تسعى هذه المقاربة إلى التحقق من فرضيات إثبات أو نفي (موت الحكاية) بـ(ولادة الذات) الحاكية، و(موت الرواية) بـ(ولادة اللانوع) في أفق مفتوح.
ولكن قبل الدخول إلى انهيار النوع الناتج عن تداخل الأنواع، والكيفية التي يظهر فيها نوع جديد، وينزوي نوع آخر، لا بد من الإشارة إلى أن الأنواع نتاج تقلبات ثقافية وتاريخية، لأنها « كينونات غير مستقرة»، فقد اعتبر غرانت ستيرلنغ – ازدهار روايات ما وراء القص الأمريكي أوائل الستينيات «علامة على استنفاد رواية النثر»، وبداية «موت النوع الأدبي المسمى الرواية».
ويعد كتاب «أدب الاضمحلال» لجون سيمونس بارت (1967) مرجعاً لمسألة «موت الرواية» مقابل مسألة «موت المؤلف» لرولان بارت. وذهب كارلوس فوينتيس إلى: أن التاريخ «قد استنفد معنى الرواية» حيث ستغدو بمرور الزمن، وباندثار الصراعات التي طبعت المرحلة التي كُتِبت فيها غير قابلة للقراءة». لهذا لم يعد ماوراء القص «مجرد ظاهرة أدبية ضيقة»، أو عابرة، خاصة بعد أن تحوّل إلى أدب جديد بآليات وتقنيات متعددة، ويشغل مساحات واسعة من أدب ما بعد الحداثة، وبذا دخل السرد وبضمنه الرواية بوصفها أحد مجالاته منطقة جديدة، اصطلحنا عليها بـ(ما وراء السرد- meta – Nerration / ماوراء الرواية- Meta Fiction).
إذن هل يشكل ما وراء القص ـ بداية انحلال الحبكة وتفكك العلاقات السببية للحكاية، ومن ثم انحلال النوع الروائي، وموت الحكاية، وبداية الدخول في استراتيجيات (الأنا) الحاكية ما بعد الحداثة؟
لقد انتقل كُتّاب الرواية ما بعد الحداثية، وفق تصورات مارك غونتار إلى «أدب الذات» أي «أدب الأنا». وإن كان موريس بلانشو، قد تنبّه إلى «أن الأدب يتجه نحو ذاته. نحو كنهه الذي هو الاختفاء»، فإن بودريارد لم يكتف بطرح إشكالية «اختفاء الواقع»، بسبب حقيقة غياب العلاقة بين الدال والمدلول، وإنما ذهب إلى «اغتيال الواقع» بسبب الاستخدام المفرط لماكنة الموت والعنف والخراب في العالم، كما ذهب إلى أبعد من ذلك، إلى القول بـ«موت الحقيقة» أو»الواقع الحقيقي» الذي سبق لنيتشه أن صرّح به في كتابه «أفول الأصنام ـ كيف أصبح العالم الحقيقي خرافة؟»، ولكن هل يرتبط سؤال الروائي المكسيكي كارلوس فوينتيس (هل ماتت الرواية)؟ بـ(موت الواقع)؟ إذن من الضروري أن نضع «موت الحكاية» التي هي أساس الرواية في مساءلة مفتوحة: إن كان زمن الرواية بشكل ما هو زمن نهاية الحكاية، فهل ندين مع رولان بارت لـ«ولادة الذات بموت الحكاية»؟
وقبل لحظة الحمل بالإجابة، فقد تحوّل الواقع إلى مجرد افتراض، والافتراضي ينسف الواقع ذاته، لأنه ينقض الواقع ويدمرِّه. وإن كنّا لا نريد أن نذهب إلى «موت الواقع» فإن «الواقع قد تغيّر وتبدّل، أي بمعنى انزاح إلى بنى جديدة: ممكنة ومتخيّلة». وإن كانت الرواية «تؤكد وتنكر في الوقت ذاته، سلطتها بوصفها حكيا أو قصا»، فإن الرواية جنس قلق غير مستقر عند حدود قارّة، وتبعا لفرجينيا وولف «أصبح من الضروري أن نبتكر نوعا جديدا». في هذا النوع الجديد يتفكّك نظام المحكي، وتتجه فيه الرواية نحو محاكاة نفسها، بحثاً عن مساحة وجودية لها، وسط عوامل التيه والضياع والخراب التي أطاحت بها. ولكن ينبغي التمييز بين ثلاثة أنواع من الروايات:
* الأول: رواية قائمة على مبدأ الارتداد نحو الذات، والاتجاه نحو تقويض سلطة الأب.
