بقايا حديد زحف الصدأ عليه بوحشية.. القشرة الذهبية التي كانت تكلل اطراف السرير تحولت الى قشرة مغموسة بسواد الهروب نحو البدايات. هناك بصمات غير مرئية، مساحات من الصدى تغسل الذاكرة، تمر عبر خنادق محفورة تحت ظهر الخروج من الحياة …
العجوز الجالس امام الشاب الذي يقطع الحديد الى قطع صغيرة كي يستطيع نقلها بسيارته يحاول ثنيه وابعاده، لكن الشاب لا يسمع، ويستمر في التقطيع.. صوت المطرقة يفتح نوافذ على فضاء المرارة ، شقوق الجدران تتسع ، تكبر .. ذاكرته ترتبك وتتورم وتحاول التملص من هدير الماضي..
“شبيك لبيك” شعر ان هذه العبارة تنحني وتقدم له خدماتها الخيالية… تتناثر الصور المتعبة من الرحيل الزمني ..دكاكين مفتوحة .. مشرعة بطريقة فوضوية .. قدم مع صديقه الى مدينة يافا كي يشتري سريراً من “سوق الأثاث المستعمل” المزروع بالدكاكين التي تعرض الأثاث بطريقة الخبث التجاري، الجديد، اللامع، المزخرف في الواجهة.. مرايا الخزائن التي تحتضن الوجوه والقامات تحاول جر الزبائن، هناك من ينهي نشيد الإعجاب بالابتعاد وهناك من يدخل ويبدأ المساومة…خطواته تتمهل، بعينين من زجاج مملوء بالانبهار، يدخل مع صديقه الى الدكان ..” يهمس ” احنا مش عايشين “
رد عليه صديقه …
“بكره بتعيش لما بتشتري السرير..”
غمزه صديقه غمزة ، فهم منها ان الانبهار هو خيط الاستغلال للتاجر … حيث يبدأ بشده حتى يدفع الزبون الى الشراء … يده تلمس الخشب المدهون بإتقان وحرص ، اكثر شيء يعجبه ذلك اللمعان المدلل ، تشعر ان الذي قام بتلميع القطع انسان استسلم لموجة عشق حتى توحد مع القطعة وعزف مقطوعة البريق العذري …
مدينة يافا تنحني على شاطىء البحر .. أول مره يزورها .. سمع عنها من والده الذي حارب فيها ، ولكن عندما سقطت بأيدي اليهود ، رجع والده الى قريته ودفن البارودة في ساحة الدار تحت شجرة الزيتون .. ومن سخرية الاقدار ان احد المتعاونين مع السلطة ابلغهم عن بارودة والده ، وقد سجن ثلاثة اشهر وخرج من السجن بعد ان سلم البارودة ، لقد رافقه عدد من رجال الشرطه الى ساحة الدار، حيث بقي يحفر تحت شجرة الزيتون حتى اخرج البارودة من قبرها … رأى والده ابتسامة احد رجال الشرطة وهي تشرق بالفوز من تحت شاربه الكث .. وعندما تكلم باللغه العربيه قائلاً :
“عفاريم عليك كان لازم من زمان تسلم الباروده “..
ايقن من لهجة هذا الشرطي انه عربي من منطقة قريبة فشعر بتأنيب الضمير وبأشواك فوق وسادته .. من يومها لم يعرف والده النوم .. طوال الوقت وحزنه ينوح بعبارات غير مفهومه ، يغضب ، يثرثر ، ويغطس في غيبوبة اطلق عليها الطبيب بعد ذلك ” الخرف ” مع انه كان يخالف الطبيب ويؤكد له ان والده يملك ذاكرة فولاذية ، انه يتذكر شوارع وطرقات ووجوه واسماء شهداء وقادة ومعارك وانواع اسلحة ودبابات … احياناً يخرج من الغيبوبة ليقول له : … روح شوف البارودة بعدها هناك!!!.
تخترق كلمات والده جلده فيتصبب عرقاً ، خاصةً اذا كان الى جانبه احد اصدقائه ، لأنه يرى لمحات الاتهام بالجنون تطوق وتزين تقاسيم وجه صديقه..فيحاول تبرير السؤال عن البارودة .. ابوه مصدوم من نتيجة الحرب .
السيجارة اصدق رفيق لوالده المصدوم.. و رغم سعاله الذي يصل رذاذه حتى آخر الحارة الا انه مصمم على ان الخيانات العربية علمته ان افضل وسيلة للنسيان هو الدخان ، مع كل سعلة يخرج من صدره الأوهام التي كانت تقوده الى الشعور بالفخر الكاذب .
ما زال يتنقل مع صديقه الذي قام بجره الى سوق يافا .. او كما اطلقوا عليه ايضاً ” سوق الرابش ” الذي يحوي الأثاث المسروق من البيوت اليافاوية .. يشير صديقه بإصبعه الى كلمة مكتوبة على حافة احدى الخزائن .. “لمياء” .. هذا خط انثوي .. اسم امرأة ارادت ان تخلد اسمها قبل الرحيل فكتبته ليبقى صامداً امام الزمن ، قد يكون خط رجل كتب اسم حبيبته قبل موته في احدى المعارك ..انظر .. قال صديقه باستغراب ..
– رغم الدهان واللمعان ما زال الاسم واضحاً ، يطل كعصفور محاصر ..
تقدم التاجر اليهما .. الآن هما الصيد الثمين .. اخذ يعدد انواع الاخشاب وميزة كل نوع .. وكيف ينطوي ويتعرج وينفتح ويحتضن الزخرفات التي تتوج الخزائن والأسرة والكراسي والطاولات ، اراد ان يختصر طريق التاجر ويبعثر قائمة الاغراء .
– من اين لكم هذا الاثاث ?
خيم صمت بارد .. خانت العبارات لسان التاجر .. ثم عادت صوب الكذب ممشوقة وبخفة متمرس اردف ..
– انا بشتري من التجار… لا اعرف ” خبيبي ” ، من وين ..!!
ملح يختم الشفاه … يندس صديقه في غابة الأثاث ويشير الى سرير عريض ، مذهب ، على قوائمه الاربعة تقف كرات ذهبية تنشر في الاجواء فراشات وغزلان وكثبان من الشهوة .
صديقه يتظاهر بالتردد ، لكن مخلب الاعجاب قد خدشه ، لقد ظهر على صوته ونظراته … اخذه الى زاوية في الدكان …
– هذا اجمل سرير رأيته في حياتي .. لو كنت مكانك ما ترددت في الشراء ولو على جثتي ..
– لكن يا زلمي من ساعة ما عرفت ان الاثاث مسروق من بيوت يافا وانا بدني مقشعر وشاعر اني رح انتق … الحق عليك ليش ما قلتلي ان الاثاث من البيوت .. انت قلت من ” سوق الرابش ” فكرت ان اليهود جابوا الاثاث معهم لما اجو من برا وقاعدين ببعوه …
انزلقت يد الصديق على كتفه ، هزه … !!
– اترك مشاعرك على جنب .. الجمعة اللي جاي عرسك وانت حلفت تنام على سرير وتكون عروستك غير شكل عن كل العرايس ..يلا اشتري بلا وجع راس …
حاول طرد صور البيوت المفتوحة عنوةً .. السلب والنهب ، واصحاب البيوت الذين فروا هاربين ولم يفكروا سوى بارواحهم..!!
– قديش حقه …؟؟
ـ- مئة ليرة … اجاب التاجر وهو يمسك بالكرة الذهبية الملتصقة بعامود السرير، والتي ظهر بعد ذلك أن عليها رسومات وآيات قرانية .
ولو … مئة ليره !! هدا حق عشر دونمات !!! هتف متراجعاً خوفاً من مشنقة هذا التاجر …
يا خبيبي .. انت لا تعرف بالاثاث ، هذا سرير يوسف هيكل !!!
