هل يمكن إضفاء صفة "القداسة" على البشر؟
تحتل القداسة مكانة عالية في الأديان السماوية، و هي تختص بالإله وحده، الإله الذي له معجزات لا يأتي بها بشر، و لكن يمنحها لرسله و أنبيائه، لنشر دينه طالما هو مبدع الكون و خالق البشر، و كل المخلوقات التي نراها في عالمنا من نبات و حيوان و كواكب، فمنذ العصور القديمة أحيطت الآلهة بالقدسية و كانت تقام لها الطقوس و تقدم لها القرابين لكي ترضى على العباد و تمنحهم الصحة و الأمن و السكينة ، كلٌّ و طريقته في التعبد ، و الحديث عن هذه المسألة يطول، و قد يخرج الفكرة من مضمونها، لأن المسألة هنا تتعلق بفكرة القداسة و كيف انتقلت من الآلهة إلى البشر و حتى للحيوان، فإذا قلنا مثلا عن شخص ما أنه "مُقَدَّسٌ" فهذا يعني أننا نرفعه إلى مرتبة الرّبوبية، و هي الخطيئة التي وقع فيها المسيحيون، عندما أعطت الجماعات المسيحية للمسيح عيسى عليه السلام صفة الربوبية و جعلوه مقدسا عندما اعتقدوا أن عيسى هو ابن الله و أن الله منحه الروح القدس، و بالتالي فهو إله يُعْبَدُ، وذهبوا إلى أبعد الحدود بوصفه بالقدّوسِ ، و هو بريئ من معتقدهم و لا يتحمل وزرهم، لأن اليسوع عيسى لم يخاطب اتباعه بأنه إلهٌ / ربٌّ، ( و إذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إنّي رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة و مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد.. الخ، ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إليّ أنَّما الهكمٌ اله واحدٌ فمن كان يرجو لقاء ربي فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا – الآية 110 من سورة الكهف )
و اليوم تسعى بعض الكتابات إلى إلصاق القداسة بالنبي محمد صلى الله عليه و سلم و تقول : "شخص مقدس كالنبيّ" دون أن تنتبه إلى عواقب ذلك و ما يجره من أخطار، بحيث قد يتحول بعض الناس إلى عبادة الأنبياء و يضعونهم في مرتبة الإله، كما فعل المسيحيون مع النبي عيسى عليه السلام، لم يقل النبي عيسى عليه السلام لقومه إني مقدس أو أني القدّوس، لأن القداسة تختص بالله وحده، حتى الملائكة لم تضع نفسها في مرتبة القداسة و هي ترد على خطاب الله لها : ( أتجعل من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبحك و نقدس لك) و هو اعتراف ضمني بأن القداسة لله وحده دون غيره من المخلوقات، ( "هو الذي لا اله إلا هو الملك القدّوس" الآية 23 من سورة الحشر )، ثم أن الخطيئة بدأت مع ظهور البشرية، إذن فمنح صفة القدسية لبشر مهما كانت منزلته، يعني أنه شريك مع الله، و حتى لو جاءت هذه الكتابات بأسلوب مجازي، أو كانت نية كاتبها حسنة، تعظيما لشأن الرسول ( صلعم) و طاعة له، فقد يتحول الحق إلى باطل، لأنها توقع كثير من عامة الناس في الزلل، الغريب أن بعض الجماعات الدينية قدست الحيوان و هم عُبّادُ البقر، و أخرى قدّست الأمكنة، و جماعات بشرية أخرى قدّست الأفكار و الإيديولوجيات ، خلقوا رُبُوبًا و صاروا يعبدونها ، فكان هلاك البشرية هلاكا عظيما، إنه - كما يقال - الزلل الحضاري و الفشل الحضاري الذي هو ظاهرة العرب و المسلمين في القرن الحادي والعشرين بامتياز.
علجية عيش