محمد مزيد - المريض.. قصة قصيرة

أزاحت المرأة الاربعينية ستارة النافذة في غرفة زوجها الذي ينام فيها على فراش المرض، فتسلل ضوء الصباح اليها ، غرفته تطل على الحديقة المنزلية والشارع العام، كان يبدو على الزوجة القلق وهي تنظر الى باب البيت الخارجي، كأنها تنتظر مجيء أحدٍ ما ، بينما يتابع زوجها أخبار الوطن المنكوب عبر شاشة التلفاز، يشعر ثمة بالذنب لسبب معين وخيبة الأمل من عدم قدرته على النهوض، بعد أن وجد زوجته الفاتنة، قد هدّها التعب والمتابعة اليومية الحثيثة لحالته المرضية التي تبدو صارت مستعصية ، طلبت منه ترك أخبار التلفاز وعدم إقلاق ذهنه بتلك المتابعة السقيمة ، أبتسم لها بود ، أجابها بصوت خافت " متى يأتي المضمد ؟ الساعة الآن التاسعة، يجب أن تكون حقنة الصباح في الثامنة كما أوصى بها الطبيب " أبتسمت له ، تعرف زوجها منذ عشرين عاما ، إنه دائما يستعجل الامور ويريدها تجري حسب هواه ، قالت " سيأتي لا تقلق " . وقبل أن تكمّل عبارتها، رن جرس الباب ، فأبتسمت له ثانية " ها هو قد أتى " .. نزلت السلم بخطوات سريعة ، ولما وصلت الى باحة الحوش، توقفت أمام المرآة ،وبدا قلبها يخفق بسرعة ، نظرت الى نفسها ، وجدت أن شعرها يحتاج الى قراصة لتلمه، حتى تظهر قليلا من رقبتها البيضاء ، نظرت الى ثوبها البنفسجي ، لاحظت فتحة الصدر ، ونظرت الى الشامة اعلى الصدر ، بللت شفتيها بلسانها وأتجهت الى الباب الخارجي . في تلك الأثناء كان الزوج المريض، يراقب من الاعلى، المضمد الشاب وهو يحمل حقيبته الجوزية ، يترقب دخول البيت الكبير ، يعرف الزوج والد المضمد ، كان أسيرا في ايران ، وقبلها كان صديقه في العسكرية الذي نجح في التخلص من الموت المجاني في تلك الحرب الشعواء، حينما أستغل ذات ليلة كمينا نصبه فوجه الذي يعمل فيه، فأتجه الى العدو طالبا اللجوء .. ولما عاد من الإسر وجد أبنه في العشرين من العمر يشبه أمه كثيرا .
فتحت الزوجة الباب ، وسارت أمامه بإتجاه الصالة، ثم صعد السلم خلفها الى غرفة المريض صديق والده ، حضّر الحقنة بالخفة والسرعة المطلوبة ، وكشف الزوج عن مؤخرته بغياب الزوجة التي كان يبدو إنها نزلت الى المطبخ لتعمل شايا للمضمد .
منذ شهر والمضمد يأتي في الثامنة صباحا قبل أن يذهب الى دوامه في المستشفى المركزي يزرق الحقنة لصديق والده بدون أن يتقاضى منه اجرا ، وهذا ماكان يضايق الرجل المريض .
كان المريض يتحدث مع المضمد ويسأله عن الناس في الشارع والحياة من دون أن يجيبه ، فهو قد مل من تتبع الاخبار، ليس مثل المريض الذي كان يريد معرفة كل شيء خارج البيت . وبعد إتمام الحقنة ، يودعه وينزل الى الصالة ليجد استكان الشاي أمامه.
لكن المريض في هذا اليوم ، لا يشعر برغبة في متابعة خروج المضمد من البيت ، ثمة نعاس وخدر لذيذ تسرب الى اعضائه ..
لم يتناول المضمد الشاي هذه المرة في الصالة ، ولم يكن على عجل من امره ، بالرغم من تأخره عن الدوام ، ثمة شاي ينتظره في مكان آخر .




تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...