(أزمة السميد في الجزائر في ظل كورونا كشفت المستور)
أضحت الجزائر في السنوات الأخيرة أكبر مستورد للقمح بعدما كانت تصدره للخارج و هذا يعكس الأرقام التي تقدمها المصالح الفلاحية عن المردود الذي تحققه الولايات في كل موسم فلاحي، و ها هي تلجأ إلى دولة أخرى خارج فرنسا للحصول على هذه المادة الغذائية بعدما كانت ممولها الرئيسي، فهل المشكلة تتعلق بالجفاف وقلة الأمطار أم هي مرتبطة بسوء تسيير قطاع الفلاحة؟ في ظل ما تعانيه البلاد من أزمة في العقارالفلاحي، كما أن الدولة تعتمد في سياستها الزراعية على المخططات القديمة، لاسيما و قطاع الفلاحة يعد المورد الأساسي لمرحلة ما بعد المحروقات في ظل الأزمة التي تمر بها الجزائر بعد انهيار البترول
العلاقات الجزائرية الفرنسية في المجال الإقتصادي بدأت بعد الثورة الفرنسية عام 1789 اين وجدت فرنسا نفسها تواجه أزمة أمن غدائي لساكنتها ، فلجأت إلى الحكومة الجزائرية لتزويدها بالقمح و الحبوب لضمان ما تحتاجه المقاطعات الجنوبية، و لكنها رفضت تسديد ديونها و لم تعد ترد على رسائل داي الجزائر حسين باشا، فثار هذا الأخير و غضب على قنصل فرنسا، فكانت حادثة المروحة الشهيرة أول خطوة تخطوها فرنسا لإحتلال الجزائر لما تتميز به الجزائر من مناخ و أراضي فلاحية جعلها بلد فلاحي بامتياز، و منذ تلك الحادثة و الجزائر في حرب مع فرنسا و حوصرت بحرا، وظلت مستعمرة إلى غاية ثورة نوفمبر 1954 حيث حققت الإستقلال و انتزعته بالقوة ، إلا أن العلاقات الإقتصادية بين البلدين ظلت مستمرة، في إطار التعاون الإقتصادي، إلى هنا يبدو الأمر عاديٌّ جدا ، لكن أن تتحول الجزائر من مصدر للحبوب إلى مستهلك للقمح الفرنسي ( مستورد ) فهذا يدعو إلى إعادة النظر في السياسة المتعامل بها في القطاع الفلاحي بالدرجة الأولى، خاصة ما تعلق بالعقار الفلاحي.
فالقطاع الفلاحي كما هو معلوم يلعب دورا حاسما في الأمن الغذائي للشعوب سواء من الناحية الإقتصادية أو الإجتماعية، و في ظل الأزمات الغذائية التي عاشها العالم بسبب عدم استقرار أسعار القمح العالمية، وهذا يطرح كثير من الأسئلة عن السياسة المنتهجة في تسيير قطاع حساس كقطاع الفلاحة في الجزائر، و كيف تحولت الجزائر من مصدر إلى مستورد، و كيف تحولت فرنسا من مستورد إلى مصدر أيضا للقمح، ليس للجزائر فقط و إنما للسوق العالمية و لعل العشرية السوداء وراء هذا التراجع الإقتصادي الذي شهدته الجزائر على كل المستويات السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية و الفكرية، و السؤال يطرح نفسه : لماذا لجأت الجزائر إلى بلد كفرنسا بالذات لضمان الأمن الغذائي للجزائريين؟ لدرجة أن سفيرها بالجزائر وصفها بالزبون الأول لقطاع القمح الفرنسي، ثم ماهي الأسباب التي جعلتا تتحول إلى السوق الروسية للحصول على القمح؟، بل تستنجد بها كما قال أحد المعلقين الإقتصاديين، بعدما فشلت في الحفاظ على اكتفائها الذاتي من هذه المادة، و احتلت المركز الثالث عالميا في قائمة مستوردي القمح الأوروبي، حسب التقارير هذا التحول أثار تخوف الجانب الفرنسي من أن تسير العلاقات الفرنسية الجزائرية نحو التذبذب، بعدما بدأت صورتها تتحسن في الآونة الأخيرة إثر استعادة جماجم المقاومين، لأن الإقتصاد سلاحٌ في إدارة الشؤون السياسية، لاسيما قطاع الموارد المائية و قطاع الفلاحة، و بدونهما لا يمكن لأيّ بلد كان تحقيق نهضة اقتصادية لأ ، و لذا تعتمد القوى العظمى على هذين القطاعين، في السيطرة على الأنظمة، و في مقدمتها دول العالم الثالث و تجعل من هذين الموردين ورقة ضغط على الحكومات و الأنظمة.
