هي حَانٌة شَتى عَجَائُبهَا ... مَعْرُوشةٌ بالزَّهرِ والقَصَبِ
في ظُلةٍ باتَتْ تُدَاعُبها ... أنفْاَسُ لَيْلٍ مُقْمُرِ السُّحُبِ
وزَهَتْ بِمصْبَاحٍ جَوَانُبِها ... صَافي الزُّجاجِة رَاقِص اللَّهبِ
بَاخُوس فيها وهو صَاحُبهِا ... لم يَخْلُ حين أفَاقَ مِنْ عَجَبِ
قدْ ظَنَّهِا، والسحْرُ قَالَبُها، ... شِيَدتْ مِنَ اليَاقُوتِ والذَّهبِ
إبْرُيقهُ حلْيٌ مِن الدُّرَرِ ... يُزْهى به قَدحٌ مِنَ الْمَاس
وكأنَّ مَا حَوْليِه مِنَّ صُورِ ... مُتَحركَاتٌ ذَاتُ أنْفاسِ
تَرَكَتْ مَوَاضِعَهَا من الأُطُرِ ... وَمَضَتْ لَهُ في شِبْهِ أعْرَاس
مِنْهُنَّ عاِزفةٌ على وَتَرِ ... مُتفَجرٍ بأَرَقَّ إحْسَاسِ
وَغَريرةٌ حَوْرَاءُ كالْقَمرِ ... تَحْنُو على شَفَتْيه بالْكَاسِ
أو تِلكَ حَانُتهُ؟ فَواعجبَا! ... أم صُنْعُ أحْلاَم وأهوَاء؟
وَمَنَ الَخْيالُ أهَلَّ وَاَقَتربا ... (فيْنُوس) خَارجَةً من الماء!
في مَوكبٍ يتمَّثلُ الطَّربا ... وَيميلُ من سِحْرٍ وإغْراء
وَبكلِّ ناَحِيِةٍ فَتًى وَثبَا ... مُتَعَلقاً بِذِرَاعِ حَسْناَء
يَتَوَهَّجُونَ صَبَابَةً وَصِبَا ... يتمثلونَ غَرِيب أَزْيَاء
حُمْرُ الِثَيابِ تِخِالُ أنَّهُمُو ... يَفِدونَ مِنْ حَاْنوتِ قصَّابِ!
جَلَسُوا نَشَاَوى مِثْلمَا قَدِمُوا ... يترقَّبونَ مَناَفِذَ الَبابِ
يَتَهَامسُونَ وَهَمْسُهُمْ نَغَمُ ... يسري على رَناتِ أكْوَاب
إنْ تَسأَلِ الخمَّارَ قَالَ هُمُو ... عشَّاقُ فَنٍ أهْلُ آدَابِ
لولا دُخَانُ التَّبغِ خِلْتَهُمو ... أنْصَافَ آلهةٍ وأَرْبَابِ
وَتَلَّفتُوا لما بَداَ شَبَحُ! ... فَنَّانةٌ دَلَفَتْ من البابِ
سَمْراءُ بالأزْهَار تَتَّشحُ ... أَلَقَتْ غُلاَلتَهَا بإِعْجَاب
وَمَشَتْ تُراقِصَهُم فما لَمَحُوا ... إلا خُطَى رُوحٍ وأعْصَابِ
َوَسَرى بِسِر رَحِيقِه القَدَحُ ... في صَوتِ شَاجِي الّلحْنِ مِطْرابِ
وَشَداَ بجو الْحانَةِ الفَرَحُ ... لإلهةٍ فَرَّتْ منْ الْغَابِ
هِيَ رَقْصَةٌ وَكأَنَّها حُلمُ ... وإذا (بفينوسِ) تمدُ يدَا
الكأَس فيها وهي تَضطَرمُ ... قَلْبٌ يَهُزُّ نِدَاؤُهُ الأبَدَا:
زِنْجَّيةٌ في الفن تَحْتَكُمُ؟ ... قَدْ ضاَعَ فَنُ الَخْالِديِن سُدَى!
فَأجَابَتْ السَّمْراءُ تَبْتسِمُ: ... أَلفْنَُّ رُوحاً كان؟ أمْ جَسَدَا؟
يَا أيَّها الشُّعَراءُ وَيَحْكُمُ ... الّليْلُ ولّى وَالنهارُ بَدَا!
