محمد طالب محمد الشاعر البصري القتيل عرفته ايام التلمذة بكلية الاداب ابان الستينات ، و طوال اربع سنوات جمعت بيننا صداقة متينة و سكنا سوية في القسم الداخلي ، ثم تجددت هذه الصداقة عندما اوفدنا الى بلاد الجزائر للتدريس عام 1968 و استمر ايفادنا الى 1974 و هناك سكنا سوية ايضا بمدينة (قسنطينة) عاصمة الشرق الجزائري في حي كان يعرف باسم (باب القنطرة) ثم تعرف على انسة قسنطينية فخطبها من اهلها ثم تزوجها و انتقل الى السكن معهم في شقتهم الواقعة في عمارة كبيرة و بطوابق عديدة اشتهرت باسمها الفرنسي و ترجمته العربية (سكة الجميلات) و العمارة تقع على مقربة من سكننا ، فكنت اكثر الاماسي اصعد اليه في شقتهم الواقعة في الطابق الخامس فاجده ينتظرني و قد اعد العشاء و بعد ان نصيب شيئا منه كنا ندخل احاديثنا الدائرة حول ما حبرنا من اوراقنا الشعرية ، و كان يحب دائما ان القي عليه قصائده التي كتبها كنت اعيش معه كتابتها و كيف انها كانت تكتمل يوما بعد اخر و استطيع ان اقول انني عشت و عايشت ولادة معظم قصائده التي ظهرت في مجموعته الاولى الموسومة ب(التسول في ارتفاع النهار) و التي طبعت في النجف الاشرف عام 1974 .
عندما انتهى ايفادنا مع صائفة عام 1974 عدنا الى العراق الا انه مع شتاء 1975 رجع ثانية الى الجزائر حتى يكمل شمله مع عائلته و قبل ان يغادر العراق التقيته ببغداد حيث قضينا امسية ماتعة برفقة صديقنا الشاعر (فوزي كريم) و الجدير بالذكر ان ثلاثتنا خريجو دورة واحدة في كلية الاداب . اذن عاد (محمد طالب) الى الجزائر و تعين تدريسيا ببلدة (الطاهير) التابعة الى ولاية جيجل في الشرق الجزائري و يبدو انه استمر في عمله هناك الى ان حلت العشرية السوداء في تسعينات القرن المرتحل و التي ظللت غيومها القاتمة سماء تلك البلاد الواسعة و اغتيل شاعرنا في صبيحة حزينة من عام 1994 امام باب المدرسة التي كان يدرس فيها .
امتدت اليه ايادي العصابات الظلامية و انهت حياة هذا الشاعر الانسان الذي انا متيقن منه اشد اليقين بانه لم يسيء الى كائن من كان ، عرفته بشوشا خيرا محبا للخفيف من المزاح ياتي و ظرفه يتقدمه و يسال عن الاصدقاء يزور المعافين منهم و يعود مرضاهم و اظن ان خلقه النبيل حبب اليه الكثير من الاصحاب فغدا ايقونة عراقية في مدينة (قسنطينة) التي احببنا جبالها و اسواقها و جسورها المعلقة و اغانيها التي كان يؤديها الشيخ (الفرقاني) و حتى انه صادق اديبها المشهور (كاتب ياسين) صاحب رواية (النجمة) و وجه اليه دعوة كي نلتقيه و نسمع منه .
طبع الشاعر مجموعته الثانية المعنونة (متاهات لا تنتهي) في دمشق عام 1990 و صدرت ضمن منشورات اتحاد الكتاب العرب و ضمت المجموعة ثماني عشرة قصيدة توزعت على مئة و ست و تسعين صفحة و النصوص تميزها رؤية موحدة و هي تصب في بعضها البعض ، و المتاهات تنداح و تتسع ، الشاعر يعاني من غربة شديدة و حصار مقيت و ثمة غيوم سوداء تتجمع و البرد يشتد و الرياح الشديدة تعصف فهو يهتف :
“ثمة واحات داكنة ،
و مهبات صفراء
اوصد بابك ، ثمة سفائن جانحة و اعاصير
و غوارب عاتيه .”
يكرر الشاعر في نصه هذا الموسوم ب(للانقطاع) لازمة (اوصد بابك) ست مرات فكانه كان يتنبأ بواقعة موته و مصيره المحتوم و هو باحسيسه المرهفه ، باحاسيس الشاعر الرائي عرف ان سوادا يلف البلاد و يطوق العباد فانطلق منه هذا الخطاب النازف اوجاعه المؤلمة :
“اوصد بابك ، ثَم ذئاب تعوي تملأ ليل العالم
وبغام منهمر بحنين “
و الجدير بالذكر ان نصا شعريا ظهر لشاعرنا على صفحات مجلة (اللحظة الشعرية) التي كان يصدرها الشاعر فوزي كريم و القصيدة مؤرخة في 6/9/1993 و ظهر النص تحت عنوان (الجريمة) فكان شاعرنا حدس ثمة جريمة تقترف و اياد سوداء ستمتد اليه و تصيب منه مقتلا و النص عبارة عن رحلة من الضياع حيث ظلال الموت تحف منخفضات الارض وهو يكثر من تعاطي اسم الاستفهام (من) مما يضفي على النص ايقاعا من الحيرة و سقائف من الغربة الشديدة وهو الشاعر الغريب يطوف باحثا عن احلامه الضائعة لعله يشق دربه بين الطرقات الملولبة يقول :
“و نتخذ الطرق التائهة
و نتخذ الطير ، و نتخذ الصحراء و نتخذ البحر رفاقا
من سرّب تلك الاسرار المدفونة بين النهرين
الى القافلة النازحة من الوركاء الى ما شاء الله
من شردنا في الارض . ”
اغتيل الشاعر فتضرج الصباح و اصطبغ بدمائه و لكن كلماته مازالت تخفق بين بصرة العراق الى قسنطينة الجزائر موائد تطفح بتصانيف الالم و دعوات تضج باوجاعها و صرخات تصدي في متاهاته التي لا تعرف الانتهاء.
