هذه محاولة، أدعي أنها جديدة، تتناول ظاهرة التماثل بين العناوين الروائية وتجسدها في النص، وذلك باعتبار العنوان بنية رحمية تتوالد منها دلالات النص وتراكيبه، والعنوان عصير مركز ينحل في تفاصيل السرد الروائي.
والمسألة التي تحاول هذه التجربة سبر أغوارها هي:
هل لتماثل العناوين امتداد في الحكاية المروية؟
وذلك من خلال المقاربة بين منجزين الأول هو "الحوات والقصر" والثاني هو "الصوفي والقصر".
رواية "الحوات والقصر" للكاتب الجزائري الطاهر وطار صدرت عام 1980، ويشير الكاتب إلى أنه كتبها عام 1973، وهي رواية رمزية ذات أحداث غرائبية تقص حكاية عليّ الحوات صائد السمك الفقير، الذي أنذر أن يقدم لجلالة السلطان أحسن سمكة يصطادها احتفاء بنجاة السلطان من محاولة قتل في ليلة ليلاء.
رواية "الصوفي والقصر" للكاتب أحمد رفيق عوض صدرت في فلسطين عام 2017، ويصرح عنوانها الثانوي بأنها ".. سيرة ممكنة للسيد البدوي" وهو اللقب الذي حمله الصوفي أحمد بن علي الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي، أصله من المغرب، أقام في مكة، ثم خرج منها قاصدا زيارة مراقد أعلام الصوفية في العراق والشام، وانتهى به المقام في دمياط، وتحول مقامه لمقصد أعداد كبيرة من المريدين والزائرين.
رواية الحوات والقصر تبدأ في واد حيث يصطاد علي السمك.
رواية الصوفي والقصر تبدأ في واد أيضا ولكنه الوادي المقدس غير ذي زرع في مكة.
منذ البداية يعلن كل منهما أنه في سفر، الحوات في طريقه إلى قصر السلطان ليقدم هدية ويحصل على مكافأة سلطانية. والصوفي يرتحل إلى مراقد سلاطين قلبه من أقطاب الصوفية ليعمر قلبه بالقرب منهم والإفادة من أحوالهم.
الحوات بحاجة لدفع الإتاوات لمراكز الحراسة لكي يصل إلى القصر، والصوفي يدفع مثلها وهو يجتاز القفار للقبائل وقطاع الطرق.
الحوات يمر في سفره على سبع محطات رئيسة هي القرى السبع وما تمثله من حالات، والصوفي يمر بسبع عواصم في رحلته من مكة إلى مصر.
علي الحوات مثال الشاب المستقيم، ابتعد عن طريق الضلالة. لم يسرق يوما. لم يكذب مرة. لم يتعد على أحد. لم يثلب في عرض، أو يتعرض بسوء لغيره. كان يتبرع بما يصطاده من سمك للفقراء.
السيد البدوي كذلك هو مثال التقوى والورع والزهد نصير المظلومين، يوزع ما يصل إليه على الفقراء، ولم يبق له سوى عباءة صوف تقيه من برد الليل.
علي الحوات صاحب معجزات فتقع في صنارته سمكة عجيبة كبيرة الحجم تزن سبعين، تلألأ فيها ألوان عجيبة تحوي تسعة وتسعين لونا، وتكلم صاحبها.
السيد البدوي كان أيضا صاحب كرامات، يستيقظ ليجد وجهه يتوهج بنور زيت الأرض المقدسة، وله رائحة طيبة، وهو في قلعة الكرك.
علي الحوات مر على سبع قرايا يجمع من أهلها الهدايا، لكي يضيفها لهديته السلطانية، السيد البدوي طاف البلاد من مكة إلى بلاد الشام إلى مصر وهو يحاول أن يشحن قلبه بقبسات روحية من مقامات أعلام الصوفية.
الحوات يحركه حلم جماعي رآه أهل إحدى القرى السبع وهي قرية التصوف في منامهم، والصوفي يدفعه للسفر رؤيا رأى فيها شيخه عبد القادر الجيلاني يدعوه ليتبع خطاه ويقول له ..اتبعني ولا تخف.
هناك تطابق بالموقف من السلطان بين الحوات والصوفي، فالحوات يرى أن أحسن خدمة تقدمها للقصر هي الابتعاد عنه، لأن الولاء للقصر يتمثل بعدم القرب منه.
الصوفي يخاطب أخاه بذات المعنى.. " لن ألتحق بملك، ولن أقاتل ملكا، كل ما أريده أن أفر بقلبي من الدنيا في مغارة " .
القصر عند الحوات لا يحكمه السلطان، بل عصابة من الأشرار تقتل وتسلب وترتكب الفظائع ، وعند الصوفي يتحكم به أشرار أيضا، مثل العلقمي والدودار، والخليفة غائب عن الفعل والتأثير.
علي الحوات تقدم له عذراء من قرية المتصوفة مكافأة له، والصوفي تقدم امرأة رائعة الجمال هي فاطمة بنت بري امرأة نفسها وهما مثال الإغراء .
في الختام يجتمع حول الحوات أهل القرى، ويقررون الثورة ضد عصابة القصر، وكذلك يجمع الصوفي أتباعه ويحثهم على الخروج مع السلطان قطز لمواجهة الصليبين.
ولكن هذا التماثل في العنوانين، وامتداده في الروايتين، لا يعني تماثلا في الموقف من العلاقة بين الرعية والسلطان، فالروايتان رغم غرائبية الأولى، وسمة السيرة في الثانية تحاولان التنظير لمنهج التغبير السياسي.
وبين الروايتين اثنان وأربعون عاما، والأربعون عاما هي عمر الجيل في المقياس القرآني، وهي كذلك عند إمام علم الاجتماع ابن خلدون، جيل السبعينات حيث سيطر التنظير اليساري في الأدب، والجيل المعرض للتنظير السابق، حيث يمكن ملاحظة التغيير الذي يطرأ على العلاقات الاجتماعية والسياسية والموقف من قضايا رئيسة في المجتمع ، ويظهر ذلك من خلال الحل الذي تنظر له الروايتان.
الحل الذي تطرحه رواية الحوات والقصر هو الحل العلموي، فقرية الأباة التي تمثل التقدم العلمي هي التي تقود الإصلاح الداخلي والثورة ضد عصابة اللصوص التي تحكم القصر، أما الحل عند الصوفي والقصر فهو يتلخص في عبارة أطلقها الصوفي البدوي في الصفحات الأخيرة ..
" طريقنا في النهاية مجاهدة وجهاد .. "
والمسألة التي تحاول هذه التجربة سبر أغوارها هي:
هل لتماثل العناوين امتداد في الحكاية المروية؟
وذلك من خلال المقاربة بين منجزين الأول هو "الحوات والقصر" والثاني هو "الصوفي والقصر".
رواية "الحوات والقصر" للكاتب الجزائري الطاهر وطار صدرت عام 1980، ويشير الكاتب إلى أنه كتبها عام 1973، وهي رواية رمزية ذات أحداث غرائبية تقص حكاية عليّ الحوات صائد السمك الفقير، الذي أنذر أن يقدم لجلالة السلطان أحسن سمكة يصطادها احتفاء بنجاة السلطان من محاولة قتل في ليلة ليلاء.
رواية "الصوفي والقصر" للكاتب أحمد رفيق عوض صدرت في فلسطين عام 2017، ويصرح عنوانها الثانوي بأنها ".. سيرة ممكنة للسيد البدوي" وهو اللقب الذي حمله الصوفي أحمد بن علي الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي، أصله من المغرب، أقام في مكة، ثم خرج منها قاصدا زيارة مراقد أعلام الصوفية في العراق والشام، وانتهى به المقام في دمياط، وتحول مقامه لمقصد أعداد كبيرة من المريدين والزائرين.
رواية الحوات والقصر تبدأ في واد حيث يصطاد علي السمك.
رواية الصوفي والقصر تبدأ في واد أيضا ولكنه الوادي المقدس غير ذي زرع في مكة.
منذ البداية يعلن كل منهما أنه في سفر، الحوات في طريقه إلى قصر السلطان ليقدم هدية ويحصل على مكافأة سلطانية. والصوفي يرتحل إلى مراقد سلاطين قلبه من أقطاب الصوفية ليعمر قلبه بالقرب منهم والإفادة من أحوالهم.
الحوات بحاجة لدفع الإتاوات لمراكز الحراسة لكي يصل إلى القصر، والصوفي يدفع مثلها وهو يجتاز القفار للقبائل وقطاع الطرق.
الحوات يمر في سفره على سبع محطات رئيسة هي القرى السبع وما تمثله من حالات، والصوفي يمر بسبع عواصم في رحلته من مكة إلى مصر.
علي الحوات مثال الشاب المستقيم، ابتعد عن طريق الضلالة. لم يسرق يوما. لم يكذب مرة. لم يتعد على أحد. لم يثلب في عرض، أو يتعرض بسوء لغيره. كان يتبرع بما يصطاده من سمك للفقراء.
السيد البدوي كذلك هو مثال التقوى والورع والزهد نصير المظلومين، يوزع ما يصل إليه على الفقراء، ولم يبق له سوى عباءة صوف تقيه من برد الليل.
علي الحوات صاحب معجزات فتقع في صنارته سمكة عجيبة كبيرة الحجم تزن سبعين، تلألأ فيها ألوان عجيبة تحوي تسعة وتسعين لونا، وتكلم صاحبها.
السيد البدوي كان أيضا صاحب كرامات، يستيقظ ليجد وجهه يتوهج بنور زيت الأرض المقدسة، وله رائحة طيبة، وهو في قلعة الكرك.
علي الحوات مر على سبع قرايا يجمع من أهلها الهدايا، لكي يضيفها لهديته السلطانية، السيد البدوي طاف البلاد من مكة إلى بلاد الشام إلى مصر وهو يحاول أن يشحن قلبه بقبسات روحية من مقامات أعلام الصوفية.
الحوات يحركه حلم جماعي رآه أهل إحدى القرى السبع وهي قرية التصوف في منامهم، والصوفي يدفعه للسفر رؤيا رأى فيها شيخه عبد القادر الجيلاني يدعوه ليتبع خطاه ويقول له ..اتبعني ولا تخف.
هناك تطابق بالموقف من السلطان بين الحوات والصوفي، فالحوات يرى أن أحسن خدمة تقدمها للقصر هي الابتعاد عنه، لأن الولاء للقصر يتمثل بعدم القرب منه.
الصوفي يخاطب أخاه بذات المعنى.. " لن ألتحق بملك، ولن أقاتل ملكا، كل ما أريده أن أفر بقلبي من الدنيا في مغارة " .
القصر عند الحوات لا يحكمه السلطان، بل عصابة من الأشرار تقتل وتسلب وترتكب الفظائع ، وعند الصوفي يتحكم به أشرار أيضا، مثل العلقمي والدودار، والخليفة غائب عن الفعل والتأثير.
علي الحوات تقدم له عذراء من قرية المتصوفة مكافأة له، والصوفي تقدم امرأة رائعة الجمال هي فاطمة بنت بري امرأة نفسها وهما مثال الإغراء .
في الختام يجتمع حول الحوات أهل القرى، ويقررون الثورة ضد عصابة القصر، وكذلك يجمع الصوفي أتباعه ويحثهم على الخروج مع السلطان قطز لمواجهة الصليبين.
ولكن هذا التماثل في العنوانين، وامتداده في الروايتين، لا يعني تماثلا في الموقف من العلاقة بين الرعية والسلطان، فالروايتان رغم غرائبية الأولى، وسمة السيرة في الثانية تحاولان التنظير لمنهج التغبير السياسي.
وبين الروايتين اثنان وأربعون عاما، والأربعون عاما هي عمر الجيل في المقياس القرآني، وهي كذلك عند إمام علم الاجتماع ابن خلدون، جيل السبعينات حيث سيطر التنظير اليساري في الأدب، والجيل المعرض للتنظير السابق، حيث يمكن ملاحظة التغيير الذي يطرأ على العلاقات الاجتماعية والسياسية والموقف من قضايا رئيسة في المجتمع ، ويظهر ذلك من خلال الحل الذي تنظر له الروايتان.
الحل الذي تطرحه رواية الحوات والقصر هو الحل العلموي، فقرية الأباة التي تمثل التقدم العلمي هي التي تقود الإصلاح الداخلي والثورة ضد عصابة اللصوص التي تحكم القصر، أما الحل عند الصوفي والقصر فهو يتلخص في عبارة أطلقها الصوفي البدوي في الصفحات الأخيرة ..
" طريقنا في النهاية مجاهدة وجهاد .. "