خرج الطفل إلى المدرسة في الساعة السابعة والنصف . اليوم تأخر قليلا ، وعليه أن يُسرع الخطى حتى لا يجد الحارس قد أغلق الباب . وعلى بعد أمتار قليلة من رأس الدرب التفت ناحية اليسار ، رأى رجلا في بداية الثلاثينات يرتدي بذلة بُنية أنيقة ، يقف بجانب دراجته النارية أمام الباب ، وزوجته تسوي وضع ربطة العنق ، وتطبع قبلة على خده . حدث ذلك بسرعة . وتكرر المشهد في نفس التوقيت عدة أيام ، وعرف فيما بعد بأنه معلم يعمل بإحدى مدارس المدينة . قال لنفسه :
ـ لا يزال أمامك طريق طويل حتى تحصل على عمل ومنزل ودراجة نارية ، وزوجة تُسوّي ربطة عنقك ، وتطبع قبلة على خدك في الصباح ، ولا يعلم إلا الله كيف ستستقبلك ليلا في الفراش .
قطع نصف الطريق الطويل . نال الشهادة ، ووجد عملا ، واكترى منزلا ، وأصبح له زوجة وأولاد . لكنه لم يحظ باستعمال ربطة العنق . اشترى واحدة لاستقبال عامل الإقليم أثناء زيارته للمؤسسة التي يعمل بها ، لكنه وضعها في جيبه ، وليس في عُنقه .
عندما جرب استعمالها مرة ، أحس كأنها حبل يلتفُّ حول رقبته ويشنقه . حمد الله أنه لم يعمل في بنك ، أو شركة خاصة حتى يفرض عليه رؤساءه ارتداء ربطة العنق . بعد ذلك أصدر حكما قاسيا بأنها لا تصلح له ، ولا يصلح لها .
تعود أن يستيقظ باكرا ، ويذهب إلى عمله . بعد أسابيع معدودة أعفى زوجته من أن تستيقظ صحبته ، وتهيئ له الفطور ، وتقبله قبل مغادرته المنزل .
لا يعرف لماذا يتخيل بأن وضع الربطة مثل وضع الأمانة . الناس عندما تطلب منك أن تحفظ لها شيئا تقول دائما : هذه أمانة في عنقك . ربما كان عنقه مليئا بالربطات من السماء ، ومن الأرض . تخيل هذه الربطات بأنها ربما تقادمت واتسخت ، وهي تُطوّق عنقه كما تُطوّق السلاسل المغلقة بأقفال قديمة أعناق العبيد ، ولا يستطيع احد فتحها بفعل الصدأ . لا يمكنه غسل هذه الربطات الصدئة من كثرة ما توالت عليها الأيام والسنين ، وإذا فعل قد تتفتت أو تتمزق .
يتخيل دائما عودة أصحاب ربطات العنق بعد غياب طويل ، يحيطون به من كل جانب ، يأملون في استرجاع ودائعهم ، وإذا تأكدوا من ضياعها ، صرخوا فيه ، واتهموه بالخيانة ، وجروه إلى المحكمة . وبعد إثبات التهمة ، يأمر القاضي بشنقه بربطة عُنق .
مراكش 25 يوليو 2021
ـ لا يزال أمامك طريق طويل حتى تحصل على عمل ومنزل ودراجة نارية ، وزوجة تُسوّي ربطة عنقك ، وتطبع قبلة على خدك في الصباح ، ولا يعلم إلا الله كيف ستستقبلك ليلا في الفراش .
قطع نصف الطريق الطويل . نال الشهادة ، ووجد عملا ، واكترى منزلا ، وأصبح له زوجة وأولاد . لكنه لم يحظ باستعمال ربطة العنق . اشترى واحدة لاستقبال عامل الإقليم أثناء زيارته للمؤسسة التي يعمل بها ، لكنه وضعها في جيبه ، وليس في عُنقه .
عندما جرب استعمالها مرة ، أحس كأنها حبل يلتفُّ حول رقبته ويشنقه . حمد الله أنه لم يعمل في بنك ، أو شركة خاصة حتى يفرض عليه رؤساءه ارتداء ربطة العنق . بعد ذلك أصدر حكما قاسيا بأنها لا تصلح له ، ولا يصلح لها .
تعود أن يستيقظ باكرا ، ويذهب إلى عمله . بعد أسابيع معدودة أعفى زوجته من أن تستيقظ صحبته ، وتهيئ له الفطور ، وتقبله قبل مغادرته المنزل .
لا يعرف لماذا يتخيل بأن وضع الربطة مثل وضع الأمانة . الناس عندما تطلب منك أن تحفظ لها شيئا تقول دائما : هذه أمانة في عنقك . ربما كان عنقه مليئا بالربطات من السماء ، ومن الأرض . تخيل هذه الربطات بأنها ربما تقادمت واتسخت ، وهي تُطوّق عنقه كما تُطوّق السلاسل المغلقة بأقفال قديمة أعناق العبيد ، ولا يستطيع احد فتحها بفعل الصدأ . لا يمكنه غسل هذه الربطات الصدئة من كثرة ما توالت عليها الأيام والسنين ، وإذا فعل قد تتفتت أو تتمزق .
يتخيل دائما عودة أصحاب ربطات العنق بعد غياب طويل ، يحيطون به من كل جانب ، يأملون في استرجاع ودائعهم ، وإذا تأكدوا من ضياعها ، صرخوا فيه ، واتهموه بالخيانة ، وجروه إلى المحكمة . وبعد إثبات التهمة ، يأمر القاضي بشنقه بربطة عُنق .
مراكش 25 يوليو 2021