الإختلاف في الأفكار و المواقف ظاهرة طبيعية و الساحة الفكرية غزيرة بالأفكار و الأفكار المضادة، تتداخل فيها الألفاظ و ما تتضمنه من معاني بحسب السياق المستعمل فيها ، و لكل باحث أو كاتب أو مفكر أو ناقد أسلوبه الخاص، فهذا يميل لكفة و آخر يميل للكفة الأخرى، يفرز فيها الناقد مَوَاطِنُ كل كلمة أو فكرة استعملها الكاتب، فعلاقة الكاتب بالقارئ تختلف اختلافا واسعا عن علاقة الكاتب بالناقد، و قد يكون القارئ ناقدا في بعض الأحيان، و لكن غالبا ما يسعى القارئ إلى "إثراء" الفكرة و ما يطابقها في الواقع، فيضيف ما يمكن إضافته حتى تتماشى فكرته مع الفكرة التي طرحها الكاتب.
قرأت مقالا لأحد الكتاب (بات) ينتقد فيه أحد المفكرين المجددين العرب، المؤسف طبعا أن نجد مهاجمون و عن سوء نيّة يخلطون في الألفاظ و يفسرونها حسب هواهم و ميولاتهم، يُمَيِّعُونَ الفكرة فيخرجون عن الخط أو المنهج المتبع، و لأنهم لا يتفقون مع الكاتب، فهم يستثمرون في ما يكتبه الآخر و ما يثريه من أفكار لمجرد أنه وقف في صف من يختلفون معه، و أضاف ما يمكن إضافته لإثراء الموضوع ليس إلا، فيحرفون الكلام ، بغية أن تهتز ثقة من يختلفون معه أمام الرأي العام، الكثير من لا يفرق بين "النقد" و "الإثراء"، فأن أثري فكرة ما على سبيل المثال لا يعني أنني أهاجم صاحب الفكرة و أطعن فيه أو أنتقص من فكره، يحدث هذا في غياب الوعي الفكري، و غياب القيم الإنسانية التي تعطي للأشياء وزنها و أهميتها و تشكل دافعا حيويا للسلوك الإنساني.
الأخطر أن يأتي مثل هذا الهجوم من مثقفين وضعوا أنفسهم موضع "القاضي" و "الحَكَم" و يقفون ضد مثقف آخر، لا يتفقون معه في الفكر و المنهجية، فهذا يعد خرقا لأخلاقية العمل الإبداعي، و هذا المُهَاجِمُ رجلا كان أو امرأة (نقول المهاجم لأنه يفتقر إلى صفة الناقد) يحمل قيما سلبية حضرت في نفسه الخبيثة، فأصبح مغتربا عن نفسه بل فقد احترامه لنفسه، لأنه لا يملك مكونات معرفية وجدانية سلوكية، و لا يحمل مصابيح يستنار بها ، هي رسالتي للذين يطعنون في النخبة المثقفة المستنيرة و يحاولون الإنتقاص منها، أولئك الذين يرفضون الإيمان بأفكار غيرهم ، و يطعنون في مروءة "رجال" يتميزون بوعي كامل مستنير، و يكافحون بفكرهم و أقلامهم من أجل أن يجعلوا من العمل الإبداعي منظومة فكرية متكاملة.
علجية عيش