صلاح عبد العزيز - نص ديوان : آكُلُ العَالَمَ بِقَضْمَةٍ

المحتوى :
(1) كَلَامٌ عَلَى حَجَرٍ مِنْ مَاءٍ .
(2) إِمْرَأَةُ الدَّاخِلِ .
(3) العَواصِفُ .
(4) فِى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ .
(5) العَائِدُ للحَيَاةِ .
(6) أَخْرُجُ مِنَ النَّصِ كَشَاعِرٍ أَعْرَجٍ .
(7) أَيَّامُ الإِنْسَانِ السَّبْعَةُ .
(8) حَيْرَةٌ مَرْهُونَةٌ بِالطَقْسِ .
(9) الغَرَقُ فِى مِيَاهٍ ضَحْلَةٍ . إلى عبد الحميد البرنس
(10) المَوْتُ عَلَى طَرِيقَتِهَا .
(11) مَاذَا أَقُولُ عَنْكِ ،. مَاذَا تَقُولِينَ عَنِّىَ .
(12) شَاعِرٌ بِلَا نَصٍ .
(13) تَوْأَمَانِ مُنْهَزِمَانِ .
(14) مَوْتٌ مُنْعَكِسٌ وَرَدِئٌ .
(15) هَمْهَمَاتٌ .
(16) مَنَادِيلُ الضَّبَابِ .
(17) خَطُّ الأُفُقِ الشَّرْقِىِّ .
(18) مُوَاجَهَاتٌ مُحْتَمَلَةٌ .
(19) لِلَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ . إلى تامر الهلالى .
(20) حَشَائِشٌ وَبَرْدِيَاتٌ .
(21) صَوْتٍ أَوَّلٌ وَلَا أَحَدٌ .
(22) الخَاضِعُ لِمَشِيئَتِهَا .
(23) أَنَا كُرْدِىٌّ . إلى كابى حنا/عدنان شيخموس/زكريا شيخ أحمد .
(24) مُحَاوَلَةٌ لِتَرْتِيبِ الفَوْضَى .
(25) تَذْكَرَةُ ذِهَابٍ وَإِيَابٍ .

-----------------------------------

(1)
*
كَلَامٌ عَلَى حَجَرٍ مِنْ مَاءٍ
**
مَا أَجْمَلَكَ فِى النِّهَايَاتِ .. تَخُوضُ فِى بِرْكَةِ الحِجَارَةِ وتَصْنعُ نَشِيداً مِنْ العَتْمةِ ، تُرْخِى مَفَاصِلَ الهَوَاءِ قَلِيلاً وَضَلْفَةِ النِّسْيَانِ تُوهِمُكَ بِأَرِيجٍ يَابِسٍ وَتَضَعُ مِفْتَاحَكَ فِى صَدَإِ القَصَائِدِ ،.
مَا أَنْبَلَكَ تَخْطُو عَلَى جُثَّةِ المَجَازِ حِينَ يَنَالُكَ تَعَبُ الكَلِمَاتِ
تَخْطُوَ عَلَى شَوْكٍ بِلَوْن أَرَقِكَ فِى اصْفِرَارِ رَائِحَةِ الدَوَاوِينِ كَحُرُوفٍ تُثَأْثِئُ بِمَقْطَعٍ صَوْتِىٍ فِى خَرَسِ آلَةٍ تَدْمَى ،.
لَا مَاءٌ بَلْ حَجَرٌ يَشْرَبُكَ كَمَا شَعْبٌ مِنْ طِينٍ بِحَشَائِشِهِ وبَرْدِيَاتِهِ وَمَا آنَ فِى حَدِيقَةِ غِيَابِكَ أَنْ تَسْتَرِيحَ كَمَا غَابٌ ، أَوْ حِجَارَةٌ تَطِيرُ بِسَمَاءٍ تُمْطِرُ وَتَنْفَرِطُ نُجُومُهَا ،.
حَتَّى لَو تَكَوَّنَ بحْرٌ ، يَظَلُّ المَاءُ حَجَراً يَشْرَبُكَ ،. كُلَّمَا حَاوَلْتَ الكَلَامَ مَحْمُولاً بِدَهْشَةِ امْرَأَةٍ ،. مِنْ أَجْلِهَا - وَهْىَ لَا تَحِيضُ وَلَا بِذْرَتِكَ تَحْمِلُ - تَنْقُشُ قَصَائِدَكَ ،.
كَأَنَّكَ مِنْ قَدِيمٍ شَهْوَةٌ مُؤَجَلَةٌ ،.
المَاءُ وَالنَّارُ والتُّرَابُ وَالهَوَاءُ عَتَمَاتٍ وَلَا مَعْرِفَةً لَكَ ،
هُوَ المَوْتُ إِذَنْ ،
فَلْتَمُتْ أَيُّهَا الشَّاعِرُ رُبَّمَا فِى عَالَمِ الذَّرِّ تُولَدُ ، تَبْدَأُ خَلْقِكَ فِى لُغَةٍ لَا تُشْبِهُ اللِّغَاتِ وَسَمَاءٍ لَا تُشْبِهُ السَّمَاءَ ،
رُبَّما فِى عَالَمِ المَوْتِ تَحْيَا ،. بِيَابِسَةٍ كَسَفِينَةٍ مُلْقَاةٍ للسَّلَاحِفِ تَغْسِلُ ما تَبَقَّى مِنْكَ بِدَمِ القَصَائِدِ عَلَى حَجَرِ مَاءٍ ،.
طَحَالِبٌ تُعِيدُ عَنَاصِرَكَ مِنَ الفَوْضَى ، لَمْ تَكنْ غَيْرَ رُوحٍ إِلَى صَلْصَالِهَا تَجْلِسُ ،
وَكَأَنَّ مَوْتَكَ يَتَكَرَّرُ كُلَّ مُوَاجَهَةٍ مُحْتَمَلَةٍ ،.
(2)
*
امرأة الداخلِ
**
ألْقتْ أيَامَكِ مِن نَافِذةِ عمرِكَ ،
هَربَتْ بِقصَائِدِكَ إِلَيْكَ
وَلا غَيْرُكَ يَفْتَحُ ،.
