هيثم الأمين - شغب أصابع.. نص ديوان كامل

الجوعُ
أنتِ
و بيوت الفقراء
ذاكرتي
و لا عمر بن الخطّاب يحكم المدينة.
*
و أنا أختبئ من وجهي
سألني رصيف ثمل:
من أنت؟!!!
أنا يا سيّدي الرّصيف
لوحة لم تكمتل
منسيّة في مرآب
بدأها رسّام مجهول مات ليلة زفافه
فتزوّجت حبيبته تاجر خردة
و لا أحد من أصدقائه يتذكّر عنوانه
و صاحب المرآب
يظنّ الرّسم طقوسا شيطانية.
لا فرق بيننا؛
ردّ الرصيف الثمل
و ضحكنا حتّى أَمطَرنا...
*
قريبا
سأغادر جسدي
ربّما
دفعة واحد من شقّ في صدري
أو سأنفلت منه
قطعة، فقطعة
من ثقوب كثيرة أحدثتها آلة حادّة
و ربّما
سأغادره بطريقة ذكيّة
كطريقة الاسقاط النّجميْ
و بعد خروجي منه بالكامل
سألتقط له دمعة للذّكرى
و أقهقه بجنون.
*
لي عشرون ألبوم صور
تعجّ بصور
لا تشبه في شيء ملامح أصحابها
و ما عادت تعرف ملامحي.
لي عشرون ألبوم صور
أخبّئها تحت حجر في ذاكرتي
كسجين يخبّئ صور أعدائه على جدار زنزانته
ليتذكّر كيف مات...
*
ككلّ الرجال الذين يسكنون في الهامش
فقدت وجهي،
كلّ من أحبّهم
و ظلّي.
ككلّ الرجال الذين يسكنون في الهامش
أبيع ذراعيّ للمسافة
لأشتري حلما
و حُلمي
أن أعانق شرفة تختنق بظلال كثيرة لامرأة واحدة
امرأة لا تعلّق صوري على جدران ذاكرتها
و لكنّ صمتها يوجعُني.
ككلّ الرجال الذين يسكنون الهامش
أُلملمني من قمامة الضجيج
و أنتحل هويّة الصّمت إلى أن تحلّ مواسم البكاء
فكلّ الرجال الذين يسكنون الهامش
يبكون
أو يكتبون بكاءهم المكتوم.
*
لقد تعطّل كلّ العالم في رأسي
إلّا رحى الأبجدية
تواصل طحن أصابعي
...
*
أعرف شاعرا
لا يدخّن،
لا يحبّ القهوة،
لا يحتسي النّبيذ
و يقرأ قليلا جدا
و أعرف رجلا
يقرأ كثيرا جدا،
يلقّبونه بـ " رجل الحانات'،
يشرب الكثير من القهوة
و يدخّن بشراهة
و لكنّه، أبدا، ما أجاد كتابة الشعر!!!!
*
هو
لم يكن يغنّي؛
لقد كان يفتح جرحه للعابرين
و هم ظنّوا
أنّ وجعه غناء
فصفّقوا له طويلا.
هو لا يُغنّي؛
هو يرتّب جرحه على حسب مزاج الجمهور
و في آخر السهرة
يبكي وحيدا
خلف السّتار...
*
عند عتبة الكلمة الأخيرة،
دفعنا كلّ ما تبقى في حناجرنا من حروف و غمغمات
و عبرنا
بعضنا إلى وحدته القديمة،
بعضنا إلى أحلامه الأولى،
بعضنا إلى ألبومات الصور،
بعضنا إلى ما تبقّى من الدّفء على الأصابع و هي تتلمّظ آخر مصافحة
و الكثير منّا إلى
المسافات التي لا تؤمن بالرّجوعْ.
*
السّاعة الآن: تمام الوحدة
و لا أحد هنا
إلّا وجهي
يتقمّص مزاجي
و يتقدّم في الحزن.
*
هذا الليل البدين جدّا
يدسّني في جيب بنطاله الخلفيّ
ثمّ يجلس على حجر فيه نتوءات كثيرة
منتظرا انتهاء دوامه.
*
لا أعرفُني في الصّحو
و أعرفُني جيّدا
في الضّبابْ.
في الضّباب، يتعرّق خيالي
فيخرج من مساماته صراخ هزائمي
و لأنّي رجل لم ينكر، يوما، هزائمه
سأراني بوضوح
و سأعرفني جيّدا...
*
أنا،
أيضا،
مثلهم يا صديقتي
أفضّل قراءة قميصك المفتوح على قراءة قصيدة
و أُجيدُ أكثرْ
رصدَ قمري صدرك
على رصد حركات الشّعر الحديث
و أفكّر كثيرا في جودة حبكة تفاصيل أنوثتك
و لا أهتم لحبكة عقدة القصّة
و لكنّي،
على خلافهم،
أقرؤك من وراء الجريدة
...
*
القليل منكِ،
الليلة،
لن يفسد حزن العالم
و لن يفسد ريجيم الغيابْ
و لن يفسد مزاج الكاتب الذي أنهى قصّتنا بمشهد الرّحيل
ثمّ ترك كلّ الأبواب مفتوحة
ليخرج صراخي،
من رأسه،
كرجل محترم
من الباب و ليس من نافذة سيناريو محتمل.
القليل منكِ
كصورة حديثة لك و أنت تبتسمين
أو خربشة على جدارك الفايسبوكيّ
تكتبين فيها، مثلا:
أحدهم كان هنا قبل خمس سنوات، نسيت اسمه و لكنّي مازلت أتذكر أنّي أحببتُ حبّه لي.
لن يصيب حزني بمغص فرحْ
و لن يدسّ في جيب وحدتي
سكاكر الحضور
أو بطاقتين لحضور حفلة صاخبة كلّ ما يهمّني فيها أنّنا نتقاسم نفس الصّخبْ.
القليل منكِ
لن يغيّر شيئا تقريبا
و لكنّه
سيريحُني منّي لبعض الوقتْ.
*
متخم بك الليلة
كفيزون ضيق جدا
ترتديه امراة بدينة.
*
سهام، هل تذكرين،
قبل خمس سنوات،
الساعة السابعة صباحا تحديدا،
وصلتني منك ارسالية
كتبت فيها:
" صباحك أنا"
؟!!!
منذ خمس سنوات
و كلّ الصّباحات أنا
و لا صباح أتى يشبهكِ.
*
كان ينقصني شيء ما؛
ليس هي
و لا أنا
كان ينقصني الطريق الذي
يلقي التحيّة على نافذتها طول اليوم.
*
أنا لستُ رجلا مدرّبا على الحبْ
لهذا
يرعبني القفز من أعلى قلبي
إلى عمق امرأة قد لا يتعدّى عمقها قصيدة واحدة
أو بعمق قبلة باردة
كوجوه رجال المافيا في الأفلام.
*
لقد كنت جائعا يا سيّدي الشّرطي
و رجل كريم
تصدّق عليّ برغيف خبز لأنّه سقط منه على التّراب
و لكنّهم
سرقوا الرّغيف منّي
و أكلوه أمام فمي الفاغر
لهذا شتمتهم
و شتمت مولانا السلطان
فرجاء يا سيّدي
لا تكسر أسناني بلكمتك القويّة
فقد أحتاجها لفكّ وثاق الحياة.
*
كوني شاطئا للعراة
و أنا
الوحيد على ضفّتك.
*
أنا لست بطلا ليحتاجني العالم
و لكنّني هنا
فربّما
أحتاجُني يوما.
*
صدري ليس رصيفا
فلِمَ يتسكّع عليه
ليل مشرّد؟!!!
*
غدا
سأبتكر كذبة جديدة
لأحبّك أكثر
غدا
سأقول لي
أنّكِ أحببتني...
و سأحبّك أكثر و أكثرْ.
