ما عدت أستقر على لقب؛ فكل الصفات المحببة إلى نفسي والتى امتلأ بها معجمي تتداعى إلي، كم أنا فقير في السرد!
لاضير فقد دارت الحياة بي مثل حجر في طاحونة عملاقة تربض جوار بيتهم، كان قطار الدلتا يتوقف هو الآخر عند جنة النخيل التى تحوط هذا البيت الرابض فوق تلة جادو تلك التى صعدها درويش بالناعسة حيث سلم روحها للقمر، اليوم بعدما هدني الزمن، اقتربت من التقاعد الوظيفي، المرء يطلب زادا من الماضي يأنس إليه، وقفت وقد ارتسمت الأحداث في خاطري، هنا كنت أجد الرجال تعلوهم الطيبة، الخير يفوح من أفواههم، شيء ما يلح على خاطري، أي جناية أثمت بها أن غادرت هذا البلد الأمين؟
ليتني مكثت هنا حيث النخيل والشجر والثمر، خدعتني تلك الأوراق والشهادات، يوم أن سافرت كان المولد يزدهي بعماره، القوم بسطاء ، حتى قيل : إنهم قد أطعموا الإبل الثريد، ألحوا عليها أن تتناول بعض اللحم والمرق، الضحك يدغدغ قلبي، ربما فرط طيبة، ليس بالتأكيد بلاهة، الآن أنا متخم بداء السمنة والترهل، كم آسى أن لم أعد أجري مثل هر بين الحواري، وأتسلق النخيل!
أتذكر جيدا لقد مر من هنا،دلف إلى ذلك البيت ، ما تزال أنفاسه تعطره، أطعمته الجدة بعضا من القشدة، شرب اللبن، يومها طعم القروشي معه، مسح على رأسه، دعا له بدعوة طيبة، اختال بها بين أقرانه، فقد صار تابع الدرويش المقرب، ولأن الشيء بالشيء يذكر كلما مررت بهذا بالمكان ثنثال الصور متتابعات، لقد كان قطار الدلتا هو الآخر مباركا، الكفر يزدان بالخضرة،الحدائق على جانبي طريقه الحديدي ذات بهجة، لكن الغول كان على مقربة من هؤلاء، يتربص بذلك الموضع، يعلم أن الكنز هنا، "بيبي" أيها الشرير كنت عينهم على مفاتيح السر، دخلت من أي كوة،لا أدري؟
الطيبة في أحايين كثيرة بله،ولأن القروشي كان متيما بالموالد،يركب قطار الدلتا لقد وصل حتى كوم النور،و"بيبي" أوصى تلك المرأة أن تعطيه الزجاج في الليلة الختامية ؛ليمضغه،كان زجاجها ساحرا،تبعها حتى ظلها،كلما يمضغ كسرة يهيم بها،طلبت منه أن يسكنها البيت،أخبرها "الكنز تحت جذور النخلة التي تفرد جريدها على مذخل البيت الكبير،بابه الخشبي به مزلاج أثري وضعه الشيخ المبارك،حين جاء من قرطبة،نعم بقية آله في "جماجمون" ولأن الزمن يحرف الحروف صاروا "قرطمة" لايهم أفلح الغول التهم الأرض لم يبق إلا المنزل،القروشي يطيل شاربه فيشعرك بفتوة لكنه مثل أعجاز نخل خاوية،المكر يتجمع هنا بكل خبثه،جاء السوس معها فنخر الجذع من النخلة المباركة،"بيبي"يعلم أن المزلاج المبارك سيوضع عند بناية مزعومة في وطن مسروق!
غول سرق أرض الأوقاف،حتى باع ضفة النهر،القروشي غاب كثيرا عن وعيه،طاف مثل المجذوب وراء من تعطيه كسرات زجاج مسحورة،حين عاد القروشي للبيت بعد أن انفض مولد الدسوقي،وجد عند النخلة حفرة،غفل الغول عن عصاه،وجدها ،تبع الحفر سردابه ينتهي عند منتصف البيت،الماء نبع من تحت صندوق،خرج مسرعا ؛ لينادي على أمه وجدها تسيل دما على الصندوق ،يا للهول،أفعلها المجرم؟
نادى في البيت بأعلى صوته: الغول قتل أمي.