لِلدَّاخِلِ فِى عَالَمِكَ المُتَوَحِشِ تَاهَتْ فِى مُدُنِكَ ،. لَمْ تَخْرجَ مِنْكَ إِلَيْكَ ، إِلَيْهَا تَرْحَلُ ثُمَّ تُغَلِّقُ بَابَكَ ،. تَوَدُّ فِى أَقْنِعَتِكَ رَسْمَ شِفَاهٍ عَلَى شَفَتِكَ ،.
صَوْتَانِ يَضِيعَانِ فِى البَرَّيَّةِ
يَبْدَآنِ سِجَالَهُمَا اليَوْمِىِّ ،.
- إِفْتَحِى ؛ لَعَلِّى مِنْ تَوَحُشِ رُوحِى أَنجُوَ بآلَامِى ...
- إِفْتَحْ ؛ لَعَلَّكَ فِى غَابَاتِىَ تَسْتَرِيحُ ،. لَعَلَّكَ فِى قُرَاىَ وَفِى طِينِىَ تَغْتَسِلُ ...
أَقُولُ : أَيَّتُهَا الجَمِيلَةُ آنَ أَنْ نَلْتَقِىَ ...
- آنَ فِى دَاخِلِنَا أَنْ نُشْبِعَ مَنْ مَرَقَتْ أَرْوَاحُهُمُ فِى السُّدُمِ وَلَا رَصِيفَ لَهُمُ ...
- لَوْ الْتَقَيْنَا ثَانيَةً .........
- مُتَدَاخِلَانِ وَلَا نَلْتَقِى فِى غَيْرِ الكَلَامِ ......
صَوْتَانِ ضَائِعَانِ فِى برِّيتِهما وَكُلَّمَا التَقَيَا يَفْتَرِقَانِ ،. وَمَعَ ذَلِكَ عِنْدَمَا تَنْظُرَهُمَا تَجِدَهُمَا وَاحِداً بِوَجْهٍ وَاحِدٍ ،.
(3)
*
العَواصِفُ
**
يَخرُج الدَّاخِلُ للخَارجِ يَخْرُجُ الخَارِجُ للدَاخِلِ ،. اخْتِلاطُ العَناصِرِ فِى هَيْأَتِى كَاخْتِلَاطِ العَنَاصِرِ فِى هَيَأَتِهَا ،. كُلٌّ مِنَّا فِى اتْجَاهِ الآخَرِ ،. عَرَقٌ مِنَ السُّلَالَاتِ القَدِيمَةِ يَتَفَجَّرُ فِى عَاصِفَةٍ تَتَلَبَسُ وُجُوهَنَا ،. تَنْبُتُ بِذْرَةُ الكَوْنِ حِجَابًا وَرَاءَ حِجَابٍ يَغْشَى عُيُونَنَا النُّعَاسُ ،. فِى الحُلُمِ أُمْنِيَةُ الرُّوحِ تَسْتَجِيبُ وتَصْعَدُ فِى مَلَكُوتِهَا ،. تَتَكَوَّنُ شَمْسٌ وَيَتَكَوَّنُ قَمَرٌ وَتَزَّاوَجُ الكَائِنَاتُ ،. تَبْدَأُ تَقَاوِيمُ النَّبَاتَاتِ مِنْ أُنْثَى وَذَكَرٍ فِى نَهْرٍهَا المُنْسَابُ ،. كَمَا العَوَاصِفُ تَظَلُّ وَتعِيدُ تَشْكِيلَ الكَوَنِ وَهْىَ تَحْتِى وتَحْتَهَا وأنا تَحْتِى وتَحْتَهَا ،. وَمَعَ ذَلِكَ تَظَلُّ عَذْرَاءً وَكُلَّمَا شَاخَ الكَوْنُ نُعِيدُ الكَرَّةَ مِنْ جَدِيدٍ ،.
(4)
*
فِى اللَّيلِ وَالنَّهَارِ
**
الفُصُولُ التِى تَتَوَالَى لَا تَعْنِى النِّهَايَاتُ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى اثْنَيْنِ إِلَى أَرْبَعةٍ ،. تَتَوَالَى الأعْدَادُ إِلَى أَنْ تَصِلَ لِلَانِهَايَةِ ،. كُنَّا مُنْشَغِلِينَ بِالنَّسْغِ نَفْرِدُ أَشْرِعَةً مِنْ أَشعَّةِ شَمْسٍ وَنُورِ قَمَرٍ يَتَوَالَدُ ليلٌ وَنَهَارٌ ،. مِنْ فُتَاتِ الأكْوَانِ المُنْتَهِيَةِ يَتَجَمَّعُ كَوْنٌ آخَرٌ ،. أَزْرَعُ الحُقُولَ مُضِيئَةً نتَعَارَفُ فِى القُرَى وَالمَصَانِعِ ، وَحَضَارَةً ،. نَجْلِبُ حِجَارَةَ اللَّيلِ للَّيْلِ وَالنَّهَارِ للنَّهَارِ وَنُبْصِرُ أَيُّنَا لَهُ الصَّحَرَاءُ أَيُّنَا لَهُ المَاءُ أَيّنَا لَهُ مَا يَكُونُ مِنَ الدَّوَامِ وَيَسْتَفِيضُ ، فى رُبُوعِ الأَرْضِ كُنْتُ عَاشِقاً ، فِى نَهْرِهَا كُنْتُ مُسْتَفِيضاً ، بالليْلِ والنَّهَارِ دَائِمَ الشَّقَاءِ فى لُغَةِ الحِجَارةِ أنْقُشُ بِلُغَةِ المَوَارِيثِ خَاتَمِى ،.