ـ تقول «ميرا» في « الآلهة الممسوخة» ليلى بعلبكي ـ 1960: «شكراً عندي تخمة من الآباء، لو لم يكن ميتاً لتمنيت له أن يموت».
ـ كما تقول «لينا» التي تكره الأب في «أنا أحيا» ليلى بعلبكي أيضا- 1964:
«كَبَرتْ في حذائي شهوة طاغية لمرمغة أنفه وسحقه».
* الثاني: رواية قائمة على مبدأ البحث عن الذات، والاتجاه نحو إزالة الحدود بين الواقع والمتخيل، ومقاربة الأنا بالذات بوعي منقسم على ذاته، كرواية «سيمُرغ» لمحمد ديب 2003: «إنه هو. إنه أنا. إني السيمُرغ».
*الثالث: رواية قائمة على مبدأ الانشغال بالذات، والاتجاه نحو تقويض نظام المحكي باستخدام آليات : التشظي –fragmentation والتهجين metissage. ويتَسع النوع الثالث لاحتواء أشكال متعدِّدة من الخروج على تقاليد العمل الروائي المألوف بقوانين عمل جديدة، منها تراسل الأجناس في «شرفة الهذيان» لإبراهيم نصر/ التشظي في» أنت منذ الآن» لتيسير سيبول، رواية النص في «بيضة النعامة» لرؤوف مسعد، السخرية السوداء في «حجر الضحك» لهدى بركات… ورغم أن هذه الروايات وغيرها، تشكل البداية الأولى لولادة «ذات مبعثرة فصامية»، ظهرت على أنقاض النظام الحكائي، فإننا بصدد ولادة من نوع آخر لذات حاكية جديدة، على أنقاض (أركان الحكاية) برمتها، باستخدام أقصى سياقات التعددية في الأصوات والرؤى والأنوات، بوعي ذاتي جديد، ويمكن التمثيل لهذا النوع برواية «وهن الحكايات» لأحمد إبراهيم السعد.
وتقوم رواية «وهن الحكايات» بتحقيق حيازة جديدة بامتلاك أهم خواص ما بعد الحداثة، وأعني بها خاصية تفكيك مركزية الحكاية بجماليات الـ(أنا) اللامركزية للذات الحاكية. في رواية «وهن الحكايات» لم تعد نظرية بلانكبورغ، التي تسمّي الراوي «خالق عالم» صالحة في أسلوب رواية ما بعد الحداثة، لهذا تطرد الراوي من الرواية، بعد أن كان خاصية حداثة جوهرية، ليس لأنه غير جدير بوظيفته الروائية، وإنما لأنه لم يعد ملائماً لتمثلات التشظي والتهجين والتفكك، الناجمة عن انهيار اليقينيات في بلادنا والعالم، وبذا استدعت الرواية استخدام الـ(أنا) بوصفها استراتيجية جديدة لاستقطاب أنوات عاكسة للذات، وفق ديمقراطية روائية يسميها فيليب لوجون «ديمقراطية الشخصيات»، وهي ديمقراطية قائمة على الإطاحة بديكتاتورية الراوي العليم أو كلي العلم.
وعلى الرغم من أن رواية «وهن الحكاية» رواية ( حلزونية/ تناسلية)، فقد آثرتُ الاصطلاح عليها بـ(رواية ذات أنوات طباقية متعدِّدة)، وهو مصطلح أكثر تمثلا لها ودلالة عليها من مصطلح (رواية ذات أدراج) أو(رواية ذات مرايا متعاكسة)، أي انها رواية مركبة من أنواع ذات دلالات متعدّدة. ولعل أهم تقطبات هذه الـ»أنا»: (أنا الكاتب) و(أنا هديل) و(أنا النحات) و(أنا التمثال)، و(علاء).. إضافة إلى شخصيات ذات دلالات روائية، منها:
نورية أم حسن/ الشاب حسن دارم/ العجوز خلوقي/ نورهان الأحوازية/ كوثر… وإن كانت (الأنا) تمثل تقطبات أنوية ذات دلالات شخصية مستديرة، فإن (الأنا) الوحيدة من بين هذه الأنوات، التي تمثل انشطارات متعددة بدلالات أسموية، هي (أنا هديل): «أنا صاحبة الأسماء الكثيرة الصريحة والضمنية، أنا بلا أم ولي أربع أمهات… أم ولدتني، وواحدة ربتني، وأخرى أرضعتني، وأم تجنّت عليها جدتي». ومن هذه الأسماء والصفات: فشلة/ رضوية/ نجاة/ العايبة/ المشلولة/ نعمة/ نغلة/ العرجاء/ الخرساء/ نورية أو نورهان/….
ونوجّه عناية القارئ إلى أن لهذه الأنوات والذوات والشخصيات حكايات متعدِّدة. لهذا ليس ثمة ثيمة أو موضوع يشكلان حكاية مركزية، وإنما تنفتح الرواية على محكيات متعددة، تختلط فيها الشخصيات بالأحداث، والأزمنة بالأمكنة، في نسيج روائي غاية في التعقيد والتداخل والتفريع، لأنها قائمة على آليات (التقطيع/ التقديم التأخير/ التعديل التصحيح)، إضافة إلى (الريبورتاج) من جهة، وعلى آليات ( التذكر/ التداعي/ الحلم) إضافة إلى السيرة والميثاق والتاريخ من جهة أخرى. وبذا تنبني الرواية على مواد أولية: قرص الـ.. سي دي/ شريط تسجيل/ دفتر مذكرات هديل/ مشاهد ومعاينات أخرى. وفي مجرى تحوّلات (الأنا) و(لعبة الأسماء) و(استبدال الضمائر)، يمكن أن يدرك القارئ (قوة التخييل) في «وهن الحكايات»، وكيفية صناعة شخصية روائية مركبة تركيبة (طباقية) ملتبسة، كشخصية: (أنا هديل) بأسماء وصفات ذات دلالات (طباقية) متعدِّدة.
* ناقد وكاتب من العراق
ولكن قبل الدخول إلى انهيار النوع الناتج عن تداخل الأنواع، والكيفية التي يظهر فيها نوع جديد، وينزوي نوع آخر، لا بد من الإشارة إلى أن الأنواع نتاج تقلبات ثقافية وتاريخية، لأنها « كينونات غير مستقرة»، فقد اعتبر غرانت ستيرلنغ – ازدهار روايات ما وراء القص الأمريكي أوائل الستينيات «علامة على استنفاد رواية النثر»، وبداية «موت النوع الأدبي المسمى الرواية».
ويعد كتاب «أدب الاضمحلال» لجون سيمونس بارت (1967) مرجعاً لمسألة «موت الرواية» مقابل مسألة «موت المؤلف» لرولان بارت. وذهب كارلوس فوينتيس إلى: أن التاريخ «قد استنفد معنى الرواية» حيث ستغدو بمرور الزمن، وباندثار الصراعات التي طبعت المرحلة التي كُتِبت فيها غير قابلة للقراءة». لهذا لم يعد ماوراء القص «مجرد ظاهرة أدبية ضيقة»، أو عابرة، خاصة بعد أن تحوّل إلى أدب جديد بآليات وتقنيات متعددة، ويشغل مساحات واسعة من أدب ما بعد الحداثة، وبذا دخل السرد وبضمنه الرواية بوصفها أحد مجالاته منطقة جديدة، اصطلحنا عليها بـ(ما وراء السرد- meta – Nerration / ماوراء الرواية- Meta Fiction).