ومن يومها والذكر ينعقد كل ليلة ما يغيب منهم واحد،"الفتة والحضرة " قرينتان، من كوة بالباب تنظره،يعجبها فتوة تبدو مخايلها كلما تطوح يمنة ويسرة،الخضراء ابنة عم مرزوق أحد دراويش سيدي الشيخ سلامة،لم بفعل طوال حياته ما يشين ،هيهات يفعل المخازي،كنا نجاور الدوار،الشيخ يبسط سلطانه على جيرانه،كنا نعرف طيبته،ما يزال مقامه يجاور بيتنا،أمي تقول إن بركته تحل بنا بفضل وجوده هنا،حاولت كثيرا أصرفها عن هذا فعجزت،في قرارة نفسي آنس به،لم أجد به شططا،كان كبير قومه،ويا للعجب الغول نال من بعض جيرانه،استرقهم ،حيله كثيرة،لكن مرزوق هام وجدا بتلك الخضراء،حين تنعقد الحضرة يسترق النظر إليها!
أمي كثيرا ما تعتقد في بركته،كانت تهب البط والأوز للدراويش،حين أنال شهادة تزغرد وتدور الرحى في بيتنا استعدادا لقدوم الشيخ ودراويشه،في أحيان كثيرة كنت أتسلل إليه،كنت أحبه،له أحوال مع الله،لم يكن غير قلب أبيض،ونفس أطيب،أبي ذكر أنه مشى على الماء،عبر حتى الضفة الأخرى،حين ذاك وجد العلامة الفارقة ،لقد زحزح الغول الحد الفاصل،عند الحجرة السوداء،أخفى بيبي سر الكنز،ولأن الجنية كانت تحب الشيخ ،أخبرته بهذا،وحده الغول يكره الشيخ،سرق من القروشي مفتاح البيت الكبير،لم نعد نأنس به،حتى الأبقار كرهت صغارها ،تكرست جرار اللبن،هيهات تجد خزانة تضع فيها جدتي حصيدها من السمن والجبن،طارت الحمائم من وكناتها،أبراج الشيخ سرق منها الغول الفراخ،غدا البوم يرتع في جنبات البلدة،قيل إن قطار الدلتا سيخرب القطر، جاء الزعيم المفدى وأحرق محطة شيبون، مرزوق يدبر مقتلة للقروشي هكذا أشاع الغول بخبثه ، انقلبت الحارة عراكا،في الزاوية وعند " وابور الطحين" أفلح الشر أن ينصبها معركة حامية!
الخضراء وحدها تبصر الشر قادما- لعلها زرقاء اليمامة- أخفت عصا أخيها القروشي، تدري أنه ماهر في التحطيب، حين أعلمت مرزوق بذلك، ترك القرية، لم يواجه الشر، الأفعى هي من تدبر، قفز من بوابة الغول الحديدية، كان مثل الخضر يصلح ما أفسده القوم!
لاضير فقد دارت الحياة بي مثل حجر في طاحونة عملاقة تربض جوار بيتهم، كان قطار الدلتا يتوقف هو الآخر عند جنة النخيل التى تحوط هذا البيت الرابض فوق تلة جادو تلك التى صعدها درويش بالناعسة حيث سلم روحها للقمر، اليوم بعدما هدني الزمن، اقتربت من التقاعد الوظيفي، المرء يطلب زادا من الماضي يأنس إليه، وقفت وقد ارتسمت الأحداث في خاطري، هنا كنت أجد الرجال تعلوهم الطيبة، الخير يفوح من أفواههم، شيء ما يلح على خاطري، أي جناية أثمت بها أن غادرت هذا البلد الأمين؟
ليتني مكثت هنا حيث النخيل والشجر والثمر، خدعتني تلك الأوراق والشهادات، يوم أن سافرت كان المولد يزدهي بعماره، القوم بسطاء ، حتى قيل : إنهم قد أطعموا الإبل الثريد، ألحوا عليها أن تتناول بعض اللحم والمرق، الضحك يدغدغ قلبي، ربما فرط طيبة، ليس بالتأكيد بلاهة، الآن أنا متخم بداء السمنة والترهل، كم آسى أن لم أعد أجري مثل هر بين الحواري، وأتسلق النخيل!