يوسف هيكل .. يوسف هيكل …
ما بتعرفوا … اللي كان رئيس بلدية يافا …
هذا التاجر ” الوسخ ” يلعب بأعصابه ، لقد وضعه في قفص ويريد ان يهز له ذيله طرباً .. اشتهى مرةً ان يحمل” شبريةً” كي يطعن من يضايقه او يستفزه ، كان والده يفتش ثيابه قائلاً لوالدته …
– هذا الولد طايش راح يوقعني بمصيبة ..
صديقه في وادٍ آخر ..يريد اقناعه بأي وسيلة ..
ــ معك مئة ليرة . ..
ــ معاي بس لازم اشتري ملبس وشراب وشقف قماش لفساتين امي وخواتي وعماتي الاربعة وخالاتي السته ، كل وحده كتبت قديش بدها قياس الشقفة ..
– ولك يا مجنون ، حدا بصحلوا ينام على سرير “يوسف هيكل” حتى لو حقوا ميتين .. انا لو محلك باشتريه والشقف والملبس والشراب بعدين بنشتريهن.. ملحوق عليهن.. هاي فرصه ما بتتعوض ..
الفتور والغرور .. حطت ذبابة فوق انفه ، ازاحها بقسوة حيث راح الفتور وبقي الغرور … سينام على سرير ” يوسف هيكل ” .. تخيل نفسه فوق السرير وعروسه الى جانبه تتمطى بجسمها البض … سيشتريه ولو شنقه والده …
– تحميل السرير ضمن البيعة .. اراد ان يطمئن لأنه لا يملك ثمن استئجار سيارة للتحميل ….
ـ- علينا … علينا … أكد التاجر وابتسامة النصر تلوح فوق وجهه …
” ابن العاهره ” بكم اشتراه حتى يبيعه بمئة ليره ، قال اشتراه … لازم يقول ” سرقه الحرامي هو و اللي زيه ” …
عندما دفع للتاجر المئة ليرة وادار ظهره شعر ان التاجر يقهقه بغدرٍ .. لقد بعتهم بضاعتهم …
اصبح حديث القرية لعدة سنوات ..ـ اشترى سرير بمئة ليرة .. هو والعروس ما بسووا ليرة ..!!
بقولوا انه ابوه صابوا مرض لما عرف ابنه اشترى سرير بمئة ليرة .
امه فرحت وقالت : حدا بصحلوا ينام على سرير يوسف هيكل اللي كان مالك يافا …
اهل العروس اعتبروا ابنتهم محظوظة اول عروس في البلد بتنام على سرير .. كانت ” الفرشة والطراحة ” حلم كل فتاه .. لكن ابنتهم رفعت رؤوسهم راح تنام على سرير ” يوسف هيكل “
اصدقاء العريس تنهدوا …
– ولك من اول غزواتك ” سرير يوسف هيكل “!!!!
وعندما انجب ابنه البكر اطلق عليه اسم يوسف تيمناً ” بيوسف هيكل ” وكانت دائماً غرفته محط انظار الزائرين لأبيه .. فغرفته الموجودة في بيت ابيه اصبحت ” كعبة ” اهالي القرية .. يأتون ليحسسوا على قضبان السرير وعلى الكرات المذهبة التي ادهشتهم صناعتها .. واخذوا ينسجون الحكايات والقصص عن بطولات وصولات وجولات يوسف هيكل … حتى أكدوا ان للسرير رائحة خاصة .
قالوا : ما زالت رائحة ” يوسف هيكل ” العطره تنبعثُ من الحديد .
حتى اصبح احياناً يشعر ان ” يوسف هيكل ” ينام معهم في الغرفه ويلاحق خطواتهم ….
ولم يتخل عن السرير رغم السنوات الطويلة ووفاة زوجته ..
صوت المطرقه يوقظه .. السرير تحول الى كومةٍ من القطع الصغيرة .
ابنه ينظر اليه ويبتسم ابتسامه استفزازية ، تنضح بنعنع الاستخفاف ..
– اهلين ” ابو هيكل “….
دمعة اختبأت ولم تنزل ..
– طيب يابا علشان صاحبك ” ابو هيكل ” راح اخليلك هدول …
وناوله أربع كرات ذهبية اللون ، حيث ما زال الدهان الذهبي متوهجاً ….
