- جعفر الديري:
الوقت يمرّ بطيئا، والفكرة التي تنصرف عن الذهن للحظة؛ تعاود الوثوب بقوّة، والحقيقة أيضا شاخصة للعين، وكذلك الغدر بكل تفاصيله، والغيظ بلغ حدا ينذر بانفجار الرأس، ولا شيء يستطيع أن يصدّ تيار الفكرة المليئة بالعفن.
ذكرياته تحفر في الذهن أخاديدا تتوهّج، تصيح به أن لا يستسلم وإلا فإنّ كلّ شيء سائر إلى الضياع، وحسبه أنه لم ينل من حنان أبيه ما يعوّضه عن فكرته المجنونة. ثمّ إن القدر شاء أن يلهب روحه بسياط من نار، فمتى توجّه إلى العمل كان البيت على يمينه، ومتى رجع من العمل كان البيت على شماله، والنفس غضبى، ورائحة الغدر كريهة تزكم الأنوف، ونوافذ البيت مشرعة، تطلّ منها المرأة كأنما تتحدّى الجميع.
بالأمس فقط اقترنت بآخر؛ برجس من ذوي البدن القوي والعين الميتة، صاحب سوابق، مليء ملفّه بالضرب والشتم والاعتداء الوحشي. هي إذن تتوقّع أن ينالها ما نالهم جميعا، غير أن الفرق هنا أنها تملك وهم لا يملكون، وتتصرّف في الورث بينما يعيش وأسرته في شقة قديمة، تشاركهم فيها قبيلة عريقة من الصرارير!.
وها قد حلّ المساء، وبعد ساعات سيكون الأمر قد انتهى، سيواجه الظلم بالسلاح نفسه، بآلة الغدر نفسها، بتشنّج أبيه، وهزّه رأسه كالطفل، بسرحانه الدائم، ونظرة عينيه الخائرة. سيغسل من رأسه فكرة وسخة طالما احتقر نفسه بسببها، وعلّلها بأن الناس جميعهم سيتخذون ما اتّخذه لو أنهم كانوا في مكانه.
ولعن الظروف التي ألجأته إلى إخفاء وجهه، والهرب من الناس، وسلوك طريق وعر، والطرق على باب شخص منبوذ من الناس...
- تفضل..
وسيق عبر مجاز مظلم، في آخره ضوء، جلست عنده امرأة مسنّة، كرهها من أوّل نظره، وضاعف من كرهه لها اضطراره لدفع المال...
- أرجوك؛ ما اتفقنا عليه فقط بلا زيادة أو نقصان...
أمسكت المال، ووضعته تحت فراشها باحتقار، ثم أخذت نفسا من الشيشة، وقالت في استهانة...
- زبائني يعلمون جيدا مقدار أمانتي.
اللعنة عليك وعلى زبائنك، متى كان يقرن إلى هذه الحثالة من الناس؟! لكن الأمور يجب أن تعاد إلى نصابها، ولا محيص عن سلوك الدرب حتى منتهاه، ثم وضع الميّت في القبر، وغسل الكفين من أثر الدّم. وليكفّر بعد ذلك عن خطأ لا يزال متيقّنا من أنه مضطر إليه.
وانتظر ساعة كاملة في الخارج، ثمّ جاءت لحظة شعر فيها وكأنّه مشدود لباب العجوز بحبل لا يرى. بدأ التغير بقلبه، ثم شمل رأسه حتى أحسّ بالدوار، وسرى حتى أحسّ وكأنه معلّق بين السماء والأرض!.
مشى إلى سيارته في خطوات جهد أن تكون متّزنة، أدار محرّك السيارة، وداس على البنزين، لكن السيارة توقفت فجأة واهتزت اهتزازة عنيفة! كانت ضربات قلبه تتسارع دون كابح، أما عيناه فتحوّلتا لعيني بومة، وأحسّ بتشنج يشمل جميع أعضائه.
فتح باب السيارة وألقى بنفسه على الأرض، وحمد الله تعالى أنّ الليل بهيم ولا أثر لأحد في هذا المكان.
الوقت يمرّ بطيئا، والفكرة التي تنصرف عن الذهن للحظة؛ تعاود الوثوب بقوّة، والحقيقة أيضا شاخصة للعين، وكذلك الغدر بكل تفاصيله، والغيظ بلغ حدا ينذر بانفجار الرأس، ولا شيء يستطيع أن يصدّ تيار الفكرة المليئة بالعفن.
ذكرياته تحفر في الذهن أخاديدا تتوهّج، تصيح به أن لا يستسلم وإلا فإنّ كلّ شيء سائر إلى الضياع، وحسبه أنه لم ينل من حنان أبيه ما يعوّضه عن فكرته المجنونة. ثمّ إن القدر شاء أن يلهب روحه بسياط من نار، فمتى توجّه إلى العمل كان البيت على يمينه، ومتى رجع من العمل كان البيت على شماله، والنفس غضبى، ورائحة الغدر كريهة تزكم الأنوف، ونوافذ البيت مشرعة، تطلّ منها المرأة كأنما تتحدّى الجميع.
بالأمس فقط اقترنت بآخر؛ برجس من ذوي البدن القوي والعين الميتة، صاحب سوابق، مليء ملفّه بالضرب والشتم والاعتداء الوحشي. هي إذن تتوقّع أن ينالها ما نالهم جميعا، غير أن الفرق هنا أنها تملك وهم لا يملكون، وتتصرّف في الورث بينما يعيش وأسرته في شقة قديمة، تشاركهم فيها قبيلة عريقة من الصرارير!.
وها قد حلّ المساء، وبعد ساعات سيكون الأمر قد انتهى، سيواجه الظلم بالسلاح نفسه، بآلة الغدر نفسها، بتشنّج أبيه، وهزّه رأسه كالطفل، بسرحانه الدائم، ونظرة عينيه الخائرة. سيغسل من رأسه فكرة وسخة طالما احتقر نفسه بسببها، وعلّلها بأن الناس جميعهم سيتخذون ما اتّخذه لو أنهم كانوا في مكانه.
ولعن الظروف التي ألجأته إلى إخفاء وجهه، والهرب من الناس، وسلوك طريق وعر، والطرق على باب شخص منبوذ من الناس...
- تفضل..
وسيق عبر مجاز مظلم، في آخره ضوء، جلست عنده امرأة مسنّة، كرهها من أوّل نظره، وضاعف من كرهه لها اضطراره لدفع المال...
- أرجوك؛ ما اتفقنا عليه فقط بلا زيادة أو نقصان...
أمسكت المال، ووضعته تحت فراشها باحتقار، ثم أخذت نفسا من الشيشة، وقالت في استهانة...
- زبائني يعلمون جيدا مقدار أمانتي.
اللعنة عليك وعلى زبائنك، متى كان يقرن إلى هذه الحثالة من الناس؟! لكن الأمور يجب أن تعاد إلى نصابها، ولا محيص عن سلوك الدرب حتى منتهاه، ثم وضع الميّت في القبر، وغسل الكفين من أثر الدّم. وليكفّر بعد ذلك عن خطأ لا يزال متيقّنا من أنه مضطر إليه.
وانتظر ساعة كاملة في الخارج، ثمّ جاءت لحظة شعر فيها وكأنّه مشدود لباب العجوز بحبل لا يرى. بدأ التغير بقلبه، ثم شمل رأسه حتى أحسّ بالدوار، وسرى حتى أحسّ وكأنه معلّق بين السماء والأرض!.
مشى إلى سيارته في خطوات جهد أن تكون متّزنة، أدار محرّك السيارة، وداس على البنزين، لكن السيارة توقفت فجأة واهتزت اهتزازة عنيفة! كانت ضربات قلبه تتسارع دون كابح، أما عيناه فتحوّلتا لعيني بومة، وأحسّ بتشنج يشمل جميع أعضائه.
فتح باب السيارة وألقى بنفسه على الأرض، وحمد الله تعالى أنّ الليل بهيم ولا أثر لأحد في هذا المكان.