(5)
*
العَائِدُ للحَيَاةِ
**
تَكَاثَرْنَا أَيَّتُهَا الجَمِيلَةُ وَتَشَكَلْنَا مِنَ الطِّينِ أَنَا مَيِّتٌ وُعُدْتُ حَيًّا ،. تَصِيدُنِى القَصِيدةُ وَأَخْرُجُ مِنْ كِتَابِهَا صَفْحَةً بَيْضَاءَ ، أَخْرُجُ وَلَا عَقْلَ لِى، كُنْتُ فِى حِضْنِهَا المَلِكُ ،. الآنَ أَتَعَلَّمُ الهِجَاءَ ، أَتَعَلَّمُ رَسْمَ الحُرُوفِ ، أَتَعَلَّمُ نَقْشَ حِجَارَةٍ صَمَّاءَ ، أَتَعَلَّمُ مَا لَا أَتَعَلَّمُهُ أَبَداً ،. فَلَا تَتْرُكِينِى يَا امْرَأَةً أَنَامُ فِى العَرَاءِ ، وَظَهْرِى بِلَا غِطَاءٍ ، أَنَامُ فِى ظُلْمَةِ القُرُونِ وَأَنْسِجُ فِى بَرْدِيَّةِ جَهْلٍ تَارِيخِىَ المُزَيَّفَ ، مَا يُؤَرِقُنِى فَى دِيوَانِ أَرْضِكِ يَخْرُجُ مِنْ طِينَتِى مَا يَقْهَرُ الدَّهْرَ بِجُدْرَانِ مَعْبَدٍ ،. كُلُّ كَلِمَةٍ زَانِيَةٌ وَكُلُّ شَاعِرٍ بَرِئٌ فَلَا تَأْخُذِينِى بِجِنَايَةِ الكَلَامِ أَنَا يَدُكِ الفَاعِلَةُ وَإِزْمِيلُكِ فِى الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ ،. العَائِدُ حَياً عَلَى يَدِكِ يُقْبِلُ ،. فِى مُوَاجَهَةِ القَصِيدَةِ عَرَقٌ نَازِفٌ ، مِلْحٌ عَلَى جُرْحٍ ، فَرَحٌ عَارِمٌ بالتَّوَالُدِ ، شَعْبٌ مِنَ الطِينِ فَخّارٌ نَاضِجٌ ،.
(6)
*
أخْرُجُ مِنَ النَّصِّ كَشَاعِرٍ أَعْرَجٍ
**
الشَّاعِرُ وَحْدَهُ القَادِرُ عَلَى مُوَاجَهَةِ مَنْ لَا يُوَاجَهُ ،. نَادِرٌ مَنْ لَمْ يَفْقِدْ حَوَّاسَهُ والذِى يَخْرُجُ مِنَ النَّصِّ يَعْرُجُ قَلِيلاً دُونَ أَنْ يُبْصِرَ مِنْ أَىِّ مَتَاهَةٍ دَخَلَ مِنْ أَىِّ مَتَاهَةٍ خَرَجَ شَعْبٌ مِنْ لَفَائِفِهَا الكِتَّانِيَّةِ ،. مَاذَا تفْعَلِينَ بِى ، فِى وُجُودِكِ أفْقِدُ كُلَّ حَوَاسِىَ ، بِأَىِّ أَرْضٍ أَنَا ،. يَا عَاشِقَ السِّرِّ لا تَبُحْ ،. الخُرُوجُ مِنْهَا مُشْكِلَةٌ بِمَوْتٍ ،.
(7)
*
أَيَامُ الإنْسَانِ السَّبْعَةُ
**
دَرْوِيشٌ صَغِيرٌ مَذْبُوحٌ بِوَتَرِ النِّدَاءِ ،.
وأتمايلُ
هَكذا رأيْتهم
مَنْ يمْشُونَ عَلَى المَاءِ ..
مَنْ يسٔتعِيدُ صَدَاقَةً مَفْقُودَةً
بَين الثُّعْبَانِ والإنْسَانِ ،.
وَمَنْ يَنْظُرُونَ إلَى وَجْهِكَ
ويَقْرَؤُونَ الفَاتِحَةَ ..
تَركْتُ جِلْبَابَ أُمِّىَ وَتُهْتُ
كُنْتُ أَعْرِفُ الطَّرِيقَ إِلَيْهَا
فِى بَيْتٍ ذِى أَعْمِدَةٍ
بَعْدَ عِدَّةِ سَاعَاتٍ وَجَدْتُهَا ،.
لَكِنَّنِى كُنْتُ مَا أَزَالُ تَائِهاً
مَعَ الثَّعَابِينِ وَالحَيَّاتِ ،.
الخِيَامِ التِّى تُشْبِهُ التِّكِيَّاتِ
والطَّعَامِ الذِّى يُوضَعُ بِلَا طَلَبٍ ،
أَيَّامُ الإنْسَانٍ السَّبْعَةُ عِشْتُهَا
إِلَى أَنْ مَاتَتٍ أُمِّى ..
فِى أَيَّامِى السَّبْعَةُ
كُنْتُ مُمْسِكاً بِجِلْبَابِهَا ،.
-----------
هامش : إشارة إلى رواية (أيام الإنسان السبعة) لعبد الحكيم قاسم
(8)
*
حيرة مرهونة بالطقس
**
لَنْ تَعْرِفَ الفَرَحَ إِنْ لَمْ تَكُنْ قَادِراً عَلَى الحُلْمِ ..فَابْدَأْ حُلُمَكَ مِنَ الآنَ ......
الطَّقْسُ فِى حَالَةٍ مُغَايِرَةٍ يَلْزَمُهُ صُرَاخُ آلَةٍ مَعْدَنِيَّةٍ بِأَحْشَائِكَ .. يَلْزَمُهُ أَنْ تُوجِدَ الشَّمْسَ تَنْتَزِعُ نِيرَانَهَا ،. فَكَمْ مِنَ الوَقْتِ يَلزَمُكَ .. وَكَمْ تَتَحَدَّثُ فِى حُلُمِكَ عَنْ هَذَا وَمَا سَيَكُونُ يَوْماً ،.
هَذِهِ الحَيْرَةُ التِى تَسْتَهْلِكُ الإِنْسَانَ ، مَا بَيْنَ مَوْتِهِ وَحَيَاتِهِ ، الضَّجَرُ شَئٌ قَاسٍ ،. فِى الانْتِظَارِ تَعِىَ أَنَّكَ مَرْهُونٌ بِهِ ،. وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ حَتَّى لَوْ كَانَ حَوْلَكَ الكَثِيرُونَ حِينَ تَصْنَعَ طَقْساً يُنَاسِبُكَ .. وَلَا يُنَاسِبَهُمُ ..
فِى المَطَرِ كُنْتَ سَحَابَةً تَلْتَقِيهَا وَلَا تَلْتَقِيكَ ،. فِى تِلْكَ المَدِينَةِ العَجُوزِ الظَّمَأُ سِلْعَةٌ مُشْتَرَاةٌ ، وَالمَوْتُ مَجَانِىٌّ ، وَالمَطَرُ حِجَارَةُ قُلُوبٍ تَنْهَمِرُ ،. فِى شَوَارِعَ مِنْ قِطَطٍ جَائِعَةٍ ،. وَأَنْتَ كَلْبٌ ضَالٌ لَا تَجِدُ مَاءً وَلَا ظِلًّا ،. هُنَاكَ ..
