جمعة شنب - حمّام.. قصة قصيرة

أُذِن لمواطني مملكة الدّرِّ المنثور بالاستحمام، بعدَ أن كانوا حُرِموه أربعًا وأربعين سنةً قمريّة، جزاءً وفاقًا على عدمِ إنشادهم، بصورةٍ تليق بطهور حفيدِ الملك، آنذاك..
ولقد تعاملَ النّاسُ مع الإذن الملكيِّ السّامي، كأمرٍ من الباب العالي، فتسرّبوا إلى مجمّع الحمّامات العامّة، التي شيّدت خصّيصًا لهذه المناسبة، بأدبٍ جمّ..
اصطحب الناس حميرهم وبغالهم وقططهم ودجاجاتهم معهم، هذا عدا أبناءهم وبناتهم، واصطحب أحدهم قردًا هرمًا كان يعيش في منزله، فيما اصطحب آخرُ بقرةً عجفاءَ في حالة نزاع..
كان أهالي المملكة مواطنين صالحين لا يعصون الملك ما أمرهم ويفعلون ما يؤمَرون! لذلك راحوا يستحمّون ممتنّين، داعين للملك بطول العمر، ولم يهدرْ أيٌّ منهم نقطةَ ماءٍ على غيرِ جسمه، كما إنّهم لم يعيروا اهتمامًا لاحتكاك عوارتهم بعضها ببعض، ولم يغضَّ أيٌّ منهم بصره عن سوأة أخيه أو أخته..
بعد نصف ساعة انقطع الماء المتساقط من السقف العالي، فتبيّن لهم كمّ الصدأ الجاري على الأرض الملساء، وراحوا ينظرون في وجوه بعضهم، فلم يتعرّفِ الزوج إلى زوجه، ولا الأب إلى ابنته، حتّى نُفِخ في البوق، فتسمّروا في مواقعهم، وراح هواءٌ ساخنٌ يلفح وجوههم ومؤخّراتِهم، فجفّوا، وراحوا يدعون للملك وحفيده من جديد، إلى أن نُفِخ في البوقِ ثانيةً، فجمدوا في أماكنهم، وتمَّ شفط الهواء، ثمّ رُشّوا بطبقةٍ شمعيّةٍ ساخنة، فتسمّر كلٌّ منهم في موقعه، وكانت أيديهِم مرفوعةً نحو السماء.

تعليقات

أستاذ جمعة شنب
كما عهدنا حرفك دوما ، مفعم بالحيوية والنشاط ، حيث تبحر بالقاريء في عالم غامض مبهم ، يمتليء دهشة تشدّه لأخر القصة ، بتشويق تجعل فيه القاريء يلهث نحو قمة النهاية .
وما أن يصل القاريء لذروة النهاية ، تجبره حروف قصتك للعودة لقاع البداية ، والعودة للصعود من جديد . دمت مبدعا صديقي .
 
هذا من لطفك الشديد وذوقك العالي صديقي العزيز. أشكرك من قلبي.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...