*
أنا لا أصلح أن أكون بابا
و لا نافذة أيضا
أنا لا أصلح أن أكون جدارا
و لا ساعة حائط أيضا
أنا لا أصلح أن أكون قطارا
و لا زقاقا يؤدّي إلى حانة
أنا لا أصلح أن أكون صنبور ماء
و لا منشفة
أنا
لا أصلحُ أن أكون شيئا
مادمت لن أكون
مرآتك
التي تبدين على صفحتها تبتسمين.
*
مذهلة أنت
كجعة باردة
في يوم قائظ
توزّع بالمجّان في مهرجان للفرح.
*
ماذا يفعل رجلٌ،
كأنا،
داخل عُلبة العالم؟!!
رجلٌ
لا يتأبّط طريقا واحدا مختوما بعنوان واضح،
لا حانات تفتح أبوابها في رأسه
لتمسح الحزن عن أكتاف الغرباء في المدن الباهتة الفرحْ
و لا ظلال وارفة لقصائده
يستريح، عند جذوعها، المصابون بتضخّم الصّمت.
رجلٌ
تطارده طلقة رصاص منذ ولادته،
تخزّنه المرايا في ذاكرتها ثم تنساه،
تصيبه الأرصفة بالدّوار
و لا يصلح مقعدا في حديقة عامّة يتيح لعاشقين بعض الثرثرة و قبلة.
رجلٌ
نسي ذراعيه في حرب قديمة جدّا
فما عادت تستقبله الأشجار بالأحضان كلّما غنّى
أو بكى
و لا يحتفظ بشيء منه ليتركه تحت وسادة امرأة جميلة
نامت قبل أن تجرّب الرّقص في حكاياتهْ.
رجلٌ
هادئ كمقبرة،
صاخب كحانة شعبيّة يتعارك زبائنها من أجل الأجدر بحكم الميناء،
ثرثار كمذياع لا أحد ينصت إليه
و صامت كمسرح مهجور.
فكيف لي أن أكون عود ثقاب يضرم الحرائق
و رأسي
مبلّلٌ بكلّ هذا البصاق
و لا أطفال ليلصقوني على لوحة مضحكة؟!!!!
*
كلما مات شاعر
نجت شجرة
من مخالب مصنع الورق.
موتوا أيّها الشعراء
لتنجو الغابة
فأنتم لستم مصابيح للرصيف
و لا أقلام حمرة لنساء يسرقن الخبز من فم الحكومة.
*
كما يموت المهرج
خارج علبة الألوان
يموت الشّاعر
حين تخلعه القصيدة.
*
أنا لست بطلا ليحتاجني العالم
و لكنّني هنا
فربّما
أحتاجُني يوما.
*
صدري ليس رصيفا
فلِمَ يتسكّع عليه
ليل مشرّد؟!!!
*
لا تنضجي على صدري
و ابقيْ تلك الطفلة التي أحبّها
حتى لا يجوع
الذئب في داخلي.
*
هل يمكنني أن أتحرّش بك
فأقول:
نهداك
لو
قبّلهما حزني
لصار نبيّا يبشّر بالفرحْ.
*
ماذا كان سيحدث
لو أنّك
ارتديت كفيّ
عوض حمالة الصدر
و وضعت شفتيّ
عوض أحمر الشفاه
و لبست جلدي كاملا
ثمّ
خرجنا معا
في نزهة حب؟!!!
*
سأبيع رأسي
و سأشتري بثمنه حمارا
فربّما
أجد طريق العودة لي
دون موت أكثرْ.
*
كان بامكانهم أن ينقذوني
و لكنّهم وصلوا
بعد أن أطلق الليل،
على رأسي،
نافذتها المغلقة.
*
غدا
سيجمعنا رصيف واحد
و سننبح كثيرا
بعد أن تكلّمنا كثيرا
حول وطن شتّتنا.
*
لو أنّي تعلّمتْ
كيف ألعق جلدي
لكنتُ،
الآن،
سعيدا
كقطّ نال كفايته من قمامة عائلة ثريّة
ثمّ
تمدّد على السّياج
و راح يلعق جلده
و يبتسم.
*
حين تكتفينْ
بارتداء جلدك القمحيّ فقط
و تضعين الكثير من ابتسامتك
على شفتيك
ثمّ
تدرّسين لملاءتك القطنيّة
فقه الحرير
و سيرة القبلات القديمة
و تعلّمين أصابعك
اقتفاء أثر الحلم في أحراش ما وراء سرّتك
و العزف على مقام النّهدْ
ينضجُ الموز وراء ثقب الباب
و تلهث، من فرط ركضها، كلاب الصيد في صدري
و أكتشفُ لِمَ يفضّل الضوء الدّخول من النّافذة
و لِمَ يعاني كرسيّك من الصّداع المزمن.
*
يشبهني هذا الوقت الوحيد
هو يلوّح بذراعيه للعابرين
و يعدّ تكتكات السّاعة
و أنا
ألوّح بذراعيّ
لظلال تحاول القفز من ذاكرتي
و أعدّ خيباتي.
*
أريد أن أهرب من كلّ هذا العالم
و منّي
فضمّيني
و لو على قارعة حلمْ.
*
أنا الذي
ينبحُ جلدُه كثيرا
ككلاب مسعورة
كلّما
تورّطت في قصيدة حب
و تذكّرتُ
أنّي غابة عذراء
لم تطأها أنفاس امرأة
و أنّي شارع يوزّع العابرين على كلّ عناوين المدينة
و لا أحتفظ،
في جيبي،
إلّا بوجهي المكسور.
*
صمتها الدّاكنُ
كأحجية أسطوريّة
لا يشبه في شيء لون سمائكم
و لا يشبهُ
في شيء
لون خطواتكم،
على الرّصيف،
و أنتم تذهبون لمواعيكم الجديرة بتدوينها في مذكّرات الفرح
فلا تصرخوا في وجه حزنها لتوقظوها
فصراخكم
يشبه كثيرا أحلامها المحترقة
و يشبه هذا الليل الذي يحشر رجله، كاملة، في حلقي
و يقهقه.
لا تصرخوا في وجه حزنها
فتربكوا ولادتها الجديدة
و خطوتها الثّقيلة
و تفزعوا أسراب العصافير في صدرها
فغدا
ستتعلّم الكثير من اسمها
و ستشرق على أرض الضّجيجْ؛
غدا
ستتعلّم الكثير من اسمها
و ستبتسم أمل
و سيصير صمتها ورديّا كأحلامها الجديدة
و ستهدي ضفائرها للرّيح
و تلعب الغمّيضة مع الفرح و تجدهْ.
لا تصرخوا في وجه حزنها
و ضمّوها،
بقوّة،
نيابة عن ذراعيّ السّاقطتين في المسافة
و اهمسوا كثيرا لها باسمها
لتتعلّم أمل
أنّ وجهها تليق به الابتسامة أكثر
و أنّ من رحم الأحزان تولد الطفلات بنكهة النوتيلا.
لا تصرخوا في وجه حزنها
فالفجر قريب جدّا
و ستنهض العصفورة من حزنها
لتحلّق في الفرحْ.
*
أولئك الذين أحبّهم جدا
في العيد
يملؤون ذاكرة هاتفي
بارساليّات الصمت.
*
أضحك كثيرا جدا
حين يدعوني كلّ شيء للبكاء،
أصنع من سخرية المسافة
من ذراعيّ
ركحا يتّسع لأرجوز واحد
و أبغبغ
وحين ينتهي العرض
أُمطر على صدري
حتّى أصير سبخة تعجّ بورود الملح
و أضحك كثيرا جدا.
*
في مثل هذا اليوم،
قبل ستّ سنوات،
جمعنا الطّريق
الطريق الذي دسّ هداياه الكثيرة في حقائبنا
لنبدو كعائدين موفّقين من الغربة
و نحن نستقلّ قطار الرّحيل.