عُلْبَةُ اللَّيلِ مَليئَةٌ بِالبُكَاءِ ،. فِى زَاوِيَةِ فَمِهِ يَسْتَرِيحُ غُرَابٌ ،. فِيمَا مَضَى نُجُومٌ ضَوْؤُهَا عَتْمَةٌ تَسْقُطُ بِأَرْجُلِنَا ،. بِعِظَامٍ هَشَّةٍ يَدُوسُ عَلَى زُجَاجِهَا فِى دَمِكَ مُشَاةٌ مُشْتَعِلُونَ ،. النَّوْمُ أَيْضاً أَشْوَاكُ سَنْطٍ مُعَبَّأَةٌ ،. وفى عِظَامِكَ تِلْكَ النُّجُومُ تَنْهَشُ ،.
مُعَلَّبَاتٌ مِنْ كَبِدِ الفُقَرَاءِ ، عَصَائِرُ مِنْ لُحُومِهِمُ ، وَتَظَلُّ تَسْمَعُ أَوْجَاعاً فِى المِيَاهِ وَالحَصَى وَحَوَائِطِ البِيُوتِ .. تَظَلُّ صَرَخَاتِهِمُ فِى خَشَبِ السِّقُوفِ تُدْمِى أُذُنَيْكَ ثُمَّ تَسْقُطُ مَغْشِيًّا عَلَيْكَ ،.
مَا نُغَيِّرُهُ لَا يَدُومُ .. وَمَا يَدُومُ ظُلُمَاتٌ تَصْنَعُ مِنْكَ مِصْفَاةً ،. لا تُنْفِذُ حَتَّى مِيَاهَكَ .. كَمْ أَنْتِ قَاسِيَةٌ أَيَّتُهَا الأَرْضُ .. فِى صَلَوَاتِكِ الخَمْسِ تَأْكُلِينَ أَبْنَاءَكِ .. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ تِلْكَ الرُّؤَى نُوَاصِلُ الرَّحِيلَ فِى الإِقَامَةِ .*
----------------
هامش : إشارة إلى أعلنت (ميثاق الإقامة بالرحيل) لمحمد عفيفى مطر
*
(9)
*
الغَرَقُ فِى مِيَاهٍ ضَحْلَةٍ
إلى عبد الحميد البرنس
**
الأَمَاكِنُ القَلِيلةُ الغوْرِ يمكن لها أن تغرقك ،. مفتونا بموتك على الطرقات وسعيدا أنك الآن روحا تحرر من كيانه المادى ،. لكنما تظل الأماكِن القليلة الغَور مصْدر إزعاجٍ ..
ميراث من الهياكل العظمية فى قرى النهر ،. والجبال شواطئ عزلة لا تخضع لساكنها ، وأنت تبحث عن نفسك لا ترى وجهك ولا تراها الغارقة فيك والصارخة على لسانك ..
سافر الوطن من تحت قدميك وفى سورة الخلق تعيدك الأمنيات .. ترسمه كأنك وطن لوطنك ،. ترتعش فى ذاكرتك الغابات ، ترتعش المحيطات وأرتعش بجانبك كجزيرة تغرق ..
أمنا الأرض متى تضيق مساحتها نهرب منها إليها ، تضمنا بوجهها الآخر ذلك الوجه الذى ما إن يبتسم حتى ينتزع أحبابنا ، ونحن بعيدين نحتضن جثثهم الطازجة فى الذاكرة ونبكى ..
تذكرت الآن بكائى بين يديك ، تذكرت أن العالم مات منذ سنوات طويلة ، نعيد بعثه على ورق ميت ، ونعيش فى جثته ، نعيش لأننا الموتى نسير إلى حتفنا الحتمى مرغمين أن نحيا ..
(10)
*
الموت على طريقتها
**
تُشْبِهِينَ كل الناس
ولا تشبهين أحداً
عندما انظر
أنت وحيدة وفريدة
لكنما الخيال أحيانا
يجعل الآخرين يشبهونك
ولهذا أفتقدك جدا
حين ينامون
تدخل يد الليل وتنام فى سريرى
أظل يقظا ،.
بيد الليل أربت على خيالك
كى تنامى بجوارى
وكى تظلين سعيدة
كما لو أننا حقيقيان هذه الليلة
مُنذ عَام فائتٍ
جاءنى شبح موعدك
عقد معى صفقة
فى أحوال كثيرة يحدث هذا
طالما الصفقة سارية ،.
وحتى بدونها
لكننى ظللت وحيدا
أقبل على وجوههم
صورك الماشية فى الطريق
أحببت تلك الوجوه
لا أفتقدك فيها قط ،.
الرجال والنساء
والأولاد والبنات
وحتى البنايات والشجر
والعربات التى تمر سريعا على جثتى ،.
ولهذا افتقدك جدا
كنت سعيدا وأنا أموت بك
ويدك وهى تحملنى إلى المشفى ،.
وككل الجثث الباسمة
تستقبلنى بسمتك الحانية
الموت على طريقتك ليس موتا
إنما المتاح أحيانا
فى عالمك الافتراضى
أن تلمس يدك الأشياء القليلة المتبقية
من ذاكرتى قبل أن أغيب
فى النسيان
أو أن النسيان نفسه يكون أنتِ
كما لو أننا حقيقيان ...
