هو أبو الحسن نور الدين ابو الحسن على ابن سودون العلائى الشركسي البشبغاوى القاهري المصري.
ولد ابن سودون بالقاهرة عام 810 هجرية - 1407 ميلادية ، وكان ابوه قاضيا وبها تعلم. فوجه ابنه الى مجالس العلم والادب فكان يحضرها في العلانية ويختلف الى مجالس اللهو والفكاهة سرا و درس على مشايخ و كتاب عصره فكانت ثقافته متنوعه و متفوقه فى كل الفنون الثقافية والادب والشعر وعندما يئس والده من إصلاحه، تبرأ منه . ثم تقلد إلامامة فى احد الجوامع في القاهرة لكن اتجه لكتابة القصص و الأشعار و الأغانى المضحكه. غلبت عليه موهبته في المزاح والمرح حتى اشتهر بها.
ابدع ابن سودون فى كتاباته باللهجة المصرىة العامية وبالعربية الفصحى و كانت كتاباته النثريه و اشعاره و خواطره و فلسفاته نابعة من تراث مصر و تعبير صادق عن حياة المصريين .
وكان ابن سودون يجيد الموسيقى هذا يوضحه شعره الغنائى الذي جاء على نظام الضروب الموسيقية بالسجية التي تشبه المواويل فى هذا العصر و لذلك كانت اشعاره يستسيغها المصريون و يحبونها كثيرا .
انتقل من مصر الى دمشق بعد ان تبرأ منه ابوه ليعيش كما يحب، لكنه لم يعرف كيف يتدبر أمر معيشته، فانخرط في الجندية وشارك في بعض الحروب والغزوات، ثم تركها وتوجه إلى بعض الحرف ، فعمل حائكاً وخياطاً ووراقاً ولاعباً لفن خيال الظل، الذي برع فيه قبله ابن دانيال ونجح فيه اي نجاح وشارك مشاركة جد ية في الفنون الشعرية ، وحج مرارًا .
ثم انصرف إلى قول الشعر هزلا وسخرية وتفنَّن في شعرُه الهزليُّ الذي نظمه في شكل حِكَم ومواعظ، تحمل خلاصة تجربته في الحياة؛ فإذا بنا نفاجأ بالبديهيات التي يعرفها حتى الطفل الصغير، ككون الأرضِ أرضًا والسماءِ سماءً، يقول:
عجب عجب هذا عجب بقرة تمشى ولها ذنبُ
ولها في بزيزها لبن يبدو للناس إذا حلبوا
من أعجب ما في مصر يُرى الكرم يرى فيه العنبُ
والنخيل يرى فيه بلح أيضاً ويرى فيه رطب
أوسيم بها البرسيم كذا في الجيزة قد زرع القصب
والمركب مع ما قد وسقت في البحر بحبل تسحب
والناقة لا منقار لها والوزة ليس لها قتب
لابد لهذا من سبب حزر فزر، ما السبب؟
وانصرف ايضا الى كتابة النثر فكاهة وتهكما, وصار هذا اللون من الأدب نهجا عرف به وأقبل الناس على شعره, وصاروا يتناقلونه ويحفظونه بل ويحاكونه. وقد جمع ابن سودون هذا الشعر في ديوان أضاف إليه طائفة من الحكايات الساخرة في كتاب وسماه:
(نزهة النفوس ومضحك العبوس).
