محمد الرياني - تضحية

لماذا لاتصدقينَ أنَّي أُحبك ؟ أستغربُ .. أتعجبُ !
قال لها: هذه هيَ آثارُ الجرحِ الذي خلَّفَه عودُ الحطبِ اليابسِ الذي تعثرتُ فيه وأنا أحاول التسلُّقَ لأجلبَ لك الثمرةَ البرتقاليةَ الحلوةَ في رأسِ الشجرة ، كنتُ أرى الحيَّة تتدلى لتنتزعَ العصفور من عليها فممدتُ يدي المتهورةَ قبلَ فمِها المسمومة ، ألاَ تصدقينَ أني طاردتُ العصفورَ الأصفرَ يومًا لتعبثَ به يديك ، ألا تذكرينَ تشجيعكِ كي أطيرَ مثله وألقيَ القبضَ عليه ، وقتئذ قلتُ لك لا أستطيعُ الطيران فلستُ عصفورًا ، وليس لي جناحان ، لكنني لم أستسلم ، نصبتُ شَرَكًا بين المروج ، اصطدتُ بدلًا عن العصفور ثلاثة ، لم تقتنعي حتى أحضرتُ قفصًا صنعتُه بيدي لتكتملَ فرحتك ، عندما كبرتُ بقيتُ أحبك ، للأسف !! لم يُبقوا الوادي على حاله ، هاجرت كلُّ العصافير ،أحرقوا الحطبَ اليابس ، اختنقت العصافيرُ الصغيرةُ التي لم تقوَ على الطيران فهوَت بين الجذوعِ المشتعلة ، حلَّقت الأجنحةُ إلى جهةٍ غيرِ معلومةٍ وتركت على الأطلالِ صغارَها ، بقيت الرمالُ كالثكالى تندبُ حظَّها وتَبكي على الظلالِ التي كانت تحميها والثمارَ التي تختبئ تحتها أو فوقها ، لم تعد هناكَ مروجٌ تختبئُ فيها شِراكُ الصيدِ لأُفرحك ، ردت عليه وقد طالَ شعرُ رأسِها الذي كان مجعَّدًا يومًا ما ، اتسعت عيناها لترى غيره ، لم تشفق على جرحِه الذي لايزالُ يشهدُ على طلبها ، قال لها :إني لا أزال أحبك ، انتابتها حالةٌ من الكبرياء ، قالت له: كلُّ شيءٍ يزول ، لم يعد هناكَ وادٍ أخضرَ أو عصافيرُ تزقزق ، كلُّ ماعليك فعله أن تجلسَ على الرملِ وتلعقَ بقايا جرحك القديم الذي زعمت ، أصابته في مقتل ، تمنى أن الحبَّ طارَ مع العصافيرِ عندما أحرقوا الوادي.
Aa

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...