة الآن (لحظة توتر) أخرجي لو كنت تودين ذلك.
الابنة - (تقترب من الباب خائفة) هل أخرج؟
الأب - لو أردت..
الابنة - لكنني.. قد لا أعود.. ألا تخشى أن لا أعود.
الأب - (يضحك بهدوء) كيف لا أخشى (بهدوء) أنها نهايتي.
الابنة - هل أنت واثق.. من عدم وجود أية حشرة في الخارج؟.
الأب - لست واثقاً.
الابنة - مع ذلك تدعني أذهب.
الأب- (ينظر إلى الظلام في الخارج) لقد أنهيت كل قصصي وحكاياتي.
الابنة - (بعناء) أتدعني أذهب؟
الأب - أجل..
الابنة - ولكن لماذا؟
الأب - قلت لك انتهيت من كل حكاياتي.
الابنة - (خائفة، تخطو أول خطوة ثم تقف) ألن تصرخ من خلفي؟
الأب - لن تسمعيها.
الابنة - (تتراجع) لو أعلم أنك لن تبكي خلفي..
الأب - (يدفعها برفق إلى الخارج) لن أبكي!
الابنة - (ترقد) أشعر بالخوف.
الأب - لا تخافي.
الابنة - أنت علمتني الشعور بالخوف خارج هذه الجدران.. لو كنت وحيدة..
(تخطو خطوة نحو الخارج) أخرج لأنك تريد ذلك، أنت أردت.. أنت أرغمتني..
الأب - قبل قليل كنت تتحدثين مع اللعبة.. لكل لعبة واقع ما.. أليس كذلك؟
الابنة - أنت أرغمتني..
الأب - ولربما الحشرات.. (بعد فترة) يجب أن يكون لكل لعبة واقعاً ما!
الابنة - أشعر بالخوف..
الأب - (يخطف المكنسة ويهجم عليها) هيا اذهبي وإلا سأسكب عليك المبيدات كلها! الأبنة ndash; أسكبها علي ثم اكنسني..
الأب - أفضل أن أكنسك وأنت حية بدلاً من أن أكنسك وأنت جثة هامدة.
الأبنة - (في الخارج) سوف لن تلحق بي كي تعيدني ثانية أليس كذلك؟
الأب - ليس ذنبك أن تشعري الخوف إلى هذا الحد.
الأبنة ndash; (من الخارج) أبي.. ستبقى حياً.. لا أريد أن تبقى وحيداً.. لا أريد أبداً.. لا أريد لقاءك مع الحشرات بين القاذورات.. والديون (لحظات يبتعد صوتها) أبي! قل لي إلى أين أذهب؟ (يبتعد صوتها أكثر) أبي، أبي، أريد أن أشعر أنك لن تبكي خلفي!
(يبتعد الصوت أكثر) لا أعلم ما أفعل.
الأب - (بصوت منخفض) طيري.. طيري!
الأبنة - (من مسافة أبعد) أبي لاابصر طريقي.. لا أبصر طريقي..
الأب - (بصوت خفيض) لن تفلح (كمن يتمنى ذلك)لن تفلح..
الأبنة - (من بعيد) أستطيع أن أبصر طريقي.. الظلام ليس حالكاً.. أبي هل تسمعني؟ هل تشعر بالوحدة الشديدة؟ لا أريد أن أعرف بوحدتك (تضحك)لا تبك أبي عبثاً (يتردد صدى صوتها) صباح الخير أيها الأطفال.. صباح الخير.. صباح الخير..
الأب - (وحيداً) لكل واقعة واقعة.. (يتناول المكنسة، يسكب جميع مبيدات الحشرات على جسمه، يتمدد على الأرض، يحاول كنس نفسه وهو يتلوى..)