—————
* يوسف هيكل آخر رئيس لبلدية يافا وقد استلم رئاسة البلدية سنة 1945 ــ 1948 .
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=2780881395507110&id=100007558308649
العجوز الجالس امام الشاب الذي يقطع الحديد الى قطع صغيرة كي يستطيع نقلها بسيارته يحاول ثنيه وابعاده، لكن الشاب لا يسمع، ويستمر في التقطيع.. صوت المطرقة يفتح نوافذ على فضاء المرارة ، شقوق الجدران تتسع ، تكبر .. ذاكرته ترتبك وتتورم وتحاول التملص من هدير الماضي..
“شبيك لبيك” شعر ان هذه العبارة تنحني وتقدم له خدماتها الخيالية… تتناثر الصور المتعبة من الرحيل الزمني ..دكاكين مفتوحة .. مشرعة بطريقة فوضوية .. قدم مع صديقه الى مدينة يافا كي يشتري سريراً من “سوق الأثاث المستعمل” المزروع بالدكاكين التي تعرض الأثاث بطريقة الخبث التجاري، الجديد، اللامع، المزخرف في الواجهة.. مرايا الخزائن التي تحتضن الوجوه والقامات تحاول جر الزبائن، هناك من ينهي نشيد الإعجاب بالابتعاد وهناك من يدخل ويبدأ المساومة…خطواته تتمهل، بعينين من زجاج مملوء بالانبهار، يدخل مع صديقه الى الدكان ..” يهمس ” احنا مش عايشين “
رد عليه صديقه …
“بكره بتعيش لما بتشتري السرير..”
غمزه صديقه غمزة ، فهم منها ان الانبهار هو خيط الاستغلال للتاجر … حيث يبدأ بشده حتى يدفع الزبون الى الشراء … يده تلمس الخشب المدهون بإتقان وحرص ، اكثر شيء يعجبه ذلك اللمعان المدلل ، تشعر ان الذي قام بتلميع القطع انسان استسلم لموجة عشق حتى توحد مع القطعة وعزف مقطوعة البريق العذري …
مدينة يافا تنحني على شاطىء البحر .. أول مره يزورها .. سمع عنها من والده الذي حارب فيها ، ولكن عندما سقطت بأيدي اليهود ، رجع والده الى قريته ودفن البارودة في ساحة الدار تحت شجرة الزيتون .. ومن سخرية الاقدار ان احد المتعاونين مع السلطة ابلغهم عن بارودة والده ، وقد سجن ثلاثة اشهر وخرج من السجن بعد ان سلم البارودة ، لقد رافقه عدد من رجال الشرطه الى ساحة الدار، حيث بقي يحفر تحت شجرة الزيتون حتى اخرج البارودة من قبرها … رأى والده ابتسامة احد رجال الشرطة وهي تشرق بالفوز من تحت شاربه الكث .. وعندما تكلم باللغه العربيه قائلاً :
“عفاريم عليك كان لازم من زمان تسلم الباروده “..
ايقن من لهجة هذا الشرطي انه عربي من منطقة قريبة فشعر بتأنيب الضمير وبأشواك فوق وسادته .. من يومها لم يعرف والده النوم .. طوال الوقت وحزنه ينوح بعبارات غير مفهومه ، يغضب ، يثرثر ، ويغطس في غيبوبة اطلق عليها الطبيب بعد ذلك ” الخرف ” مع انه كان يخالف الطبيب ويؤكد له ان والده يملك ذاكرة فولاذية ، انه يتذكر شوارع وطرقات ووجوه واسماء شهداء وقادة ومعارك وانواع اسلحة ودبابات … احياناً يخرج من الغيبوبة ليقول له : … روح شوف البارودة بعدها هناك!!!.
تخترق كلمات والده جلده فيتصبب عرقاً ، خاصةً اذا كان الى جانبه احد اصدقائه ، لأنه يرى لمحات الاتهام بالجنون تطوق وتزين تقاسيم وجه صديقه..فيحاول تبرير السؤال عن البارودة .. ابوه مصدوم من نتيجة الحرب .
