علاقة الأدب بالمجتمع علاقة وطيدة، وإن ظلت ملتبسة ومعقدة. إن المبدع لا يمثل الواقع ولا يحاكيه، ولكنه يقدم رؤيته له من زاويته الخاصة التي تتشكل لديه من خلال المعايشة، والقراءة وإعمال النظر. وهذه العلاقة لا يمكن أن تتشكل إلا من خلال الكتابة وبواسطتها. ولما كانت الكتابة الأدبية ذات تاريخ عريق، فإن المبدع ينتج عمله الأدبي في تفاعل مع تاريخ الجنس الأدبي الذي يكتب في نطاقه، سائرا على نهج معين، أو عاملا على تطوير أحد الأشكال التي استلهمها، من أجل تقديم إبداع مختلف نسبيا أو كليا عما سبقه.
لذلك يمكننا استنتاج أن علاقة الإبداع الأدبي بالواقع والمجتمع تتبدى من خلال تاريخ الأشكال الأدبية، وتطورها. ومتى حصل تطور في الشكل في حقبة أدبية ما، صار المبدع يكتب في نطاق ما صار مشتركا بين المبدع والناقد والمتلقي. ألا ترى أننا عندما نقرأ إبداعا أدبيا معاصرا لا ينخرط في هذا الإبدال الإبداعي المشترك، بارتداده إلى أشكال تقليدية بائدة، أننا لا نتفاعل معه ولا ننسجم مع ما يقدمه؟ إننا نعتبره في هذه الحالة يكتب بعيدا عن العصر، حتى إن كانت القضايا التي يتناولها متصلة اتصالا وثيقا بما يجري في الواقع الذي نعيش فيه.
إذا كان المبدع الأدبي ينتج نصوصه في نطاق تاريخ الأشكال والأجناس والأنواع، فإنه يقدم على ذلك من خلال امتلاكه العدة الجمالية، هل نقول الأدبية التي يعمل على تحقيقها في إنتاجه الإبداعي؟ ومتى افتقد في عمله الإبداعي تلك الجمالية نزل عن المكانة التي يمكن أن يحتلها في مسيرة تطور الأشكال، حتى إن كان ما ينتجه «تعبيرا» أو «تمثيلا» للاجتماعي بطريقة يتجاوب معها بعض القراء أو النقاد، لأسباب لا علاقة لها بخصوصية الإبداع وجماليته. جمالية الإبداع الأدبي مظهر من جماليات متعددة تتحقق في الحياة العامة وفي ضروب شتى من الإبداع غير الأدبي الذي يمارسه الإنسان في أي مجتمع. إن الفنون المختلفة، والصنائع والحرف، ومختلف ما يقوم به الإنسان في حياته، يمكن أن تتحقق من خلال تاريخ إنساني تكرست فيه جماليات وأفكار ومبادئ تتمفصل حسب الدور الذي يمكن أن تضطلع به، بما يخدم الإنسان ويحقق له الانسجام مع عالمه، ويمنحه أسباب فرص حب الحياة، والاستمتاع بوجوده في تناغم وتفاعل مع الآخرين ومع نفسه. إننا «نعشق» الزربية الجميلة، والحديقة المتسقة، والألوان المنسجمة، تماما كما «نحب» الصدق في الكلام، وننبذ الكذب، و«نفضل» الأمانة على الخيانة، وندعو إلى المحبة بديلا عن البغضاء والشحناء.
إن تاريخ الفكر الأدبي هو تاريخ البحث في ما يمكن أن يضطلع به الأدب في الحياة الاجتماعية العامة. أما الدراسة الأدبية فتختص بالعام من خلال السعي إلى الكشف عن مميزاته الخصوصية، بالقياس إلى الإنتاجات البشرية الأخرى، التي نجدها في تاريخ الأشكال الأدبية.
