لم تكن مجَرد فتاة ريفية عادية ، ابنة لقرويٍ فقير ، امتهن صناعة الفَخَار ، يعيش وأبنائه مما يحصل بكدِّ يمينهِ، وعرق جبينهِ ، لا يملكُ من حطام دُنياه الخانقة ؛ غيرَ حمارهِ الهزيل ، وأسماله البالية المُلطّخة بالوحلِ ، يتلهّى عن أثقالِ الشّيخوخةِ والفقر بالأمانيّ ، أن يحفظَ الله صغاره ، فيجعل حظّهم من الدُّنيا أهنأ منه.
كانت " غزل" أيةً من آياتِ الملاحة ، في ريّقِ الشباب ، أُتيت شطر الجمال الرّائع ، والحُسن الباهِر ، والفتنة المُتّقدة ، تتساقط الكلماتُ من فمها عذبة شهية ، تماما كجسدها الفائر ، تشاغِبُ كُلّ فتى شفّه الحُبّ ، واضناه الهوى ، لا تسأم المُغازلة ، ولا يُشبعها كلام الاطراء المتناثِر ، يصف قوامها الممشوق ، وعودها السّمهري ، ووهج أنوثتها الطّاغي ، الذي أذهل العقول ، وسَلبَ القلوب ، واتلف وقار أبناء القرية من مشايخها ، بعدما ظنّوا ؛ أنّ قِطاف الحُبّ قد ولى أوانه .
لم يكن " مناع" لتعجبه أفعال " غزل" ، فقد أناخَ عليهِ الهمّ بكلكلهِ ، وغمره يأسٌ شديد ، وحزن ممضّ ، حين ذهبت الاشاعات تطوي بيوتَ القرية ، وتتنقل بين الغيطانِ ، عن ابنتهِ اللّعوب التي شغفت رِجال القرية صبابة وحُبا ، فهو وإن كانَ في شظفِ العيشِ ، لكنّه فلاح لا يقبلَ من ابنتهِ الخطيئة ، ولا على نفسهِ وبنيهِ العار والدّنية ، تمثّلت في " غزل" الأنوثة الكاملة ، مما جعل القلوب تتهافت عليها ، حتى قبل أن تفور وتبلغ مبلغَ النساء ، حينها أرادَ والدها تزويجها ابن عمها " سرحان " فمثلها من الفقراءِ ، بضاعة مُزجاة لا يعبأ بها أهل الثروة والجاه ، لكنّ لغزل رأي آخر ، فقد اشتعلت العزيمة في قلبها طموحا جارفا ، رأت لنفسها الحق أن تحلم ، وهي تُشرِفُ في مطالع المجد ، قالت لهم ألف مرّةٍ في خُيلاءٍ ، بعد إذ استعبدها جمالها : كيف َ لملكة مثلي ، أن ترضى بأقلِّ من عمدة ، أو أفندي من الوجهاءِ .؟!
ذهبت نصائِح الرّجل هباء منثورا ، فليس في وسعهِ وهو شيخٌ مُثقل بالمرضِ ، أن يلجم هذا المُهر الجَموح ، كان " فرغل " ابن العمدة يحوّم من حولها ، وهي تصدّ وتمانع في ودهِ ، بعد أن تحامل على نفسهِ ؛ فاستطاع أن يصهر كبريائه ، ويحطِّم تاج غروره ولو بعضَ حينٍ ، فهي ليست كالبقيةِ ، وحسنها يستحقُ أن يُبذل لأجلهِ النّفيس ، نجح في جرّها إليه وغوايتها ، سقطت أخيرا في شباكهِ الطريدة ، غرقا سويا في إثمِ الخائنين ، وجُرم الغادرين ، خدعها عن نفسها ، وسلبَ أعزّ ما تملك القروية ، وبعد أيامٍ تملّص من وعودهِ البراقة ، انكفأ الشّيخ الهَرم على فضيحتهِ ، يتلمّس الحيلة ، وقد نسي ما فات ، ولم يبق أمامه إلا ما هو آت .
(عزيزي القارئ رجاء اترك لنا نهاية مناسبة ، تُخرج العجوز من وحلتهِ).
محمد فيض خالد -
كانت " غزل" أيةً من آياتِ الملاحة ، في ريّقِ الشباب ، أُتيت شطر الجمال الرّائع ، والحُسن الباهِر ، والفتنة المُتّقدة ، تتساقط الكلماتُ من فمها عذبة شهية ، تماما كجسدها الفائر ، تشاغِبُ كُلّ فتى شفّه الحُبّ ، واضناه الهوى ، لا تسأم المُغازلة ، ولا يُشبعها كلام الاطراء المتناثِر ، يصف قوامها الممشوق ، وعودها السّمهري ، ووهج أنوثتها الطّاغي ، الذي أذهل العقول ، وسَلبَ القلوب ، واتلف وقار أبناء القرية من مشايخها ، بعدما ظنّوا ؛ أنّ قِطاف الحُبّ قد ولى أوانه .
لم يكن " مناع" لتعجبه أفعال " غزل" ، فقد أناخَ عليهِ الهمّ بكلكلهِ ، وغمره يأسٌ شديد ، وحزن ممضّ ، حين ذهبت الاشاعات تطوي بيوتَ القرية ، وتتنقل بين الغيطانِ ، عن ابنتهِ اللّعوب التي شغفت رِجال القرية صبابة وحُبا ، فهو وإن كانَ في شظفِ العيشِ ، لكنّه فلاح لا يقبلَ من ابنتهِ الخطيئة ، ولا على نفسهِ وبنيهِ العار والدّنية ، تمثّلت في " غزل" الأنوثة الكاملة ، مما جعل القلوب تتهافت عليها ، حتى قبل أن تفور وتبلغ مبلغَ النساء ، حينها أرادَ والدها تزويجها ابن عمها " سرحان " فمثلها من الفقراءِ ، بضاعة مُزجاة لا يعبأ بها أهل الثروة والجاه ، لكنّ لغزل رأي آخر ، فقد اشتعلت العزيمة في قلبها طموحا جارفا ، رأت لنفسها الحق أن تحلم ، وهي تُشرِفُ في مطالع المجد ، قالت لهم ألف مرّةٍ في خُيلاءٍ ، بعد إذ استعبدها جمالها : كيف َ لملكة مثلي ، أن ترضى بأقلِّ من عمدة ، أو أفندي من الوجهاءِ .؟!
ذهبت نصائِح الرّجل هباء منثورا ، فليس في وسعهِ وهو شيخٌ مُثقل بالمرضِ ، أن يلجم هذا المُهر الجَموح ، كان " فرغل " ابن العمدة يحوّم من حولها ، وهي تصدّ وتمانع في ودهِ ، بعد أن تحامل على نفسهِ ؛ فاستطاع أن يصهر كبريائه ، ويحطِّم تاج غروره ولو بعضَ حينٍ ، فهي ليست كالبقيةِ ، وحسنها يستحقُ أن يُبذل لأجلهِ النّفيس ، نجح في جرّها إليه وغوايتها ، سقطت أخيرا في شباكهِ الطريدة ، غرقا سويا في إثمِ الخائنين ، وجُرم الغادرين ، خدعها عن نفسها ، وسلبَ أعزّ ما تملك القروية ، وبعد أيامٍ تملّص من وعودهِ البراقة ، انكفأ الشّيخ الهَرم على فضيحتهِ ، يتلمّس الحيلة ، وقد نسي ما فات ، ولم يبق أمامه إلا ما هو آت .
(عزيزي القارئ رجاء اترك لنا نهاية مناسبة ، تُخرج العجوز من وحلتهِ).
محمد فيض خالد -