علي محمود طه
* (من ديوانه الجديد (زهر وخمر) وقد صدر اليوم)
مجلة الرسالة - العدد 512
بتاريخ: 26 - 04 - 1943
في ظُلةٍ باتَتْ تُدَاعُبها ... أنفْاَسُ لَيْلٍ مُقْمُرِ السُّحُبِ
وزَهَتْ بِمصْبَاحٍ جَوَانُبِها ... صَافي الزُّجاجِة رَاقِص اللَّهبِ
بَاخُوس فيها وهو صَاحُبهِا ... لم يَخْلُ حين أفَاقَ مِنْ عَجَبِ
قدْ ظَنَّهِا، والسحْرُ قَالَبُها، ... شِيَدتْ مِنَ اليَاقُوتِ والذَّهبِ
إبْرُيقهُ حلْيٌ مِن الدُّرَرِ ... يُزْهى به قَدحٌ مِنَ الْمَاس
وكأنَّ مَا حَوْليِه مِنَّ صُورِ ... مُتَحركَاتٌ ذَاتُ أنْفاسِ
تَرَكَتْ مَوَاضِعَهَا من الأُطُرِ ... وَمَضَتْ لَهُ في شِبْهِ أعْرَاس
مِنْهُنَّ عاِزفةٌ على وَتَرِ ... مُتفَجرٍ بأَرَقَّ إحْسَاسِ
وَغَريرةٌ حَوْرَاءُ كالْقَمرِ ... تَحْنُو على شَفَتْيه بالْكَاسِ
أو تِلكَ حَانُتهُ؟ فَواعجبَا! ... أم صُنْعُ أحْلاَم وأهوَاء؟
وَمَنَ الَخْيالُ أهَلَّ وَاَقَتربا ... (فيْنُوس) خَارجَةً من الماء!
في مَوكبٍ يتمَّثلُ الطَّربا ... وَيميلُ من سِحْرٍ وإغْراء
وَبكلِّ ناَحِيِةٍ فَتًى وَثبَا ... مُتَعَلقاً بِذِرَاعِ حَسْناَء
يَتَوَهَّجُونَ صَبَابَةً وَصِبَا ... يتمثلونَ غَرِيب أَزْيَاء
حُمْرُ الِثَيابِ تِخِالُ أنَّهُمُو ... يَفِدونَ مِنْ حَاْنوتِ قصَّابِ!
جَلَسُوا نَشَاَوى مِثْلمَا قَدِمُوا ... يترقَّبونَ مَناَفِذَ الَبابِ
يَتَهَامسُونَ وَهَمْسُهُمْ نَغَمُ ... يسري على رَناتِ أكْوَاب
إنْ تَسأَلِ الخمَّارَ قَالَ هُمُو ... عشَّاقُ فَنٍ أهْلُ آدَابِ
لولا دُخَانُ التَّبغِ خِلْتَهُمو ... أنْصَافَ آلهةٍ وأَرْبَابِ
وَتَلَّفتُوا لما بَداَ شَبَحُ! ... فَنَّانةٌ دَلَفَتْ من البابِ
سَمْراءُ بالأزْهَار تَتَّشحُ ... أَلَقَتْ غُلاَلتَهَا بإِعْجَاب
وَمَشَتْ تُراقِصَهُم فما لَمَحُوا ... إلا خُطَى رُوحٍ وأعْصَابِ
َوَسَرى بِسِر رَحِيقِه القَدَحُ ... في صَوتِ شَاجِي الّلحْنِ مِطْرابِ
وَشَداَ بجو الْحانَةِ الفَرَحُ ... لإلهةٍ فَرَّتْ منْ الْغَابِ
هِيَ رَقْصَةٌ وَكأَنَّها حُلمُ ... وإذا (بفينوسِ) تمدُ يدَا
الكأَس فيها وهي تَضطَرمُ ... قَلْبٌ يَهُزُّ نِدَاؤُهُ الأبَدَا:
زِنْجَّيةٌ في الفن تَحْتَكُمُ؟ ... قَدْ ضاَعَ فَنُ الَخْالِديِن سُدَى!
فَأجَابَتْ السَّمْراءُ تَبْتسِمُ: ... أَلفْنَُّ رُوحاً كان؟ أمْ جَسَدَا؟
يَا أيَّها الشُّعَراءُ وَيَحْكُمُ ... الّليْلُ ولّى وَالنهارُ بَدَا!
علي محمود طه
* (من ديوانه الجديد (زهر وخمر) وقد صدر اليوم)
مجلة الرسالة - العدد 512
بتاريخ: 26 - 04 - 1943