السيجارة اصدق رفيق لوالده المصدوم.. و رغم سعاله الذي يصل رذاذه حتى آخر الحارة الا انه مصمم على ان الخيانات العربية علمته ان افضل وسيلة للنسيان هو الدخان ، مع كل سعلة يخرج من صدره الأوهام التي كانت تقوده الى الشعور بالفخر الكاذب .
ما زال يتنقل مع صديقه الذي قام بجره الى سوق يافا .. او كما اطلقوا عليه ايضاً ” سوق الرابش ” الذي يحوي الأثاث المسروق من البيوت اليافاوية .. يشير صديقه بإصبعه الى كلمة مكتوبة على حافة احدى الخزائن .. “لمياء” .. هذا خط انثوي .. اسم امرأة ارادت ان تخلد اسمها قبل الرحيل فكتبته ليبقى صامداً امام الزمن ، قد يكون خط رجل كتب اسم حبيبته قبل موته في احدى المعارك ..انظر .. قال صديقه باستغراب ..
– رغم الدهان واللمعان ما زال الاسم واضحاً ، يطل كعصفور محاصر ..
تقدم التاجر اليهما .. الآن هما الصيد الثمين .. اخذ يعدد انواع الاخشاب وميزة كل نوع .. وكيف ينطوي ويتعرج وينفتح ويحتضن الزخرفات التي تتوج الخزائن والأسرة والكراسي والطاولات ، اراد ان يختصر طريق التاجر ويبعثر قائمة الاغراء .
– من اين لكم هذا الاثاث ?
خيم صمت بارد .. خانت العبارات لسان التاجر .. ثم عادت صوب الكذب ممشوقة وبخفة متمرس اردف ..
– انا بشتري من التجار… لا اعرف ” خبيبي ” ، من وين ..!!
ملح يختم الشفاه … يندس صديقه في غابة الأثاث ويشير الى سرير عريض ، مذهب ، على قوائمه الاربعة تقف كرات ذهبية تنشر في الاجواء فراشات وغزلان وكثبان من الشهوة .
صديقه يتظاهر بالتردد ، لكن مخلب الاعجاب قد خدشه ، لقد ظهر على صوته ونظراته … اخذه الى زاوية في الدكان …
– هذا اجمل سرير رأيته في حياتي .. لو كنت مكانك ما ترددت في الشراء ولو على جثتي ..
– لكن يا زلمي من ساعة ما عرفت ان الاثاث مسروق من بيوت يافا وانا بدني مقشعر وشاعر اني رح انتق … الحق عليك ليش ما قلتلي ان الاثاث من البيوت .. انت قلت من ” سوق الرابش ” فكرت ان اليهود جابوا الاثاث معهم لما اجو من برا وقاعدين ببعوه …
انزلقت يد الصديق على كتفه ، هزه … !!
– اترك مشاعرك على جنب .. الجمعة اللي جاي عرسك وانت حلفت تنام على سرير وتكون عروستك غير شكل عن كل العرايس ..يلا اشتري بلا وجع راس …
حاول طرد صور البيوت المفتوحة عنوةً .. السلب والنهب ، واصحاب البيوت الذين فروا هاربين ولم يفكروا سوى بارواحهم..!!
– قديش حقه …؟؟
ـ- مئة ليرة … اجاب التاجر وهو يمسك بالكرة الذهبية الملتصقة بعامود السرير، والتي ظهر بعد ذلك أن عليها رسومات وآيات قرانية .
ولو … مئة ليره !! هدا حق عشر دونمات !!! هتف متراجعاً خوفاً من مشنقة هذا التاجر …
يا خبيبي .. انت لا تعرف بالاثاث ، هذا سرير يوسف هيكل !!!
يوسف هيكل .. يوسف هيكل …
ما بتعرفوا … اللي كان رئيس بلدية يافا …
هذا التاجر ” الوسخ ” يلعب بأعصابه ، لقد وضعه في قفص ويريد ان يهز له ذيله طرباً .. اشتهى مرةً ان يحمل” شبريةً” كي يطعن من يضايقه او يستفزه ، كان والده يفتش ثيابه قائلاً لوالدته …
– هذا الولد طايش راح يوقعني بمصيبة ..