(11)
*
ماذا أقول عنك ،. ماذا تقولين عنى
**
فى مساحة ضيقة
من الكلمات على طريقة النثر
وَضَعَتْ علامات ليست كعلامات الترقيم
لن يعرف غيرى
أين تَوقَفَتْ
أين تكون جملتها الملتبسة
أين خطاها على وجه النص
لا شاطئ بالقصيدة
المعنى حين يراوغك نص ما
لا تحاول أن تصبح مصححا نحويا
لا تتصور فى التو
أن الشعراء لا لغة لهم غير الهدم
بناء قبر ليس كأى بناء
القصيدة قبرى
النص قبرى
أنا قبر يسكن نفسه
يتحرك فى معكوس ظنك
فى اتجاه مالا اتجاه له
غير أنى أعطيك بعض الظن
كأن أترك الصورة كشكل مفتوح
ليس كذلك فى معظم الأحوال
أنتَ مرآتى
أسكن بين النظرة
بين الكلمة
أضيق إذا اتسعتَ
عاجُ الأسنانِ بذئبةٍ
آكل العالم بقضمةٍ
أمنحنى نفسى
لا أحتاج نهرا
لا أحتاج آخرين
مكتفية بذاتى
الأجساد المعطلة دائما
هكذا تتكاثر
لا أريد بحرا أيضا
فى تلك الحالة العطف ممنوع
فى تلك الحالة أنت ميت فىّ
(12)
*
شاعر بلا نص
**
إنتهى النص وانتهيت
هكذا قال :
صرت عاديا
يقرأ الحوادث فى جريدة الصباح
يمشى فى الطريق كعادى
يحى جمهور البارحة
من صفق أكثر مما ينبغى
لشاعر بالكاد خرج منى
صفق بيدين لم تكن معه
ماذا سيقول هذا الشاعر
أعتقد أنه لن يقول شيئا
سيحمل أوراقه
وينزوى باحثا عن
يدين صفقتا يسمع بداخله
صدى القصيدة القديمة
ويقول :
ليسوا لأنهم شعراء تحبينهم
(حبينى) أنا
فأنا لست شاعرا
تصدقى علىّ بكلمة واحدة
تكون مفتاح قصيدتى القادمة
ربما حينئذ أكون مثلهم
ربما أسترد يدى ...
(13)
*
توأمان منهزمان
**
كُلَّمَا غَادَرَتْ عَرَبَةُ النوم
يبدأ فى التو سباق يومى رتيب
الملل فيه ربما يدفعنا
للتخلى عن قشة على سطح ماء
كأى شخصين على كفى رهان
ثالثهما الهواء
نجلس فى مقهانا الاختيارى
لا نتصارع حول أنثى
بالطبع لا نتفق على اقتسامها
بل ندخن قليلا ونستجم
من عناء عملنا اليومى
الإمكانيات الضحلة تجعل العالم تعيسا
من يفكر فى الانتحار ليس العالم
العالم مستمر وأبدى
أما أنا فربما أفكر أن أنهى الرهان
كفائز سريع الخسارة
لن أمسك بقشة النجاة
علىّ الانهيار ثانية
ليس بسبب الرهان اللعين
بل تلك الكتابات الأولية
التى يتعين على مراجعتها
كل ليلة
ترقبنى وربما تقول لى :
متى تكون الجميلة
متى ينبغى لها أن تفرش أعضاءها
متى يحين وقتها .
كأن لم يحن وقتى
كأن سمائى لم تلتحف جسدها
الماكرة
كثيرة علىّ فى الكتابة
هى المتقنعة فى شكل وطن
أحزن
عندما تأخذ شكل العالم كفجيعة
عصية على الفهم
كثير منا عانق نهرا أو بحرا
كما عتمة تضئ بهجة الأمل
الذى أعرفه عن القصيدة
الذى أعرفه عن العالم أيضا
أنه يأخذ شكل امرأة
توقعك فى غوايتها
لا تعطيك نفسها
الخلط فى تلك المسائل
يا حبيبتى
يجعلنا توأمين منهزمين ..
(14)
*
موت منعكس وردئ
**
لا أتصور أن ألقى بنفسى من الدور الثالث ، تتلقانى حبال الغسيل إلى أن أهبط على الأرض ، أصاب ببضع خدوش وكدمات ثم أعيد الكرة فتتلقانى حبال الغسيل مرة أخرى ، ثم أحاول من جديد .
الكابوس الذى يتكرر كلما راودتنى فكرة كى أقلع عنها بالتأكيد ، إلى أن حدثْتُ جارى عن ضعف حبال الغسيل ، مؤكد كنت أكذب ، وحالما استبدل جارى حباله لم تراودنى الفكرة أبدا .
هكذا تخلصت من كوابيسى واحدا تلو الآخر ،. فى مشاهد درامية متعددة ، آخرها كأن أهبط من أسفل لأعلى فى لغة معكوسة وكرجل بطئ الفهم بعد عدة أيام وجدتنى فوق سطح المعنى أصعد للأسفل .
أكره كما أحب ، وأمارس تمارين الضغط ، وعلى الحياة أن تستجيب .. ما ليس له حيز يفعل هذا .. من كابوس الهبوط إلى كابوس الصعود إلى مشنقة فى الوسط ، الأغرب من ذلك أفلت من مشنقتى كل مرة .
الأفضل أن أتخيل سيناريوهات أخرى للموت ، باستثناء النار والغرق وتحت الهدم كآخر صيحات . ذاك الموت المتكرر فى نص حياتى - فى ظنى - ليس بموت ، بل موت منعكس وردئ ....
(15)
*
همهمات
**
أنت أيها الداخل
أنت أيها الخارج
أنت أيتها الخفية
أنتما أيكما معى
أنتم لستم هنا
نحن من لا نكون
نحن من لا يهوى اختبار الهواء
إننا نسغ الشجر وصوت الحشرات الوادعة
تخيلت أن الحصى كنز
تخيلت أن التراب طعام
تخيلت أنى حى
أنادى روحى ولا تستجيب
أنا هنا
وكلى هناك
بيننا حبل الهواء الرخو
بيننا صمت الدهر وجلال النظرة
أنت أيها الداخل
لا تدخل
أنت أيها الخارج
لا تخرج
ضَع متَاعك نُصْب عينى
أنْتِ أيتها الخفية
أراك
أنتما أنتم
ليس هنا غيرى أنا الحجر
والشجر
والصوت الضائع
ليس لى غير ورق
يساقط فى خريف عمرى
أنا الورق
يأكله زمن فى الرحى
ليس لى غصن غير
أصابع البصر
أنظروا
لست شجرا
أنا حجر ينبت ثم يصبح ماء
أنا ماء يتسرب ثم يصبح ترابا
أنا تراب يسيل فى الطرقات
ثم يصبح بشرا
أنا بشر للحياة والموت
وآخر السلالات
أنا السلالة فى داخلكم
وخارجكم
إهدئى أيتها العواصف حين أتكلم .