الملاحظون اعتبروا أن تحوّل الجزائر إلى السوق الروسية محاولة منها التحرر من التبعية الإقتصادية لفرنسا، و إذا وقفنا على تصريحات مسؤولين في قطاع الفلاحة، فإن الجزائر تملك مساحات شاسعة للمحاصيل الكبرى ( الحبوب) ، ناهيك عن الدعم المالي الذي تقدمه الحكومة لقطاع الزراعة ، ثم أنه في كل موسم الحصاد نقرأ عن أرقام خيالية بأن الجزائر حققت مردودية عالية في جمع المحصول، و هذا إن دلّ على شيئ فإنما يدل على أن الجزائر يكون لها اكتفاء ذاتي في هذا الجانب و بإمكانها أن تكون بلدا مصدرا لا بلدا مستوردا، تشير التقارير أن حاجات الجزائر من القمح تقدر سنويا بنحو 15 مليون طن فما فوق، خاصة في هذا الظرف الصحي بعد انتشار فيروس كورونا، و قد عرفت الساحة الوطنية في ظل الجائحة أزمة خادة في مادة السميد، حيث تم توزيعه و بيعه بطرق ملتوية، لم تتمكن العائلات الفقيرة من الحصول عليه خاصة في شهر رمضان، إن حاجة الجزائر إلى كميات كافية من القمح لضمان الأمن الغذئي للمواطنين جعل بعض الدول تعرض قمحها على الجزائر ، على غرار ألمانيا و بولونيا ، المشكل هنا لا يتعلق بالكم و إنما بالنوعية، إذا قارنا محصول القمح الجزائري بالقمح الأوروبي، فالقمح الجزائري ذو نوعية جيدة.
الواقع أثبت أن العائق الذي يقف في النهوض بهذا القطاع هو أن الجزائر ما تزال في سياستها الزراعية تعتمد على مخططات قديمة تعود إلى سنوات التسعينات، في ظل النمو السكاني الذي تشهده الجزائر، و قد بات على الحكومة الجزائرية أن توفر الأمن الغذائي للسكان و تحقق الاكتفاء الذاتي، و من خلال تشجيع المشاريع الفلاحية، لاسيما مشروع "شارت" في منطقة الجنوب، و الذي يهدف إلى وضع خطة ممنهجة في مجال القمح الصلب، مهمته ترقية إستراتيجية الدولة في هذا المجال، خلاصة القول أن الأزمة في الجزائر هي أزمة عقار فلاحي ، فمن جهة يعود السبب الأول إلى استغلال أراضي فلاحية في إنجاز مشاريع سكنية بحيث تحولت معظم الأراضي الفلاحية إلى اسمنت من اجل القضاء على أزمة السكن في الجزائر، و السبب الثاني بفعل عمليات النهب التي عرفتها البلاد، في غياب الرقابة و المحاسبة، إلى حين ظهر الحراك الشعبي الذي كشف عن حالات الفساد و ما اقدمت عليه العصابة من إفلاس الخزينة العمومية و التلاعب بالعقار الفلاحي و الصناعي و ما شابه ذلك.
اللعب كان ثقيل جدا، و الخسارة كانت أثقل بكثير و من الصعوبة بمكان استعادة الأموال المنهوبة التي تعهد الرئيس الحالي استرجاعها، كما أن الأزمة تتمثل في فشل السياسات في إدارة قطاع حساس كقطاع الفلاحة، و الدليل أن الإطارات التي تكونت في هذا المجال من مهندسين و تقنيين و أعوان تقنيين عاشوا البطالة فانتقلوا إلى مجالات أخرى، القليل منهم فقط من حاملي الشهادات من خريجي المعاهد المتخصصة في التكوين الفلاحي من كان له الحظ في الحصول على قطع أراضي للإستثمار و إنشاء تعاونيات أو مزارع عن طريق المحسوبية و الرشوة، و في ظل تفشي وباء كورونا و تأخر سقوط الأمطار، فالجزائر لا محالة انها مقبلة على سنوات عجاف، و على الشعب الجزائري أن يَشُدَّ الحزام، وأن يَدَّخِرَ "العُولة" لوقاية نفسه وأبنائه من الجوع، حتى لا تتكرر تجربة الجزائر أثناء حركة ابن الأحرش وأزمة الخبز التي أدت في 1988 إلى ثورة دموية، و كما يقول الخبراء الاقتصاديون فالدولة التي تعيش على مادة تنتجها ولا تتحكم في سعرها (البترول) هي دولة مهددة بالمجاعة.
