كيف أبدأ واليد ترتعش والقلب يخفق والذكريات تتلاحق؛ والكلمات تتهادى لتخط آثارها على الورق.... والعقل يتساءل هل سيكفى ما يخطه قلمك للتحدث عن تلك الحالة الإنسانية المتفردة الخاصة؟!!!..
أن ما يرويه قلمي وتطويه السطور القادمة هو الواقع الحق عن شخصية لها مني كل التقدير والتبجيل والاحترام، فمنذ رأيته في المرة الأولى ؛ وشم آثره فى خاطرى ونفسى كنقش فرعونى على جدار الروح .
أنه غنى عن التعريف فهو معرفا بذاته هو الأب والأستاذ والمعلم والمحلل النفسي والمبدع والممثل هوالأستاذ الدكتور/ حسين عبد القادر محمد قدوتي وأستاذي ومعلمى صاحب الخلق الرفيع والعلم الوفير والمبادئ الراقية والرؤية المتميزة، البحر الزاخر بكل ثمين؛ الصدر الرحب لسماع الرأي الآخر ... أنه التناغم المبهر هو التواضع والهيبة، التمكن والسلاسة، العمق والبساطة فاستحق بتفرد وعن جدارة لقب العلامة الجليل.
هو ظاهرة إنسانية ذو طبيعة خاصة متفردة ؛شخص يحمل كل معاني القيم والمبادئ الإنسانية الجمالية الراقية والتي نراها جلية في تعاملاته مع الآخرين ، أبن حي الحلمية حيث الأصالة المصرية ، صاحب الوجه المبتسم دائما ً، صارم في الحق لا يعرف نفاقا ً ، منصف في حكمه لم يسعي يوما َ لمنصب أو شهرة ،محب لوطنه لدرجة العشق وله من المواقف الدالة كثيرا ًوكثير ... شمس من شموس التحليل النفسي في مصر والعالم العربي .هو خريج قسم علم النفس كلية الآداب جامعة عين شمس تتلمذ علي يد خالد الذكر رائد التحليل النفسي في مصر والعالم العربي الإستاذ الدكتور مصطفي زيور وزمرة من رواد علم النفس مثل اد/ صلاح مخيمر، اد/لويس مليكه ،همزة الوصل بين مصر وطيورها المهاجرة من رواد التحليل النفسي أمثال اد/ مصطفي صفوان ،د/أحمد فائق ،اد/سامي علي .
رشحه استاذه زيور للتدريس بالجامعة بعد حوالي عام من تخرجه ..وبدأت رحلة العطاء.... كانت اطروحته للماجستير عن العلاقة بالموضوع لدي مرضي الفصام .اما اطروحة الدكتوراه كانت عن العلاج الجماعي والسيكودراما دراسة في الجماعات العلاجية لمرضي فصام البارانوي 1986 ،يعتبر اد حسين عبد القادر رائد العلاج بالسيكودراما في مصر والعالم العربي وأول من أقام الدليل علي أن مورينو لم يكن أول من استخدم العلاج بالسيكودراما في العالم بل كان السبق للعالم الإسلامي بن سينا في ذلك حيث كان هناك مريض بالميلانخوليا ولا يريد الطعام ويخور مثل البقرة فاستدعوا الطبيب بن سينا لعلاجه ، فقدم إليه بن سينا ومساعديه يرتدون ثياب جزار وصاح بأن يحضروا البقرة كي يذبحوها وعند سن سكينه وهمه بذبح المريض قال انه هزيل أعطوه طعاما ً كثيرا ً وسمنوه كي تصلح للذبح "وما كان من المريض قام ليأكل ....و قد خضع أستاذنا الجليل لعملية التحليل النفسي علي يد المحللة النفسية الدكتورة فايزة كامل رحمة الله عليها .
وقام بالتدريس في العديد من الجامعات المصرية والمعهد العالي للفنون المسرحية والمعهد العالي للسينما ،وساهم في بزوغ الجمعية المصرية للتحليل النفسي ويرأسها منذ بدايتها حتي الأن ويساهم في اعداد مشروع نقابة الاخصائين النفسيين بمصر ،وله العديد من المؤلفات منها قاموس علم النفس والتحليل النفسي ،1993كتاب الانحراف والسيكودراما،1994،كتاب بوش الابن،التحليل النفسي ماضيه وحاضره 2002،بالاضافة للعديد من المقالات العلمية كما اشرف علي العديد من الرسائل الجامعية.وكان له العديد من اللقاءات التلفزيونية والإذاعية ومن أشهرها إذاعة بي بي سي وإذاعة مونت كارلو.