(16)
*
مناديل الضباب
**
ذاتَ صَباحٍ باكر
بالكاد يخفى الضباب رؤوس الأشجار
بالكاد رؤوس الأشجار والضباب
متآمران
بالكاد انتبه أن الضباب مناديل ورقية تنزف
بالكاد تخبرنى الأشجار أن شيئا ما سيحدث
عمرى المسرع كسيارة تحطم فى جذعها
بالكاد أحملنى على محفة روحى
إلى رؤوس الأشجار
بواسطة الضباب
العالم صغير من أعلى
ليس الوقوف على الإسفلت
كالوقوف على الصخور
فلتقف على أعلى صخرة
تلين الصخرة تحت قدميك
ولن يلين لك العالم
لو وقفت على شجرة ربما
بالكاد أتنفس ضبابى الخاص
تتبلل الأرض بالدموع
عندما تسير تلك المناديل
تسحب نفسها بالطرقات
كفائض حزن
تتجذر فى مسام التربة
تغرقنا بملحها
لا تلقى بمنديلك
حتى لا أتنفس حزنك
المناديل الورقية لها استعمال آخر
ولها رأى آخر
بالكاد تعرف أن شيئا ما سيحدث
(17)
*
خط الأفق الشرقى
**
حين تتمدد بلا عمل
هذا يعنى أن الحياة توقفت قليلا
ويمكن لها أن تسير فى أى لحظة
مِثلما فِى الشاطئ الآخر
حِينَ يلُوّح لك خيال ما
أو صديق ما
فى معاناة مشتركة وهذا لا يعنى
صداقة دائمة على كل حال
أجبرنا الترقب على المجازفات
والانتظارات السيئة
ومهما كان
يندفع فيك اللاوقت فى المياه
وقصبات الصيد والأسماك أيضا
وحتى النباتات والحشائش
وتظل هكذا إلى أن تشعر بالجوع
حين تواصل الطريق
تتعدى القرى النائمة
ترى بضع بيوت على خط الأفق الشرقى
ندف الصقيع تساقط على النباتات
بامكانك أن ترى
بذرة الحياة تدب فى المكان
من وسط تلك البرودة
حين يبدأ أول خيط للضوء
مخترقا حبيبات الظلام
التى تستعد للرحيل
الإقامة فى ذلك المكان ليلة كاملة
لا يعنى الرحيل متأخرا
لم يكن هناك صيد
هذه الليلة المقمرة
ويمكن المواصلة ذلك النهار أيضا
حِينَ ذاك تتكرر المشاهد
على بحر يبدو أن الحلم
هو أن لا تبحر فيه
على ذلك الخط يبدو
الأفق مائلا للزرقة
وهذا لا يعنى أن الخرائط الزرقاء
صادقة
طالما حاصرتنى قباب صنعها الوهم
والخلاء وكل هؤلاء الذين تخلوا عنك
تصعد وجوههم كلما
امتد بصرك فى البعيد
وبذلك لا تشعر أبدا بالوحدة
وهكذا لا تعود سريعا للبيت
(18)
*
مواجهات محتملة
**
أن تواجه نفسك الآتية من بعيد
وترقب استداراتها
إن ابتعدتْ
تشعر بالأسى
أنك غفوت قليلا دون داع
كان يمكن أن تحدثها
عن ذلك الخليط من البشر الميؤوس منهم
الذين يحدقون فى وجهك
حين تتكلم عن مزية العزلة
كمستنقع تغطس فيه السحابات ولا تظهر
إلا فى قطرات تبلل وجهك
وتجعل وجعك بلا فائدة
رغم أنك ككل المساءات تغفو وحيدا
إلا أنهم فى أحوال كثيرة
كعطش أقدامه الكثيرة
تتفرع مثل أشواك قنفذ نائم
تنغرس فيك
فى المواجهات تشرع الخناجر فى صيد الدماء وتلهث خلفك
كلما بنيت حائطا بينك وبينهم
يتحول الحائط لشخص تواجهه
لا تعرف إذا كان خنجره منك أو منهم
أنت الملوث بهم
حتى أنك تعيش مرغما
فى تلاشيك شيئا فشيئا
ولولا ذلك لما كنت الآن
فى يوم ما
سوف تواجه قدرك الذى لا تعرف
غير أنه مثل عصا بيدك وحدك تشير إلى أنك استنفذت رصيدك
ككل المنبوذين
تلوح للسماء بتلك القبضة
التى ربما رأيتها فى رواية لا تتذكر تفاصيلها
على وجه التحديد
ما يتبقى منك وليمة للسراطين
فى البعيد مازلت ترقب تلك المواجهة المحتملة
لصديق أو ربما عدو
يعزلك كجدار عن حقيقة أنك لا تعرف بالدقة المطلوبة كيف تواجه من لا تستطيع
ليس عالما افتراضيا تعيش فيه
بل عالم من الأشباح التى تتحرك بين عالمين
تحدثها وتحدثك
وتظل مستغرقا فيه بالكامل
لم تستبدل عالم الواقع بهذا العالم
بل فُرض عليك
بسبب العزلة والوقوع بين عالمين
تتراوح بينهما
وهما يتصادمان وينتجان وميضا حارقا
كالوجع الغير مغلق دائما
حتى يحتوى ما تراه مناسبا من آلامك
ودائما ما تقول لمن يقربك
خذ منى ما يخصك ..
ما يخصك فقط .
(19)
*
لليلة واحدة
إلى تامر الهلالى
**
أن تحب لليلة واحدة
ذلك يشعرك بأنك الوحيد
الذى يجب أن يُحَب
المهم أن تنطفئ لوحات الميادين
دون أن يتعطل السير
أن تأخذ قبلة لتنير الظلام
تصبح شمعة
ويظل الميدان ساهرا الليلة
أن تحب لليلة واحدة
معناه الرحمات من كف سمائها
انفجار الأرض ينابيع سعادة
رايات معلقة ذات ألوان
ترفرف بقلبك
ويظل شارعنا بهجة مستفزة
بكامل ليلتك
إنجاز رائع لتلك الليلة
يتيمان ويتيهان فى حضرة القصيدة
تلك الغاوية المضللة اللعينة
القابضة على القلب
والتى نريدها كل ليلة
لكنها تريدنا لليلة وحيدة
واللحظة الأنسب للنهاية
أن تحب لليلة واحدة
ما يمنعك من التداول كعملة رخيصة
ويجعلنى كأب روحى
مفترض أن ينعى آباء مثله
فى العام 2020
وذلك أقصى ما يمكن .
