"قصة الذين بلا مأوى يحميهم من العدوى .. الرحمان معهم "
جملة ما ملَك و إمْتَلَك، حروف يضمُّها إليهِ ، نبَضاتُ القلب أمَلٌ!. ليس بيَمينِه عَدَا اللِّحاف الرثّ البالي ! و دَمْعُ العيون هَطْلٌ!، أين المفرُّ ؟ سؤال المُشرَّد المنْبوذِ ! مُحاصَرٌ بلاَ مَسْكَن !. الفيروس من أمامِه، و عند الخلفية تتمظهر قَساوَة سياساتِهم ..
هُم كانوا هنا و لم يكونوا معه ، كانوا أمامه ؛ جَيْئَةً و ذهابًا يتَناوبُون على دَكِّ الرصيف بعَضائد أنْعالِهم ..
روائح العطور الفاخرة ، نظرة العيون الساخرة، لا مبالاة العقول القاصرة.كان المشرد حينَ كانَ يراقب تحركاتِهم.. يتأمل رنينَ دُريْهماتِهم.. يرمُقُ ما تيَسَّر من حنانِهم! أو يلتقط سماع ما اسْتَيْسَر من كلِماتِهم ..
و لأن المشرد لا يملك شيئا؛ كان يدعو لهم مقابل عطائِهم : " الله يحفظكم". ها هي نبضات قلب المُشرد سليمة ، و المارَّة لا يعلمون كيف كان يأنس برُؤيتِهم، رغم حاجز الفوارق عاشَ صباح مساء سعيدا بانتظارِهم ..
و حين يأتي الليل؛ كان المشرد يُتَمْتِم وحيدًا : غدًا إن شاء الله ! سأسمع صوت أقدامِهم، سأرى جديد صنائِعهم..
ثم ينام على الرصيف مطمَئنًا راضيًّا مرضيًّا! كَيْ يستيقظ من جديد، ليجد الرصيف خالٍ ! لا أرجل فوق المكان! كورونا غيَّرت الزمان!. و إنَّهُ المشرد : هو المنسيُّ في زمن الحضارة ! هو الأميُّ في زمن التكنولوجيا و الهواتف الذكيَّة!. و إِنَّه المُشرَّد : هم لل يشاركونَه اللايْكَاتْ عبر السوشيال ميديا. بل هذا المشرد خارج شبكات التواصلِ، هو تحت طائلة التجاهلِ إذ ليس له حق الوصول إلى المعلومة. لذا لم يصلهُ خبر الفيروس! و لن يتَفَضَّل أحد عليه بالنشرة الهامّة و لن يبالي به أحد!. و المخفي يقالُ : هو في الله أحبَّهم، ظل و ظل ينتظر، ثم ضَلَّ تائِها في انتظارِهم ..
ضرب الأخماس في الأسداس: ربما كان الأحد طويلا، ربما غيروا الشارع قليلا، ربما ملُّوا من رؤيتي، أو لربما أثقلْت كَواهِلَهم!. و لأن المشرد لا يدري و لا يدري أنه لا يدري! وقف ناهضا ؛ حمل اللحاف فوق كتفَيْه، و راح يجوب الشوارع باحثا عن آياتِهم..
سمع نداء الآذان: الله أكبر .. الله أكبر ! فَظنَّ أنهم بالمسجد ، حيث جلس أمام المصلى عَلَّ الجامع يجمعُهم!. فانتظر و نظر؛ هو ظنَّ أنَّه مُلاقِيهم ! هو حَمْلَقَ مليّا، لمَ لم يأت أحد للصلاة! هكذا نادى المشرد: ربَّاه يا ربَّاه : حتى بيوتُكَ خاوية! أين غاب أهلُها؟، نا أسأل عنهم، إنِّي و الله أُحبُّهم، أنا المشرد أشتاق لخطوات المارَّة!. إلهي أين غابوا عني؟ أنا لا أريد دَراهِمَهم! وَا عودوا أحبَّتي عودوا ! لا أحزنكم الله !. كرَّرها عشرات المرات و نادى : الله حافِظهُم .. الله حفظهُم ..
فجأة سمع صوتا من وراء حجاب ، ترددات صدى المكان : آمين!. رد عليها المشرد : أجمعين !. فقال المؤذن: صلِّ في بيتك يا رجل! قد غاب الذين تُخاطِبُهم!، أ لا يُرهبك فيروس كورونا!، أ لمْ تسمع بحظر التجوال؟، أ لا تخاف من العدوى!. سأرمي لك بعض الطعام، خًذهُ ثم إرحل من هنا ؛ هيا إرحل بعيدا قد ولى زمن ولائِمهم و إنقضى!. هكذا كتمها المشرد في نفسه و قال : الله يحفظك.. أنا لا أريد الطعام! الله يحفظك.. إني سائلُكَ عن الناس؟، أنا أريد أَجْرَ عيادَتِهم! ..
