وكانت خطوات حذائها ذي العقب الطويل الرفيع تصدر صوت قرقعات على الأرض.. تسير بسرعة على الأسفلت..وينسدل خلفها ذيل حصان طويل.. توقفت أمام نافذة سيارة.. رفعت قدمها اليمنى برشاقة وعلقت العقب الطويل على حافة النافذة ثم انحنت مقربة وجهها من شبح وجه الرجل..وشعرتُ بعطر صدرها يخترق خياشيمه...لكنني لم أستطع سماع همسهما..كانت خبيرة في عملها..أعادت قدمها إلى الأرض ثم شدت جيبتها القصيرة بيدها وهي تلوك العلكة باسلوب سحري، دارت حول السيارة بمشية عارضة أزياء ثم فتحت السيارة واختفت داخلها بسرعة...
كان هيكل السيارة يذوب في الظلام وأنا أرقابها حتى اختفت...كانت الوحيدة من بينهن التي أحببتها...ولكنها كانت تقول لي دائما: بزنس إز بزنس..
فأردد وراءها.. بزنس..إز..بزنس..، بزنس إز بزنس..
في صباح اليوم التالي، داهمتنا قوات الشرطة..كانت قد وجدتها مشنوقة بعد أن تعرضت لتعذيب عنيف..لم يبق من وجهها سوى تلك العلكة ولكن برائحة الدم...وكان عليَّ بعدها أن أهجر تلك المهنة تماماً...
...
كمهاجر غير شرعي أنفقت وقتاً طويلاً حتى أنال إقامة عن طريق الزواج المدفوع، كان كل سبب هجرتي كي أنسى تلك الليلة الأخيرة..كانت ارخص مومس قبلت الصفقة، مومس في التاسعة والأربعين من عمرها بحسب وثيقتها عندما زوجنا القاضي، ممتلئة بلا خصر، ومدمنة على الكحول، إذ لم يعد يقبل بها ذكر. وحين تثمل تحطم كل شيء وتصيح: أيها الزنجي المنحوس..لقد أصبتني بالنحس..فأترك الشقة الصغيرة لانام في الحديقة العامة..
لا يمكن لأفريقي حر أن يتقبل تلك الحياة الضنكة إلا إن كان قد اكتسب خبرة العمل كقواد..، حتى أصيبت سيسيليا بالمرض العضال، وقضينا أكثر ثلاث سنوات ألماً في حياتنا..تركَتِ الخمر قسراً وبعد فوات الأوان، وفي أسبوعها الأخير أصيبت بالعمى..كان القدر ينتقم منها بلا مبرر، كنت أنظر إليها وأرى ضعفها يتكثف في عينين رماديتين تجفان يوماً بعد يوم..تتغوط على نفسها، وتتقيأ باستمرار حتى وهي راقدة على ظهرها..ثم ارتاحت اخيراً..فأحسست بالجزع والحزن العميق.. كنت أحبها رغم كل شيء.. وكل امرأة أحبها تغادر مخلفة وراءها مضغة دم متألمة تنبض في الصدر..
...
لم أعد أتحمل يا صديقي..
أطفأ سجارته ونهض بعد أن ألقى ببضعة أوراق نقدية وغادر الحانة العمالية الرخيصة...وعبر ساحة محطة القطارات القديمة حيث تراكمت هياكل القطارات كحيوانات أسطورية ضخمة، حيوانات متحجرة. وقد نمت الأعشاب السوداء من بين خطوط القضبان المتقاطعة والملتمعة بضوء القمر النيوني.
هنا ينام جميع المشردين والمتسولين، ومدمني المخدرات، والمهاجرين الأفارقة، ومعهم هو، تحت القطارات المعطلة وداخلها وفوقها، وفي الليالي الممطرة يتكدسون داخلها بأنفاسهم النتنة، حيث يمارسون الجنس بشكل عشوائي. كان ينظر إلى الفتيات تحت ظلال الليل، يراهن متعفنات كجيف الكلاب، ولكن من بين تلك العفونة كان يلمح قسمات جمال ما في بعضهن. كان حذراً ودقيقاً ويعمل بهدوء حتى كوَّن شبكة من ثلاثة منهن. وفي نهر صغير غسلهن..ورأى فيهن الماضي..باع هاتفه وساعة زوجته الفضية وأشترى لهن بعض الملابس، ليشرع في العمل...لقد كنَّ مخلصات له بفضل إنقاذه لهن من حياة البؤس، لقد أحببنه بالفعل لكنه كان يقول بأسى:
- بزنس إز بزنس...
ثم يتذكر أنها كانت سيارة سوداء من سيارات القصر الرئاسي..لكنه كان أجبن من أن يخبر الشرطة بذلك...فعاش قلبه في الخزي دائماً..
(تمت)
كان هيكل السيارة يذوب في الظلام وأنا أرقابها حتى اختفت...كانت الوحيدة من بينهن التي أحببتها...ولكنها كانت تقول لي دائما: بزنس إز بزنس..
فأردد وراءها.. بزنس..إز..بزنس..، بزنس إز بزنس..
في صباح اليوم التالي، داهمتنا قوات الشرطة..كانت قد وجدتها مشنوقة بعد أن تعرضت لتعذيب عنيف..لم يبق من وجهها سوى تلك العلكة ولكن برائحة الدم...وكان عليَّ بعدها أن أهجر تلك المهنة تماماً...
...
كمهاجر غير شرعي أنفقت وقتاً طويلاً حتى أنال إقامة عن طريق الزواج المدفوع، كان كل سبب هجرتي كي أنسى تلك الليلة الأخيرة..كانت ارخص مومس قبلت الصفقة، مومس في التاسعة والأربعين من عمرها بحسب وثيقتها عندما زوجنا القاضي، ممتلئة بلا خصر، ومدمنة على الكحول، إذ لم يعد يقبل بها ذكر. وحين تثمل تحطم كل شيء وتصيح: أيها الزنجي المنحوس..لقد أصبتني بالنحس..فأترك الشقة الصغيرة لانام في الحديقة العامة..
لا يمكن لأفريقي حر أن يتقبل تلك الحياة الضنكة إلا إن كان قد اكتسب خبرة العمل كقواد..، حتى أصيبت سيسيليا بالمرض العضال، وقضينا أكثر ثلاث سنوات ألماً في حياتنا..تركَتِ الخمر قسراً وبعد فوات الأوان، وفي أسبوعها الأخير أصيبت بالعمى..كان القدر ينتقم منها بلا مبرر، كنت أنظر إليها وأرى ضعفها يتكثف في عينين رماديتين تجفان يوماً بعد يوم..تتغوط على نفسها، وتتقيأ باستمرار حتى وهي راقدة على ظهرها..ثم ارتاحت اخيراً..فأحسست بالجزع والحزن العميق.. كنت أحبها رغم كل شيء.. وكل امرأة أحبها تغادر مخلفة وراءها مضغة دم متألمة تنبض في الصدر..
...
لم أعد أتحمل يا صديقي..
أطفأ سجارته ونهض بعد أن ألقى ببضعة أوراق نقدية وغادر الحانة العمالية الرخيصة...وعبر ساحة محطة القطارات القديمة حيث تراكمت هياكل القطارات كحيوانات أسطورية ضخمة، حيوانات متحجرة. وقد نمت الأعشاب السوداء من بين خطوط القضبان المتقاطعة والملتمعة بضوء القمر النيوني.
هنا ينام جميع المشردين والمتسولين، ومدمني المخدرات، والمهاجرين الأفارقة، ومعهم هو، تحت القطارات المعطلة وداخلها وفوقها، وفي الليالي الممطرة يتكدسون داخلها بأنفاسهم النتنة، حيث يمارسون الجنس بشكل عشوائي. كان ينظر إلى الفتيات تحت ظلال الليل، يراهن متعفنات كجيف الكلاب، ولكن من بين تلك العفونة كان يلمح قسمات جمال ما في بعضهن. كان حذراً ودقيقاً ويعمل بهدوء حتى كوَّن شبكة من ثلاثة منهن. وفي نهر صغير غسلهن..ورأى فيهن الماضي..باع هاتفه وساعة زوجته الفضية وأشترى لهن بعض الملابس، ليشرع في العمل...لقد كنَّ مخلصات له بفضل إنقاذه لهن من حياة البؤس، لقد أحببنه بالفعل لكنه كان يقول بأسى:
- بزنس إز بزنس...
ثم يتذكر أنها كانت سيارة سوداء من سيارات القصر الرئاسي..لكنه كان أجبن من أن يخبر الشرطة بذلك...فعاش قلبه في الخزي دائماً..
(تمت)