قال عنه السخاوي:
( سلك (ابن سودون) في أكثر شعره طريقة هي غاية في المجون والهزل والخلاعة، فراج أمره فيها جدًا )
ابن سودون كان له اسلوب مميز فى الكتابه فكان يعتمد على المفارقه و يكتب عن مواضيع عاديه جداً لا تحتاج الى ذكاء كبير لكن بطريقه توحى انها من عجائب الزمان و امور لم يسمع عنها احد و لا عرفها قبله ، و كان يبدأ الموضوع بطريقه جدية جداً حتى يشد انتباه السامع او القارئ و يجعله يركز فى الموضوع و بعدها يدخله فى حكايه تضحك و يوهمه انه فى موضوع غير عادى بطريقه تجعله يدخل فى نوبة من الضحك.ومن شعره الفكاهي:
الأرض أرضُ والسماء سمــاءُ لا والـماء ماء ُوالهواء هواءُ
والبحر بحر والجبال رواسخُ والنور نور والظلام عماءُ
والحر ضد البردِ قولٌ صادقٌ والصيف صيفٌ والشتاءُ شتاءُ
كلُّ الرجالِ على العمومِ مذكرٌ أما النساء ُ فكلُّهن نساءُ
ومما قال ابن سودون عن الموت :
يقول ابن سودون وسودون علي
وحزني على الاحباب مقيم
وجــفني جفاه النوم و الصبر قد مضى
ودمـــعي جــــرى فــوق الخدود حميم
ايـــا مــوت كم فرقت شمل حبايــــــب
وكـــــدّرت عيــــــشاً قـــــد صفا بنعيم
وكـــــم مـــــن ديار اصبحت منك خلّية
وكـــــم مــــن مشيد قد تركت هديــؤم
وكـــــم ولـــــد مــــن والـــــديه اخذته
وكــــم مــــن ولــــيد قـــــد تركت يتيم
غـــــدا مــنــك شمــلي بالفراق مـشتتاً
وفــــرحي مــن الاحـــــزان فــرّ هزيم
اخــــذت احــبـــائي وخـــلفت مهجتي
تــــقاســــي عــــذابـــا للــــفراق الـيـم
وكـــل حـــزيــن حـــزنه ســوف ينعدم
وحـــزن فــقــيد الحــــب غير عديــــم
أيــــا عيــن جودي بالدموع و ساعدي
عـــلى فـــقـــد محبوب عليّ كــــــريم
توفي الشاعر علي ابن سودون المصري في دمشق عام 868 هجرية – ميلادية 1463.
ابن سودون كان له اسلوب مميز فى الكتابه فكان يعتمد على المفارقه و يكتب عن مواضيع عاديه جداً لا تحتاج الى ذكاء كبير لكن بطريقه توحى انها من عجائب الزمان و امور لم يسمع عنها احد و لا عرفها قبله ، و كان يبدأ الموضوع بطريقه جدية جداً حتى يشد انتباه السامع او القارئ و يجعله يركز فى الموضوع و بعدها يدخله فى حكايه تضحك و يوهمه انه فى موضوع غير عادى بطريقه تجعله يدخل فى نوبة من الضحك. وفي نثره نكهة خاصة يقول :
( كنت وأنا صغير بليداً لا أصيب فى مقال ولا أفهم ما يقال.. فلما نزل بى المشيب زوجتنى أمى بامرأة كانت أبعد منى ذهناً إلا أنها أكبر منى سناً وما مضت مدة طويلة حتى ولدت.. والتمست منى طعاماً حاراً.. فتناولت الصحفة مكشوفة.. ورجعت الى المنزل آخذ المكبة.. والمكبة هى غطاء الصحفة.. فنسيت الصحفة.. فلما كنت فى السوق تذكرت ذلك فرجعت وأخذت الصحفة ونسيت المكبة.. وصرت كلما أخذت واحدة نسيت الاخرى.. ولم أزل كذلك حتى غربت الشمس فقلت: لا أشترى لها فى هذه الليلة شيئاً وأدعها تموت جوعاً.. ثم رجعت إليها وهى تئن وإذا ولدها يستغيث جوعاً.. فتفكرت كيف أربيه.. وتحيرت فى ذلك.. ثم خطر ببالى أن الحمامة إذا أفرخت وماتت ذهب زوجها والتقط الحب.. ثم يأتى ويقذفه فى فم ابنه وتكون حياته بذلك.. فقلت: لا والله لا أكون أعجز من الحمام، ولا أدع ولدى يذوق كأس الحِمام .. ثم مضيت وأتيته بجوز ولوز فجعلته فى فمى.. ونفخته فى فمه فرادى وأزواجاً.. أفواجاً أفواجاً حتى امتلأ جوفه وصار فمه لا يسع شيئاً وصار الجوز واللوز يتناثران من أِشداقه حتى امتلأ فسررت بذلك وقلت: لعله قد استراح.. ثم نظرت إليه وإذا به هو قد مات.. فحسدته على ذلك وقلت: يا بنى إنه قد انحط سعد امك وسعدك قد ارتفع.. لأنها ماتت جوعاً وأنت مت من الشبع!.. وتركتهما ميتين ومضيت آتيهما بالكفن والحنوط .. ولما رجعت لم أعرف طريق المنزل.. وها أنا فى طلبه الى يومنا هذا…!!!)