علاقة الجمالي بالاجتماعي علاقة وطيدة لأنها تسهم في إبراز الوجه الذي نرى من خلاله علاقة الذات بالواقع. ولا تتعلق القضية بالمحتوى الفكري المعبر عنه، ولكن بالصورة التي يتخذها الإبداع لتجسيد تلك العلاقة. ومتى كانت تلك الصورة، أو ذاك الشكل قادرا على تقديمها بكيفية تتلاءم مع المقومات الجمالية كانت أبلغ في دفعنا كمتلقين إلى التفاعل مع ما يقدمه هذا الإبداع أو ذاك. إننا نُقدِم على قراءة الإبداع الأدبي، أولا لما نجد فيه من قدرة على التعبير بكيفية نعجز عن الإتيان بمثلها. أما ما يمكن أن يقدمه لنا من تمثيلات للاجتماعي فهي مشتركة بين المتلقي ومبدعه. يدفعنا هذا التمييز إلى طرح السؤال التالي: لماذا ندرُس الأدب وندرِّسه؟ هل ندرسه للكشف عما يميزه جماليا؟ أم لما يحتويه من أفكار وقيم؟ إن تلك الأفكار والقيم التي يقدمها يمكن أن تصلنا بواسطة خطابات أخرى غير أدبية. لكن الخطاب الأدبي يجسدها لنا بطريقته الجمالية الخاصة، وتلك خصوصيته التي تميزه عن غيره من الخطابات، هذه الخصوصية كيف يمكننا تدريسها ودراستها؟ إن الجواب عن هذا السؤال هو ما يضطلع به الفكر الأدبي عموما، والدراسات الأدبية خاصة.
إن تاريخ الفكر الأدبي هو تاريخ البحث في ما يمكن أن يضطلع به الأدب في الحياة الاجتماعية العامة. أما الدراسة الأدبية فتختص بالعام من خلال السعي إلى الكشف عن مميزاته الخصوصية، بالقياس إلى الإنتاجات البشرية الأخرى، التي نجدها في تاريخ الأشكال الأدبية. ولما كانت هذه الأشكال تتغير بتغير الوسائط، كان تطوير الوعي بها، وإدراك خصوصيتها هو ما يميز الدراسة الأدبية عن الفكر الأدبي، لأنه يدفع في اتجاه الإمساك بما يضيفه أي وسيط جديد للذائقة الجمالية للإنسان وهو يتفاعل مع محيطه في تطوره الدائم.
تطور الإبداع الأدبي رهين بتطوير الوعي بخصوصيته الفنية والجمالية. وكلما تركز انشغالنا في دراسة الأدب وتدريسه على قضايا تتصل بالفكر الأدبي على حساب البحث في أدبيته كان ذلك عاملا من عوامل تأخرنا في الوعي بجماليته التي عليها مداره، وأي تقصير في تنمية هذا الحس الجمالي لدى المتلقي، وقبل ذلك لدى المبدع والدارس والمدرس، كان لذلك أثره في نوعية الإنتاج الأدبي الذي نقدم، وفي عدم قدرته على تجسيد الرؤية الملائمة، التي تجعلنا نقدم على قراءته والتفاعل معه. إن تطوير الاجتماعي في الحياة العامة، رهين بتنمية الوعي الجمالي في مختلف ممارسات الإنسان.
د. سعيد يقطين / المغرب
لذلك يمكننا استنتاج أن علاقة الإبداع الأدبي بالواقع والمجتمع تتبدى من خلال تاريخ الأشكال الأدبية، وتطورها. ومتى حصل تطور في الشكل في حقبة أدبية ما، صار المبدع يكتب في نطاق ما صار مشتركا بين المبدع والناقد والمتلقي. ألا ترى أننا عندما نقرأ إبداعا أدبيا معاصرا لا ينخرط في هذا الإبدال الإبداعي المشترك، بارتداده إلى أشكال تقليدية بائدة، أننا لا نتفاعل معه ولا ننسجم مع ما يقدمه؟ إننا نعتبره في هذه الحالة يكتب بعيدا عن العصر، حتى إن كانت القضايا التي يتناولها متصلة اتصالا وثيقا بما يجري في الواقع الذي نعيش فيه.
إذا كان المبدع الأدبي ينتج نصوصه في نطاق تاريخ الأشكال والأجناس والأنواع، فإنه يقدم على ذلك من خلال امتلاكه العدة الجمالية، هل نقول الأدبية التي يعمل على تحقيقها في إنتاجه الإبداعي؟ ومتى افتقد في عمله الإبداعي تلك الجمالية نزل عن المكانة التي يمكن أن يحتلها في مسيرة تطور الأشكال، حتى إن كان ما ينتجه «تعبيرا» أو «تمثيلا» للاجتماعي بطريقة يتجاوب معها بعض القراء أو النقاد، لأسباب لا علاقة لها بخصوصية الإبداع وجماليته. جمالية الإبداع الأدبي مظهر من جماليات متعددة تتحقق في الحياة العامة وفي ضروب شتى من الإبداع غير الأدبي الذي يمارسه الإنسان في أي مجتمع. إن الفنون المختلفة، والصنائع والحرف، ومختلف ما يقوم به الإنسان في حياته، يمكن أن تتحقق من خلال تاريخ إنساني تكرست فيه جماليات وأفكار ومبادئ تتمفصل حسب الدور الذي يمكن أن تضطلع به، بما يخدم الإنسان ويحقق له الانسجام مع عالمه، ويمنحه أسباب فرص حب الحياة، والاستمتاع بوجوده في تناغم وتفاعل مع الآخرين ومع نفسه. إننا «نعشق» الزربية الجميلة، والحديقة المتسقة، والألوان المنسجمة، تماما كما «نحب» الصدق في الكلام، وننبذ الكذب، و«نفضل» الأمانة على الخيانة، وندعو إلى المحبة بديلا عن البغضاء والشحناء.