علجية عيش
لا تدس سنابل القمح لتقطف شقائق النعمان
أضحت الجزائر في السنوات الأخيرة أكبر مستورد للقمح بعدما كانت تصدره للخارج و هذا يعكس الأرقام التي تقدمها المصالح الفلاحية عن المردود الذي تحققه الولايات في كل موسم فلاحي، و ها هي تلجأ إلى دولة أخرى خارج فرنسا للحصول على هذه المادة الغذائية بعدما كانت ممولها الرئيسي، فهل المشكلة تتعلق بالجفاف وقلة الأمطار أم هي مرتبطة بسوء تسيير قطاع الفلاحة؟ في ظل ما تعانيه البلاد من أزمة في العقارالفلاحي، كما أن الدولة تعتمد في سياستها الزراعية على المخططات القديمة، لاسيما و قطاع الفلاحة يعد المورد الأساسي لمرحلة ما بعد المحروقات في ظل الأزمة التي تمر بها الجزائر بعد انهيار البترول
العلاقات الجزائرية الفرنسية في المجال الإقتصادي بدأت بعد الثورة الفرنسية عام 1789 اين وجدت فرنسا نفسها تواجه أزمة أمن غدائي لساكنتها ، فلجأت إلى الحكومة الجزائرية لتزويدها بالقمح و الحبوب لضمان ما تحتاجه المقاطعات الجنوبية، و لكنها رفضت تسديد ديونها و لم تعد ترد على رسائل داي الجزائر حسين باشا، فثار هذا الأخير و غضب على قنصل فرنسا، فكانت حادثة المروحة الشهيرة أول خطوة تخطوها فرنسا لإحتلال الجزائر لما تتميز به الجزائر من مناخ و أراضي فلاحية جعلها بلد فلاحي بامتياز، و منذ تلك الحادثة و الجزائر في حرب مع فرنسا و حوصرت بحرا، وظلت مستعمرة إلى غاية ثورة نوفمبر 1954 حيث حققت الإستقلال و انتزعته بالقوة ، إلا أن العلاقات الإقتصادية بين البلدين ظلت مستمرة، في إطار التعاون الإقتصادي، إلى هنا يبدو الأمر عاديٌّ جدا ، لكن أن تتحول الجزائر من مصدر للحبوب إلى مستهلك للقمح الفرنسي ( مستورد ) فهذا يدعو إلى إعادة النظر في السياسة المتعامل بها في القطاع الفلاحي بالدرجة الأولى، خاصة ما تعلق بالعقار الفلاحي.
فالقطاع الفلاحي كما هو معلوم يلعب دورا حاسما في الأمن الغذائي للشعوب سواء من الناحية الإقتصادية أو الإجتماعية، و في ظل الأزمات الغذائية التي عاشها العالم بسبب عدم استقرار أسعار القمح العالمية، وهذا يطرح كثير من الأسئلة عن السياسة المنتهجة في تسيير قطاع حساس كقطاع الفلاحة في الجزائر، و كيف تحولت الجزائر من مصدر إلى مستورد، و كيف تحولت فرنسا من مستورد إلى مصدر أيضا للقمح، ليس للجزائر فقط و إنما للسوق العالمية و لعل العشرية السوداء وراء هذا التراجع الإقتصادي الذي شهدته الجزائر على كل المستويات السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية و الفكرية، و السؤال يطرح نفسه : لماذا لجأت الجزائر إلى بلد كفرنسا بالذات لضمان الأمن الغذائي للجزائريين؟ لدرجة أن سفيرها بالجزائر وصفها بالزبون الأول لقطاع القمح الفرنسي، ثم ماهي الأسباب التي جعلتا تتحول إلى السوق الروسية للحصول على القمح؟، بل تستنجد بها كما قال أحد المعلقين الإقتصاديين، بعدما فشلت في الحفاظ على اكتفائها الذاتي من هذه المادة، و احتلت المركز الثالث عالميا في قائمة مستوردي القمح الأوروبي، حسب التقارير هذا التحول أثار تخوف الجانب الفرنسي من أن تسير العلاقات الفرنسية الجزائرية نحو التذبذب، بعدما بدأت صورتها تتحسن في الآونة الأخيرة إثر استعادة جماجم المقاومين، لأن الإقتصاد سلاحٌ في إدارة الشؤون السياسية، لاسيما قطاع الموارد المائية و قطاع الفلاحة، و بدونهما لا يمكن لأيّ بلد كان تحقيق نهضة اقتصادية لأ ، و لذا تعتمد القوى العظمى على هذين القطاعين، في السيطرة على الأنظمة، و في مقدمتها دول العالم الثالث و تجعل من هذين الموردين ورقة ضغط على الحكومات و الأنظمة.