*
حلم حبيبتي
كوخ في غابة
لهذا
غرستني أشجارا على مساحة الغياب
و نامت في قلبي.
*
كوني شمسا
تشرق من صدري
و تغرب في شفتيّ.
*
في المساء،
أصير محطّة
ينبت على رصيفها
عابرون
و ظلال
تسأل عن عناوين نُزُل تحتملها لليلة واحدة
و تجرّ خلفها قلوبا ثقيلة جدّا.
في المساء،
أصير وجبةً
تعدّها امرأة فقدت أصابعها
كعشاء لابنها القتيلْ.
في المساء،
لا تلعنوني
إن صرت حانة رخيصة
و طاولة قمار
و حجر نرد ترميه جثث
و تضحك
لأنّها نجت من ورطة الحياة.
في المساء،
لا أحبّ أن أبكي وحيدا
و لا أحبّ أن أبكي على صدر معطفي
و لا أحبّ
أن أبكي و أنا محطّة
حتّى لا أبلّل العابرين
و الظّلال
و المرأة المبتورة الأصابع
و حتّى
لا أفسد عشاء ابنها القتيل.
*
أكرّر:
" لقد فقدت ذراعيّ في عناق قديم"
لهذا
أوزّعُ،
في كلّ حزن،
طفلاتي على المآتم مع الخبز و الأدعية،
أدسّهنّ في قهوة المعزّيين،
أرشّ بهنّ المناديل التي قد تُستعمل لمسح الدموع
أو لكتم ضحكة،
أختار لهنّ أسماءً تشبه أسماء اليتيمات
و أتركهنّ هناك
و أهرب
فربّما
تكتشف حضورهنّ امراة تعاني من الغياب
فتضمّهنّ إليها
فلا يمتن،
بعدي،
من البرد
أو
ربّما يجدهنّ مهرّج يتقن لعبة الفرح
فيتقيّأن كلّ ما أطعمته لهنّ من حزن...
*
ما عاد يزعجني
شخير الرّجل الذي اعتاد النوم تحت سريري
و الطّريق الذي
يلتفّ حول قدمي
فيوقعني.
ما عاد يزعجني
البصل الكثير الذي تضعه أمّي فوق الكسكسي
و بكاء أبي
و إخوتي اللذين علقوا في رحم أمّي
فلم يأتوا عراة
ليرحلوا عراة.
ما عاد يزعجني
صوت حبيبتي، القديم، في ذاكرتي
و الجرذ العجوز في مخزن مؤونتنا
الذي رفض أن يعلّمني
كيف أحفر في رأسي
نفقا سريّا
لأهرب منّي كلّما حاصرتني ذاكرتي.
ما عادت تزعجني
نشرة الأخبار
و أسماء الموتى
و النوافذ الموصدة
التي تقف، امامي، على أطراف أحلامها
كلّما حاولت أن أتلصّص،
من خلالها،
على أغنية تضفر شعرها
و تبتسم في عينَيْ المرآة.
*
الأوغاد، أيضا، يغنّون
و يرقصون
و يكتبون الشّعر.
*
من منفاه الأخير،
من داخل رأسه التي تعجّ بالهاربين
و بالأرصفة،
يكتب
رجل متّهم بارتكاب الشّعر
صمته الاخير.
*
أحتاج لارتكاب حماقة عظيمة جدّا
لأنجو من كلّ هذا الموت
كأن
أحبّك من جديد
و أن أدّعي
أنّ غيابك
هو الوجه الآخر لحبّك لي
دون أن أضحك حدّ البكاء.
*
الحب
كذبتنا البيضاء
التي
جعلتك تنامين بأرق أقل
و جعلتني
أحبّك جدا.
*
لم أكن أملك ثمن الورد
لهذا
كنت أرسل لك
صورتك.
*
الحب ليس سببا كافيا للبقاء
و هذا اللون الأخضرْ
يليق بك أكثرْ؛
غابة مطيرة أنتِ
و أنا قبيلة سناجب دون وطن،
مطر أنا
دون غابة أقبّل جلدها
و هذا الضّوء يحرجُ عريي
عريي الذي
لا يشتهيه لونك الأخضر
و لا ترتّبه أصابعك ليصير مطلقا كما الحقيقة.
الحبّ ليس سببا كافيا للبقاء
و هذا اللون الأخضر
يليق بك أكثر؛
مرج عشب أخضر اسباني
أنت
و أنا
قطيع أغنام
منذ جوع و هو يسافر من صحراء افريقيا
إليك أنتِ
و لا يصلْ؛
أراكِ
بين موت الجوع
و موت الوصول المبتور
و أبعبع
و لكن
الحبّ، وحده، ليس سببا كافيا للبقاء.
*
لم تكن وطنا؛
كانت أرض الميعاد
و لم أكن الشّعب المختار.
*
أنا في الخارج؛
في الخارج تماما
حيث لا أحد غيري،
ربّما،
ينتظرني.
*
تخافُني العصافير
و أنا
من يضع لها الماء
و فتات الخبز
على صدري
و لا أنصب لها،
تحت جلدي،
الفخاخ و القطط!!!!!
*
قبل ربع قرن
في حوشنا القديم
حوشنا الذي
كان يجلس على قارعة الطّريق،
عصرا،
ليهضم أسرار عائلتين في بطنه
كنت أتلصّص على جارتنا و هي ترضع طفلها
لأطعم العصفور الذي صار ريشه حادا كالشّوك.
صار لطفل جارتنا طفل
و أنا
مازلت عالقا بحوشنا القديم
حوشنا الذي
ما عاد يأكل غيري
و أتلصّص على جارتنا
و هي ترضع طفلها الذي صار له طفل
و أقيم مأتما للعصفور.
*
صرتُ أنام أكثر؛
ليس كسلا
و لكنّي اقتنعتُ أنّي لستُ شجرة
لأستيقظ باكرا
فأُعدّ فطور الصّباح للعصافير
و لأمنح سعاة الضّوء
عناوين كلّ النوافذ المعتمة
و لا حطّابين
أهديهم أصابعي
ليكتبوا، بها، الدّفء على صفحات الشّتاء الباردة.
صرتُ أنام أكثر؛
ليس كسلا
و لكنّي أخشى أن يزورني الموتى
فلا يجدونني هناك
مادام العالقون في الحياة
لا يأتون.
صرتُ أحبّ الله
و الفاشلين
و أولئك الذين ارتدوا رباطات عنق
ثمّ تدلّوا في الموت كما المصابيح
و صرت أنام أكثر...
*
أنا.. لستُ سخيفا جدّا
حتّى و إنْ
كنتُ أعتقد أنّ الحافلة الطويلة جدّا
مهرّجٌ
يترنّح على الحبل الاسفلتي
و لا يسقط
فتزمّر له السيّارات الصغيرة
و تصفّق
و إن كنت أظنْ
أنّ نهديْ حبيبتي
تفّاحتان
حدثت فيهما طفرة
فصار لبّهما قطنا.
أنا لستُ سخيفا جدّا
حتّى و إنْ
كنتٌ أخطئ كثيرا
و أنا أكرّر القصائد التي يلقّنني إيّاها الجدار
و إن كنت لا أطير لأعلى من مترين،
في كلّ مرّة أحاول فيها الطيران،
لأنّي أزن مائة كيلوغرام بمعدة فارغة.
أنا
لست سخيفا جدّا
حتّى و إنْ
كانت آخر ارساليّات الراحلين
التي تركوها لي على الماسنجر
" أحمق"
*
هل سألتكم
عنّي؟
هل قالت لكم:
حسنا، ربّما، اشتقت إليه قليلا.
أو لعلّها قالت:
كان يعجبني
حين يتقمّص دور طفلي
و ينام على صدري،
في أحلامه،
باكيا...
أخبروني، رجاء
هل كانت تحدّق في الفراغ
أو تشيح بوجهها عنكم
كلّما ذكرتم اسمي أمامها
و فستانها
هل تنهّد
حين مَرَّرَتْ اسمي بين شفتيها؟؟
هل سألتكم،
ضاحكة:
أ مازال يكتب لأجلي القصائدْ
و ينام كثيرا
لينتظرني على رصيف حلم؟؟
بربّكم أجيبوني
هل سألتكم عنّي
يا كلّ العصافير التي لا تعود
و يا كلّ السّيّارات التي
أسقطت عنها لوحاتها المنجميّة
حتّي لا أعرفها؟؟
*
يرنّ هاتفي؛
لا أحبّ أن أجيب؛
لا أحبّ أن يفسد أحدهم قلقي الصامت؛
يرنّ هاتفي؛
يزعجني المتّصل الذي لا يمل؛
سأجيب؛
لا هاتف في يدي؛
أبحث في جيب سروالي القصير
فلا أجد هاتفي!!
أبحث في كومة علب السّجائر الفارغة على الطّاولة
فلا أجد هاتفي!!
أبحث
تحت الطّاولة،
في الملاءة التي تتكئ وحيدة على السّرير،
تحت الوسادة الحزينة،
في كيس القمامة الكبير الذي أعلّقه عند الباب
حتى لا تبدو الغرفة فارغة جدّا،
بين كلّ الأشياء
التي لا تصلح إلّا لملء الفراغات بين أصابع غرفتي
و تحتي
عن هاتفي الذي مازال يرنْ
فلا أجد هاتفي!!!!
أتذكّرْ
هاتفي في محلّ الصّيانة منذ أسبوع!!!!!!
يرنّ هاتفي
و يهتزّ رأسي، هذه المرّة!!
من يتّصل برأسي في هذا الوقت؟!!!!
أُجيب:
ألو، من معي؟
تجيب:
أحمق؛
من غيري سيتّصل بك؟!!!!
أنا
ذاكرتك اتّصلتُ لأسأل عنك.
تت تت تت
انتهت المكالمة!!
*
متعب
كقطار عائد من الحرب
و في بطنه كلّ من ماتوا هناك
و يجرّ خلفه قطارا فقد رأسه و وعودا بالعودة.
متعب
كرجل ميّت يذهب إلى قبره... وحيدا
دون صلاة،
دون غناء
و دون جمهور يصفّق، بحرارة، عند انتهاء المسرحيّة.
لو أنّي أجدُ مكانا أخبّئ فيه رأسي
فلا تسرقه منّي أحلام جديدة
و لا
يقطفه موت جائع
فيأكل نصفه على عجل
و يخبّئ نصفه الآخر تحت إبطه؛
لو أنّي
أجدُ رصيفا لا يصيب قدميّ بالدّوار
و لا يخفي عنّي أسماء المحلّات و المقاهي
و عناوين المحامين و الأطبّاء
و لا يخاف على روضة الأطفال من أبوّتي العاقر؛
لو أنّي أجيد الهرب
من كلّ ظلالي التي تطاردني،
من الصّراخ الحبيس داخل قمقم جسدي،
من العصافير التي تظنّني شجرة،
من حكايات جدّتي و من قهوتها الحلوة
و من ثمالتي الأخيرة التي جعلتني أكره النّبيذ
لكنتُ، الآن
أمشي نحوي بتعب أقل
و ربّما، مبتسما في وجهي
و دون عرج في خطواتي.
*
كن جدارا لبعض الوقت
فالجدران
تبتسم.
*
الفوضى في كلّ مكان؛
يهرش العالم مؤخّرته الكبيرة،
ليخفّف من حكّة البواسير،
و يركض منتعلا فردة حذاء واحدة؛
يستعدّ الفأر/
الذي حاز غرفة مؤونتنا،
مؤخرا،
بعد أن أصدر الجوع حكما قضائيّا لصالحه/
لإجراء فحوصات طبيّة لزوجته الحامل
و يعد أمّه، عبر الهاتف، بأنّه سيطلق اسمها على كلّ بناته !!
لصّ الزّيت - الصرصار- يعقد جلسة طارئة لمناقشة مخاطر انجاب الفأرة
و تداعيّات الوضع الرّاهن على مستقبل القبيلة !!
في الزّاوية العلويّة،
يضحك العنكبوت المتدلّي من الضفدع العالق في غسّالة الملابس
و الضفدع يصرخ في وجه يدي: لا تشغلّي الغسّالة!!
يدي
تشغّل الغسّالة!!
يبدأ الضفدع بالدّوارن
فيقهقه العنكبوت و يهزّ الخبط بعنف!!
ينقطع الخيط الواهن!!
و يسقط العنكبوت في الغسّالة
مع الضّفدع!!
يتشاجر لصوص الزّيت فيما بينهم
و يعلنون انقسام القبيلة!!
الفأرة ترفض،
و بشدّة،
أن تسمّي بناتها على اسم حماتها!!
يغضب الفأر،
يقسم بالطّلاق على زوجته!!
يحزن الفأر
فتعده أمّه أنّها ستزوّجه فأرة صالحة لا ترفض أن تطلق اسم حماتها على بناتها!!
أشعل سيجارتي الخمسين لهذا اليوم،
أمدّ رجلي المتيبّسة
فيتعثّر بها العالم الرّاكض
و يسقط
و أضحك من فردة حذائه و هي تدوس عنقي!!
*
ثلاثة كلاب ضالّة
و أنا
نتقاسم حوشنا القديم؛
ثلاثة كلاب ضالّة
و أنا
نتسامر سويّا،
هم يثرثرون في الفلسفة
و السّياسة
و النّساء
و أنا... أنبح!
ثلاثة كلاب ضالّة
و أنا
يحلمُ أربعتنا بالهجرة
و ننبحُ
ليلتفت، نحونا، الوطن.
*
هذا العالم لا يعني شيئا
لرجل ابتلع،
دفعة واحدة،
كلّ حصّته من الثرثرة
حتّى لا يفقد ما تبقّى منه.
هذا العالم لا يعني شيئا
لرجل يتعاطى المسافات على الرّيق
ليثبت لحذائه أنّ العناوين مجرّد مجاز
و ترف وصول
و أنّ اللقاءات، الغير واردة، هي بدايات الحكايات.
هذا العالم لا يعني شيئا
لرجل فقد نصف رأسه في الحرب
و نسي نصفه الآخر
في قصّة حب.
هذا العالم لا يعني شيئا
للقبلات التي تشبه الأسئلة العصيّة الإجابات
و للأرصفة التي تتبنّى أطفالا ليسوا من صلبها.
هذا العالم لا يعني شيئا
لامرأة تتدلّى من سقف عذريّتها
لتضيء شوارع رجل تستوطنه العتمة و رصاصة طائشة.
هذا العالم لا يعني شيئا
لي
حين لا أجد كتفي
فأستند على ظلّي
حتّى لا أسقط كاملا...
*
سقطت رأسي،
بعد ساعة إلّا ربع من سقوط رأس أخي،
على حافّة طريق رئيسيّة تركض طول الوقت نحو مطار دوليْ؛
المطار عشّ بحجم قرية
تزقّ فيه طيور عملاقة
رجالا و نساء و أطفالا لا يشبهوننا في شيء
يأتون
ليكتبوا في مذكّراتهم أنّهم سافروا إلى أفريقيا
و أنّهم لم يصادفوا أسودا في رحلتهم !
"انقرضت الأسود من أفريقيا"
صاح رجل منهم و هو يشاهدنا نتقافز على شجرة
و نتقاتل من أجل رغيف خبز !!
أخي لم يحلم قطْ؛
و حين كنت مشغولا بالبكاء و بالحلم
تعلّم، هو، الطّيران
و طار !!
واحد و أربعون عاما و أنا على حافّة الطريق الرئيسيّة
و مازالت الطيور العملاقة تزقّ رجالا كثيرين و نساء كثيرات
و أنا
مازلت أحلم بطيراني الأوّل إلى حيث طار أخي !
ربّما، حلم الطّيران ثقيل جدّا
لهذا
لا أطير !
*
لم أنقذ العالم،
لم أنقذ أحدا ممن أحبّهم
و الليلة
لا يد لي
أمُدّها نحوي
لأُنقذني
...
*
بي وجعٌ
و أنتِ؛
بي حزنٌ
و أنتِ
و دوريّة المساء تطاردني
فيكبر فيّ
الوجع و الحزنُ
و أنتِ
و أتعثّرُ بي
فأسقط، كاملا، منّي
و يبقى، عالقا بي، الوجع و الحزنُ
و غيابك الشّاسع كحرب عالميّة.
*
جسدك العاري؛
و أنت تمرّرين عليه
رغوة الصّابون،
عينيَّ
- لو كنتُ هناك -
و قبلات،
كانت واردةً،
لرجل غريبْ
قال لكِ: أنت جميلة جدّا
ثمّ عبر إلى الرّصيف الآخر؛
كم يشبه كسرة جدّتي
مع قهوة جدّتي
و مواويلها الحزينة.
*
و أنتَ تموتْ
لا تخبر أحدا؛
ارتدِ وجهك كاملا،
ارسمْ على ملامحك
كلّ الطائرات الورقيّة التي حلّقت فوق طفولتك
و التي علقت بأسلاك الكهرباء،
استبدل ذراعيك بطريقين، أصابعك برصاصات
عمودك الفقريّ بوتد خيمة،
صدرك بقطيع ذئاب
و غنّ كثيرا
و لكن
إيّاك
أن تخبر أحدا ما
أنّك ذاهب إلى الموت.
*
تُتابعين وجهي
كما تتابعين نشرة أخبار مملّة؛
نشرة أخبار منزوعة الحرب
و خالية من الخيانات العظمي!!
و أنا
أدلّك قدميك المكتنزتين تعبا و أرصفة و عملَك اليوميّ
و أُتابعُ الذّبابة!!
هل كانت، الذّبابة، تفكّر كما أفكّر
حين اقتربت جدّا من شفتيك؟!
هل كنت ستسمحين لها/ لي بقبلة؟!
آسف؛
أنا لم أقصد أن أضغط بقوّة على فأرة رجلك
و لكنّ الذّبابة...
أذكر أنّك، في آخر مرّة، طردت أصابعي
حين اشتهى أطفال كفّي اللعب في حقل التّفاح!!!
و الآن،
أنت لم تنشّي الذبابة و هي تقبّل نهدك!!!
هل تسمحين لي بأن أدلّك فخذك؟!
و لكنْ
لِمَ تحافظين على كلّ هذا الهدوء
و لا تنشّين الذّبابة؟!!
يؤلمني أثر حاشية جوربك الطّويل على فخذك
و يؤلمني حظّ الذّبابة!
لا تنهضي الآن؛
لم أنته بعد!!!!
حسنا، لا بأس؛
ليس مهمّا؛
نعم؛
حتما، النوم سيريحك أكثر من اصابعي العرجاء
و من وجهي
و لكن
هل تسمحين لي
بأن أحتفظ بالذّبابة؟!!!!!
*
ليتكِ
تُجيدين الطّبخْ
كما تُجيدين اختلاق الوداعات بيننا
و ليتكِ
تُجيدين اللعبة
كما تجيدين
فرز ملابس داخليّة تناسب مقاسك
من كومة " فريب".
أنا؟!!
أنا.. لا أجيد شيئا!
ربّما،
أجيد انتظارك!
*
كيف كنتِ
كلّ تلك النّساء
لتملئي كلّ مقاعد الباص في صدري
فلا أجدُ مقعدا واحدا شاغرا لحبيبة جديدة؟!!!
*
أنا
مدينة تستعدّ للغرق؛
تلوّح بصمتها للنّهر الغاضب
و لا تلتفت
لصراخ رجل علق داخل إطار صورة
و هذا الرجل
أنا، ايضا.
*
تعاليْ
و لو حلما
فأطبُخَ عُريك على حطب عريي
لتنسى المسافة،
لعري واحد،
عادة مضغي.
*
أنا رجلٌ بري
أعيش في جذوع الصّمت
أو أحفر صخبا في الكآبة
و أسكن فيه؛
أقتات من أوراق الذّاكرة
و من ثمار امرأة، باسقة، دون جذور.
أنا رجلٌ بري
لا أفعل شيئا إلّا الهربَ منّي
و من فخاخ العيون الفضوليّة
و حين أكون حزينا جدّا
أو غاضبا جدّا
أو مستثارا
أُصدِرُ كِتَابَةً
ثمّ أُغلقُ عليّ رأسي
و أنام
...
*
في بلدي
مازال الموتى ينتحرون
و مازال حمير سياستنا
ينهقون في مساجدهم
و في حاناتهم
و في مواخيرهم
و في مسارحهم
و في أبراجهم العاجيّة
ثمّ يصلّون على جنائزنا دون وضوء
و يتأتئون في أسمائنا التي لا تشبه أسماءهم
و يتقاتلون،
بنا،
لينالوا شرف أن يكونوا عاهرات في أسرّة أسيادهم.
*
أنا... لا أشتاق إليك؛
أنا
أشتاق لوجهي
حين كان جميلا بحضورك...
*
حتّى و إن قلتِ:
" أحبّك"
فلن أكون وسيما!!
حتّى و إنْ
كرّرتها مئات المرّات
فأبدا، لن أكون وسيما!!
و ما فائدةُ
"أحبّكَ"
التي
لا تقلب الطاولة التي بيننا؛
الطّاولة التي
وضعها نادل أحمق بيني و بينك
حتّى لا أرتشفك بدل القهوة
فأصير بكِ... وسيما؟!
ما فائدةُ
"أحبّكَ"
التي لا تطرد أمّك من الشّبّاكْ
و لا تُلّح على أبيك أن يكسر روتينه اليوميّ
فيسهر خارج المنزلْ
و لا تدعو شفتيّ
لاقتفاء أثر قطرة ماء،
سهوا،
تسرّبت بين نهديك
فأصير وسيما؟!!!
و ما فائدةُ
"أحبّكَ"
التي لا تصدر فرمانا ملكيّا
يُتيح لذئبي الجائع
أن يصطاد في أحراشك الورديّة؟!!!!!!!!
*
كلّما اكتملت امرأة في رأسي
سرقتها منّي
قبائل الغجر التي
استوطنت ضحكتك القديمة.
*
لن أخوض امرأة أخرى
فذراعاي ما عادتا تصلحان للتّجذيف
و صدري مزّقته العاصفة
فحوّلتُه أغطيةً لطاولات حانة الصّمتْ
و قصائدي
نسيت ألعابها و اللون الوردي
و صارت أطفال شوارع
تدمن الأكل من حاويات الحزن
و تصيبها، بالاسهال، الشّفاه القرمزيّة
صارت، قصائدي، أطفال شوارع
تبيع الملح و المناديل الورقيّة لغرباء طعمهم مرْ
و يبكون كثيرا
و حين تبور تجارتها
تركض خلف الأحذية المعتوهة.
لن أخوض امرأة أخرى
و قلبي
مازالت تتسرّب إليه تلك الصّغيرة
و يغرق فيها
مبتسما !!!
*
نعم؛
أنا لا أُنكِرُ، أبدا، أنّي كنت تافها جدّا
حين ظننتْ
أنّ قصائدي المنتهية الصّلاحيّة
و القصص القصيرة،
التي كنت أرسلها لك كلّ يوم،
ستصلح لعلاج أرقك
و لجعلك تبتسمين !
نعم؛ صدقتِ؛
لقد كنت تافها جدّا
و أنا أثرثر، كثيرا جدّا، عن الحب
و لا أحمل، في جيبي،
حقل شعير أو كيس بطاطا
و لا كوخا و لا قنّ دجاج و كلب حراسة!
