محمد الرياني - الفِنجان

منذُ أن غابت ليلى عن (كاونتر) الاستقبالِ وهو عازفٌ عن شُربِ القهوة ، آخر مرةٍ شربَ فيه قهوةً كانت من صُنع يدها ، انسلّت من خلفِ الصفوفِ لتصبَّ له خُفيةً وتقول له إنها لم تُشرب أحدًا غيره من هذه القهوة ، قالت له حينئذ : هؤلاء الذين يحتسون القهوةَ لإزهاقِ الوقتِ يشربون قَهوةً من صُنعِ العاملاتِ والعمال ، قَرِّبْ أَنفَكَ من الفنجانِ لتعرفَ مقدارَ صِدقي ، فعلَ ذلك وهو ينظرُ إليها ثم عادت إلى مكانها لتُكملَ عمَلها ، لم يَطلبْ منها فنجانًا آخر ، استحيا أن يعيدَها لنفسِ الكرَّة أو أنها تلجأ لعملِ قهوةٍ أخرى ، السؤال الذي طرحَه على نفسه لِمَ هي استأثرته بهذه الميزةِ على سائر الحاضرين ؟ ربما لأنها شاهدتْه نبيلًا أو وَسيمًا أو أنيقًا ، أو ربما مصدرًا للدخل كي يعودَ ثانية لعلاج معدته ، لم يقل لها إنه يشتكي حُرقةً في المعدة ، رائحةُ قهوتها وابتسامتها أَنْستهُ الألم ، قالَ لها غيرَ مبالٍ بالنتيجة : قَهوتُك رائعة ، لكن ! لِمَ لمْ تفعلي ذلك مع غيري ، رفعتِ الدلَّة المختبئةَ تحت ( كاونتر) الاستقبال ونوَتْ أن تزيده فنجانًا، وضعَ يدَه على بطنِه وهو يشتكي من الحموضةِ الشديدة ، جاء دوره للدخول ، لم يطلِ البقاءَ ، فأطباء الجهاز الهضمي عادةً مايصرفون قُرصًا أو شرابًا معروفًا لهذا الحرقان المستشري ، قالت له : لكَ موعدٌ مجانيٌّ بعد عشرةِ أيام ، في الطريقِ ظلَّ يشمُّ رائحةَ يدِه والقهوةُ فيها ، انقضت المهلةُ وعادَ فلم يجدها ، انتظرَ متى يأتي الفنجان ، سألَ عن ليلى !! أين ليلى ؟ استغربوا سؤالًا من رجلٍ غريبٍ عن فتاةٍ تعمل في الاستقبال ، سألَه الطبيبُ عن الألم فطمأنه بأنه بخير ، قال له: لا تستعمل علاجًا وتجنب المهيّجاتِ والقهوةَ بأنواعها ، قال له منفعلًا : إلا قهوتها ....وسكتَ عن الحديث ، نظرَ إليه باندهاش وقالَ قهوة مَن ...، قال : قهوتها وغادر ، بقيَ يعضُّ أصابعَه لأنه لم يسألها ماذا كانت تضيفُ إلى القهوةِ كي تكون بهذه الرائحةِ الفريدة ، عندما دُعيَ إلى مناسبةِ زواجٍ بعدَ مُدَّةٍ ناولوه فنجانًا أنيقًا ، اعتذر مُتحَججًا بآلامِ معدته ، سألَ جارَه الذي يجلسُ إلى جانبه عن مكوناتِ القهوةِ عندَ عامةِ الناسِ فقال: لا تبتعدُ عن هذه الأشياء وأخذَ يسردُ مكوناتها ، قال له لكنَّ قهوةَ ليلى تختلف ، انفجرَ ضاحكًا ونادى عليهم بأن يجلبوا له قهوة ، همسَ له: هذا عُرس ليلى ، لبسَ حذاءَه أسفل منه وَهمَّ بالمغادرة ، قال له إني أمزح ، حلَفَ له : لقد عزمتُ على فراقِ القهوةِ حتى أجدَ فنجانَها.

محمد الرياني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...