إميل حبيبي - جراب الكردي

"عودة الزعيم"

يا ضيعة الآمال الّتي عُلّقت على عودة "الزعيم"... فما أن وطأت قدماه أرض الوطن اللبنانيّ، حتّى كسر عصاته في أولى غزواته، وأعلن بتعابير روحانيّة عقائديّة –النسبة إلى العقاد والتعقيد لا العقيدة - أنّ لبنان لا يزال سجين حدوده، ولكنّه يخرج بين الفينة والفينة إلى (قاووش) السجن (يتشمّس)، وأنّ الواجب أن يمتدّ ظلّه حتّى ينتشر من سينا إلى جبال طوروس! وأن يذوب في (سوريا الكبرى) الّتي تألّف الحزب السوريّ القومي الاجتماعيّ... إلخ في سبيل تحقيقها.

ولكن التحيّة الفاشِسْتِيّة الّتي استقبل بها (الفوهرر الممسوخ) أعوانه، ولكن الجنرال سبيرز وأموال الجنرال سبيرز، ولكن بهلوانيّاته وغيبيّاته، كلّ ذلك لم ينجه من المصير المحتوم: أن تعصف به (زوبعته) فيلتجئ إلى كنف جلالة الملك عبد الله... وإذا الشعب اللبنانيّ الشقيق – من اليمين إلى اليسار على حدّ تعبير شاعر الحرّيّة الكبير أبي سلمى – يطلب محاكمته بتهمة الخيانة العظمى، وتهمة ممالأة الاستعمار البريطانيّ وتنفيذ وصاياه العشر.

هذا مصير المماسيخ من الفهارير من كلّ جنس ولون، فليعتبر أولو الألباب الضاربون على كلّ باب.


تاريخ...

القارئ الكريم الّذي لم يسمع "بالزعيم" ولا بخاتمة الزعيم، أروي الحقائق التالية:

"الزعيم" هو أنطون خليل سعادة، (فوهرر) الحزب السوريّ القوميّ في لبنان، وهو حزب تألّف في سنة 1934 بأموال الفاشِسْت الطليان، متّبعًا التعاليم الفاشِسْتِيّة النازيّة من مثل رفع اليد بالتحيّة واتّخاذ الصليب المعقوف (ويسمّونه الزوبعة) شعارًا، وتأليه الزعيم ديدبانا. ولمّا حدثت الأحداث في دولتيّ المشرق، وذهب الحكم الفيشي عنهما، فرّ "الزعيم" إلى الأرجنتين – وتقول جريدة (العمل)، جريدة الكتائب اللبنانيّة، إنّ الزعيم سُجِنَ في الأرجنتين ثلاث مرّات لثبوت تهمة الاختلاس عليه. ولمّا كان الجنرال سبيرز (إيّاه) مفوّضًا بريطانيًّا في سوريا ولبنان، سعى لدى الحكومة اللبنانيّة حتّى أعادت الترخيص لبقايا الحزب السوريّ القوميّ، بعد أن وعد هؤلاء بالتخلّي عن أهداف (سوريا الكبرى) الّتي أصبح يؤيّدها الاستعمار البريطانيّ... ومنذ ذلك الوقت أصبح الحزب السوريّ القوميّ عميلًا للاستعمار البريطانيّ في لبنان، بعد أن كان عميلًا للفاشِسْت الطليان، وكانوا يؤيّدون (سوريا الكبرى) بأسلوب مطّاط يحمل معنيين يفسّروهما كما يشاؤون، ثمّ سمحت الحكومة اللبنانيّة مؤخّرًا بعودة أنطون خليل سعادة إلى لبنان، فعاد "الزعيم" وألقى خطابًا أيّد فيه (سوريا الكبرى) على المكشوف، ولكن الرأي العام اللبنانيّ هذه المرّة، لم يسكت عن تعدّيات أعوان الاستعمار البريطانيّ، فثارت ثائرته بصحافته وهيئاته وأحزابه الوطنيّة مجتمعة، حتّى اضطُرّت الحكومة اللبنانيّة باستصدار أمر بإيقاف جناب "الزعيم"، ففرّ جنابه من وجه العدالة، وتقول الأنباء إنّه التجأ إلى كنف جلالة الملك عبد الله.

هذا هو الحزب السوريّ القوميّ... إلخ! وهذا هو "زعيمه".


أحمر جدًّا...

ولكن الحكاية لم تنته بعد!

من مضيّ ثلاثة أشهر تقريبًا، عقد هذا الحزب اجتماعًا كبيرًا له في ضهور شوير من لبنان، واكتشفنا هنا في فلسطين حقيقة جديدة، ذلك أنّ المدعو السيّد يوسف صائغ، ذهب إلى هذا الاجتماع وألقى كلمة باسم فرع الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ في فلسطين...

والحكاية لم تنته بعد... ثمّ إذا بالسيّد يوسف صائغ هذا يُعَيَّن في مجلس بيت المال العربيّ، وفي هيئته العليا أيضًا، وإذا به فوق ذلك كلّه يُعَيِّن موظّفي بيت المال ويوزّعهم على أنحاء فلسطين...

والحكاية لم تنته بعد...

ففي يوم من الأيّام، وليس اليوم ببعيد، يكون السيّد يوسف صائغ في حيفا لترتيب شؤون بيت المال، ويبحث مع أحد رجال الأعمال في هذه المدينة عن شابّ يلمّ بالحسابات ليدير مكتب بيت المال في حيفا، فيعرض عليه رجل الأعمال اسم أحد الشباب من أعضاء عصبة التحرّر الوطنيّ بحيفا؛ ولم يكن قد استشاره في هذا العرض، فيرفض السيّد يوسف صائغ اسم هذا الشابّ بإباء وشمم، قائلًا بلغة إنكليزيّة فصحى: He is too red for us، أي أنّه أحمر جدًّا بالنسبة لنا، أي أنّ السيّد يوسف صائغ عميد حزب الجنرال سبيرز في فلسطين وتنفيذ مشروع سوريا الكبرى... أنّ السيّد يوسف صائغ يرفض توظيف أحد الشباب الفلسطينيّين في بيت المال، لماذا؟ لأنّ هذا الشابّ من المناضلين الجريئين ضدّ مشاريع الاستعمار البريطانيّ في بلادنا، وضدّ أعوانه وأذنابه، وفي سبيل حرّيّة فلسطين واستقلالها.

هذا ما حدث بالتمام والكمال، أحيله إلى أمانة بيت المال لتتدبّر أمرها فيه بعد أن أعلنت أنّها هيئة وطنيّة عامّة، وأحيله إليها أيضًا لأنزّهها عن أن توظّف عميلًا للاستعمار البريطانيّ في مكاتبها.


والحكاية لم تنته بعد...

الصحف اللبنانيّة جميعها – من اليمين إلى اليسار أيضًا – تطلب اليوم طرد المدعو فائز صائغ، وهو شقيق السيّد يوسف صائغ من الأرض اللبنانيّة؛ لأنّه لم يتورّع عن مهاجمة استقلال لبنان وتأييد المشاريع الاستعماريّة البريطانيّة، إذ هو من قادة الحزب السوريّ القوميّ، وأحد المطالبين بتنفيذ مشروع سوريا الكبرى، والحكومة اللبنانيّة تبحث في أمر هذا الدخيل على لبنان، وفي مسألة إرجاعه إلى فلسطين.

بيد الأمانة العامّة لبيت المال أن تنهي هذه الحكاية، وفي أسرع وقت، حتّى يظلّ بيت المال هيئة عربيّة وطنيّة تهدف إلى مساعدة الحركة الوطنيّة في نضالها من أجل الحرّيّة والاستقلال، وضدّ المشاريع البريطانيّة والصهيونيّة، من مثل مشروع التقسيم وسوريا الكبرى.

نرجو أن تنتهي هذه الحكاية.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...