علجية عيش - المسؤول الكبير و المسؤول الصغير

من هو الأجدر بالمسؤولية؟

ما زال المواطن الجزائري و حتى بعض الإطارات يعانون من استغلال بعض المسؤولين لنفوذهم الوظيفي في الكثير من المجالات، ففي زمن غابت فيه روح المسؤولية انقلبت الموازين، و أصبح المسؤول الصغير يتحكم في المسؤول الكبير، زمن تمارس فيه كل اشكال الإقصاء و التهميش على خلفية الإنتماء الشخصي أو السياسي، و إذا أردنا أن نكون موضوعيين علينا أن نقبل النقد الذاتي و نعترف بأنه ما زال الوعي غائب لدى البعض في التعامل مع الآخر

الشعب الذي تمرد على الحكم الإستعماري طيلة مائة و ثلاثين سنة و الذي كان يشعر أن الدولة دولته و أن الحكومة حكومته و أنه هو السيد لأن الإثنتان تخدمان مصالحه و بالتالي فإن احترامهما هو احترام لصالحه و نتيجة لهذا الوعي سارع الشعب في القيام بواجباته نحو الدولة، لكن بعد ثمان و خمسين سنة من الإستقلال وجد الشعب الجزائري نفسه يتخبط في مشاكل لم يكن هو صانعها، فعاش ثورات ، بعضها كانت سلمية و أخرى دموية، و هذا بفعل البيروقراطية و النهب للثروات و اختلاس المال العام على حساب التنمية، فكان الإزدراء بينه و بين ممثلي السلطة العامة، و كأنه يعيش التجربة الإستعمارية من جديد، فلم يعد يثق فيمن تولوا مسؤولية السهر على هذه الدولة و نظامها.​

السبب هو أن بعض المسؤوليات أوكلت لغير أهلها و من تسلموا زمام هذه المسؤولية بطرق مختلفة تكبروا و تجبروا و تعجرفوا و ظنوا أنهم هم الدولة و لهم الحق في أن يهينوا من هم متساوون معهم في الرتبة و الدرجة بل قد يكونوا أرقى منهم وعيا و مسؤولية، الفرق بينهم هو أن الظروف لم تسمح لهم بالحصول على هذه المناصب لتحمل المسؤولية، مسؤولية خدمة المواطن و الصالح العام ، هناك فئة استغلت منصبها ( رغم أنه منصب بسيط) لتتطاول على الآخر و تهينه بكل وقاحة و لا مسؤولية، في محاولة التقليل من شأنهم، و لا تراعي للعشرة أو حتى لفارق السنّ، فكل من يتولى منصبا يقول: " أنا ربكم الأعلى، و بدوني لا تستطيعون القيام بشيئ، و تجده يعمل على تحريض من يحيطون به من الأعوان من أجل تهميش من يختلف معه أو أهواءه لا تلائم أهواءه هو لإختلاف الأفكار و المواقف، لدرجة أنه يسعى بكل الطرق و الأساليب لإقصائه، و أحيانا من أجل التقليل من قيمته و الإستهزاء به .​

هي سلوكات وجب أن نضعها تحت المجهر لنكشف حقيقة من يعتقدون أن الناس سذجا لا يفهمون و لا يعون لما يدور حولهم، و لكنهم ترفّعوا لتجاوز هذه الأوضاع لأنهم لا يجزمون إن كانت هذه الإهانة مزحة غير مقصودة أو محاولة للنيل من كرامتهم، و كان باستطاعتهم الرد و الكشف عن حقيقة البعض و إسقاط أقنعتهم، (هو الترَفُّعُ لا غير)، كما أن التربية تلعب دورا مهما في مثل هذه المواقف، و كما يقول علماء النفس أن الإهانات لا تأتي دوماً بشكل يسمح للإنسان بالرد عليها في اللحظة ذاتها، فهناك الإهانة المغلّفة بالمجاملات، التي تضعك في حيرة من أمرك بين الرد عليها أو تجاهلها، كما ان وقع الإهانة يختلف بحسب المكان و الزمان، و من هذا المنطلق وجب القول أن بعض السلوكات قد تحدث في نفس الآخر شكوكا تجاه واقعه المعيوش الذي يريد أن يغيره نحو الأفضل، و لكن غالبا ما يقف الإنسان على مفترق الطرق و هو يرى أن التغيير الذي ينشده يصطدم مع هذا الواقع الذي فرضه من تحدثنا عنهم بسلوكاتهم اللاواعية و اللا أخلاقية، أولئك الذين يحملون تفكيرا سلبيا تجاه من لا يرضون عنه لسبب من الأسباب، و قد لا يطيقون وجوده بينهم، فيختلقون له العقبات لعرقلته، هي الأسباب التي جعلت المواطن يتمرد على حكومته و ما الحراك الشعبي الذي عاشته الجزائر طيلة سنة كاملة، لدليل على أن هؤلاء الذين أولكت لهم المسؤولية لم يكونوا في مستوى المسؤولية و لم يكونوا جديرين بها و أنه وجب استئصالهم.​

في زمن غابت فيه روح المسؤولية انقلبت الموازين، و أصبح المسؤول الصغير يتحكم في المسؤول الكبير، و بطريقة غير مباشرة يسدي له الأوامر، يحدث هذا عادة مع بعض المسؤولين المحليين، أين يجد نفسه يسير وفق تعليماتهم في تفقد مشاريع الولاية، حتى لا يقف هو على النقاط السوداء و كيف تدار الأمور في غيابه، هو زمن يختلف عن الزمن الماضي، يوم كان أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب يخرج خفية لتفقد أحوال رعيته (الأمة)، عكس اليوم لا يخرج المسؤولون الكبار ( الوزير أو الوالي) لتفقد مشاريع قطاعهم إلا بعد إعلان عن موعد زيارتهم، فيقوم المسؤولون الصغار بتزيين المكان و تنظيف الشوارع و إخفاء العيوب كي يرى المسؤول الكبير أن كل شيئ على ما يرام، و أن الذين وضع فيهم ثقته أهل للمسؤولية، و لولا الحركات الإحتجاجية التي يقوم بها المواطنون الغاضبون لرفع مظالمهم للوالي أو للوزير و البيانات التي يرسلونها لوسائل الإعلام أو عن طريق النقابات لما تم الكشف عن هذه العيوب و النقائص.​

كما ساهمت التكنولوجية في الكشف عن تورط بعض المسؤولين و ما يرتكبونه من جرائم في حق الوطن و المواطن عبر مواقع التواصل الإجتماعي، فقد أصبح الفيسوك مثلا الخيط الذي يربط المواطن بالمسؤول و بالرأي العام ككل، و بالتالي لم تعد "تغطية الشمس بالغربال" تجدي في زمن الرقمنة، التي جعلت العالم قرية صغيرة، و قربت بين الشعوب، ما يمكن قوله هو أن تفاقم هذه الظاهرة وتضخمها أصبحت تشكل بؤرة سرطانية في جسد المؤسسات و المجتمع، و هذا لا يرجع إلى غياب النصوص القانونية أو عدم كفايتها بل إلى غياب المحاسبة والمساءلة والشفافية، و غياب الضمير المهني و تحمل المسؤولية ، فإلى جانب البيروقراطية و الترهل الإداري هل وجب القول أن استغلال النفوذ و المحسوبية جريمة يعاقب عليها القانون؟ كونها وصلت في بعض الأحيان إلى درجة المساس بشكل مباشر بكافة حقوق المواطنين و أثرت سلبا على كل مناحي الحياة اليومية.​

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى