[ محافظة بني سويف - 1986]
فى قريتنا البعيدة عن العاصمة، كنت أحب الشعر والصحافة، رغم أن الصحف لم تكن تزور القرية ـ بسبب الفقر والجهل معاً ـ بإستثناء الأهرام (العدد الأسبوعي) يوم الجمعة، وأخبار اليوم (العدد الأسبوعي) يوم السبت. وكان العمدة "أحمد حبيب" هو فقط الذي يشتريهما أسبوعياً، ويجلس فى مدخل القرية، على(مصطبة) رجل فقير كان يحبه - ونحن أيضاً - اسمه عم "عيد المياني"ثم يبدأ في القراءة الأسبوعية. كنت أحفظ مواعيده، واقترب منه، وأحياناً أجلس بجواره ـ فقد كان رجلاً طيباً وفاضلاً ـ حتى اختلس النظر إلى الصحيفة التي بين يديه، فكان يبتسم وينظر لي بدهشة - ربما لصغر سني- ويواصل القراءة. ومن خلال ذلك اللقاء تعرفت على أسماء بعض الصحفيين ومنهم اسم الكاتب الصحفي موسى صبري (1925ـ 1992) الذي رأس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم وتحرير الأخبار حتى نهاية عام 1983.
وظل اسمه في ذهني. وعندما كبرت تابعت كتاباته الصحفية، وكان يعجبني- ومازال- أسلوبه، وكتاباته، وموهبته التي لا خلاف عليها.
•••
[ جامعة القاهرة - 1996]
مرت السنوات، وجاء يوم كنت أسير فيه بجوار بائع كتب يجلس بجوار سور الجامعة. عندما وقعت عيني على غلاف رواية عنوانها (فساد الأمكنة) واسم المؤلف (صبري موسى) [1932- 2018 ]- 18 يناير.. ذكري رحيله - فأصابتني دهشة شديدة، وحيرة، وغضب. وسألت نفسي.. كيف تخطئ دار النشر فتحول اسم المؤلف من (موسى صبري)! إلى(صبري موسى)!، ولما زادت حيرتي سألت البائع وكان عجوزاً، يرتدى نظارة سميكة، وظهره انحنى من فعل الزمن ومن قسوة حمل الكتب.
•••
[ البائع - بعد مرور 10 دقائق]
ابتسم ابتسامة الفيلسوف. وقال: "يا ابني لا يوجد خطأ في كتابة الاسم.. لأن هناك كاتب صحفي اسمه موسى صبري. وفي نفس الوقت هناك أديب وروائي اسمه (صبري موسى) وهذه رائعة من روائعه الإبداعية. وأنصحك أن تقرأ له، فهو كاتب متميز، ومرهف المشاعر، وأعماله بالغة العمق، تتمتع بحس اجتماعي وسياسي، من خلال لغة جميلة، ورشيقة. وهو الذى كتب السيناريو لأفلام (البوسطجى) و(الشيماء) و(قنديل أم هاشم) و(أين تخبئون الشمس) و(قاهر الظلام) وغيرها من الأعمال. أما في الأدب، فقدم للمكتبة العربية مجموعات قصصية مثل (وجها لظهر) و(مشروع قتل جارة) و(حادث النصف متر) و(رحلة داخل امرأة) و(في الصحراء)، ثم سكت قليلاً وهو يلاحظ من تحت نظارته دهشتي من ثقافته الواسعة، ثم قال: لقد ذهب هذا الأديب في عام 1966 إلى الصحراء واخترق الوادي والواحات ومن قبلهما الصحراء الشرقية قرب حدودنا مع السودان، يومها أخذ منحة تفرغ من وزارة الثقافة من أجل هذا العمل البديع الذي في يدك والذي يعد من أهم الروايات العربية. قلت: وهل هو على قيد الحياة؟ رد: نعم.. ربنا يعطيه الصحة والعافية.. هو حي يرزق، لكنك أنت ـ ومن في جيلك ـ لن تعرفوه، لأننا في زمن كاذب، مخادع، مضلل، يطفو فيه على السطح ضعاف الموهبة، وخدام السلطة، والمنافقون، والأفاكون، ليسيطروا على المنابر الثقافية والصحفية؛ فيتحول الإبداع على أيديهم إلى جريمة. والجمال إلى قبح. والقلم إلى خنجر. والفرشاة إلى سكين. والحلم إلى كابوس. وما أكثر هؤلاء في هذا الزمان.
ثم سكت قليلاً وولى بوجهه عنى وهو يرد على أحد الأشخاص الذى كان يسأله عن كتاب لا أذكر اسمه الآن. ثم التفت إليّ فوجدني ما زلت واقفاً في مكاني وفي يدى رواية (فساد الأمكنة)، فواصل كلامه قائلاً: وبسبب ذلك القبح الذى نحن فيه، يصبح من الطبيعي أن يغيب ويبتعد عن الساحة من هم في عبقرية وإبداع وسمو أخلاق ورهافة أحاسيس أديبنا صبري موسى.
•••
[ القاهرة - 2003]
ومرت الأيام وشاء القدر أن أزامل في صحيفة الوفد زوجته "أنس الوجود رضوان".. ومن خلالها كنت أتواصل مع أديبنا صبري موسى الذي أصابه المرض لما يقرب من 15 عاماً، ظل خلالها ملازماً لبيته، يعيش مع القراءة والثقافة في هدوء وتركيز يليق بتركيبته الإنسانية المتصالحة مع ذاتها. وكانت هي ـ كزوجة ـ بجواره تساعده وتسانده أمام قسوة المرض، وكنت كلما رأيتها أقول لها، إنني في شوق إلى زيارته، وكثيراً ما اتفقنا على هذا اللقاء، غير أن عجلة المشاغل اليومية منعتني من ذلك.
•••
[ الهرم - 5 شارع الصباح]
عندما داهمته وعكته الصحية الأخيرة التي ودعنا بعدها، كانت أنس الوجود بجواره، فطلبت منها ـ عبر الهاتف ـ أن أكلمه، وبالفعل فعلت ذلك وجاءني صوته هامساً، واهناً، وضعيفاً، والحروف تخرج من فمه متقطعة وبطيئة خاصة وهو يتمتم بكلمات شعرت منها بسعادته ورضاه عن مشواره في الثقافة والحياة ثم أعطى الهاتف لها وهو يضحك بصوت مسموع.
أغلقت الهاتف وجلست مكاني، مسنداً ظهري إلى الحائط، أتذكر الحوار الذي دار بيني وبين بائع الكتب العجوز قبل سنوات، وكيف كان الرجل يعشق أدبه وإبداعه، بل إنه يومها توقع أن يرحل هذا الأديب، دون أن يأخذ حقه الأدبي الذي يستحقه، لأنه - حسب قوله- مثل فتحي غانم ويوسف السباعي وغيرهم وقعوا بين مطرقة يوسف إدريس وسندان نجيب محفوظ. ثم توقف العجوز قليلاً عن كلامه معي وأخرج من جيب بالطو أسود قديم كان يرتديه علبة سجائره وأشعل منها سيجارة ونظر لي قائلاَ: أما على المستوى الصحفي، فالمؤكد أن الأديب صبري موسى ـ وكان في مؤسسة روز اليوسف منذ عام 1955- لن يستطيع أن يصل إلى شهرة ونجومية الصحفي موسى صبري ـ كان يعمل في مؤسسة أخبار اليوم منذ عام 1950ـ ووصوله إلى ما وصل إليه مهنياً! قلت: لماذا؟ قال: لأن الكاتب الصحفي(موسى صبري) كان رجل سلطة، يخدم بلاطها، ويقف على أبوابها، ولك أن تعرف أنه نام في حضنها ثلاثة عقود متتالية، وبلغ قربه وصداقته للرئيس السادات أنه كتب عنه في صحيفة الأخبار ما يقرب من ألف مقال منذ عام 1970، وكتب له خطابه الذي ألقاه في القدس عندما زار إسرائيل وليس هذا فقط بل، إنه ـ وهو القبطي ـ ساند بكتاباته الرئيس السادات ضد البابا شنودة، في الخلاف الذي جرى بينهما قبل نهاية حكم السادات، عندما حدد إقامة البابا وحبس 8 أساقفة و24 من الكهنة. يومها كتب موسى صبري في شهر سبتمبر 1981
مقالاً صادماً عنوانه (أخطر من قرار أكتوبر). ورد البابا شنودة عليه قائلاً: (موسى صبري رجل السادات قبل أن يكون ابن الكنيسة). قلت: والمؤكد أن هذه المؤهلات، والصفات، - مع قناعتي بموهبته الكبيرة - كانت لا تتوفر في شخصية الأديب (صبري موسى)! أليس كذلك؟ ضحك وهو يطفئ ما تبقى من سيجارته وقال: طبعاً. ثم نظر إلى الشارع الذي كانت حركة المرور فيه قد تعطلت بسبب سيدة مسنة، سقطت تحت عجلات سيارة طائشة، وقال: الفرق هنا واضح بين مبدع يدعم السلطة ونظامها، وبين مبدع آخر يبتعد عنها، رغم انه يدعم الدولة ويزيد من وعيها، وقوتها الناعمة. ابتسمت وقلت مندهشاً: من أين جئت بكل هذه المعلومات؟ ضحك ضحكة واهنة وقال: "يا ابني.. الذي يقف أمامك الآن، درس اللغة العربية في كلية الآداب منذ سنوات طويلة، وكتبت القصة القصيرة والشعر، وقرأت عشرات الكتب. أما لماذا أقف هنا الآن؟ فهذه قصة ليس الآن وقتها"! .
•••
[ الشارع - بعد مرور 30 دقيقة]
يومها تركته وترجلت للناحية الأخرى من الشارع وأنا أراه بصعوبة، يلملم كتبه ويضعها في صندوق خشبي قديم، ويحملها على ظهره ويغيب عنى في زحام الشارع الذي استقبل فى نفس اللحظة صوت سيارة الإسعاف التى جاءت، لإنقاذ المرأة العجوز؛ غير أنها - فيما يبدو - كانت قد فارقت الحياة!
خيري حسن
القاهرة - يناير - 2021
فى قريتنا البعيدة عن العاصمة، كنت أحب الشعر والصحافة، رغم أن الصحف لم تكن تزور القرية ـ بسبب الفقر والجهل معاً ـ بإستثناء الأهرام (العدد الأسبوعي) يوم الجمعة، وأخبار اليوم (العدد الأسبوعي) يوم السبت. وكان العمدة "أحمد حبيب" هو فقط الذي يشتريهما أسبوعياً، ويجلس فى مدخل القرية، على(مصطبة) رجل فقير كان يحبه - ونحن أيضاً - اسمه عم "عيد المياني"ثم يبدأ في القراءة الأسبوعية. كنت أحفظ مواعيده، واقترب منه، وأحياناً أجلس بجواره ـ فقد كان رجلاً طيباً وفاضلاً ـ حتى اختلس النظر إلى الصحيفة التي بين يديه، فكان يبتسم وينظر لي بدهشة - ربما لصغر سني- ويواصل القراءة. ومن خلال ذلك اللقاء تعرفت على أسماء بعض الصحفيين ومنهم اسم الكاتب الصحفي موسى صبري (1925ـ 1992) الذي رأس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم وتحرير الأخبار حتى نهاية عام 1983.
وظل اسمه في ذهني. وعندما كبرت تابعت كتاباته الصحفية، وكان يعجبني- ومازال- أسلوبه، وكتاباته، وموهبته التي لا خلاف عليها.
•••
[ جامعة القاهرة - 1996]
مرت السنوات، وجاء يوم كنت أسير فيه بجوار بائع كتب يجلس بجوار سور الجامعة. عندما وقعت عيني على غلاف رواية عنوانها (فساد الأمكنة) واسم المؤلف (صبري موسى) [1932- 2018 ]- 18 يناير.. ذكري رحيله - فأصابتني دهشة شديدة، وحيرة، وغضب. وسألت نفسي.. كيف تخطئ دار النشر فتحول اسم المؤلف من (موسى صبري)! إلى(صبري موسى)!، ولما زادت حيرتي سألت البائع وكان عجوزاً، يرتدى نظارة سميكة، وظهره انحنى من فعل الزمن ومن قسوة حمل الكتب.
•••
[ البائع - بعد مرور 10 دقائق]
ابتسم ابتسامة الفيلسوف. وقال: "يا ابني لا يوجد خطأ في كتابة الاسم.. لأن هناك كاتب صحفي اسمه موسى صبري. وفي نفس الوقت هناك أديب وروائي اسمه (صبري موسى) وهذه رائعة من روائعه الإبداعية. وأنصحك أن تقرأ له، فهو كاتب متميز، ومرهف المشاعر، وأعماله بالغة العمق، تتمتع بحس اجتماعي وسياسي، من خلال لغة جميلة، ورشيقة. وهو الذى كتب السيناريو لأفلام (البوسطجى) و(الشيماء) و(قنديل أم هاشم) و(أين تخبئون الشمس) و(قاهر الظلام) وغيرها من الأعمال. أما في الأدب، فقدم للمكتبة العربية مجموعات قصصية مثل (وجها لظهر) و(مشروع قتل جارة) و(حادث النصف متر) و(رحلة داخل امرأة) و(في الصحراء)، ثم سكت قليلاً وهو يلاحظ من تحت نظارته دهشتي من ثقافته الواسعة، ثم قال: لقد ذهب هذا الأديب في عام 1966 إلى الصحراء واخترق الوادي والواحات ومن قبلهما الصحراء الشرقية قرب حدودنا مع السودان، يومها أخذ منحة تفرغ من وزارة الثقافة من أجل هذا العمل البديع الذي في يدك والذي يعد من أهم الروايات العربية. قلت: وهل هو على قيد الحياة؟ رد: نعم.. ربنا يعطيه الصحة والعافية.. هو حي يرزق، لكنك أنت ـ ومن في جيلك ـ لن تعرفوه، لأننا في زمن كاذب، مخادع، مضلل، يطفو فيه على السطح ضعاف الموهبة، وخدام السلطة، والمنافقون، والأفاكون، ليسيطروا على المنابر الثقافية والصحفية؛ فيتحول الإبداع على أيديهم إلى جريمة. والجمال إلى قبح. والقلم إلى خنجر. والفرشاة إلى سكين. والحلم إلى كابوس. وما أكثر هؤلاء في هذا الزمان.
ثم سكت قليلاً وولى بوجهه عنى وهو يرد على أحد الأشخاص الذى كان يسأله عن كتاب لا أذكر اسمه الآن. ثم التفت إليّ فوجدني ما زلت واقفاً في مكاني وفي يدى رواية (فساد الأمكنة)، فواصل كلامه قائلاً: وبسبب ذلك القبح الذى نحن فيه، يصبح من الطبيعي أن يغيب ويبتعد عن الساحة من هم في عبقرية وإبداع وسمو أخلاق ورهافة أحاسيس أديبنا صبري موسى.
•••
[ القاهرة - 2003]
ومرت الأيام وشاء القدر أن أزامل في صحيفة الوفد زوجته "أنس الوجود رضوان".. ومن خلالها كنت أتواصل مع أديبنا صبري موسى الذي أصابه المرض لما يقرب من 15 عاماً، ظل خلالها ملازماً لبيته، يعيش مع القراءة والثقافة في هدوء وتركيز يليق بتركيبته الإنسانية المتصالحة مع ذاتها. وكانت هي ـ كزوجة ـ بجواره تساعده وتسانده أمام قسوة المرض، وكنت كلما رأيتها أقول لها، إنني في شوق إلى زيارته، وكثيراً ما اتفقنا على هذا اللقاء، غير أن عجلة المشاغل اليومية منعتني من ذلك.
•••
[ الهرم - 5 شارع الصباح]
عندما داهمته وعكته الصحية الأخيرة التي ودعنا بعدها، كانت أنس الوجود بجواره، فطلبت منها ـ عبر الهاتف ـ أن أكلمه، وبالفعل فعلت ذلك وجاءني صوته هامساً، واهناً، وضعيفاً، والحروف تخرج من فمه متقطعة وبطيئة خاصة وهو يتمتم بكلمات شعرت منها بسعادته ورضاه عن مشواره في الثقافة والحياة ثم أعطى الهاتف لها وهو يضحك بصوت مسموع.
أغلقت الهاتف وجلست مكاني، مسنداً ظهري إلى الحائط، أتذكر الحوار الذي دار بيني وبين بائع الكتب العجوز قبل سنوات، وكيف كان الرجل يعشق أدبه وإبداعه، بل إنه يومها توقع أن يرحل هذا الأديب، دون أن يأخذ حقه الأدبي الذي يستحقه، لأنه - حسب قوله- مثل فتحي غانم ويوسف السباعي وغيرهم وقعوا بين مطرقة يوسف إدريس وسندان نجيب محفوظ. ثم توقف العجوز قليلاً عن كلامه معي وأخرج من جيب بالطو أسود قديم كان يرتديه علبة سجائره وأشعل منها سيجارة ونظر لي قائلاَ: أما على المستوى الصحفي، فالمؤكد أن الأديب صبري موسى ـ وكان في مؤسسة روز اليوسف منذ عام 1955- لن يستطيع أن يصل إلى شهرة ونجومية الصحفي موسى صبري ـ كان يعمل في مؤسسة أخبار اليوم منذ عام 1950ـ ووصوله إلى ما وصل إليه مهنياً! قلت: لماذا؟ قال: لأن الكاتب الصحفي(موسى صبري) كان رجل سلطة، يخدم بلاطها، ويقف على أبوابها، ولك أن تعرف أنه نام في حضنها ثلاثة عقود متتالية، وبلغ قربه وصداقته للرئيس السادات أنه كتب عنه في صحيفة الأخبار ما يقرب من ألف مقال منذ عام 1970، وكتب له خطابه الذي ألقاه في القدس عندما زار إسرائيل وليس هذا فقط بل، إنه ـ وهو القبطي ـ ساند بكتاباته الرئيس السادات ضد البابا شنودة، في الخلاف الذي جرى بينهما قبل نهاية حكم السادات، عندما حدد إقامة البابا وحبس 8 أساقفة و24 من الكهنة. يومها كتب موسى صبري في شهر سبتمبر 1981
مقالاً صادماً عنوانه (أخطر من قرار أكتوبر). ورد البابا شنودة عليه قائلاً: (موسى صبري رجل السادات قبل أن يكون ابن الكنيسة). قلت: والمؤكد أن هذه المؤهلات، والصفات، - مع قناعتي بموهبته الكبيرة - كانت لا تتوفر في شخصية الأديب (صبري موسى)! أليس كذلك؟ ضحك وهو يطفئ ما تبقى من سيجارته وقال: طبعاً. ثم نظر إلى الشارع الذي كانت حركة المرور فيه قد تعطلت بسبب سيدة مسنة، سقطت تحت عجلات سيارة طائشة، وقال: الفرق هنا واضح بين مبدع يدعم السلطة ونظامها، وبين مبدع آخر يبتعد عنها، رغم انه يدعم الدولة ويزيد من وعيها، وقوتها الناعمة. ابتسمت وقلت مندهشاً: من أين جئت بكل هذه المعلومات؟ ضحك ضحكة واهنة وقال: "يا ابني.. الذي يقف أمامك الآن، درس اللغة العربية في كلية الآداب منذ سنوات طويلة، وكتبت القصة القصيرة والشعر، وقرأت عشرات الكتب. أما لماذا أقف هنا الآن؟ فهذه قصة ليس الآن وقتها"! .
•••
[ الشارع - بعد مرور 30 دقيقة]
يومها تركته وترجلت للناحية الأخرى من الشارع وأنا أراه بصعوبة، يلملم كتبه ويضعها في صندوق خشبي قديم، ويحملها على ظهره ويغيب عنى في زحام الشارع الذي استقبل فى نفس اللحظة صوت سيارة الإسعاف التى جاءت، لإنقاذ المرأة العجوز؛ غير أنها - فيما يبدو - كانت قد فارقت الحياة!
خيري حسن
القاهرة - يناير - 2021