لقد كنت تافها جدّا
حين التهمتُ كلّ ما صادفني من حزنكِ
ثمّ
تقيّأته أحزانا كثيرة
و لطّخت، بها، جلباب، حياتك، الرّمادي!
أنا.. تافه جدّا
حين اعتقدتْ
أنّ عبارة " اعتني بروحي"
كافية جدّا لأحتفظ بأصابعي في جيوب بنطالي
و لأحتفظ بذراعيّ لعناق وسادتي!
و مازلتُ نفس التّافه جدّا
الذي أضرم الحرائق في كلّ قصص حبّك المحتملة
ثمّ جلس
على تلّة رحيلك
يحتسي هزائمه
و يكرّر: أحبّك! ! !
*
اكتمل النّصاب في الحزن
و لا سعداء
أتصدّق عليهم بحزني
فهل سيغفر لي الله
لو أنّي،
وحدي،
أكلت كلّ الحزن؟؟؟؟؟؟
*
أنت شجرة
لا تُثمِرُ، في الرّبيع، أصابعي
و في الشّتاء
تُصدر المسافة فرمانا ملكيا
بأنّي ممنوع من الاحتطاب منك!!!
*
ربّما كنت أبحث عن شيء ما!
ربّما
عن مزهريّة
أو عن محلّ يبيع الأزهار بأثمان معقولة للعشّاق العاطلين عن العمل و عن الحب
أو عن وجه
و ربّما
عن قارورة عطر
أو عن رائحة جلد امرأة
فقط،
ليصير لأنفي ذاكرة!!
أن أحمل أنفا كبيرا لأربعين عاما
و أن لا تكون له ذاكرة
فهذا عبء إضافي
لن يحتمله، أكثر، عمري الأحدب.
*
حبيبتي
مدينة افريقيّة تعيش من السياحة
هي جميلة
و مغرية
و سكّانها - أنا- فقراء!!!!
*
أحتاج امرأةً
وجهها حلوى؛
جلدها حقل حنطة لا فزّاعة، فيه، تطارد عصفورا جائعا؛
صدرها شاطئ رمليٌّ لا يقرّع طفلا يبني عليه قصرا و حلما
أو مغازة،
لبيع ألعاب الأطفال،
توزّع ألعابا كثيرة، يوم العيد، على أطفال لا يملكون ثمن العيد؛
أصابعها،
في الضّوء،
حلوى غزل البنات
و في العتمة، ألعاب ناريّة و حقل نجوم؛
ذراعاها ملجأ أيتام تديره امرأة لطيفة
و فخذها رصيف يوقف حركة المرور
حتى لا يوقظ طفلا أتعبه رغيف الخبز، فنام.
أحتاج امرأةً
هادئة كصلاة رجل صالح؛
مثيرة كالخطايا
و مغرية كبقعة نوتيلا على ثغر رضيعة.
أحتاجُ امرأةُ
تشبه حبيبتي؛
حبيبتي التي لا تشبه كلّ ما سلف
و لكنّها تشبه، تماما، حبيبتي.
*
أنا.. لستُ باردا في الحب
و لكنّك امرأة
تتوغّلُ في الورق من أجل عناق و قبلة
و لا تتوغّلين في صدري
لتمسحي، عنه، تعبي
فأصير روايتَكِ المفضّلة
و أصير بطلك الذي
ينفق، دون حساب، عليك، عناقاته السّاخنة
و الحب.
*
يموتونْ،
من الجوع و من البرد،
الشّعراء الذين يعيشون في عراء أصابعي
حين لا ترسل لهم،
يدك،
أصابعها على هيئة مساعدات دولية
و حين
لا ينسدل، شعرك، خياما تأويهم.
يختنق،
بحباله الصوتيّة،
الشاعر الذي
يسكر، كلّ ليلة، في حنجرتي
كلّما ذهبت القصائد للنّوم
و لم يُشرق، عليه، وجهك.
يموتون غرقا
الشعراء الذين يعبرون دمي،
خلسة،
منّي... إليك
حين يكتشفونْ
أنّ أزرار قميصك تُحكم سيطرتها على شواطئ صدرك.
و الشّاعر المنفي،
الذي أدمن التّسكّع على أرصفة قلبي،
يبكي كثيرا جدّا
كلّما تذكّر أنّه كان له وطن
يسمّى "أنتِ"
...
*
رجل
لا يُشبهني في شيء،
لا يشبه ظلّي في شيء،
و لكنّه كان يحمل رقم بطاقة هويّتي،
اسمي الذي اختاره لي أبي،
أصابعي القصيرة،
عرجي
و عطر حبيبتي الذي لم أدوّنه في مذكّرات أنفي
مرّ من هنا؛
مرّ، خلسة، إلى حتفه؛
مرّ كأنّه لم يمرْ
و كأنّ لا أحد يعرفه!!!!
*
لم يكن حزينا
و لكنّ امرأة بنكهة وطن
أسقطتهُ من حقيبة عمرها!!
كان ثقيلا جدّا
و كان لا بدّ من تخفيف الوزن
لتطير...
*
لستُ مسؤولا عن كلّ هذا الضّجيج الصّادر منّي!
إنّه حفل صاخب
يقيمه الموتى داخلي
على شرف آخر ما تبقى منّي.
*
ككلّ ليلة
و بعد أن أنتهي من تدخين كلّ أصابعي
أنتعل رأسي
و أنام.
*
مازلتُ أُحكم غلق أزرار قميصي
و غلق كلّ أبواب و شبابيك قلبي
و لكنّ عينيك ساحرتان
كلّما رأيتُني فيهما
تفتّح، كزهرة بريّة، قميصي
و استلقى، عاريا، على كفّ الضّوء... قلبي!
*
صفوفي الأماميّة
رجال يسكرون طول الليل
و نهارا، يبصقون جثثهم
في وجوه الغرباء
العابرين كسيارات اسعاف جلست لترتاح على رصيف الحرب...
صفوفي الخلفيّة
أنبياء سُرقتْ، منهم، كتبهم المقدّسة
و لانّهم أفرطوا جدّا في التهام شتائم القرى لهم
أسقطتهم السّماء من حساباتها
فصاروا حانات رخيصة و أقداما خشبية للقراصنة.
ما بين صفوفي الأمامية و صفوفي الخلفيّة
رجل وحيد
يبتلع الكثير منه
و ينام واقفا،
كحصان،
ليكذّب فكرة أنّه مجرّد جثّة.
*
لم يكن ينتظر أحدا؛
كان عالقا
داخله
فحسب.
*
الكلب في القمامة؛
القمامة في حيّ فقير؛
الحيّ الفقير يلعق أصابعه جيّدا
و كلّ العلب
من أجل جوع أقل!
فتعال
يا صديقي
ننبح سويا؛
أنت تحرس جوعك جيّدا
و أنا
أحرس وجع المسافة!
*
هل أنتِ بخير؟!
أسألُ
و أعلم أنّكِ
لست بخير!
هل أنتِ بخير؟!
...
هل يبدو سؤالا غبيّا،
من رجل،
يعلم أن لا أحد، منّا، بخير
و أنّ سماءكِ جارحة تهوى قنص العصافير
و أنّ أرضَكِ جحيم للطيّبينْ؟!
هل أنتِ بخير؟!
يبدو سؤالا كحقنة فيتامينات دسّتها ممرضّة بلهاء في شريان حثّة
من رجلٍ ليس نورسا
ليحمل بشارة الشاطئ لأشرعتك التي لا تؤمن بالبوصلة
و بينه و بين المسافة عداوة قديمة!
هل أنتِ بخير؟!
مضحكٌ هذا السّؤال،
كمهرّج يبكي كثيرا ليُضحك الجمهور،
من رجل
انتهت صلاحيّته
فصار يُحدثُ تسمّما في الثّرثرة!