إذن هل يشكل ما وراء القص ـ بداية انحلال الحبكة وتفكك العلاقات السببية للحكاية، ومن ثم انحلال النوع الروائي، وموت الحكاية، وبداية الدخول في استراتيجيات (الأنا) الحاكية ما بعد الحداثة؟
لقد انتقل كُتّاب الرواية ما بعد الحداثية، وفق تصورات مارك غونتار إلى «أدب الذات» أي «أدب الأنا». وإن كان موريس بلانشو، قد تنبّه إلى «أن الأدب يتجه نحو ذاته. نحو كنهه الذي هو الاختفاء»، فإن بودريارد لم يكتف بطرح إشكالية «اختفاء الواقع»، بسبب حقيقة غياب العلاقة بين الدال والمدلول، وإنما ذهب إلى «اغتيال الواقع» بسبب الاستخدام المفرط لماكنة الموت والعنف والخراب في العالم، كما ذهب إلى أبعد من ذلك، إلى القول بـ«موت الحقيقة» أو»الواقع الحقيقي» الذي سبق لنيتشه أن صرّح به في كتابه «أفول الأصنام ـ كيف أصبح العالم الحقيقي خرافة؟»، ولكن هل يرتبط سؤال الروائي المكسيكي كارلوس فوينتيس (هل ماتت الرواية)؟ بـ(موت الواقع)؟ إذن من الضروري أن نضع «موت الحكاية» التي هي أساس الرواية في مساءلة مفتوحة: إن كان زمن الرواية بشكل ما هو زمن نهاية الحكاية، فهل ندين مع رولان بارت لـ«ولادة الذات بموت الحكاية»؟
وقبل لحظة الحمل بالإجابة، فقد تحوّل الواقع إلى مجرد افتراض، والافتراضي ينسف الواقع ذاته، لأنه ينقض الواقع ويدمرِّه. وإن كنّا لا نريد أن نذهب إلى «موت الواقع» فإن «الواقع قد تغيّر وتبدّل، أي بمعنى انزاح إلى بنى جديدة: ممكنة ومتخيّلة». وإن كانت الرواية «تؤكد وتنكر في الوقت ذاته، سلطتها بوصفها حكيا أو قصا»، فإن الرواية جنس قلق غير مستقر عند حدود قارّة، وتبعا لفرجينيا وولف «أصبح من الضروري أن نبتكر نوعا جديدا». في هذا النوع الجديد يتفكّك نظام المحكي، وتتجه فيه الرواية نحو محاكاة نفسها، بحثاً عن مساحة وجودية لها، وسط عوامل التيه والضياع والخراب التي أطاحت بها. ولكن ينبغي التمييز بين ثلاثة أنواع من الروايات:
* الأول: رواية قائمة على مبدأ الارتداد نحو الذات، والاتجاه نحو تقويض سلطة الأب.
ـ تقول «ميرا» في « الآلهة الممسوخة» ليلى بعلبكي ـ 1960: «شكراً عندي تخمة من الآباء، لو لم يكن ميتاً لتمنيت له أن يموت».
ـ كما تقول «لينا» التي تكره الأب في «أنا أحيا» ليلى بعلبكي أيضا- 1964:
«كَبَرتْ في حذائي شهوة طاغية لمرمغة أنفه وسحقه».
* الثاني: رواية قائمة على مبدأ البحث عن الذات، والاتجاه نحو إزالة الحدود بين الواقع والمتخيل، ومقاربة الأنا بالذات بوعي منقسم على ذاته، كرواية «سيمُرغ» لمحمد ديب 2003: «إنه هو. إنه أنا. إني السيمُرغ».
*الثالث: رواية قائمة على مبدأ الانشغال بالذات، والاتجاه نحو تقويض نظام المحكي باستخدام آليات : التشظي –fragmentation والتهجين metissage. ويتَسع النوع الثالث لاحتواء أشكال متعدِّدة من الخروج على تقاليد العمل الروائي المألوف بقوانين عمل جديدة، منها تراسل الأجناس في «شرفة الهذيان» لإبراهيم نصر/ التشظي في» أنت منذ الآن» لتيسير سيبول، رواية النص في «بيضة النعامة» لرؤوف مسعد، السخرية السوداء في «حجر الضحك» لهدى بركات… ورغم أن هذه الروايات وغيرها، تشكل البداية الأولى لولادة «ذات مبعثرة فصامية»، ظهرت على أنقاض النظام الحكائي، فإننا بصدد ولادة من نوع آخر لذات حاكية جديدة، على أنقاض (أركان الحكاية) برمتها، باستخدام أقصى سياقات التعددية في الأصوات والرؤى والأنوات، بوعي ذاتي جديد، ويمكن التمثيل لهذا النوع برواية «وهن الحكايات» لأحمد إبراهيم السعد.
