على حزين - شُرُم بُرُم.. قصة قصيرة

في يوم من الأيام , جمع والينا أترابهُ , ولا أحد يعرف ما أصابه , وقال لهم : في تثاؤب , وكسل , وعيناه قد أصابها شيء من الإرهاق , وشيء من العسل ...
ــ أنا اليوم أشعر بالكسل , وبالفراغ , وبالملل , وأشعر أيضاً بالقرف , وبالسأم "
فقام واحد من إياهم يمدحهُ , ويذم الهم الذي تجرأ ودخل قلب إلى حضرة المفدَّى ولي النّعم , ........
فشكر صنيعه , وباركه , وقرَّبه إليه , وأدناه , وأغدق عليه , وأعطاه , وقال له :
ــ " اجلس يا فتى بجواري , أنت عالم , ولك عندي حظوة , ولك ساق , وقدم , وقد برهنت اليوم عن إخلاصك , سأجعلك من اليوم جليسي , ونديمي الأوحد الأهم , يا صديقي التوأم " .....
ومرت برهة من الزمن , والكل صامت لا يتكلم , وكأن على رؤوسهم الطير ,
ثم طلب من غيره أن يقم , ويتكلم , ويوجز , ولا يسهب , ولا يسب , ولا يذُم , أو يشتم أحداً , وقال له : هذا هو الأهم .........
فقام ثعلب مكَّار , وراح يزور الكلام, ويستف الأفكار , ويزين الحوار , وحديثه مليء بعبارات مثل العسل , وأخذ يظهر تعاطفاً معه , واحترماً له , وبدا وجهه مثل الرمانة , وأبدَى يقول , كلامه المعسول , وهو يدس السم في العسل ,:
ــ " إن كان سيدي يشعر بالألم , فديته بروحي ونفسي , فليستريح من الهم , والتعب , وأنا أقم بما يقوم به سيدي من أعباء , وعمل " .......
فزغر إليه زغرة فاحصة , ثم ابتسم , والغضب على وجهه قد عُلم , وهز رأسه قليلاً , هزة من فهم الحيلة , وراح في نفسه يتمتم .. ويطنطن : ..
ــ " مممم , مممم , أتريد أن تجلس مكاني يا قزم , يا فسل , يا ابن ....." يا قليل الحياء , والأدب , أين العقل منك , والفهم , والعلم " .......
فلما رأي الوجه منه قد أخضرَّ , وأصفرَّ, ومن شدة الغضب أحمرَّ كالجمر, حتى كاد وجهه أن يلتهب من شدة الغضب ......
وبدتّ عليه سحب الغضب , فقام ,واعتذر علي الفور , ثم جلس , وكتم , بل انزوى بعيداً , وانسحب , وأكتف الأيدي , والتزم الصمت , والأدب , وبلم , ولم ينطق ببنت شفة , أو بفم ......
ثم قام ثالث , ورابع , وسابع , ممن هم أتقنوا النفاق , والتطبيل , وتزويق الكلام بالباطل , ليغطوا علي ما ارتكب هذا الأحمق من جرم , فهاجوا عليه وماجوا , وأغلظوا له في القول , مع التأنيب , واللوم , ثم توجهوا له بابتسامةٍ صفراء , لآوين أعناق الكلام , وكان مما قالوا له من مديح , وسناء : ...
ــ " قائدنا الملهم , المفدَّى , السيد المحترم , يا من كله تقوى , وورع , وفهم , وعلم , وحلم , وأياديه علينا لا تعد ولا تحصى , أبانا الذي نفديه بأرواحنا , والدم , وقائدنا الهمام , نرجوا ألا يغضب علينا , ولا يهتم , ولا يغتم , بما قال له هذا الفسل , القزم , التافه , الجرو الأغر , الأخرم , ولا يعتريه ذرة هم , ولا غم " ...
فسُر بكلامهم , ودعا لهم بالتوفيق , ومزيد من العلم , والفهم , ومزيد من الرفعة , وعلو الشأن , ووعدهم بنشر أعمالهم , وبأنه بهم سيهتم , فقد اكتشف فيهم مواهب كثيرة , وأدب جم , قلّ أن توجد في مثلهم , في هذا الزمن الغم , وسيضعهم في دائرة اهتماماته , وفي المكانة والمنبر المحترم , وسيدخلهم التاريخ من أوسع أبوابه , وأعطاهم حزمة من الوعود .. " شُرْم , برم " .........
ثم لما قام من بينهم ناصح أمين مخلص يبغي للناس النفع والخير الأعم , لم يعطه فرصة في الكلام , ليتكلم .. فقط ليقل له :
ــ " يا سيدي : نريد منك الأهم ثم المهم , نحن نريد المساواة , والمساواة في العدل حلم , ولا نريد منك أن تسوقنا كقطيع من الغنم , أين الشفافية يا سيدي ..؟! .. أين المساواة ..؟!.. أين الفهم , وأين العلم ..؟! .. أين العدل ..؟.. " .....
وهنا أعطاه بالقلم , وقال له : من أنت ..؟!.. ومن تكون يا جرو , يا واطي , يا ابن الهرم ... يا ابن الـ ...... " ..........
واخذ يشتمه ويزُم , كُنهك , أصلك , فصلك , وأين أنت من هذا العلم ..؟!..
كيف تجرأت بالإهانة ..؟.. وكيف تجرح , وتذم .. اعتذر عن هذا الكلام , وإلا , وديني ستندم , ولآت حين يفيد الندم , .........
حينها غضب والينا المحترم , وطاش منه العقل , والحلم , والعلم , فقام منتفضا ً, مغضباً , منهزم , قام وانصرف , وخلفه جُل القوم , يهدئونه تارة , وأخرى يقولون له : .. " اطمأن , سنجعله عبرة لمن لا يعتبر , وسيعتذر لك , أو يندم , وإلا سنفصله , ونطرده , من حظيرة الغنم , ومن نادينا العلم , ونجعله عبرة لمن لا يعتبر , وسنمضي علي ذلك ونبصم " .....
فقال لهم : بوركتم يا قوم : وهو يبدي لهم شيئاً من الحزن , والألم ....
ــ " أنا كنت لم أنتوي الترشح ثانية عليكم , فلما يسبني هذا , ويشتم " ....
وقال : الناصح الأمين ....
ــ " ماذا قلت ..؟.. وماذا صنعت , كي أعتذر , أو اُفصل من النادي , ومن عملي
وأقطع , وأصرم " ............
فقالوا له : ــ " أنت لم تدرك حجم ما قلت , وما فعلت يا سيد يا محترم في حق والينا المبجل , العَلَمْ .." ....
ألا تعلم أن هذا ولِيُّنا هو وليُّ النعم , ألا تعلم يا هذا الصعلوك البُرم , بأن والينا المفدَّى الأعظم لا يخطئ في كلامه , ولا في أفعاله يصيبه العطب , ولا يجرم , ولا يمن على من أحسن إليه , ومن غيره لا نعرف أن نتصرف , أو نفعل شيء ,.... وأصر كلٌ علي موقفه من ثمّ ... وهنا انفضَّ السامر , وأسدل الستار , ......
تلك هي القصة يا صاحِ , فلتعي , ولتفهم ................

*************
تمت مساء الجمعة 26 / 9 / 2020
على السيد محمد حزين ــ طهطا ــ سوهاج ــ مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...