كان ابن خلدون يرى أن الاشتغال بالسياسة لا يليق بالعلماء، وأثر عن الشيخ محمد عبده أنه قال: لعن الله السياسة ومادة ساس يسوس!
فهل تكون السياسة عملاً تنكره الأخلاق أو يأباه الدين؟ وكيف والسياسي الرشيد يؤدي واجباً هو في بعض صوره من أشرف ما يدعو إليه الدين والأخلاق؟
إنما يكره اشتغال العلماء بالسياسة لأنها قد تصرف عنهم بعض القلوب، فلا يملكون الأبوة الروحية لجميع من يصلحون للانتفاع بما عندهم من ذخائر الحكم والآداب، والرجل العالم، هو بطبيعة مركزه أخو الجميع وأبو الجميع، والسياسة قد تجره إلى التحيز لفريق دون فريق، وإن بالغ في التحرز من شوائب الأهواء.
أكتب هذا وقد قرأت في جريدة (الكرخ) أن الجنسية العراقية نزعت من الأستاذ ساطع الحصري وأنه أمسى خارج الحدود!! وهو خبر جزعت له أشد الجزع، وإن لم يكن بيني وبين هذا الرجل من الصلات ما يوجب الانزعاج لما صار إليه من نفي وتشريد، إذا صح أن أهل العلماء يتعافون إلا إذا قامت بينهم روابط من الصداقة والوداد. ومن سياق ذلك الخبر عرفت كيف صار الأستاذ ساطع الحصري إلى هذا المصير المزعج فقد عد من المنحرفين عن الصواب. ومعنى ذلك أنه اشتغل بالسياسة فتعرض لما يتعرض له العلماء السياسيون في بعض الأحيان.
إن أهل العراق قد يرون في الأستاذ ساطع الحصري غير ما أراه، وهم أدرى بما تتعرض له ديارهم من عواصف الخلاف، ولكن الأخوة الأدبية توجب أن نواسي هذا الباحث المتعمق بكلمة عطف، وهي أقل ما نملك في التوجع لمصيره الحزين.
لو كان الغيب مما يطلع عليه الناس لرأى قوم أن يسجن الأستاذ ساطع الحصري في مكتبته فلا يشترك في السياسة من قرب أو من بعد، لينقطع لأداء رسالته السامية في التربية والأدب والتاريخ، فله في هذه النواحي أبحاث تضعه في الصف الأول بين كبار المفكرين في هذا الجيل.
ولكن الاضطرابات العنيفة قد تخرج العلماء من وقارهم المنشود، وتسوقهم إلى معاطب لا يسلم معها أديم، ولا ينفع في دفعها علاج. هذه عبرة جديدة تسوقها الأيام لمن ألقى السمع وهو شهيد.
وإن رأسي ليدور كلما فكرت في مصاير العلماء الذين تبلبلهم الحوادث فلا يعرفون إلى أين يتوجهون، وقد أحاطت بهم القواصف والأنواء.
كان أسلافنا يدعون إلى الاعتكاف عند هبوب الفتنة، وما كان أسلافنا جبناء، ولكنهم كانوا يعرفون أن الفتنة تخبط خبط العشواء فلا تفرق بين العاصي والمطيع، ولا تدري أين تقع أخفافها الهوج الثقال؟!
وأنا مع هذا قوي الأمل في رجعة الحياة الطبيعية إلى ربوع العراق، ويومئذ يكون من السهل على الحكومة العراقية أن تسمح للأستاذ ساطع الحصري بالعودة إلى البلد الذي خدمه بصدق وأمانة وإخلاص، فلن تكون جنايته السياسية أعظم من كفايته العلمية، ولن يكون في أشنع أحواله مجتهداً أخطأه الصواب.
فهل تكون السياسة عملاً تنكره الأخلاق أو يأباه الدين؟ وكيف والسياسي الرشيد يؤدي واجباً هو في بعض صوره من أشرف ما يدعو إليه الدين والأخلاق؟
إنما يكره اشتغال العلماء بالسياسة لأنها قد تصرف عنهم بعض القلوب، فلا يملكون الأبوة الروحية لجميع من يصلحون للانتفاع بما عندهم من ذخائر الحكم والآداب، والرجل العالم، هو بطبيعة مركزه أخو الجميع وأبو الجميع، والسياسة قد تجره إلى التحيز لفريق دون فريق، وإن بالغ في التحرز من شوائب الأهواء.
أكتب هذا وقد قرأت في جريدة (الكرخ) أن الجنسية العراقية نزعت من الأستاذ ساطع الحصري وأنه أمسى خارج الحدود!! وهو خبر جزعت له أشد الجزع، وإن لم يكن بيني وبين هذا الرجل من الصلات ما يوجب الانزعاج لما صار إليه من نفي وتشريد، إذا صح أن أهل العلماء يتعافون إلا إذا قامت بينهم روابط من الصداقة والوداد. ومن سياق ذلك الخبر عرفت كيف صار الأستاذ ساطع الحصري إلى هذا المصير المزعج فقد عد من المنحرفين عن الصواب. ومعنى ذلك أنه اشتغل بالسياسة فتعرض لما يتعرض له العلماء السياسيون في بعض الأحيان.
إن أهل العراق قد يرون في الأستاذ ساطع الحصري غير ما أراه، وهم أدرى بما تتعرض له ديارهم من عواصف الخلاف، ولكن الأخوة الأدبية توجب أن نواسي هذا الباحث المتعمق بكلمة عطف، وهي أقل ما نملك في التوجع لمصيره الحزين.
لو كان الغيب مما يطلع عليه الناس لرأى قوم أن يسجن الأستاذ ساطع الحصري في مكتبته فلا يشترك في السياسة من قرب أو من بعد، لينقطع لأداء رسالته السامية في التربية والأدب والتاريخ، فله في هذه النواحي أبحاث تضعه في الصف الأول بين كبار المفكرين في هذا الجيل.
ولكن الاضطرابات العنيفة قد تخرج العلماء من وقارهم المنشود، وتسوقهم إلى معاطب لا يسلم معها أديم، ولا ينفع في دفعها علاج. هذه عبرة جديدة تسوقها الأيام لمن ألقى السمع وهو شهيد.
وإن رأسي ليدور كلما فكرت في مصاير العلماء الذين تبلبلهم الحوادث فلا يعرفون إلى أين يتوجهون، وقد أحاطت بهم القواصف والأنواء.
كان أسلافنا يدعون إلى الاعتكاف عند هبوب الفتنة، وما كان أسلافنا جبناء، ولكنهم كانوا يعرفون أن الفتنة تخبط خبط العشواء فلا تفرق بين العاصي والمطيع، ولا تدري أين تقع أخفافها الهوج الثقال؟!
وأنا مع هذا قوي الأمل في رجعة الحياة الطبيعية إلى ربوع العراق، ويومئذ يكون من السهل على الحكومة العراقية أن تسمح للأستاذ ساطع الحصري بالعودة إلى البلد الذي خدمه بصدق وأمانة وإخلاص، فلن تكون جنايته السياسية أعظم من كفايته العلمية، ولن يكون في أشنع أحواله مجتهداً أخطأه الصواب.