فقال المؤذن : يا صاح .. هذا الوباء خطير خبيث و سريع الانتشار ! الجُلُّ عزل نفسه ! و الباقي محجور عليهم! و أنت كالمجنون أراك تريد الانتحار! لقد أنذرتُك و به نهاية الحوار!. حافظنا الله، و هوَ الرحمان حافِظُهم !
تأمَّل المُشَرَّدُ هنيهة و هَمْهَم : سأقتل هذا الفيروس المسلول الذي عنِّي غَيَّبَهُم ، عشرون سنة و أنا أعيش التَّشردَ، عشرون سنة بلا مأوى، جسدي منيع و مناعَتي ربانية.جسدي مِخْبرٌ، و أنا المُختَبَر ، عيوني مجهرٌ، بلْ أنا مقبرة الفيروسات!. فالويل لِكُوفيد 19! هَا.. أَنَا .. ذَا أطلقت التّوَعُّدَ، أنا هازم كورونا! و أعلم من الله ما لا تعلمون! لاَ خوف عليكُم و لا أنتم تحزنون! هذه الصلاة زكاةُ أُعطِيَّاتِهم ..
عند بوابة المستشفى؛ نادى المُشرد بصدق الإحساس: يا واحدا لا ينام إشْفِ أحبَّتي و جميع عبادك !. فَهَرعَ نحوَهُ جمع من الناس: " معجزة .. معجزة "، أنظروا له ؛ هو المُشرد لا تُصِيبُه العدوى!. سحابة رقمية تناقَلَت الخبرَ، مواقع التواصل الإجتماعي أذَاعَت أن المُشرد هزَمَ كورونا فيروس!. هكذا عبْقَريُّ المختبرات إنْبَهرَ ، هَكَذا المُشرَّد بالشفاء ظهرَ ، عسى الرحمان يُؤَمِّن رَوْعَاتِهم ! ..
بقلم عبد المجيد مومر الزيراوي
شاعر و كاتب مغربي
جملة ما ملَك و إمْتَلَك، حروف يضمُّها إليهِ ، نبَضاتُ القلب أمَلٌ!. ليس بيَمينِه عَدَا اللِّحاف الرثّ البالي ! و دَمْعُ العيون هَطْلٌ!، أين المفرُّ ؟ سؤال المُشرَّد المنْبوذِ ! مُحاصَرٌ بلاَ مَسْكَن !. الفيروس من أمامِه، و عند الخلفية تتمظهر قَساوَة سياساتِهم ..
هُم كانوا هنا و لم يكونوا معه ، كانوا أمامه ؛ جَيْئَةً و ذهابًا يتَناوبُون على دَكِّ الرصيف بعَضائد أنْعالِهم ..
روائح العطور الفاخرة ، نظرة العيون الساخرة، لا مبالاة العقول القاصرة.كان المشرد حينَ كانَ يراقب تحركاتِهم.. يتأمل رنينَ دُريْهماتِهم.. يرمُقُ ما تيَسَّر من حنانِهم! أو يلتقط سماع ما اسْتَيْسَر من كلِماتِهم ..
و لأن المشرد لا يملك شيئا؛ كان يدعو لهم مقابل عطائِهم : " الله يحفظكم". ها هي نبضات قلب المُشرد سليمة ، و المارَّة لا يعلمون كيف كان يأنس برُؤيتِهم، رغم حاجز الفوارق عاشَ صباح مساء سعيدا بانتظارِهم ..
و حين يأتي الليل؛ كان المشرد يُتَمْتِم وحيدًا : غدًا إن شاء الله ! سأسمع صوت أقدامِهم، سأرى جديد صنائِعهم..
ثم ينام على الرصيف مطمَئنًا راضيًّا مرضيًّا! كَيْ يستيقظ من جديد، ليجد الرصيف خالٍ ! لا أرجل فوق المكان! كورونا غيَّرت الزمان!. و إنَّهُ المشرد : هو المنسيُّ في زمن الحضارة ! هو الأميُّ في زمن التكنولوجيا و الهواتف الذكيَّة!. و إِنَّه المُشرَّد : هم لل يشاركونَه اللايْكَاتْ عبر السوشيال ميديا. بل هذا المشرد خارج شبكات التواصلِ، هو تحت طائلة التجاهلِ إذ ليس له حق الوصول إلى المعلومة. لذا لم يصلهُ خبر الفيروس! و لن يتَفَضَّل أحد عليه بالنشرة الهامّة و لن يبالي به أحد!. و المخفي يقالُ : هو في الله أحبَّهم، ظل و ظل ينتظر، ثم ضَلَّ تائِها في انتظارِهم ..