الملاحظون اعتبروا أن تحوّل الجزائر إلى السوق الروسية محاولة منها التحرر من التبعية الإقتصادية لفرنسا، و إذا وقفنا على تصريحات مسؤولين في قطاع الفلاحة، فإن الجزائر تملك مساحات شاسعة للمحاصيل الكبرى ( الحبوب) ، ناهيك عن الدعم المالي الذي تقدمه الحكومة لقطاع الزراعة ، ثم أنه في كل موسم الحصاد نقرأ عن أرقام خيالية بأن الجزائر حققت مردودية عالية في جمع المحصول، و هذا إن دلّ على شيئ فإنما يدل على أن الجزائر يكون لها اكتفاء ذاتي في هذا الجانب و بإمكانها أن تكون بلدا مصدرا لا بلدا مستوردا، تشير التقارير أن حاجات الجزائر من القمح تقدر سنويا بنحو 15 مليون طن فما فوق، خاصة في هذا الظرف الصحي بعد انتشار فيروس كورونا، و قد عرفت الساحة الوطنية في ظل الجائحة أزمة خادة في مادة السميد، حيث تم توزيعه و بيعه بطرق ملتوية، لم تتمكن العائلات الفقيرة من الحصول عليه خاصة في شهر رمضان، إن حاجة الجزائر إلى كميات كافية من القمح لضمان الأمن الغذئي للمواطنين جعل بعض الدول تعرض قمحها على الجزائر ، على غرار ألمانيا و بولونيا ، المشكل هنا لا يتعلق بالكم و إنما بالنوعية، إذا قارنا محصول القمح الجزائري بالقمح الأوروبي، فالقمح الجزائري ذو نوعية جيدة.
الواقع أثبت أن العائق الذي يقف في النهوض بهذا القطاع هو أن الجزائر ما تزال في سياستها الزراعية تعتمد على مخططات قديمة تعود إلى سنوات التسعينات، في ظل النمو السكاني الذي تشهده الجزائر، و قد بات على الحكومة الجزائرية أن توفر الأمن الغذائي للسكان و تحقق الاكتفاء الذاتي، و من خلال تشجيع المشاريع الفلاحية، لاسيما مشروع "شارت" في منطقة الجنوب، و الذي يهدف إلى وضع خطة ممنهجة في مجال القمح الصلب، مهمته ترقية إستراتيجية الدولة في هذا المجال، خلاصة القول أن الأزمة في الجزائر هي أزمة عقار فلاحي ، فمن جهة يعود السبب الأول إلى استغلال أراضي فلاحية في إنجاز مشاريع سكنية بحيث تحولت معظم الأراضي الفلاحية إلى اسمنت من اجل القضاء على أزمة السكن في الجزائر، و السبب الثاني بفعل عمليات النهب التي عرفتها البلاد، في غياب الرقابة و المحاسبة، إلى حين ظهر الحراك الشعبي الذي كشف عن حالات الفساد و ما اقدمت عليه العصابة من إفلاس الخزينة العمومية و التلاعب بالعقار الفلاحي و الصناعي و ما شابه ذلك.
اللعب كان ثقيل جدا، و الخسارة كانت أثقل بكثير و من الصعوبة بمكان استعادة الأموال المنهوبة التي تعهد الرئيس الحالي استرجاعها، كما أن الأزمة تتمثل في فشل السياسات في إدارة قطاع حساس كقطاع الفلاحة، و الدليل أن الإطارات التي تكونت في هذا المجال من مهندسين و تقنيين و أعوان تقنيين عاشوا البطالة فانتقلوا إلى مجالات أخرى، القليل منهم فقط من حاملي الشهادات من خريجي المعاهد المتخصصة في التكوين الفلاحي من كان له الحظ في الحصول على قطع أراضي للإستثمار و إنشاء تعاونيات أو مزارع عن طريق المحسوبية و الرشوة، و في ظل تفشي وباء كورونا و تأخر سقوط الأمطار، فالجزائر لا محالة انها مقبلة على سنوات عجاف، و على الشعب الجزائري أن يَشُدَّ الحزام، وأن يَدَّخِرَ "العُولة" لوقاية نفسه وأبنائه من الجوع، حتى لا تتكرر تجربة الجزائر أثناء حركة ابن الأحرش وأزمة الخبز التي أدت في 1988 إلى ثورة دموية، و كما يقول الخبراء الاقتصاديون فالدولة التي تعيش على مادة تنتجها ولا تتحكم في سعرها (البترول) هي دولة مهددة بالمجاعة.
علجية عيش
لا تدس سنابل القمح لتقطف شقائق النعمان