(20)
*
حشائش وبرديات
**
توضأت من رحيق زهرة
ما بين الحشائش تلويت
صرت الصليل على بابك
فليستأذن ذووا الحاجات
أو لا يستأذنوا
بابى غير موصد
تلويت فى الحشائش
نعمت بنعومتها
على رأسك كنت ثابتا
فى المستنقعات والرمال
أتلوى
ولا أعقر قدم أحد
حشائش بألوان بهجتك
من اتجاهاتك الست
تسير بأقدامك
قبور مستعارة للغرباء
ما يتكلم به العشب
وما تنطق به البرديات
السفر لأبعد من حدودك
لا يجب
لا يجب أيضا
انتظار أسماكك المتوحشة
ولا يجب أن احدق فى وجوهك
الكثيرة
الذى بيننا يتجدد
ليس حجابا واحدا
إذا أُسدل حجابٌ
يكون حجابا آخر
أشدُّ عتمة
فى العتمة الأولى
بيدى الواهية
لا أزيح سوى الصمت
بيدى التى لا أراها
ولا أصابعى حتما تكون معى
عندما تكونين معى
أحجبة كثيرة تصنعنا
غير أننى انفذ من خلالها
فى مائك المتناثر
تسقط نجوم
تنبثق شمس
من عتمتك المضيئة
أمسكت صوتك
التائه
فى اتجاه صوتى
التائه
من أين يأتى المحبوس فى الجدران
بعد جهد
صوتك التائه
صوتى التائه
آن أن يلتقيا .....
(21)
*
صَوْتٌ أَوَّلٌ وَلَا أَحَدٌ
**
لَكَ الظِّلُّ وَلِىَ بَهْجَةُ الظِّلِّ ، لَكَ المُتَاحُ وَلِىَ مَا قَبْلَ المُتَاحِ وَمَا بَعْدَهُ ، أَنَا الجَوْهَرُ الذِى لَا يُحَدُّ ، وَالظِّلُ الأَوَّلُ لِلأَرْضِ ، وَاكْتِمَالُ الكَوْكَبِ المُتَوَهِّجِ ،. دَفْقُ أَصَابِعِى النَّيَازِكُ المُشْتَعِلَةُ ،. أَخْرُجُ مِنْ عَتْمَتِىَ بِالزَّوَابِعِ ؛ غَيْرَ أَنِّىَ الرَّحِيمَةُ بِكَ ،. خَاصَتِىَ فِى الغَامِضِ المَكْشُوفِ ، وَالكَلَامِ الطَّيِّبِ ، وَأَيَّامِىَ لَا نِهَائِيَّةٌ ، وَلَيْسَ لِىَ شَبَهٌ ، وَكُلُّ مَنْ تَشَبَّهَ بِىَ هَالِكٌ ،. سِلَاحِىَ الدَّهْشَةُ ، وَلِمَنْ يَخْضَعُ دَعْوَتِىَ المُبَاحَةُ ،. المَحْمُولُ بِدَهْشَتِهِ لَا يَكُونُ ، فَأَنَا المَكْنُونُ بِلَا مَكْنُونِ ،.
المَاءُ أَنَا
وَالنَّارُ أَنَا
وَالتُّرَابُ أَنَا
وَالهَوَاءُ أَنَا
وَأَنَا لَا أَنَا
فَاسْمَعْ أَيُّهَا الإٍنْسَانُ ..
(22)
*
الخاضع لمشيئتها
**
فِى الحِجَابِ وَفِيمَا وَرَاءَ الحِجَابِ مَشْغُولٌ أَنَا بِكِ ، فِيمَا فَوْقَ أَنَا هُنَاكَ كَمَا أَنَا هُنَا حَيْثُ لَا هُنَا وَلَا هُنَاكَ ،. أَنَا الخَفِيفُ الخَفِيفُ المُتَمَتِعُ بِمَا لَمْ يَتَمَتعَ بِهِ أَحَدٌ ،. سِكِّيرٌ وَعِرْبِيدٌ ، مُتَهَتِكٌ وَمَارِقٌ ، وَخَاضِعٌ وَمُرْتَبِكٌ ، وَمَهْزُومٌ وَظَافِرٌ ، وَشَاهِدٌ وَسَاكِنٌ ، وَكُلُّ مَسْلَكٍ سَلَكْتُهُ بِزَائِدِ مَحَبَّتِكِ هَائِماً مُتَحَرِكاً ، حُراً وَمَحْبُوساً بِفَائِضِكِ ، وَمَكْسُوراً وَمُجْبَراً بِعَتْمَةِ نَورِكِ مُتَوَهِجٌ ، البَعِيدُ فِى الدُّنُوِّ سَابِحٌ فِى مَلَكُوتِكِ ، قَشَّةً عَلَى بَحْرِكْ وَفِى بَحْرِكِ وَمِنْ بَحْرِكِ ، نَقْشٌ بِقِشْرَةِ الكَونِ مِنْ كَوْنِيَّتِكِ .