هو المبدع حسين عبد القادر؛ أبن المسرح القومي المصري ؛فهوممثلا ً ومخرجا ً مسرحيا ً ذو حس فني رائع بدأ مشواره المسرحي أو كما يقول ميلاده الأول بين أحضان المسرح حيث مثل أولي أدواره في مسرحية بعنوان "عمر والعجوز"في المرحلة الابتدائية ،وفي المرحلة الثانوية مثل هاملت ،وبانكو في ماكبث ..وكان نجم من نجوم المسرح الجامعي وحصل علي الميدالية الذهبية في مسابقة منتخب دوري الجامعات عن " دور كليفورد في مسرحية "سيأتي الوقت للأديب الفرنسي رومان رولان " . كان أول جامعي يلتحق بالمسرح القومي وشارك في العديد من المسرحيات علي خشبة هدا المسرح العتيق وعمل مع كثير من ممثلي ومخرجي المسرح المصري ،وعهد إليه بإنشاء فرقة مسرح الغد حيث عرضت اكثر من سبع مسرحيات في العديد من محافظات مصر وكانت مسرحيات نصوصها جديدة لم يسبق عرضها بمصر وحققت نجاحا ً مذهلا ً، ولقد حصل علي جائزة مهرجان المسرح القومي عام2018 .
ومن مقوماته التمثيلية الجلية حتى في حواراته العادية البراعة فى الإلقاء والإتقان في الأداء وامتلاك لناصية اللغة ومفرداتها فحين يتحدث اد حسين عبدالقادر تسمع تناغم رائق من الألفاظ اللغوية المنتقاة كأنها معزوفة موسيقية مبهجة ...يسعدنا بحكاياته عن طفولته ومواقفه المشاغبة والفكاهية وصومعته الخاصة بمنزلهم وعلاقته بوالدته رحمها الله ونوادره مع أصدقائه ورفاقه ؛فتتعلم الكثير من خبرات الحياة ،ولديه دقة وأسلوب ممتع في السرد لم يضاهيه فيه أحد ...ومع أني لا أملك تلك القدرة مثل إستاذي لكن دعوني أروي لكم في السطور القادمة بعضا ً من مواقفي مع إستاذنا الجليل لعلها تعرفكم ببعض خصاله.
فلقائنا الأول كان في احدى قاعات محاضرات قسم علم النفس - كلية الآداب جامعة الزقازيق عام 1999م حيث قدم الينا بصحبة ا د/ عبدالله عسكر - رئيس القسم حين ذاك لإلقاء أولى محاضرات مادة علم النفس الارتقائى لتمهيدى الماجستير كانت تحيطه هاله من الهيبة وبدأ بتعريف نفسه وإلقاء المحاضرة عندها بدأت حالة من الإبهار والتعجب تحيط بى وبزملائى والحاضرين فقد كنا أمام موسوعة معرفية.
لقد تحدث عن علماء لم نسمع بهم من قبل خلال دراستنا؛ استرسل بخفة من هذا الموضوع لذاك ومن هذه الفكرة لتلك ... كان عقلى يتساءل كيف لرجل بهذا العمر أعطاه الله وافر الصحة والسعادة ولديه هذا القدر من المعرفة المعلومات الوفيرة والترابط والقدرة على السرد والانتقال برشاقة من معلومة لأخرى وانتهت محاضرتنا الأولى ونحن فى حالة من التوجس والترقب والاحباط فمن هذا القادم الذى سيدرس لنا سنة كاملة وهو على هذه الشاكلة من المعرفة وكيف سنتعامل معه؟!!!
وجاءت المحاضرة الثانية ونحن فى ترقب وبدأ التعرف علينا فردا ً فردا ً واذكر أننا كنا حوالى 13 طالبا ثم تبع بعد ذلك تنظيم العمل داخل المحاضرة والتشديد علينا بالحفاظ علي المواعيد وأن من سيأتي بعد دخوله لا يدخل قاعة المحاضرة أطلاقا ً ،وما هو مطلوب منا واذكر انه طلب منى بحث عن كارل بوبر والتحدث عنه وعن نظريته ؛ ثم تبع ذلك التحدث عن نظرية التحليل النفسى الكلاسيكى والاساسيات التى قامت عليها النظرية وكانت محاضرة ممتعة وبدأ جدار الرهبة بالتلاشى رويدا ً رويدا ً بيننا وبين أستاذنا الجليل حيث كان رحب الصدر لمناقشتنا وسماع وجهة النظر الأخرى والتوضيح والشرح دون كلل أو ملل إذا صعب علينا الفهم.
وتوالت المحاضرات ودائما كانت هذه السويعات القليلة تتسم بالمعلومات الوفيرة والزاخرة بكل جديد؛ ثراء معرفي ننهل منه قدر استطاعتنا ... فقدم الينا العون جميعا دون استثناء من مراجع ومعلومات وكتب وسعة صدره لسماع آرائنا.
انقضى العام وجاءت نهايته ونجحنا ولكن ما تركه هذا الرجل فى نفسى وشخصى أثر لا يمحوه الزمن فخلال ذلك العام تعلمت الكثير والكثير من الأخلاقيات والعلم واكتسبت آفاق وأفكار جديدة منها أن العلم والكتب ليست ملكية وأن ما ينعم عليك الله به من علم فيجب نقله لمن يريد والانتفاع به لكل البشر ،التفكير بموضوعية وألا اصدر الاحكام دون التحقق من الحقيقة إن كانت كذلك ـ على حد قول أستاذنا ـ علمني أن أنصت جيدا ليس إلي ما يقال بل إلي ما لا يقال ،علمني أن الإنسان ظاهرة للفهم لا التفسير ،رسخ مدى روعة العلاقة بين التلميذ وأستاذه .
رجل ذو خلق رفيع فى التعامل معه سواء فى اسلوب الحوار والاحترام المتبادل وما كان يلفت النظر مناداته لنا نحن تلميذاته بلفظ "سيدتي" عند توجيه خطابا ً لنا رغم صغر أعمارنا حيث أن الفارق العمرى يناهز الأربعين عاما أعطاه الله وافر الصحة والسعادة والعافية، فلغة الحديث مختلفة منمقة راقية حتى فى لحظات غضبه منا.
ومن حسن حظي أن توالت لقاءتنا العلمية والفكرية فكانت للإصغاء الممتع والمعرفة المستزادة ...وجاءت مفاجأة عمرى التى لم أكن أتوقعها أن يكون الأستاذ الدكتور/ حسين عبدالقادر محمد هو المشرف على أطروحتى للماجستير فكانت مشاعر البهجة والفخر ممزوجة بالقلق والحيرة والارتباك فطبيعة تعامل المشرف مع تلميذه مختلفة عن قاعات المحاضرات... وتساءلت ماذا افعل وأستاذى المشرف يتسم بهذا القدر من المعرفة والعلم بجانب صفاته الشخصية الجلية من المصداقية والتدقيق والتمحيص فى كل صغيرة وكبيرة حتى أذكر أنه عند اعطاء أستاذى صورة من الخطة للمرة الأولى وبعد انصرافى بلحظات أرسل ورائى عامل القسم ليبحث عنى وقال لى "دكتور حسين عايزك دلوقتى حالا وقالى دور عليها" وعند ذهابى إليه قال لى كلمة لن أنساها أبدا وأصبحت لى درسا حتى يومنا هذا. "هبه النقطة عندى قبل الحرف" وكان ذلك بسبب بعض أخطاء الكتابة ومن يومها إلى الآن أحرص على ذلك حتى فى كتابة الرسائل النصية أو خواطرى فى مواقع التواصل الاجتماعى.
وجاءت أول زيارة منزلية لأستاذنا الجليل فلو تحدثت أعواما ً عن مدى الحفاوة وحسن الاستقبال والضيافة فلن أوفيه حقه أو حق السيدة حرمه - رحمات الله عليها- فحقا كانت سيدة هادئة الوجه جميلة الملامح رفيعة الخلق فتشعرك أنك في بيتك.حتى في أحاديثي التليفونية معها عند الاتصال بأستاذي كانت تداعبني بكلماتها الفكاهية الودودة فتصلك رسالة عن عمق علاقة زوجية قوامها الحب والود والاحترام وتحيطها هالة من القدسية علاقة سند ودعم وأمان .... دعوني أصف لكم منزله الذى قد يعرفه أصدقائه وتلاميذه ومريديه أنه بالنسبة لى محراب علم؛ فأستاذنا منزله عبارة عن جدران تزينها مكتبة موسوعية فى كافة المجالات ولديه كم من الكتب لا تعد ولا تحصى ،وأعطاه الله وافر الصحة والسعادة يعرف مكان كل كتاب بدقة شديدة حتى مع كثرتها.. وما يشد انتباهك أيضا صورة بورترية لأستاذنا الجليل فى شبابه مع بعض اللوحات المهداة له من أستاذنا عالم السيكوسوماتيك د/ سامى على والتى تحمل توقيعه ... يشعرك منزله بالألفة والود .
وكانت زيارتي لمعرفة رأيه فى خطة البحث قبل صياغتها النهائية.وبدء حديثنا المتبادل لمعرفة رأيه فيها فاستأذن لحظات وقدم بورقة قديمة من الجرائد واعتذر بشدة فى أنه كان فى مكان ما خارج المنزل وجاءت له بعض الأفكار والملاحظات الخاصة بموضوع البحث ولم تتح له الفرصة لتدوينها إلا تلك الأوراق القديمة من الجرائد ليكتب ملاحظاته وأنتهى اللقاء مع وعد بلقاء آخر لتسليم الخطة فى صورتها النهائية.
ومن المواقف التى لا أنساها يوما والتى تيقنت يومها أن هذا الرجل عفيف اليد غني النفس ، أنه كان عائدا ً من سفرته السنوية إلى فرنسا وكان قد مر وقت طويل لم أراه فأردت أن أعبر عن فرحى بعودته وأتيت ببعض الورود لا تتعدى ثمنها بضعة جنيهات وذهبت إليه يومها وإذا به يعنفنى كثيرا ً بعد الشكر الكثير وقال لى أنا أبيك أنا الذى أحضر لك لا أنت وأخذت كثيرا من الوقت لأوضح له أن هذا مجرد تعبير عن امتنانى لعودته سالما ً ولم أقصد أى شئ آخر. ذلك الموقف أجلى مثالا على نزاهة هذا الرجل فأنى لم أراه يوما يقبل ما ليس بحقه وكان يصر دائما على دفع ثمن أى شئ نحضره إليه سواء من تصوير أوراق أو شراء كتب.
وتتوالى اللقاءات والمحاورات فكانت اللذة بالنسبة إلى أن أجلس مع أستاذي وأنصت له وإلى محاوراته وفيض معرفته وأنهل منها قدر استطاعتي وفى خلال رحلتى معه فى الاشراف على أطروحة الماجستير كان التشجيع والتحاور واستعارة الكتب لم يبخل على بمعلومة أو كتاب كان دائما يساعدنى على ابراز شخصيتى البحثية والعمل على زيادة كفاءتى العلمية وتحملنى كثيرا وكثيرا لتعرضى لبعض الأزمات خلال فترة بحثى مما كان سببا ً فى اطالة مدة الاشراف وأخيرا ً جاءت اللحظة الحاسمة تم تسليم الأطروحة بالكامل لمراجعتها فى صورتها النهائية واذكر أن أستاذي الجليل لم يخط قلمه بداخلها إلا لابدال فقرة وأخرى فى احدى الصفحات وتوقفه لكلمة في التفسير والخلاف عليها وقد أشار إلى لأحذف جزء من الاطار النظرى ولكن بعد توضيح وجهة نظرى احترم ذلك وأبقاه؛ ولم يجبرنى يوما ً على كتابه شئ قط أو تغييره بل كان دائما ً يقول لى هذا بحثك تعبك فكرك ؛فكان ذلك دفعة لى على عمل الأحسن والأكثر افادة والحمد لله فكنت حريصة بشكل كبير أن تخرج الأطروحة بشكل يليق بتلك الثقة. حتي يوم المناقشة كان يناقشني بمنتهي الموضوعية والحيادية .
مضي علي معرفتي بأستاذي ما يقرب من الربع قرن ومازال فيض عطاءه نهر يرتوي منه كل من يعرفه ... مازال سندا ًوعونا ًودعما ً لي يشجعني دائما ً لإنهاء أطروحتي للدكتوراه،تتعثر بي الحياة أحيانا ً فألجأ إليه للمشورة والاطمئنان لأني أعي يقينا ً أنه سيعطى الرأي الصائب السديد ...نعم أنه العلامة حسين عبد القادر السند والمثل الأعلي الحريص علي تلاميذه وطلابه يقف دائما بجانبهم ويدعمهم ويقدم العون والمساعدة ؛فإنسانيته غالبه وأبوته ناضحة وايمانه بمبادئه وافكاره متجسدا ً ..حامل رسالة علم فأضحي ورثيا من ورثة الأنبياء حقا ًويقينا ًوصدقا ً.
ولو ظللت أكتب عن أستاذنا الجليل ما تبقي من عمري فلن اوفيه قدره ،ولعلي في السطور السابقة استطعت أن أروي لكم لمحات بسيطة من شخصية العلامة الجليل فهو عالما ً بحق وإنسانا ً بصدق فجسد معني الانسانية قولا ً وعملا ً..وسيظل في نظري الأستاذ الدكتور حسين عبد القادر الأنا المثالي أعطاه الله وافر الصحة والعافية والسعادة ، فله مني ترانيم عشقا ًاعزازا ًوتقديرا ًوإجلالا ً...أستاذي الجليل دومت لنا عطاء ً سرمديا ً .
أن ما يرويه قلمي وتطويه السطور القادمة هو الواقع الحق عن شخصية لها مني كل التقدير والتبجيل والاحترام، فمنذ رأيته في المرة الأولى ؛ وشم آثره فى خاطرى ونفسى كنقش فرعونى على جدار الروح .
أنه غنى عن التعريف فهو معرفا بذاته هو الأب والأستاذ والمعلم والمحلل النفسي والمبدع والممثل هوالأستاذ الدكتور/ حسين عبد القادر محمد قدوتي وأستاذي ومعلمى صاحب الخلق الرفيع والعلم الوفير والمبادئ الراقية والرؤية المتميزة، البحر الزاخر بكل ثمين؛ الصدر الرحب لسماع الرأي الآخر ... أنه التناغم المبهر هو التواضع والهيبة، التمكن والسلاسة، العمق والبساطة فاستحق بتفرد وعن جدارة لقب العلامة الجليل.
هو ظاهرة إنسانية ذو طبيعة خاصة متفردة ؛شخص يحمل كل معاني القيم والمبادئ الإنسانية الجمالية الراقية والتي نراها جلية في تعاملاته مع الآخرين ، أبن حي الحلمية حيث الأصالة المصرية ، صاحب الوجه المبتسم دائما ً، صارم في الحق لا يعرف نفاقا ً ، منصف في حكمه لم يسعي يوما َ لمنصب أو شهرة ،محب لوطنه لدرجة العشق وله من المواقف الدالة كثيرا ًوكثير ... شمس من شموس التحليل النفسي في مصر والعالم العربي .هو خريج قسم علم النفس كلية الآداب جامعة عين شمس تتلمذ علي يد خالد الذكر رائد التحليل النفسي في مصر والعالم العربي الإستاذ الدكتور مصطفي زيور وزمرة من رواد علم النفس مثل اد/ صلاح مخيمر، اد/لويس مليكه ،همزة الوصل بين مصر وطيورها المهاجرة من رواد التحليل النفسي أمثال اد/ مصطفي صفوان ،د/أحمد فائق ،اد/سامي علي .
رشحه استاذه زيور للتدريس بالجامعة بعد حوالي عام من تخرجه ..وبدأت رحلة العطاء.... كانت اطروحته للماجستير عن العلاقة بالموضوع لدي مرضي الفصام .اما اطروحة الدكتوراه كانت عن العلاج الجماعي والسيكودراما دراسة في الجماعات العلاجية لمرضي فصام البارانوي 1986 ،يعتبر اد حسين عبد القادر رائد العلاج بالسيكودراما في مصر والعالم العربي وأول من أقام الدليل علي أن مورينو لم يكن أول من استخدم العلاج بالسيكودراما في العالم بل كان السبق للعالم الإسلامي بن سينا في ذلك حيث كان هناك مريض بالميلانخوليا ولا يريد الطعام ويخور مثل البقرة فاستدعوا الطبيب بن سينا لعلاجه ، فقدم إليه بن سينا ومساعديه يرتدون ثياب جزار وصاح بأن يحضروا البقرة كي يذبحوها وعند سن سكينه وهمه بذبح المريض قال انه هزيل أعطوه طعاما ً كثيرا ً وسمنوه كي تصلح للذبح "وما كان من المريض قام ليأكل ....و قد خضع أستاذنا الجليل لعملية التحليل النفسي علي يد المحللة النفسية الدكتورة فايزة كامل رحمة الله عليها .
وقام بالتدريس في العديد من الجامعات المصرية والمعهد العالي للفنون المسرحية والمعهد العالي للسينما ،وساهم في بزوغ الجمعية المصرية للتحليل النفسي ويرأسها منذ بدايتها حتي الأن ويساهم في اعداد مشروع نقابة الاخصائين النفسيين بمصر ،وله العديد من المؤلفات منها قاموس علم النفس والتحليل النفسي ،1993كتاب الانحراف والسيكودراما،1994،كتاب بوش الابن،التحليل النفسي ماضيه وحاضره 2002،بالاضافة للعديد من المقالات العلمية كما اشرف علي العديد من الرسائل الجامعية.وكان له العديد من اللقاءات التلفزيونية والإذاعية ومن أشهرها إذاعة بي بي سي وإذاعة مونت كارلو.
هو المبدع حسين عبد القادر؛ أبن المسرح القومي المصري ؛فهوممثلا ً ومخرجا ً مسرحيا ً ذو حس فني رائع بدأ مشواره المسرحي أو كما يقول ميلاده الأول بين أحضان المسرح حيث مثل أولي أدواره في مسرحية بعنوان "عمر والعجوز"في المرحلة الابتدائية ،وفي المرحلة الثانوية مثل هاملت ،وبانكو في ماكبث ..وكان نجم من نجوم المسرح الجامعي وحصل علي الميدالية الذهبية في مسابقة منتخب دوري الجامعات عن " دور كليفورد في مسرحية "سيأتي الوقت للأديب الفرنسي رومان رولان " . كان أول جامعي يلتحق بالمسرح القومي وشارك في العديد من المسرحيات علي خشبة هدا المسرح العتيق وعمل مع كثير من ممثلي ومخرجي المسرح المصري ،وعهد إليه بإنشاء فرقة مسرح الغد حيث عرضت اكثر من سبع مسرحيات في العديد من محافظات مصر وكانت مسرحيات نصوصها جديدة لم يسبق عرضها بمصر وحققت نجاحا ً مذهلا ً، ولقد حصل علي جائزة مهرجان المسرح القومي عام2018 .
ومن مقوماته التمثيلية الجلية حتى في حواراته العادية البراعة فى الإلقاء والإتقان في الأداء وامتلاك لناصية اللغة ومفرداتها فحين يتحدث اد حسين عبدالقادر تسمع تناغم رائق من الألفاظ اللغوية المنتقاة كأنها معزوفة موسيقية مبهجة ...يسعدنا بحكاياته عن طفولته ومواقفه المشاغبة والفكاهية وصومعته الخاصة بمنزلهم وعلاقته بوالدته رحمها الله ونوادره مع أصدقائه ورفاقه ؛فتتعلم الكثير من خبرات الحياة ،ولديه دقة وأسلوب ممتع في السرد لم يضاهيه فيه أحد ...ومع أني لا أملك تلك القدرة مثل إستاذي لكن دعوني أروي لكم في السطور القادمة بعضا ً من مواقفي مع إستاذنا الجليل لعلها تعرفكم ببعض خصاله.
فلقائنا الأول كان في احدى قاعات محاضرات قسم علم النفس - كلية الآداب جامعة الزقازيق عام 1999م حيث قدم الينا بصحبة ا د/ عبدالله عسكر - رئيس القسم حين ذاك لإلقاء أولى محاضرات مادة علم النفس الارتقائى لتمهيدى الماجستير كانت تحيطه هاله من الهيبة وبدأ بتعريف نفسه وإلقاء المحاضرة عندها بدأت حالة من الإبهار والتعجب تحيط بى وبزملائى والحاضرين فقد كنا أمام موسوعة معرفية.
لقد تحدث عن علماء لم نسمع بهم من قبل خلال دراستنا؛ استرسل بخفة من هذا الموضوع لذاك ومن هذه الفكرة لتلك ... كان عقلى يتساءل كيف لرجل بهذا العمر أعطاه الله وافر الصحة والسعادة ولديه هذا القدر من المعرفة المعلومات الوفيرة والترابط والقدرة على السرد والانتقال برشاقة من معلومة لأخرى وانتهت محاضرتنا الأولى ونحن فى حالة من التوجس والترقب والاحباط فمن هذا القادم الذى سيدرس لنا سنة كاملة وهو على هذه الشاكلة من المعرفة وكيف سنتعامل معه؟!!!
وجاءت المحاضرة الثانية ونحن فى ترقب وبدأ التعرف علينا فردا ً فردا ً واذكر أننا كنا حوالى 13 طالبا ثم تبع بعد ذلك تنظيم العمل داخل المحاضرة والتشديد علينا بالحفاظ علي المواعيد وأن من سيأتي بعد دخوله لا يدخل قاعة المحاضرة أطلاقا ً ،وما هو مطلوب منا واذكر انه طلب منى بحث عن كارل بوبر والتحدث عنه وعن نظريته ؛ ثم تبع ذلك التحدث عن نظرية التحليل النفسى الكلاسيكى والاساسيات التى قامت عليها النظرية وكانت محاضرة ممتعة وبدأ جدار الرهبة بالتلاشى رويدا ً رويدا ً بيننا وبين أستاذنا الجليل حيث كان رحب الصدر لمناقشتنا وسماع وجهة النظر الأخرى والتوضيح والشرح دون كلل أو ملل إذا صعب علينا الفهم.
وتوالت المحاضرات ودائما كانت هذه السويعات القليلة تتسم بالمعلومات الوفيرة والزاخرة بكل جديد؛ ثراء معرفي ننهل منه قدر استطاعتنا ... فقدم الينا العون جميعا دون استثناء من مراجع ومعلومات وكتب وسعة صدره لسماع آرائنا.
انقضى العام وجاءت نهايته ونجحنا ولكن ما تركه هذا الرجل فى نفسى وشخصى أثر لا يمحوه الزمن فخلال ذلك العام تعلمت الكثير والكثير من الأخلاقيات والعلم واكتسبت آفاق وأفكار جديدة منها أن العلم والكتب ليست ملكية وأن ما ينعم عليك الله به من علم فيجب نقله لمن يريد والانتفاع به لكل البشر ،التفكير بموضوعية وألا اصدر الاحكام دون التحقق من الحقيقة إن كانت كذلك ـ على حد قول أستاذنا ـ علمني أن أنصت جيدا ليس إلي ما يقال بل إلي ما لا يقال ،علمني أن الإنسان ظاهرة للفهم لا التفسير ،رسخ مدى روعة العلاقة بين التلميذ وأستاذه .
رجل ذو خلق رفيع فى التعامل معه سواء فى اسلوب الحوار والاحترام المتبادل وما كان يلفت النظر مناداته لنا نحن تلميذاته بلفظ "سيدتي" عند توجيه خطابا ً لنا رغم صغر أعمارنا حيث أن الفارق العمرى يناهز الأربعين عاما أعطاه الله وافر الصحة والسعادة والعافية، فلغة الحديث مختلفة منمقة راقية حتى فى لحظات غضبه منا.
ومن حسن حظي أن توالت لقاءتنا العلمية والفكرية فكانت للإصغاء الممتع والمعرفة المستزادة ...وجاءت مفاجأة عمرى التى لم أكن أتوقعها أن يكون الأستاذ الدكتور/ حسين عبدالقادر محمد هو المشرف على أطروحتى للماجستير فكانت مشاعر البهجة والفخر ممزوجة بالقلق والحيرة والارتباك فطبيعة تعامل المشرف مع تلميذه مختلفة عن قاعات المحاضرات... وتساءلت ماذا افعل وأستاذى المشرف يتسم بهذا القدر من المعرفة والعلم بجانب صفاته الشخصية الجلية من المصداقية والتدقيق والتمحيص فى كل صغيرة وكبيرة حتى أذكر أنه عند اعطاء أستاذى صورة من الخطة للمرة الأولى وبعد انصرافى بلحظات أرسل ورائى عامل القسم ليبحث عنى وقال لى "دكتور حسين عايزك دلوقتى حالا وقالى دور عليها" وعند ذهابى إليه قال لى كلمة لن أنساها أبدا وأصبحت لى درسا حتى يومنا هذا. "هبه النقطة عندى قبل الحرف" وكان ذلك بسبب بعض أخطاء الكتابة ومن يومها إلى الآن أحرص على ذلك حتى فى كتابة الرسائل النصية أو خواطرى فى مواقع التواصل الاجتماعى.
وجاءت أول زيارة منزلية لأستاذنا الجليل فلو تحدثت أعواما ً عن مدى الحفاوة وحسن الاستقبال والضيافة فلن أوفيه حقه أو حق السيدة حرمه - رحمات الله عليها- فحقا كانت سيدة هادئة الوجه جميلة الملامح رفيعة الخلق فتشعرك أنك في بيتك.حتى في أحاديثي التليفونية معها عند الاتصال بأستاذي كانت تداعبني بكلماتها الفكاهية الودودة فتصلك رسالة عن عمق علاقة زوجية قوامها الحب والود والاحترام وتحيطها هالة من القدسية علاقة سند ودعم وأمان .... دعوني أصف لكم منزله الذى قد يعرفه أصدقائه وتلاميذه ومريديه أنه بالنسبة لى محراب علم؛ فأستاذنا منزله عبارة عن جدران تزينها مكتبة موسوعية فى كافة المجالات ولديه كم من الكتب لا تعد ولا تحصى ،وأعطاه الله وافر الصحة والسعادة يعرف مكان كل كتاب بدقة شديدة حتى مع كثرتها.. وما يشد انتباهك أيضا صورة بورترية لأستاذنا الجليل فى شبابه مع بعض اللوحات المهداة له من أستاذنا عالم السيكوسوماتيك د/ سامى على والتى تحمل توقيعه ... يشعرك منزله بالألفة والود .
وكانت زيارتي لمعرفة رأيه فى خطة البحث قبل صياغتها النهائية.وبدء حديثنا المتبادل لمعرفة رأيه فيها فاستأذن لحظات وقدم بورقة قديمة من الجرائد واعتذر بشدة فى أنه كان فى مكان ما خارج المنزل وجاءت له بعض الأفكار والملاحظات الخاصة بموضوع البحث ولم تتح له الفرصة لتدوينها إلا تلك الأوراق القديمة من الجرائد ليكتب ملاحظاته وأنتهى اللقاء مع وعد بلقاء آخر لتسليم الخطة فى صورتها النهائية.
ومن المواقف التى لا أنساها يوما والتى تيقنت يومها أن هذا الرجل عفيف اليد غني النفس ، أنه كان عائدا ً من سفرته السنوية إلى فرنسا وكان قد مر وقت طويل لم أراه فأردت أن أعبر عن فرحى بعودته وأتيت ببعض الورود لا تتعدى ثمنها بضعة جنيهات وذهبت إليه يومها وإذا به يعنفنى كثيرا ً بعد الشكر الكثير وقال لى أنا أبيك أنا الذى أحضر لك لا أنت وأخذت كثيرا من الوقت لأوضح له أن هذا مجرد تعبير عن امتنانى لعودته سالما ً ولم أقصد أى شئ آخر. ذلك الموقف أجلى مثالا على نزاهة هذا الرجل فأنى لم أراه يوما يقبل ما ليس بحقه وكان يصر دائما على دفع ثمن أى شئ نحضره إليه سواء من تصوير أوراق أو شراء كتب.
وتتوالى اللقاءات والمحاورات فكانت اللذة بالنسبة إلى أن أجلس مع أستاذي وأنصت له وإلى محاوراته وفيض معرفته وأنهل منها قدر استطاعتي وفى خلال رحلتى معه فى الاشراف على أطروحة الماجستير كان التشجيع والتحاور واستعارة الكتب لم يبخل على بمعلومة أو كتاب كان دائما يساعدنى على ابراز شخصيتى البحثية والعمل على زيادة كفاءتى العلمية وتحملنى كثيرا وكثيرا لتعرضى لبعض الأزمات خلال فترة بحثى مما كان سببا ً فى اطالة مدة الاشراف وأخيرا ً جاءت اللحظة الحاسمة تم تسليم الأطروحة بالكامل لمراجعتها فى صورتها النهائية واذكر أن أستاذي الجليل لم يخط قلمه بداخلها إلا لابدال فقرة وأخرى فى احدى الصفحات وتوقفه لكلمة في التفسير والخلاف عليها وقد أشار إلى لأحذف جزء من الاطار النظرى ولكن بعد توضيح وجهة نظرى احترم ذلك وأبقاه؛ ولم يجبرنى يوما ً على كتابه شئ قط أو تغييره بل كان دائما ً يقول لى هذا بحثك تعبك فكرك ؛فكان ذلك دفعة لى على عمل الأحسن والأكثر افادة والحمد لله فكنت حريصة بشكل كبير أن تخرج الأطروحة بشكل يليق بتلك الثقة. حتي يوم المناقشة كان يناقشني بمنتهي الموضوعية والحيادية .
مضي علي معرفتي بأستاذي ما يقرب من الربع قرن ومازال فيض عطاءه نهر يرتوي منه كل من يعرفه ... مازال سندا ًوعونا ًودعما ً لي يشجعني دائما ً لإنهاء أطروحتي للدكتوراه،تتعثر بي الحياة أحيانا ً فألجأ إليه للمشورة والاطمئنان لأني أعي يقينا ً أنه سيعطى الرأي الصائب السديد ...نعم أنه العلامة حسين عبد القادر السند والمثل الأعلي الحريص علي تلاميذه وطلابه يقف دائما بجانبهم ويدعمهم ويقدم العون والمساعدة ؛فإنسانيته غالبه وأبوته ناضحة وايمانه بمبادئه وافكاره متجسدا ً ..حامل رسالة علم فأضحي ورثيا من ورثة الأنبياء حقا ًويقينا ًوصدقا ً.
ولو ظللت أكتب عن أستاذنا الجليل ما تبقي من عمري فلن اوفيه قدره ،ولعلي في السطور السابقة استطعت أن أروي لكم لمحات بسيطة من شخصية العلامة الجليل فهو عالما ً بحق وإنسانا ً بصدق فجسد معني الانسانية قولا ً وعملا ً..وسيظل في نظري الأستاذ الدكتور حسين عبد القادر الأنا المثالي أعطاه الله وافر الصحة والعافية والسعادة ، فله مني ترانيم عشقا ًاعزازا ًوتقديرا ًوإجلالا ً...أستاذي الجليل دومت لنا عطاء ً سرمديا ً .