ومن اثاره :
فن الخراع : ديوان شعر
كتاب نزهة النفوس ومضحك العبوس
كتاب قرة الناظر ونزهة الخاطر
مقامتان
غلبت على ابن سودون ثقافة الأديب العامة، الذي يأخذ من كل علم بطرف، فألمّ بعلوم الدين واللغة وبعض معارف عصره، وعرف الموسيقى معرفة جيدة، وحصّل خبرة جيدة من تقلبه في بيئات مختلفة وأعمال متباينة، فصارعلى دراية ومعرفة بأوضاع مجتمعه وما يسوده من أفكار وتصورات ورؤى، وما يعانيه من مشكلات وهموم، وأدرك مواطن الخلل فيه، وكذلك ما يحبه الناس ويكرهونه، فساعده على إبداع أدبه، وتحديد مضمونه وأسلوبه فهو صاحب نفس قلقة متقلبة. بدأ مقبلاً على الحياة وملذاتها، لكنه لم يصل إلى مراده، ولم يحقق أحلامه، فانقلب ناقماً ساخراً من كل شيء، متألماً مما يرى حوله، رافضاً لما استقر في مجتمعه، ولم يتوافق مع محيطه، وعانى من شعور بالاغتراب، فجاء أدبه خيالياً متمرداً، لا يقيم لمنطق الناس وزناً، ولا لنظامهم احتراماً، فعرف في زمانه واشتهر. ومن شعره اللاذع :
لا تغضب يوما إن شتمـــت والناس إذا شتموا غضبوا
زهر الكتان مع البلســـــان هما لونان ولا كـــــــــــــذ ب
البيض إذا جاعوا أكلــــــــــوا والسمر إذا عطشوا شربــــوا
ويقول ايضا :
البحر بحر والنخيل نخيل
والفيل فيل والزراف طويل
والأرض ارض والسماء خلافها
والطير فيما بينهن يجول
وإذا تعاصفت الرياح بروضة
فالارض تثبت والغصون تميل
واختم بحثي بهذه القصيدة من شعره :
إذا الفتى في الناس بالعقل قد سما
تيقن أن الأرض من فوقها السما
وأن السما من تحتها الأرض لم تزل
وبينهما أشيا إذا ظهرت تُرَى
وإني سأبدي بعض ما قد علمته
ليُعْلمَ أني من ذوي العلم والحجَى
فمن ذاك أن الناس من نسل آدم
ومنهم أبو سودون أيضًا ولو قضى
وأن أبي زوجٌ لأمي، وأنني
أنا ابنهما، والناس هم يعرفون ذا
ولكن أولادي أنا لهمُ أب
وأمهم لي زوجة يا أولي النُّهَى
ومن قد رأى شيئًا بعينيه يقظةً
فذاك لهذا الشيء يقظان قد رأى
وقد يضحك الإنسان أوقات فرحه
ويبكي زمان الحزن مهما قد ابتلى
وكم عجب عندي بمصر وغيرها
فمصر بها نيلٌ على الطين قد جرى
بها الفجر قبل الشمس يظهر دائما
بها الظهر قبل العصر قيلاً بلا مِرا
بها النجم حال الغيم يخفى ضياؤه
بها الشمس حال الصحو يبدو لها ضيا
وفي حلب ماء إذا ما شربته
وقيل: تُرَى ماذا شربت؟ تقول: ما
وفي الشام أقوام إذا ما رأيتهم
ترى ظهر كل منهم وهْوَ ورا
امير البيان العربي
د.فالح نصيف الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
ولد ابن سودون بالقاهرة عام 810 هجرية - 1407 ميلادية ، وكان ابوه قاضيا وبها تعلم. فوجه ابنه الى مجالس العلم والادب فكان يحضرها في العلانية ويختلف الى مجالس اللهو والفكاهة سرا و درس على مشايخ و كتاب عصره فكانت ثقافته متنوعه و متفوقه فى كل الفنون الثقافية والادب والشعر وعندما يئس والده من إصلاحه، تبرأ منه . ثم تقلد إلامامة فى احد الجوامع في القاهرة لكن اتجه لكتابة القصص و الأشعار و الأغانى المضحكه. غلبت عليه موهبته في المزاح والمرح حتى اشتهر بها.