وتقوم رواية «وهن الحكايات» بتحقيق حيازة جديدة بامتلاك أهم خواص ما بعد الحداثة، وأعني بها خاصية تفكيك مركزية الحكاية بجماليات الـ(أنا) اللامركزية للذات الحاكية. في رواية «وهن الحكايات» لم تعد نظرية بلانكبورغ، التي تسمّي الراوي «خالق عالم» صالحة في أسلوب رواية ما بعد الحداثة، لهذا تطرد الراوي من الرواية، بعد أن كان خاصية حداثة جوهرية، ليس لأنه غير جدير بوظيفته الروائية، وإنما لأنه لم يعد ملائماً لتمثلات التشظي والتهجين والتفكك، الناجمة عن انهيار اليقينيات في بلادنا والعالم، وبذا استدعت الرواية استخدام الـ(أنا) بوصفها استراتيجية جديدة لاستقطاب أنوات عاكسة للذات، وفق ديمقراطية روائية يسميها فيليب لوجون «ديمقراطية الشخصيات»، وهي ديمقراطية قائمة على الإطاحة بديكتاتورية الراوي العليم أو كلي العلم.
وعلى الرغم من أن رواية «وهن الحكاية» رواية ( حلزونية/ تناسلية)، فقد آثرتُ الاصطلاح عليها بـ(رواية ذات أنوات طباقية متعدِّدة)، وهو مصطلح أكثر تمثلا لها ودلالة عليها من مصطلح (رواية ذات أدراج) أو(رواية ذات مرايا متعاكسة)، أي انها رواية مركبة من أنواع ذات دلالات متعدّدة. ولعل أهم تقطبات هذه الـ»أنا»: (أنا الكاتب) و(أنا هديل) و(أنا النحات) و(أنا التمثال)، و(علاء).. إضافة إلى شخصيات ذات دلالات روائية، منها:
نورية أم حسن/ الشاب حسن دارم/ العجوز خلوقي/ نورهان الأحوازية/ كوثر… وإن كانت (الأنا) تمثل تقطبات أنوية ذات دلالات شخصية مستديرة، فإن (الأنا) الوحيدة من بين هذه الأنوات، التي تمثل انشطارات متعددة بدلالات أسموية، هي (أنا هديل): «أنا صاحبة الأسماء الكثيرة الصريحة والضمنية، أنا بلا أم ولي أربع أمهات… أم ولدتني، وواحدة ربتني، وأخرى أرضعتني، وأم تجنّت عليها جدتي». ومن هذه الأسماء والصفات: فشلة/ رضوية/ نجاة/ العايبة/ المشلولة/ نعمة/ نغلة/ العرجاء/ الخرساء/ نورية أو نورهان/….
ونوجّه عناية القارئ إلى أن لهذه الأنوات والذوات والشخصيات حكايات متعدِّدة. لهذا ليس ثمة ثيمة أو موضوع يشكلان حكاية مركزية، وإنما تنفتح الرواية على محكيات متعددة، تختلط فيها الشخصيات بالأحداث، والأزمنة بالأمكنة، في نسيج روائي غاية في التعقيد والتداخل والتفريع، لأنها قائمة على آليات (التقطيع/ التقديم التأخير/ التعديل التصحيح)، إضافة إلى (الريبورتاج) من جهة، وعلى آليات ( التذكر/ التداعي/ الحلم) إضافة إلى السيرة والميثاق والتاريخ من جهة أخرى. وبذا تنبني الرواية على مواد أولية: قرص الـ.. سي دي/ شريط تسجيل/ دفتر مذكرات هديل/ مشاهد ومعاينات أخرى. وفي مجرى تحوّلات (الأنا) و(لعبة الأسماء) و(استبدال الضمائر)، يمكن أن يدرك القارئ (قوة التخييل) في «وهن الحكايات»، وكيفية صناعة شخصية روائية مركبة تركيبة (طباقية) ملتبسة، كشخصية: (أنا هديل) بأسماء وصفات ذات دلالات (طباقية) متعدِّدة.
* ناقد وكاتب من العراق