ضرب الأخماس في الأسداس: ربما كان الأحد طويلا، ربما غيروا الشارع قليلا، ربما ملُّوا من رؤيتي، أو لربما أثقلْت كَواهِلَهم!. و لأن المشرد لا يدري و لا يدري أنه لا يدري! وقف ناهضا ؛ حمل اللحاف فوق كتفَيْه، و راح يجوب الشوارع باحثا عن آياتِهم..
سمع نداء الآذان: الله أكبر .. الله أكبر ! فَظنَّ أنهم بالمسجد ، حيث جلس أمام المصلى عَلَّ الجامع يجمعُهم!. فانتظر و نظر؛ هو ظنَّ أنَّه مُلاقِيهم ! هو حَمْلَقَ مليّا، لمَ لم يأت أحد للصلاة! هكذا نادى المشرد: ربَّاه يا ربَّاه : حتى بيوتُكَ خاوية! أين غاب أهلُها؟، نا أسأل عنهم، إنِّي و الله أُحبُّهم، أنا المشرد أشتاق لخطوات المارَّة!. إلهي أين غابوا عني؟ أنا لا أريد دَراهِمَهم! وَا عودوا أحبَّتي عودوا ! لا أحزنكم الله !. كرَّرها عشرات المرات و نادى : الله حافِظهُم .. الله حفظهُم ..
فجأة سمع صوتا من وراء حجاب ، ترددات صدى المكان : آمين!. رد عليها المشرد : أجمعين !. فقال المؤذن: صلِّ في بيتك يا رجل! قد غاب الذين تُخاطِبُهم!، أ لا يُرهبك فيروس كورونا!، أ لمْ تسمع بحظر التجوال؟، أ لا تخاف من العدوى!. سأرمي لك بعض الطعام، خًذهُ ثم إرحل من هنا ؛ هيا إرحل بعيدا قد ولى زمن ولائِمهم و إنقضى!. هكذا كتمها المشرد في نفسه و قال : الله يحفظك.. أنا لا أريد الطعام! الله يحفظك.. إني سائلُكَ عن الناس؟، أنا أريد أَجْرَ عيادَتِهم! ..
فقال المؤذن : يا صاح .. هذا الوباء خطير خبيث و سريع الانتشار ! الجُلُّ عزل نفسه ! و الباقي محجور عليهم! و أنت كالمجنون أراك تريد الانتحار! لقد أنذرتُك و به نهاية الحوار!. حافظنا الله، و هوَ الرحمان حافِظُهم !
تأمَّل المُشَرَّدُ هنيهة و هَمْهَم : سأقتل هذا الفيروس المسلول الذي عنِّي غَيَّبَهُم ، عشرون سنة و أنا أعيش التَّشردَ، عشرون سنة بلا مأوى، جسدي منيع و مناعَتي ربانية.جسدي مِخْبرٌ، و أنا المُختَبَر ، عيوني مجهرٌ، بلْ أنا مقبرة الفيروسات!. فالويل لِكُوفيد 19! هَا.. أَنَا .. ذَا أطلقت التّوَعُّدَ، أنا هازم كورونا! و أعلم من الله ما لا تعلمون! لاَ خوف عليكُم و لا أنتم تحزنون! هذه الصلاة زكاةُ أُعطِيَّاتِهم ..
عند بوابة المستشفى؛ نادى المُشرد بصدق الإحساس: يا واحدا لا ينام إشْفِ أحبَّتي و جميع عبادك !. فَهَرعَ نحوَهُ جمع من الناس: " معجزة .. معجزة "، أنظروا له ؛ هو المُشرد لا تُصِيبُه العدوى!. سحابة رقمية تناقَلَت الخبرَ، مواقع التواصل الإجتماعي أذَاعَت أن المُشرد هزَمَ كورونا فيروس!. هكذا عبْقَريُّ المختبرات إنْبَهرَ ، هَكَذا المُشرَّد بالشفاء ظهرَ ، عسى الرحمان يُؤَمِّن رَوْعَاتِهم ! ..
بقلم عبد المجيد مومر الزيراوي
شاعر و كاتب مغربي