ابدع ابن سودون فى كتاباته باللهجة المصرىة العامية وبالعربية الفصحى و كانت كتاباته النثريه و اشعاره و خواطره و فلسفاته نابعة من تراث مصر و تعبير صادق عن حياة المصريين .
وكان ابن سودون يجيد الموسيقى هذا يوضحه شعره الغنائى الذي جاء على نظام الضروب الموسيقية بالسجية التي تشبه المواويل فى هذا العصر و لذلك كانت اشعاره يستسيغها المصريون و يحبونها كثيرا .
انتقل من مصر الى دمشق بعد ان تبرأ منه ابوه ليعيش كما يحب، لكنه لم يعرف كيف يتدبر أمر معيشته، فانخرط في الجندية وشارك في بعض الحروب والغزوات، ثم تركها وتوجه إلى بعض الحرف ، فعمل حائكاً وخياطاً ووراقاً ولاعباً لفن خيال الظل، الذي برع فيه قبله ابن دانيال ونجح فيه اي نجاح وشارك مشاركة جد ية في الفنون الشعرية ، وحج مرارًا .
ثم انصرف إلى قول الشعر هزلا وسخرية وتفنَّن في شعرُه الهزليُّ الذي نظمه في شكل حِكَم ومواعظ، تحمل خلاصة تجربته في الحياة؛ فإذا بنا نفاجأ بالبديهيات التي يعرفها حتى الطفل الصغير، ككون الأرضِ أرضًا والسماءِ سماءً، يقول:
عجب عجب هذا عجب بقرة تمشى ولها ذنبُ
ولها في بزيزها لبن يبدو للناس إذا حلبوا
من أعجب ما في مصر يُرى الكرم يرى فيه العنبُ
والنخيل يرى فيه بلح أيضاً ويرى فيه رطب
أوسيم بها البرسيم كذا في الجيزة قد زرع القصب
والمركب مع ما قد وسقت في البحر بحبل تسحب
والناقة لا منقار لها والوزة ليس لها قتب
لابد لهذا من سبب حزر فزر، ما السبب؟
وانصرف ايضا الى كتابة النثر فكاهة وتهكما, وصار هذا اللون من الأدب نهجا عرف به وأقبل الناس على شعره, وصاروا يتناقلونه ويحفظونه بل ويحاكونه. وقد جمع ابن سودون هذا الشعر في ديوان أضاف إليه طائفة من الحكايات الساخرة في كتاب وسماه:
(نزهة النفوس ومضحك العبوس).