(23)
*
إلى كابى حنا
عدنان شيخموس
زكريا شيخ أحمد
نص
أنا كردى
**
كل اتهام يعوزه الدليل
ولا دليل لى على محبتك
إلتمست البكاء فى دمعة رصيف
يفر من تحت قدمى
وقعت فى هوة
رأيت دنانير الفقراء وهى تعد ولا تكفى
رأيت بكاء أطفال شردتهم الحرب
كل أمنياتهم أن يكنسوا الشوارع
آمنين
تجولت فى مدن خربة
يضاجع الهواء بها حديد التسليح
البنايات المتهاوية تشكل فراغا
يلضم الروح بإبرة العدم
أقمشة من الدم
ولا أحد يوصلها بغير البارود
فى بيت بعيد تركت ما أحب
جثث عائلتى بأكفانها
لم يتثن لى دفنهم بدون عزاء
وميدالية بلاستيكية أهداها لى أبى
بها مفتاح البيت
وصور ربما ما تزال على جدران
تسفعها الريح
ماذا يفعل من لا صوت له
فى أرض معطاءة التشرد ككفك
يحبو وله أربع
لا يستطيع الركض الا بسيارة الهوان
والتسول على الطرقات
أنا كردى
باعنى لص فى سوق النخاسة
وأنا أصرخ
أنا كردى أنا كردى
بيعة خاسرة
فى العواصم الحضارية لم أر غير وطنى
المهدم
والمشنوق معى فى قيدى
لست مرئيا
وتاريخى الدموى يرفرف فى ميادينها
جملة معلقة فى فراغات النصوص
لا تعنى غير مزبلة يطرطر عليها الطغاة
أنا بائس فى مستنقع
اللامعقول
وليس لى يد سوى أننى كردى
العودة إلى البيت شبه مستحيلة
فقدت مفتاحى
وانصهرت ميداليتى بدمعى
وأنا أبحث فى عواصم الضباب
عن ثلج بلا ثلج وعن نار بلا نار
وعن جبل وضعته فى جيبى
وعن واد حملته صغيرا
وعن كرم وتفاح فلم أجد
سوى
لوحات إرشادية لمطعم الكلاب
الأمانى المعلقة دائما لا تأتى بخير
هى أرواحنا المستباحة
فى المقاهى والأغنيات
وثرثرة النسوة فى السرير
والحكايات فى بكاء الصبية
والنوم إذ يدفن رأسه بأجسادنا
معلق أيضا
فمتى أنام يا أبى
وأنا أنتظر يدك
تمتد بحلم يلذ الطعام فيه والشراب
والشمعة المضاءة والدالية
وأشجار التوت
متى
وكل اتهام يعوزه الدليل
ولا دليل لى على محبتك
إلتمست البكاء فى دمعة رصيف
يفر من تحت قدمى
وقعت فى هوة
(24)
*
محاولة لترتيب الفوضى
**
حيث يمكن للعالم
أن يتصور
حدائق بلا أشجار
أو حبيبات مرورهم يمكن
أن يجعل الصيف
ذا طقس شتوى
إدفع عن نفسك بأقصى ما تستطيع
ذلك الهواء البارد من عظامك
ومن جنوح مخيلتك لعالم أفضل
تستطيع فيه أن تتنفس
وتلعب مع أطفالك
ليكن
تحملك فوق تلك الأذية
دون كراهية تأكلك
من الداخل
*
فى التدنى لا ترى آدميتك
لا ترى إنسانا آخر
لا ترى غير نفسك
مع ذلك يمكن استنساخك
فى أشخاص آخرين
بحكم العشرة
خطورة ذلك
أن قلبك الإلهى
لا ينفض ماران عليه
فتعلم أيها الإنسان
تعلم
أن عمرك
إن طال
إن قصر
ليس بالطويل
ليس بالقصير
لا يتعدى ما قدّر لك
المهم أن
ما نفعله يوميا
يجب
أن يكون منسجما مع الضرورة
*
لتكوِّن فوضى مرتبة
عليك وحدك إزالتها
عليك أن تمسك مقشة
لا يعنى ذلك إزالة الفوضى نهائيا
بل محاولة ترتيبها
كأن تدنو لشجرة
خدشها شخص ما
بإزميله
كى يكتب اسم حبيبته
كتعبير
عن تقادم الزمن
دون أن يفصح عن هوية
بللت ورق الشجر
كما يمكن للأجساد المباعة
مقدما
أن تلقى برائحة
تتمهل ولا تغادر
لعدة سنوات
وهى تمر
تسلم عليك كل صباح
فى طريقها لعمل ما
كان يشغلها
وقتها
*
يمكن عن طريق الاحتمال
أن نرى كل ما فى الغد
دفعة واحدة
كومضة
ليكن فى علمك
أن الرؤى حين ترسل
إشاراتها
بطيئة
فامنح نفسك هدأة الوقت
معرفة الرموز تتطلب
معرفة نفسك
*
فى حالة ما كتلك الحالة
من يتخيل أن له كيان فهو مخطئ
فى معظم الأحوال أنت لاشئ
الكراهية لا تقتل
إنما المحبة
لا أكثر من ذلك
المهم فى الحالة الأخرى
ولأنك فى منتصف الليل لا ترى
بكاء غيرك
ولا تسمع سوى التنهدات
تجعل الشراب الذى يمكن تناوله
بدون سكَّر أحيانا حامضا
وتظل تشرب
السكْر فى تلك الحالة
لا يجلب غير الصداع
أما إن سمعت
فإنك تبكى ولا تدرى ما حولك
*
الخروج من عنق زجاجة
لابد له من طريقة
تجبرك
السكون فى الزجاجة
يجعلك بلا فائدة كجنى المصباح
لم تكن زجاجة بل
كانت الدنيا تضيق
كثقب إبرة
(25)
*
تَذْكَرَةُ ذِهَابٍ وَإِِيَابٍ
**
المُحْزِنُ حِينَ يَتَنَاوَلُوكَ كَلَحْمٍ حَىٍ
تنضج على مهل وأنت فى مكانك
لا تعرف
أن
ليس فى ممكناتنا اختراقهم
كما لو يعنى هذا
أن تفتح للظلام بابا
لا ضوء فيه ولا نهار
لشوارع منتقاة فى الذاكرة
على نارهم
قابلة للشى من بعيد
لا يمكن الخروج من بوابة النفس
إلا بتذكرة ذهاب وإياب
من يمنحك العودة
كمن يمنحك الحياة
فى الواقع لاشئ
فى الخارج
لاشئ
فى الداخل
ومع ذلك لن يمنحوك صك الغفران
بوابة مظلمة تدلف منها
تجد أشواك الكلام
يسحبون ذاكرتك فتعدو فى شوارعك
على غير هدى
لا تفرق بينهم وبين أى شئ
يطبق عليك الصمت كآلة حادة
فى لحمك الغير قابل للنضج
على أفواههم
وبين أسنانهم النظيفة
كنتُ أتوقع ذلك
كمن يأكل لحم أخيه وهو ميت
برابرة قساة فى ثيابنا
يملكون تذاكر الذهاب والإياب
فى تبادل أماكننا
مرة نحن مرة هم
على أشكالنا نقع كالطيور
الذى يجعل الإنسان فى موقف كهذا
الوعى الزائف
وحين نطمس الذاكرة
أين نذهب ومتى نعود
الناجِىَ الوَحِيدُ
مَْن يَمْلِكُ تَذْكَرَةَ الذِّهَابِ وَالإِيَابِ

-----------------------
نص ديوان :
آكُلُ العَالَمَ بِقَضْمَةٍ
صلاح عبد العزيز - مصر
الزقازيق
ديسمبر 2020

تعليقات

ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...