أتذكر جيدا لقد مر من هنا،دلف إلى ذلك البيت ، ما تزال أنفاسه تعطره، أطعمته الجدة بعضا من القشدة، شرب اللبن، يومها طعم القروشي معه، مسح على رأسه، دعا له بدعوة طيبة، اختال بها بين أقرانه، فقد صار تابع الدرويش المقرب، ولأن الشيء بالشيء يذكر كلما مررت بهذا بالمكان ثنثال الصور متتابعات، لقد كان قطار الدلتا هو الآخر مباركا، الكفر يزدان بالخضرة،الحدائق على جانبي طريقه الحديدي ذات بهجة، لكن الغول كان على مقربة من هؤلاء، يتربص بذلك الموضع، يعلم أن الكنز هنا، "بيبي" أيها الشرير كنت عينهم على مفاتيح السر، دخلت من أي كوة،لا أدري؟
الطيبة في أحايين كثيرة بله،ولأن القروشي كان متيما بالموالد،يركب قطار الدلتا لقد وصل حتى كوم النور،و"بيبي" أوصى تلك المرأة أن تعطيه الزجاج في الليلة الختامية ؛ليمضغه،كان زجاجها ساحرا،تبعها حتى ظلها،كلما يمضغ كسرة يهيم بها،طلبت منه أن يسكنها البيت،أخبرها "الكنز تحت جذور النخلة التي تفرد جريدها على مذخل البيت الكبير،بابه الخشبي به مزلاج أثري وضعه الشيخ المبارك،حين جاء من قرطبة،نعم بقية آله في "جماجمون" ولأن الزمن يحرف الحروف صاروا "قرطمة" لايهم أفلح الغول التهم الأرض لم يبق إلا المنزل،القروشي يطيل شاربه فيشعرك بفتوة لكنه مثل أعجاز نخل خاوية،المكر يتجمع هنا بكل خبثه،جاء السوس معها فنخر الجذع من النخلة المباركة،"بيبي"يعلم أن المزلاج المبارك سيوضع عند بناية مزعومة في وطن مسروق!
غول سرق أرض الأوقاف،حتى باع ضفة النهر،القروشي غاب كثيرا عن وعيه،طاف مثل المجذوب وراء من تعطيه كسرات زجاج مسحورة،حين عاد القروشي للبيت بعد أن انفض مولد الدسوقي،وجد عند النخلة حفرة،غفل الغول عن عصاه،وجدها ،تبع الحفر سردابه ينتهي عند منتصف البيت،الماء نبع من تحت صندوق،خرج مسرعا ؛ لينادي على أمه وجدها تسيل دما على الصندوق ،يا للهول،أفعلها المجرم؟
نادى في البيت بأعلى صوته: الغول قتل أمي.
ومن يومها والذكر ينعقد كل ليلة ما يغيب منهم واحد،"الفتة والحضرة " قرينتان، من كوة بالباب تنظره،يعجبها فتوة تبدو مخايلها كلما تطوح يمنة ويسرة،الخضراء ابنة عم مرزوق أحد دراويش سيدي الشيخ سلامة،لم بفعل طوال حياته ما يشين ،هيهات يفعل المخازي،كنا نجاور الدوار،الشيخ يبسط سلطانه على جيرانه،كنا نعرف طيبته،ما يزال مقامه يجاور بيتنا،أمي تقول إن بركته تحل بنا بفضل وجوده هنا،حاولت كثيرا أصرفها عن هذا فعجزت،في قرارة نفسي آنس به،لم أجد به شططا،كان كبير قومه،ويا للعجب الغول نال من بعض جيرانه،استرقهم ،حيله كثيرة،لكن مرزوق هام وجدا بتلك الخضراء،حين تنعقد الحضرة يسترق النظر إليها!
أمي كثيرا ما تعتقد في بركته،كانت تهب البط والأوز للدراويش،حين أنال شهادة تزغرد وتدور الرحى في بيتنا استعدادا لقدوم الشيخ ودراويشه،في أحيان كثيرة كنت أتسلل إليه،كنت أحبه،له أحوال مع الله،لم يكن غير قلب أبيض،ونفس أطيب،أبي ذكر أنه مشى على الماء،عبر حتى الضفة الأخرى،حين ذاك وجد العلامة الفارقة ،لقد زحزح الغول الحد الفاصل،عند الحجرة السوداء،أخفى بيبي سر الكنز،ولأن الجنية كانت تحب الشيخ ،أخبرته بهذا،وحده الغول يكره الشيخ،سرق من القروشي مفتاح البيت الكبير،لم نعد نأنس به،حتى الأبقار كرهت صغارها ،تكرست جرار اللبن،هيهات تجد خزانة تضع فيها جدتي حصيدها من السمن والجبن،طارت الحمائم من وكناتها،أبراج الشيخ سرق منها الغول الفراخ،غدا البوم يرتع في جنبات البلدة،قيل إن قطار الدلتا سيخرب القطر، جاء الزعيم المفدى وأحرق محطة شيبون، مرزوق يدبر مقتلة للقروشي هكذا أشاع الغول بخبثه ، انقلبت الحارة عراكا،في الزاوية وعند " وابور الطحين" أفلح الشر أن ينصبها معركة حامية!
الخضراء وحدها تبصر الشر قادما- لعلها زرقاء اليمامة- أخفت عصا أخيها القروشي، تدري أنه ماهر في التحطيب، حين أعلمت مرزوق بذلك، ترك القرية، لم يواجه الشر، الأفعى هي من تدبر، قفز من بوابة الغول الحديدية، كان مثل الخضر يصلح ما أفسده القوم!