عندما انتهى ايفادنا مع صائفة عام 1974 عدنا الى العراق الا انه مع شتاء 1975 رجع ثانية الى الجزائر حتى يكمل شمله مع عائلته و قبل ان يغادر العراق التقيته ببغداد حيث قضينا امسية ماتعة برفقة صديقنا الشاعر (فوزي كريم) و الجدير بالذكر ان ثلاثتنا خريجو دورة واحدة في كلية الاداب . اذن عاد (محمد طالب) الى الجزائر و تعين تدريسيا ببلدة (الطاهير) التابعة الى ولاية جيجل في الشرق الجزائري و يبدو انه استمر في عمله هناك الى ان حلت العشرية السوداء في تسعينات القرن المرتحل و التي ظللت غيومها القاتمة سماء تلك البلاد الواسعة و اغتيل شاعرنا في صبيحة حزينة من عام 1994 امام باب المدرسة التي كان يدرس فيها .
امتدت اليه ايادي العصابات الظلامية و انهت حياة هذا الشاعر الانسان الذي انا متيقن منه اشد اليقين بانه لم يسيء الى كائن من كان ، عرفته بشوشا خيرا محبا للخفيف من المزاح ياتي و ظرفه يتقدمه و يسال عن الاصدقاء يزور المعافين منهم و يعود مرضاهم و اظن ان خلقه النبيل حبب اليه الكثير من الاصحاب فغدا ايقونة عراقية في مدينة (قسنطينة) التي احببنا جبالها و اسواقها و جسورها المعلقة و اغانيها التي كان يؤديها الشيخ (الفرقاني) و حتى انه صادق اديبها المشهور (كاتب ياسين) صاحب رواية (النجمة) و وجه اليه دعوة كي نلتقيه و نسمع منه .
طبع الشاعر مجموعته الثانية المعنونة (متاهات لا تنتهي) في دمشق عام 1990 و صدرت ضمن منشورات اتحاد الكتاب العرب و ضمت المجموعة ثماني عشرة قصيدة توزعت على مئة و ست و تسعين صفحة و النصوص تميزها رؤية موحدة و هي تصب في بعضها البعض ، و المتاهات تنداح و تتسع ، الشاعر يعاني من غربة شديدة و حصار مقيت و ثمة غيوم سوداء تتجمع و البرد يشتد و الرياح الشديدة تعصف فهو يهتف :
“ثمة واحات داكنة ،
و مهبات صفراء
اوصد بابك ، ثمة سفائن جانحة و اعاصير
و غوارب عاتيه .”
يكرر الشاعر في نصه هذا الموسوم ب(للانقطاع) لازمة (اوصد بابك) ست مرات فكانه كان يتنبأ بواقعة موته و مصيره المحتوم و هو باحسيسه المرهفه ، باحاسيس الشاعر الرائي عرف ان سوادا يلف البلاد و يطوق العباد فانطلق منه هذا الخطاب النازف اوجاعه المؤلمة :
“اوصد بابك ، ثَم ذئاب تعوي تملأ ليل العالم
وبغام منهمر بحنين “
و الجدير بالذكر ان نصا شعريا ظهر لشاعرنا على صفحات مجلة (اللحظة الشعرية) التي كان يصدرها الشاعر فوزي كريم و القصيدة مؤرخة في 6/9/1993 و ظهر النص تحت عنوان (الجريمة) فكان شاعرنا حدس ثمة جريمة تقترف و اياد سوداء ستمتد اليه و تصيب منه مقتلا و النص عبارة عن رحلة من الضياع حيث ظلال الموت تحف منخفضات الارض وهو يكثر من تعاطي اسم الاستفهام (من) مما يضفي على النص ايقاعا من الحيرة و سقائف من الغربة الشديدة وهو الشاعر الغريب يطوف باحثا عن احلامه الضائعة لعله يشق دربه بين الطرقات الملولبة يقول :
“و نتخذ الطرق التائهة
و نتخذ الطير ، و نتخذ الصحراء و نتخذ البحر رفاقا
من سرّب تلك الاسرار المدفونة بين النهرين
الى القافلة النازحة من الوركاء الى ما شاء الله
من شردنا في الارض . ”
اغتيل الشاعر فتضرج الصباح و اصطبغ بدمائه و لكن كلماته مازالت تخفق بين بصرة العراق الى قسنطينة الجزائر موائد تطفح بتصانيف الالم و دعوات تضج باوجاعها و صرخات تصدي في متاهاته التي لا تعرف الانتهاء.
محمد طالب محمد/ حتى لا ننسى شعراءنا المقتولين فاروق مصطفى - الناقد العراقي
محمد طالب محمد الشاعر البصري القتيل عرفته ايام التلمذة بكلية الاداب ابان الستينات ، و طوال اربع سنوات جمعت بيننا صداقة متينة و سكنا سوية في القسم الداخلي ، ثم تجددت هذه الصداقة عندما اوفدنا الى بلاد الجزائر للتدريس عام 1968 و استمر ايفادنا الى 1974 و هناك سكنا سوية ايضا بمدينة (قسنطينة) عاصمة...
www.alnaked-aliraqi.net