عامر الطيب - لن أقولَ أحبُّ و لا أحبُّ،

لن أقولَ أحبُّ و لا أحبُّ،
عوضاً عن ذلك سأقول أريد أن أبصر
و أريد أن أصاب بالعمى .
لعلها مقارنة عتيقة لكنها رحبة
أنني أهزأ من اللغة
الجديدة التي تصور
لنا المرء عالماً بوجود كل شيء،
قادراً على أن ينجو
أو يموت ببسالة بطل روحانيٍ.
أنا مزيج من قلة الحيلة
و الهوان ورعشة اليدين
أعيش كما تعيش الجروح التي لا يناسبها الجلد
و أحبك كالنجمة المذلولة
التي تغرق
نفسها
قبيل لحظات
من جفاف الأنهار !

سأقول الحقيقة
في البستان حيث لا يسمعني أحد
لا الشجر ولا الجرف
لا الأجنحة الساقطة ولا الهواء
الذي يعلو و يهبط
كالسكران .
سأقول الحقيقة
هناك
فاتحاً ذراعي كوليٍ ظمآن
ناظراً بحزن
للجميع الذين يترقبونني
و متمنياً
أن تكون الحقيقة التي قلتُها
لا تساوي شيئاً !

أفضّل أن أضع الحب
في أبشع أجزاء حياتي
تلك التي أشاهد بها
جنوداً يتم حرقهم داخل أقفاص
فيصرخون دون أن تكون
لهم القدرة
على تخيلنا
نحن الذي نتفرج من خلال شاشة خادعة فقط .
أنني أعمد إلى المبالغة الشديدة:
لقد كان الجنود يلعبون في أحواض مائية
لكنني
افترضتُ إنهم يحترقون
لأصنع الطريقة التي يُنظرُ بها إلى النار !

أنا روح حالمة و غاضبة كصوت مخشوشن
أنطوي على أعظم
مما أرغب
و أريد أقل مما يلزمني .
راضٍ لكنني أتشكى دائماً
و حنون لكني أنهار دون سبب وجيه
كشيء متوحش.
وفقاً للتأريخ الطبيعي
فأنا طير أو زاحف أو بشري بعظام
يد نافرة
و تجاعيد بلهاء
أما بالنسبة لمن يتطلعون لي عن كثبٍ
فإلى أي حدٍ
سيبدو وجه الميت محروماً من النوم !

أرجو أن يفعل آخرون
ما أفعله الآن ببهجة و كرم عالٍ،
أفتح النافذة
على حرارة وضيعة
و أراقب الطيور بحسد المشلولين.
و بعد كل ذلك أحبك
بمشقة عبر ثقوب صغيرة
من غرفتي
كالثمل في مركب
سيتوه،
كالذي يحتفظ بأمل العودة إلى مدينته،
الذي يفكر أخيراً
و هو يحني راسه
كيف إننا نحب الأشياء لنحرّضها على الألم !

بفضل هبة خارقة
أحببتُ ،
و بدأتُ أعرف حياتي لكني لن أعيش
كفاية لأوضح لكم الأمر.
يا رفاقي
لقد
بكيتُ لأن الموسيقى تبكي الإنسان
و حلمتُ
لأن الحياة لا تسير بصالحي
و ها أنا أغادر
كل كلمة قلتها
تاركاً الأحرف
تتلاشى كالدوامات
ومن حقها ذلك،
إن الثلوج تذوب
ببطء
فتلك هي الحيلة التي تسأل بها عن النبع !

لو لم أكن عظيماً
لما أحبني القليل و دافع عني أشد أصحابي خسة،
لما طردني أبي و تبعتني أمي
بأمنيات لا تخصني وحدي.
لو لم أكن عظيماً
لما قلتُ إن كل شيء صنعه الرب
بحكمة و عجالة ،
لما استبدلتُ الإيمان
باليأس،
المغامرة بالإصغاء،
الحب بحراسة الندم.
لو لم أكن
عظيماً
لما صرتُ طيباً إزاء قساوة مدينتي ،
تلك الأم المقززة التي تلقي كل ليلة
أحد صغارها من الجبل !

حين أحبُّ لصق النافذة
أعرف إن ثمة مَن سيهاجر
وراء سحب لا يمكنني رؤيتها،
و حين يحدث ذلك
في المطبخ فأن ثمة مَن
ستعجبه السكاكين
و يدعها تتسلى بأصابعنا سهواً.
أقول لقد مللتُ
لأخرج في نزهات ملحة
لكني حين
أحب عند الشاطئ
فإن ثمة سفينة ستغرق لا محالة.
لقد أعلنت منذ ولادتي
بإن عبقريتي
مسخرة لانتظار الطوفان!

لم يودعني
أحد ،حدث مراراً ذلك
إذ اختفى المحبون كما تختفي
البقع من الجلد،
لم أجد وقتاً
لألوح أو لأبكي البرق،
فالنهاية تحدث كفكاهة أليمة غالباً .
حكم الرب
على رفاقي بأن يخفي أحدهم
الآخر
و لعلي سأصرخ كالممسوس
لأتأكد من إنني موجودٌ في بيتي!

عامر الطيب



التفاعلات: عامر البري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...