و مضحك هذا القصيد
كرِجلٍ عرجاء تحلم بالفوز في ماراطون دولي
من رجل
ليس بخير
و يسأل: هل أنتِ بخير؟!
*
رجل دون العاديّ
و أكبر أحلامه
أن يكون رجلا عاديّا جدّا؛
رجلا يذهب إلى الموت
و هو خائف من الوحدة في القبر،
رجلا
يعود، متعبا، من يومه
فينام في ظلّ امرأة
و رجلا
لا يخشى أن يتّصل به صديق قديم
فيسأله:
ماذا صرت الآن؟
فيجيب:
لا شيء.
*
أبي سيفقد عقله، بالكامل، بعد عام واحد، على أقصى تقدير؛
أمّي، ربّما، ستكون محظوظة جدّا
و لن تفقد قدرتها، بالكامل، على المشي، قبل عامين؛
أمّا حبيبتي،
التي ما عادت تذكر شيئا عنّي،
مازالت، بكلّ صمتها، تخبرني
أنّي لا أصلح للحب
و لكنّي قد أصلح لسدّ الفراغات بين أصابع امرأة وحيدة
أو قصّة تقرؤها طفلة مصابة بالضّجر
و لكنّي،
حتما،
لن أصلح للحب.
*
إلى كلّ الرجال الذين جاؤوا
من الشمس
ليذهبوا في الحريق
إلى كلّ النساء اللواتي جئن
من الماء
ليذهبن في الحريق
كنتُ سأحبّكم جدّا
لو أنّي...
ولدت دون حرائق لغة على أصابعي
...
*
لم يبق،
معي،
ما يكفي من الكذب لألطّخ به وجهي
حتى أقف في حفلة الحياة كأيّ مهرّج محترم؛
مهرّج يضحك ملء الأخبار السيّئة أمام كلّ هذا الصّخب
ثمّ
يغلق عليه صدره
و يبكي مع لونه الرّمادي.
*
هو.. لم ينتحر؛
لقد كان يجفّف حزنه
على حبل الغسيل!
*
احترق العشاء
و القبلة الكسيحة التي كانت تحاول العبور
من وجه الغياب المبهر
إلى رصيف حضوري الباهت
سرقها ليل كان يدّعي الجوع!
احترق العشاء
و لا أصابع، على الطاولة، أتبادل معها الأخبار عن المداخن التي نكّست دخانها
و الرّجل السكّير الذي خرج، لتوّه، من مأدبة بكاء
كان يحفظ كلّ عناويني إلى أنْ
وعدته قطّة بموعد في حانة تقدّم عصير نساء مشكّل
و أنتِ
امرأة جافّة كصراط مستقيم!
احترق العشاء
و لا حجريْن، على صدر، أخبزُ، فيهما، ما تبقّى لي من جوع
و أنتِ امرأة من جوع طازج
تنام، كلّ ليلة، دون عشاء لتحافظ على رشاقتها
و تتركني على جوعي أحترق.
*
القلب مغارة مسحورة
وحدها
امرأة من سكّر
تحفظ كلمة السر.
*
أثّثي، بعُريك، عُريي
و علّقي على شفتي قبلة
لأصير كوخا صالحا للفرح.
*
أريد أن أقول شيئا ما
كـ: أحبّك
أو أحتاجك جدّا
أو
رجاء، ساعدني لأغيّر وجهة سريري نحو القِبلة
حتّى لا يتّهمني الموت بالانتماء لجهات معادية
أو لأقول، له، أيّ شيء آخر
قد يخطر ببالي
أو قد يخطر باكتئابي...
أريد أن أقول شيئا ما
طبعا، ليس لي
و لكن لشخص ما، رجلا كان أو امرأة
شخصا أتّصل به هاتفيّا، مثلا
أو ألتقيه في مقهى أو في علبة الماسنجر
أو شخصا كان يبحث عنّي ليقتلني لأنّ لديه رصاصا فائضا من حرب قديمة
و لأنّه ناشط في جمعيّة لحقوق الحيوانات
فسيحزنه أن يبذّر رصاصه الفائض في قتل العصافير أو الكلاب الضّالة.
ليس مهمّا أن يكون شخصا يعرفني
أو لا يعرفني؛
ليس مهما إن كنت أعرفه أو سأعرفه
و لكنّ المهمّ، عندي، أن يكون شخصا فارغا، تماما، منه و منّي!!!
مرحبا، اصبعي الوسطى
هل تسمحين، لي، بأن أقول لك شيئا ما؟!!!!!
*
أنت البالية كثوب قديم
كيف أرتقك و أصابعي من ريح
و صدري
خندق تخفي، فيه، العتمة جثث من سقطوا من الضّوء؟؟
*
أنا أختنقُ بي
و هذا الليل يضحك؛
ما بال أصابعك مرّة، هذا المساء؟؟؟؟؟
*
غدا، ربّما، سأحبّني قليلا؛
الليلة، سأطردُني منّي
و أبكي وحدي.
*
حين اكتمل القمر
لم أجد فيه شيئا يشبه وجهك!
لقد كان القمر أجمل
و لكنّي أحببتك أنتِ!!
حين تفتّحت الورود
كانت جميلة جدّا
و لا تشبهك في شيء؛
لقد كانت أجمل منك
و لكنّني، للمرّة الثانية، أحببتكِ أنتِ!!
حين سمعت سقسقة العصافير
و حين رأيت السماء، المطر
قمم الجبال السّياحيّة
و الشواطئ
كانت، كلّها، أجمل منكِ
و لكنّي
كنتُ، في كلّ مرّة، أحبّك أنتِ!
*
إلى... من
يـــعرفــني
مازل الخريف لون حنجرتي
و مازالت أصابعي
ثمانية ديوك ذبيحة تُجيد الرّقص و قَرنَيْ ثور
و تحت جلدي، رجل بمزاج حذاء أحيل على التقاعد.
إلى... من
لا يـعرفـني؛
وجهي عديم الرّائحة
تختبئ بين تقاسيمه،
خوفا من آلة تصوير يحملها سائح لم يجرّب المشي حافيا على الفراغ ،
حيوانات راكون، قردة من سلالة هجينة
و رجل غابة، وحيد
و على طول مجرى صوتي
ثعالب ماء تقيم سدودا من صمت حتّى لا تفيض الثرثرة من عينيّ.
إلى... من
يـــعرفــني
و من لا يعرفني
ليس مهمّا...
*
كان حزنك حقيبة سفرك الوحيدة
و أنا
لم أكن علبة مناديل ورقيّة
و لا شريحة ذاكرة تخزّنين فيها أغنياتك المفضّلة
و لا كنتُ قارورة عطر
و لا رزنامة تدوّنين فيها مواعيد دورتك الشهريّة
باختصار،
ما كنتُ شيئا تحتاجه امرأة في سفرها
لهذا
تركتني عالقا في ذاكرتي... و مضيت.
*
قد يكون للموت مُدُنا
و ربّما، في مدن الموت، سيكون لي:
وطن يحبّني،
امرأة تحبّني،
أطفال يشتمون توريطي لهم في الموت
و قد يكون لي عمل، أيضا!
عمل يستجيب لمؤهّلاتي
كأن أعمل شاعرا يرثي كلّ من دخلوا مدن الموت دون قبلات وداع
أو أعمل شاهدة قبر لرجل مجهول الهويّة
و ربّما،
سأكون محظوظا جدّا،
و أعمل تابوتا يسكنه جثمان امرأة جميلة قد تحبّني!!!
*
يؤلمك رأسك؟ !
تنام جيّدا؛
تدخّن، دائما، ماركة سجائرك المعتادة؛
و تشرب، كلّ يوم، قهوتك الباردة، في موعدها، و أنت تُطلُّ، منكَ، على وحدتك
و الصّورة المقطعيّة لرأسك، يقول الطبيب أن لا شيء غير مألوف فيها!
و مع هذا
يؤلمك رأسك؟!!
بصرك حادّ و تشرب الكثير من الماء
و كلّ الفراغات، بين أصابعك، حشوتها بالقصائد!
و مع هذا
يؤلمك رأسك؟!!
حسنا، حسنا
الأمر ليس خطيرا جدّا
فكلّ ما في الموضوع
أنّك تعاني من بدانة في الذاكرة
و عيناك سحابتان عابرتان لا تمطران في مواسم الكآبة.
لا تأكل صورا كثيرة و لا دسم الغائبين،
لا تكتب عنهم،
أركض في النّسيان لمدّة حزن، كلّ ليلة
و درّب عينيك على الهطول
و سينتهي وجع رأسك
...
*
انشطرت صحفة الطعام البورسولان لنصفين
و أنا آكل
و اندلق العشاء!!
قبل أن أنهض لاعداد وجبة العشاء
كنت نائما
و رأيت حلمين!!
الحلم الأوّل كان مطرا و صوت صهيل أو، ربّما، صوت فيل!!
في الحلم الثاني
رأيتني أسحب مضمون ولادة
و في خانة الملاحظات، كتب أحدهم: "مطلّق"
و أنا لم أتزوّج قط!!
الآن،
و أنا أكتب كلّ هذه الحقائق التي حدثت فعلا،
تجتاحني رغبة في أن أحبّك ليوم آخر؛
أن أحبّك، ليوم إضافيّ، كما يحبّ حشّاش مفلس قطعة حشيش وجدها في جيب سريّ لمعطفه
أو
أن أحبّك
حبّ رجل سكران لآخر علبة بيرة مازال يحتفظ بها تحت حزام سرواله!!
مازلتُ جائعا
و المطر كان غريب الملامح!!
ربّما، كان عرق جنود ذاهبين إلى الحرب على صهوة الخيل و الفيلة!!
و سأحبّك ليوم آخر
بعد أن أراسل السيد رئيس البلديّة لتصحيح ملاحظة " مطلّق"
و تغييرها بـ " يحبّ" مرفقة باسمك كاملا.
*
لم يتغيّر شيء، تقريبا.
مازلت أمتطي مكنسة أمّي... و لا أطير
و ألبس برنس أبي الذي يشبه رداء سوبرمان... و لا أنقذ العالم
و مازلتُ أراود وسادتي عن نفسها
و مازالت تصدّني و تهدّدني بأنّها ستشكوني لصورتك
و مازلت أسقط من أعلى سريري
فأصير شظايا
تكنّسنها أمّي، بحزنها، بعد كلّ كابوس
ثمّ ترميها في سلّة أوجاعها
و كقاعدة علميّة لا يختلف فيها عالمان
مازلتُ أحبّكِ!
*
كم من "أحبّك"
تحتاجين
لتدفعي ثمن معطف الفرو الذي أعجبك؟!
آسف؛
فلا شيء معي إلّا
"أحبّك" و غيابك.
*
الصّامتون يُحدثون ضجيجا كثيرا في رأسي
بينما موتى،
يرتدون أحذية مضيئة،
يجلسون في المقاعد الأمامية لقاعة ذاكرتي
و ينتظرون دورهم في الضّحك!!
أنا... مازلت أصنع طائرات ورقية،
أكتب عليها أحلامي
ثمّ أطيّرها من النافذة!!
في البعيد؛
هناك، على رصيف صدري
و حيث لا أحد ينتظر
يتوقّف قطار
فتنزل، منه، امرأة ترتدي لثاما على قلبها
و لا تحمل معها إلّا جرحا في معصمها
ثمّ تحدّق في السّماء
و تلوّح لطائرات ورقيّة تمرّ بها
و تضحك!!!!!!!
*
قبلك
لم يكن لي وطن.
بعدك
صار لي منفيان.
*
بعدكِ
كلّ النساء... منافي
و أنا..
رجل قليل!!
*
تعلّمت من الخوارزميات التي درستها أن أكون منطقيا؛
تعلّمت من الكتابة أن أكون مجنونا
و علّمني الحب
أنّ المنطق، فيه، يصنع قلوبا مكسورة
و الجنون، فيه، طريق آخر للرحيل.
*
لا يُشبهني
هذا الرّجل الاقطاعي الذي يُدير مَزارع أحلامي.
لا يُشبهني
هذا البورجوازيّ المتغطرس
الذي يخطّط لبيع قصائدي
و يأمرني بالكتابة أكثر!!
لا يشبهني
هذا البروليتاريّ الذي يدمن السجائر و النبيذ الرّخيص و الطوابير
و يقف،
على رصيف المرايا،
منتظرا التموين من وجه حبيبته!
و لا يُشبهني... وجهي
الذي مرّ بي، بالأمس، على متن صورة رماديّة
و لم يلق عليّ التحيّة!!!
*
تعاليْ نكذبُ قليلا
فأرسل لك ارساليّة أؤكّد فيها أنّي لم أرسلها خطأ
و أكتب، لك:
أنا أكرهك و أحببت نساء كثيرات بعدك
و أحببنني!!!
و أنت أجيبيني:
اشتقت إليك جدّا؛
أنا التي كنتُ أحبّك جدّا و مازلت
لا رجل بعدك دخل غرفة قلبي
و لا رجل بعدك
تعرّيتُ، أمامه، من فرحي المزعوم
فأحبّ حزني و أحبّني، كما فعلت أنت!!!
*
أقبّل وجهي في المرآة!
أُشعل سيجارة
و أقول:
أنت الأخيرة لهذه الليلة!
أبحث عن أغنية، تناسب مزاجي، لأدندنها،
أتقمّص دور المهرّج لأُضحك وجهي في المرآة،
أعبّ من سيجارتي
و أنفثْ على وجهي في المرآة
و نضحك
أنا و سيجارتي و المرآة
فيغضب وجهي القابع هناك!!
أقبّله من جديد،
أطفئ السّيجارة في صدر المرآة
فيبكي
وجهي الغاضب
و تصرخ المرآة
و أشعل سيجارة جديدة
و أقول: يجب أن تكوني الأخيرة؛
يجب أن أنام
لأستيقظ باكرا
فلا شيء مهما عندي، في الغد
و لا أحد سينتظرني!
فيضحك وجهي الباكي العالق في المرآة
و يقبّلني!!!!
*
كلّما نضج البرتقال،
خلف حماّلة صدرك،
كبُر الأطفال على أصابعي
و ابتكر السّكارى،
المتشرّدون على أرصفة شفتيّ،
نبيذا جديدا من عصير البرتقال!!!
*
كلّ النّهود التي اقترفتُها في قصائدي
كانت عارية من أصابعي
و لم تعتمر، يوما، فمي
لتبدو كسيّدات ارستقراطيّات،
يجلسن في حديقة، بعد العصر،
و يتبادلن نكاتا بذيئة و هنّ يشربن الشّاي مع الحليب
و يضحكن.
كلّ التّنانير القصيرة، حمّالات الصدر،
فساتين النّوم
و السّراويل القصيرة
التي رتّبتها في رفوف الشّعر
كانت خدعة حبل الغسيل و هو يمرّر لسانه حول رقبتي، كمثليٍّ
و يشتهي تجفيف روحي من رطوبة جسدي الثّقيل.
المرأة التي
كانت تستعمل كفّي صابونا معطّرا
لتزيل درن الوحدة عن جلدها
و تستحمّ في قصيدتي
بينما، أنا، أتلصّص عليها من وراء السّطور
كانت صورة سقطت من شجرة حزن
و أنا
كنت أسراب نمل جائع
و رجلا يحاول تقشير الوحدة عن جلده!!
وحده،
الحذاء الذي كان أضيق من كلّ المسافات
كان العنوان الوحيد لوجهي
و صِدقَ القصيدة.


--------------------
نص
شغب أصابع
شعر هيثم الأمين
تونس




















تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...