قال عنه السخاوي:
( سلك (ابن سودون) في أكثر شعره طريقة هي غاية في المجون والهزل والخلاعة، فراج أمره فيها جدًا )
ابن سودون كان له اسلوب مميز فى الكتابه فكان يعتمد على المفارقه و يكتب عن مواضيع عاديه جداً لا تحتاج الى ذكاء كبير لكن بطريقه توحى انها من عجائب الزمان و امور لم يسمع عنها احد و لا عرفها قبله ، و كان يبدأ الموضوع بطريقه جدية جداً حتى يشد انتباه السامع او القارئ و يجعله يركز فى الموضوع و بعدها يدخله فى حكايه تضحك و يوهمه انه فى موضوع غير عادى بطريقه تجعله يدخل فى نوبة من الضحك.ومن شعره الفكاهي:
الأرض أرضُ والسماء سمــاءُ لا والـماء ماء ُوالهواء هواءُ
والبحر بحر والجبال رواسخُ والنور نور والظلام عماءُ
والحر ضد البردِ قولٌ صادقٌ والصيف صيفٌ والشتاءُ شتاءُ
كلُّ الرجالِ على العمومِ مذكرٌ أما النساء ُ فكلُّهن نساءُ
ومما قال ابن سودون عن الموت :
يقول ابن سودون وسودون علي
وحزني على الاحباب مقيم
وجــفني جفاه النوم و الصبر قد مضى
ودمـــعي جــــرى فــوق الخدود حميم
ايـــا مــوت كم فرقت شمل حبايــــــب
وكـــــدّرت عيــــــشاً قـــــد صفا بنعيم
وكـــــم مـــــن ديار اصبحت منك خلّية
وكـــــم مــــن مشيد قد تركت هديــؤم
وكـــــم ولـــــد مــــن والـــــديه اخذته
وكــــم مــــن ولــــيد قـــــد تركت يتيم
غـــــدا مــنــك شمــلي بالفراق مـشتتاً
وفــــرحي مــن الاحـــــزان فــرّ هزيم
اخــــذت احــبـــائي وخـــلفت مهجتي
تــــقاســــي عــــذابـــا للــــفراق الـيـم
وكـــل حـــزيــن حـــزنه ســوف ينعدم
وحـــزن فــقــيد الحــــب غير عديــــم
أيــــا عيــن جودي بالدموع و ساعدي
عـــلى فـــقـــد محبوب عليّ كــــــريم
توفي الشاعر علي ابن سودون المصري في دمشق عام 868 هجرية – ميلادية 1463.
ابن سودون كان له اسلوب مميز فى الكتابه فكان يعتمد على المفارقه و يكتب عن مواضيع عاديه جداً لا تحتاج الى ذكاء كبير لكن بطريقه توحى انها من عجائب الزمان و امور لم يسمع عنها احد و لا عرفها قبله ، و كان يبدأ الموضوع بطريقه جدية جداً حتى يشد انتباه السامع او القارئ و يجعله يركز فى الموضوع و بعدها يدخله فى حكايه تضحك و يوهمه انه فى موضوع غير عادى بطريقه تجعله يدخل فى نوبة من الضحك. وفي نثره نكهة خاصة يقول :
( كنت وأنا صغير بليداً لا أصيب فى مقال ولا أفهم ما يقال.. فلما نزل بى المشيب زوجتنى أمى بامرأة كانت أبعد منى ذهناً إلا أنها أكبر منى سناً وما مضت مدة طويلة حتى ولدت.. والتمست منى طعاماً حاراً.. فتناولت الصحفة مكشوفة.. ورجعت الى المنزل آخذ المكبة.. والمكبة هى غطاء الصحفة.. فنسيت الصحفة.. فلما كنت فى السوق تذكرت ذلك فرجعت وأخذت الصحفة ونسيت المكبة.. وصرت كلما أخذت واحدة نسيت الاخرى.. ولم أزل كذلك حتى غربت الشمس فقلت: لا أشترى لها فى هذه الليلة شيئاً وأدعها تموت جوعاً.. ثم رجعت إليها وهى تئن وإذا ولدها يستغيث جوعاً.. فتفكرت كيف أربيه.. وتحيرت فى ذلك.. ثم خطر ببالى أن الحمامة إذا أفرخت وماتت ذهب زوجها والتقط الحب.. ثم يأتى ويقذفه فى فم ابنه وتكون حياته بذلك.. فقلت: لا والله لا أكون أعجز من الحمام، ولا أدع ولدى يذوق كأس الحِمام .. ثم مضيت وأتيته بجوز ولوز فجعلته فى فمى.. ونفخته فى فمه فرادى وأزواجاً.. أفواجاً أفواجاً حتى امتلأ جوفه وصار فمه لا يسع شيئاً وصار الجوز واللوز يتناثران من أِشداقه حتى امتلأ فسررت بذلك وقلت: لعله قد استراح.. ثم نظرت إليه وإذا به هو قد مات.. فحسدته على ذلك وقلت: يا بنى إنه قد انحط سعد امك وسعدك قد ارتفع.. لأنها ماتت جوعاً وأنت مت من الشبع!.. وتركتهما ميتين ومضيت آتيهما بالكفن والحنوط .. ولما رجعت لم أعرف طريق المنزل.. وها أنا فى طلبه الى يومنا هذا…!!!)