إن تاريخ الفكر الأدبي هو تاريخ البحث في ما يمكن أن يضطلع به الأدب في الحياة الاجتماعية العامة. أما الدراسة الأدبية فتختص بالعام من خلال السعي إلى الكشف عن مميزاته الخصوصية، بالقياس إلى الإنتاجات البشرية الأخرى، التي نجدها في تاريخ الأشكال الأدبية.
علاقة الجمالي بالاجتماعي علاقة وطيدة لأنها تسهم في إبراز الوجه الذي نرى من خلاله علاقة الذات بالواقع. ولا تتعلق القضية بالمحتوى الفكري المعبر عنه، ولكن بالصورة التي يتخذها الإبداع لتجسيد تلك العلاقة. ومتى كانت تلك الصورة، أو ذاك الشكل قادرا على تقديمها بكيفية تتلاءم مع المقومات الجمالية كانت أبلغ في دفعنا كمتلقين إلى التفاعل مع ما يقدمه هذا الإبداع أو ذاك. إننا نُقدِم على قراءة الإبداع الأدبي، أولا لما نجد فيه من قدرة على التعبير بكيفية نعجز عن الإتيان بمثلها. أما ما يمكن أن يقدمه لنا من تمثيلات للاجتماعي فهي مشتركة بين المتلقي ومبدعه. يدفعنا هذا التمييز إلى طرح السؤال التالي: لماذا ندرُس الأدب وندرِّسه؟ هل ندرسه للكشف عما يميزه جماليا؟ أم لما يحتويه من أفكار وقيم؟ إن تلك الأفكار والقيم التي يقدمها يمكن أن تصلنا بواسطة خطابات أخرى غير أدبية. لكن الخطاب الأدبي يجسدها لنا بطريقته الجمالية الخاصة، وتلك خصوصيته التي تميزه عن غيره من الخطابات، هذه الخصوصية كيف يمكننا تدريسها ودراستها؟ إن الجواب عن هذا السؤال هو ما يضطلع به الفكر الأدبي عموما، والدراسات الأدبية خاصة.
إن تاريخ الفكر الأدبي هو تاريخ البحث في ما يمكن أن يضطلع به الأدب في الحياة الاجتماعية العامة. أما الدراسة الأدبية فتختص بالعام من خلال السعي إلى الكشف عن مميزاته الخصوصية، بالقياس إلى الإنتاجات البشرية الأخرى، التي نجدها في تاريخ الأشكال الأدبية. ولما كانت هذه الأشكال تتغير بتغير الوسائط، كان تطوير الوعي بها، وإدراك خصوصيتها هو ما يميز الدراسة الأدبية عن الفكر الأدبي، لأنه يدفع في اتجاه الإمساك بما يضيفه أي وسيط جديد للذائقة الجمالية للإنسان وهو يتفاعل مع محيطه في تطوره الدائم.
تطور الإبداع الأدبي رهين بتطوير الوعي بخصوصيته الفنية والجمالية. وكلما تركز انشغالنا في دراسة الأدب وتدريسه على قضايا تتصل بالفكر الأدبي على حساب البحث في أدبيته كان ذلك عاملا من عوامل تأخرنا في الوعي بجماليته التي عليها مداره، وأي تقصير في تنمية هذا الحس الجمالي لدى المتلقي، وقبل ذلك لدى المبدع والدارس والمدرس، كان لذلك أثره في نوعية الإنتاج الأدبي الذي نقدم، وفي عدم قدرته على تجسيد الرؤية الملائمة، التي تجعلنا نقدم على قراءته والتفاعل معه. إن تطوير الاجتماعي في الحياة العامة، رهين بتنمية الوعي الجمالي في مختلف ممارسات الإنسان.
د. سعيد يقطين / المغرب