صديقه في وادٍ آخر ..يريد اقناعه بأي وسيلة ..
ــ معك مئة ليرة . ..
ــ معاي بس لازم اشتري ملبس وشراب وشقف قماش لفساتين امي وخواتي وعماتي الاربعة وخالاتي السته ، كل وحده كتبت قديش بدها قياس الشقفة ..
– ولك يا مجنون ، حدا بصحلوا ينام على سرير “يوسف هيكل” حتى لو حقوا ميتين .. انا لو محلك باشتريه والشقف والملبس والشراب بعدين بنشتريهن.. ملحوق عليهن.. هاي فرصه ما بتتعوض ..
الفتور والغرور .. حطت ذبابة فوق انفه ، ازاحها بقسوة حيث راح الفتور وبقي الغرور … سينام على سرير ” يوسف هيكل ” .. تخيل نفسه فوق السرير وعروسه الى جانبه تتمطى بجسمها البض … سيشتريه ولو شنقه والده …
– تحميل السرير ضمن البيعة .. اراد ان يطمئن لأنه لا يملك ثمن استئجار سيارة للتحميل ….
ـ- علينا … علينا … أكد التاجر وابتسامة النصر تلوح فوق وجهه …
” ابن العاهره ” بكم اشتراه حتى يبيعه بمئة ليره ، قال اشتراه … لازم يقول ” سرقه الحرامي هو و اللي زيه ” …
عندما دفع للتاجر المئة ليرة وادار ظهره شعر ان التاجر يقهقه بغدرٍ .. لقد بعتهم بضاعتهم …
اصبح حديث القرية لعدة سنوات ..ـ اشترى سرير بمئة ليرة .. هو والعروس ما بسووا ليرة ..!!
بقولوا انه ابوه صابوا مرض لما عرف ابنه اشترى سرير بمئة ليرة .
امه فرحت وقالت : حدا بصحلوا ينام على سرير يوسف هيكل اللي كان مالك يافا …
اهل العروس اعتبروا ابنتهم محظوظة اول عروس في البلد بتنام على سرير .. كانت ” الفرشة والطراحة ” حلم كل فتاه .. لكن ابنتهم رفعت رؤوسهم راح تنام على سرير ” يوسف هيكل “
اصدقاء العريس تنهدوا …
– ولك من اول غزواتك ” سرير يوسف هيكل “!!!!
وعندما انجب ابنه البكر اطلق عليه اسم يوسف تيمناً ” بيوسف هيكل ” وكانت دائماً غرفته محط انظار الزائرين لأبيه .. فغرفته الموجودة في بيت ابيه اصبحت ” كعبة ” اهالي القرية .. يأتون ليحسسوا على قضبان السرير وعلى الكرات المذهبة التي ادهشتهم صناعتها .. واخذوا ينسجون الحكايات والقصص عن بطولات وصولات وجولات يوسف هيكل … حتى أكدوا ان للسرير رائحة خاصة .
قالوا : ما زالت رائحة ” يوسف هيكل ” العطره تنبعثُ من الحديد .
حتى اصبح احياناً يشعر ان ” يوسف هيكل ” ينام معهم في الغرفه ويلاحق خطواتهم ….
ولم يتخل عن السرير رغم السنوات الطويلة ووفاة زوجته ..
صوت المطرقه يوقظه .. السرير تحول الى كومةٍ من القطع الصغيرة .
ابنه ينظر اليه ويبتسم ابتسامه استفزازية ، تنضح بنعنع الاستخفاف ..
– اهلين ” ابو هيكل “….
دمعة اختبأت ولم تنزل ..
– طيب يابا علشان صاحبك ” ابو هيكل ” راح اخليلك هدول …
وناوله أربع كرات ذهبية اللون ، حيث ما زال الدهان الذهبي متوهجاً ….
—————
* يوسف هيكل آخر رئيس لبلدية يافا وقد استلم رئاسة البلدية سنة 1945 ــ 1948 .
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=2780881395507110&id=100007558308649