ومن اثاره :
فن الخراع : ديوان شعر
كتاب نزهة النفوس ومضحك العبوس
كتاب قرة الناظر ونزهة الخاطر
مقامتان
غلبت على ابن سودون ثقافة الأديب العامة، الذي يأخذ من كل علم بطرف، فألمّ بعلوم الدين واللغة وبعض معارف عصره، وعرف الموسيقى معرفة جيدة، وحصّل خبرة جيدة من تقلبه في بيئات مختلفة وأعمال متباينة، فصارعلى دراية ومعرفة بأوضاع مجتمعه وما يسوده من أفكار وتصورات ورؤى، وما يعانيه من مشكلات وهموم، وأدرك مواطن الخلل فيه، وكذلك ما يحبه الناس ويكرهونه، فساعده على إبداع أدبه، وتحديد مضمونه وأسلوبه فهو صاحب نفس قلقة متقلبة. بدأ مقبلاً على الحياة وملذاتها، لكنه لم يصل إلى مراده، ولم يحقق أحلامه، فانقلب ناقماً ساخراً من كل شيء، متألماً مما يرى حوله، رافضاً لما استقر في مجتمعه، ولم يتوافق مع محيطه، وعانى من شعور بالاغتراب، فجاء أدبه خيالياً متمرداً، لا يقيم لمنطق الناس وزناً، ولا لنظامهم احتراماً، فعرف في زمانه واشتهر. ومن شعره اللاذع :
لا تغضب يوما إن شتمـــت والناس إذا شتموا غضبوا
زهر الكتان مع البلســـــان هما لونان ولا كـــــــــــــذ ب
البيض إذا جاعوا أكلــــــــــوا والسمر إذا عطشوا شربــــوا
ويقول ايضا :
البحر بحر والنخيل نخيل
والفيل فيل والزراف طويل
والأرض ارض والسماء خلافها
والطير فيما بينهن يجول
وإذا تعاصفت الرياح بروضة
فالارض تثبت والغصون تميل
واختم بحثي بهذه القصيدة من شعره :
إذا الفتى في الناس بالعقل قد سما
تيقن أن الأرض من فوقها السما
وأن السما من تحتها الأرض لم تزل
وبينهما أشيا إذا ظهرت تُرَى
وإني سأبدي بعض ما قد علمته
ليُعْلمَ أني من ذوي العلم والحجَى
فمن ذاك أن الناس من نسل آدم
ومنهم أبو سودون أيضًا ولو قضى
وأن أبي زوجٌ لأمي، وأنني
أنا ابنهما، والناس هم يعرفون ذا
ولكن أولادي أنا لهمُ أب
وأمهم لي زوجة يا أولي النُّهَى
ومن قد رأى شيئًا بعينيه يقظةً
فذاك لهذا الشيء يقظان قد رأى
وقد يضحك الإنسان أوقات فرحه
ويبكي زمان الحزن مهما قد ابتلى
وكم عجب عندي بمصر وغيرها
فمصر بها نيلٌ على الطين قد جرى
بها الفجر قبل الشمس يظهر دائما
بها الظهر قبل العصر قيلاً بلا مِرا
بها النجم حال الغيم يخفى ضياؤه
بها الشمس حال الصحو يبدو لها ضيا
وفي حلب ماء إذا ما شربته
وقيل: تُرَى ماذا شربت؟ تقول: ما
وفي الشام أقوام إذا ما رأيتهم
ترى ظهر كل منهم وهْوَ ورا
امير البيان العربي
د.فالح نصيف الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز