"سقط القناع عن القناع عن القناع سقط القناع''
محمود درويش
نتأمل يوميا منذ بداية حرب كورونا؛ عبر الفضائيات، مشهد قادة العالم مرتدين كمامات بلغة المعجم الطبي أو أقنعة تبعا لبلاغة التأويل السيميائي، بحيث أخفى جميعهم- لدواعي الوقاية - القسمات الفيزيولوجية الفاضحة لتعابير لغة الوجوه، بأقنعة بيضاء أو سوداء، وغالبا أسود قاتما كما يلاحظ؛ ذا قماش رفيع من النوع الكاتم غير القابل للنفاذ مثلما بدا جليا أمر تلك الأغطية/الأقنعة.هكذا، لم نعد نكشف الهوية العارية لوجوه ساسة العالم، سوى قليلا جدا من وراء حجاب.
مفارقة ذلك، سندرك حقا نتيجة مقتضيات الوضع الصحي الطارئ، بأن العالم الراهن في صيغته الحالية المقنَّعة بالأقنعة المسماة واقية؛ انتقل فعلا من الرمزي المتحايل إلى الواقعي المكشوف، على عكس الاعتقاد الساذج، وبأن تلك الأقنعة المتعددة الوجوه والاستعمالات السياقية التي ارتداها دائما السياسيون، دون أن تُرى بالعين المجردة، تفعيلا بل تيسيرا لمسالك مآربهم؛ وقد استبدلوها فورا خلال كل حين حسب ماتقتضيه رهانات اللحظة، صارت اليوم بادية من الوهلة الأولى، دون حاجة تذكر إلى الاستعانة بمرجعيات ذكية للتأويل. فالحقيقة التي استمرت سابقا، إلى حد ما افتراضا، ينزع أكثر وجهة التخيُّل، أضحت جراء اللبنات المستحدثة بين طيات منظومة الوباء، عارية تماما دون أقل مواربة.
أعتقد، بأن المعنى الصريح المتأتي آنيا من متابعة حيثيات سيناريوهات مدبري مصير العالم، وقد دثروا وجوههم بأقنعة، يستعيد كليا بلا قناع مضمون الأفق الجاري على الألسن:
''من المؤكد أن مستقبل العالم في غاية السوداوية واللاوضوح؛ دون وجهة شفافة واضحة المعالم، يفتقد لبوصلة بنفس زخم تواري ملامحنا خلف هذه الأقنعة التي تحمينا إجرائيا من إمكانية الإصابة بكوفيد 19".
هكذا واقع حال الإنسانية اليوم، وقد سقطت كل الأقنعة عن القناع. التخبّط بين تنايا أزمات عميقة جدا أضحت نوعية أكثر فأكثر، ذات طفرات جينية غير مسبوقة، تداهم وتقوض مختلف التقديرات النمطية؛ الجاهزة كلاسيكيا. منظومة مشاكل انقلابية قطعت كثيرا مع طبيعة القضايا الملحة طيلة العقود السابقة، التي تحددت فوريا عند المهام الأولية للدولة الوطنية : الغذاء، التعليم، الصحة،الأمن، الخدمات.
إنها تحولات جديدة تمام الجدة، تفترض بكل تأكيد، إنجازا مكتملا لتلك المهام الأصيلة المطروحة منذ البداية، التي يستحيل مع انعدام أرضيتها البنَّاءة التفكير في إمكانية إلقاء مجرد نظرة عابرة على العالم من شرفة، فما بالك التطلع نحو مسايرته تبعا لإيقاع تطوراته الحالية والمستقبلية مما يؤشر ضمنيا وبكل صراحة على انقراض كلي للمجموعات الإنسانية التي عانت التأخر التاريخي، ومن ثمة إخفاقها قبل الصدمة المدوية لسقوط الأقنعة عن القناع؛في الحسم مع مقتضيات المشاريع الكلاسيكية.
إذن، بناء على جدلية القناع والوجه المكشوف، حيث استعادت هذه المعادلة ترتيبها الأصلي في خضم حيثيات الوباء، الذي يكتسي فورا حين الارتقاء تجريديا بمعانيه صفات جليلة؛ أتصورها شخصيا من قبيل: ضمير البشرية، محكمة التاريخ، الثوري الطوباوي الذي لا يقبل قط المساومة، قيمة القيم، المصير الكوني… هكذا، تجد الممارسة السياسية نفسها، بالدرجة الأولى، وأكثر من وقت سابق ربما، في موقف اختبار جذري من الناحية الأخلاقية ل : هويتها؟ جدواها؟ هدفها؟.
حقيقية، تحتم على السياسي كي يجيب على هذه الأسئلة بروح صوفية شفافة مثلما تقتضيه وضعية مابعد عالم الوباء، ضرورة تغييره المطلق للعبة القناع أو الأقنعة، ثم يكون حقا نفسه بصدق دون تفاصيل شيطانية، لا تقود في نهاية المطاف مسالكها سوى للتدمير الكلي كما الشأن مع الوضع الراهن.
محمود درويش
نتأمل يوميا منذ بداية حرب كورونا؛ عبر الفضائيات، مشهد قادة العالم مرتدين كمامات بلغة المعجم الطبي أو أقنعة تبعا لبلاغة التأويل السيميائي، بحيث أخفى جميعهم- لدواعي الوقاية - القسمات الفيزيولوجية الفاضحة لتعابير لغة الوجوه، بأقنعة بيضاء أو سوداء، وغالبا أسود قاتما كما يلاحظ؛ ذا قماش رفيع من النوع الكاتم غير القابل للنفاذ مثلما بدا جليا أمر تلك الأغطية/الأقنعة.هكذا، لم نعد نكشف الهوية العارية لوجوه ساسة العالم، سوى قليلا جدا من وراء حجاب.
مفارقة ذلك، سندرك حقا نتيجة مقتضيات الوضع الصحي الطارئ، بأن العالم الراهن في صيغته الحالية المقنَّعة بالأقنعة المسماة واقية؛ انتقل فعلا من الرمزي المتحايل إلى الواقعي المكشوف، على عكس الاعتقاد الساذج، وبأن تلك الأقنعة المتعددة الوجوه والاستعمالات السياقية التي ارتداها دائما السياسيون، دون أن تُرى بالعين المجردة، تفعيلا بل تيسيرا لمسالك مآربهم؛ وقد استبدلوها فورا خلال كل حين حسب ماتقتضيه رهانات اللحظة، صارت اليوم بادية من الوهلة الأولى، دون حاجة تذكر إلى الاستعانة بمرجعيات ذكية للتأويل. فالحقيقة التي استمرت سابقا، إلى حد ما افتراضا، ينزع أكثر وجهة التخيُّل، أضحت جراء اللبنات المستحدثة بين طيات منظومة الوباء، عارية تماما دون أقل مواربة.
أعتقد، بأن المعنى الصريح المتأتي آنيا من متابعة حيثيات سيناريوهات مدبري مصير العالم، وقد دثروا وجوههم بأقنعة، يستعيد كليا بلا قناع مضمون الأفق الجاري على الألسن:
''من المؤكد أن مستقبل العالم في غاية السوداوية واللاوضوح؛ دون وجهة شفافة واضحة المعالم، يفتقد لبوصلة بنفس زخم تواري ملامحنا خلف هذه الأقنعة التي تحمينا إجرائيا من إمكانية الإصابة بكوفيد 19".
هكذا واقع حال الإنسانية اليوم، وقد سقطت كل الأقنعة عن القناع. التخبّط بين تنايا أزمات عميقة جدا أضحت نوعية أكثر فأكثر، ذات طفرات جينية غير مسبوقة، تداهم وتقوض مختلف التقديرات النمطية؛ الجاهزة كلاسيكيا. منظومة مشاكل انقلابية قطعت كثيرا مع طبيعة القضايا الملحة طيلة العقود السابقة، التي تحددت فوريا عند المهام الأولية للدولة الوطنية : الغذاء، التعليم، الصحة،الأمن، الخدمات.
إنها تحولات جديدة تمام الجدة، تفترض بكل تأكيد، إنجازا مكتملا لتلك المهام الأصيلة المطروحة منذ البداية، التي يستحيل مع انعدام أرضيتها البنَّاءة التفكير في إمكانية إلقاء مجرد نظرة عابرة على العالم من شرفة، فما بالك التطلع نحو مسايرته تبعا لإيقاع تطوراته الحالية والمستقبلية مما يؤشر ضمنيا وبكل صراحة على انقراض كلي للمجموعات الإنسانية التي عانت التأخر التاريخي، ومن ثمة إخفاقها قبل الصدمة المدوية لسقوط الأقنعة عن القناع؛في الحسم مع مقتضيات المشاريع الكلاسيكية.
إذن، بناء على جدلية القناع والوجه المكشوف، حيث استعادت هذه المعادلة ترتيبها الأصلي في خضم حيثيات الوباء، الذي يكتسي فورا حين الارتقاء تجريديا بمعانيه صفات جليلة؛ أتصورها شخصيا من قبيل: ضمير البشرية، محكمة التاريخ، الثوري الطوباوي الذي لا يقبل قط المساومة، قيمة القيم، المصير الكوني… هكذا، تجد الممارسة السياسية نفسها، بالدرجة الأولى، وأكثر من وقت سابق ربما، في موقف اختبار جذري من الناحية الأخلاقية ل : هويتها؟ جدواها؟ هدفها؟.
حقيقية، تحتم على السياسي كي يجيب على هذه الأسئلة بروح صوفية شفافة مثلما تقتضيه وضعية مابعد عالم الوباء، ضرورة تغييره المطلق للعبة القناع أو الأقنعة، ثم يكون حقا نفسه بصدق دون تفاصيل شيطانية، لا تقود في نهاية المطاف مسالكها سوى للتدمير الكلي كما الشأن مع الوضع الراهن.