عبد الرحيم الرزقي - الجالوقة --قصة .

الوعي الجالوقة كدروب المدينة العتيقة.. ضيقة ومتشعبة ومتداخلة في بعضها.
تنسى الصباحات أسماءها لتختلط بالزوالات الرديئة رأسا ثم حصرا مع انفراجات السرويات واللمسة التي تتركها صلاة العصر على المساجد والناس التي انتهت لتوها من أشغالها.. وأولئك الذين لتوهم أفاقوا وانزاحوا عن ضوضاء ليل صاخب. كل هذا الشقلبان وعي مجلوق!.
حينما تتسربل خيوط السروية مائلة نحو مغيب الشمس .. تشرع في التمكن مني خيوط الانشراح!... سؤال محير بات ينتابني منذ أزمنة بعيدة ..ولازال لم يجد له الجواب .
أي انشراح هذا الذي عنه تتحدث ؟ وأنت لاتدرك أسبابه ..وكيف لها العيون التي غاصت في بواطن الجالوقة منذ دهور أن تنشرح للظلمة والبهماء ؟ هل هو الخفوت الذي يعقب الصخب والضوضاء ؟ أم هي الحاجة الخفية والدفينة في الانزواء والابتعاد؟.
... المؤكد أنه لا هذا ولا ذاك !و لا تلك ولا الأخرى !.
فلا هذا الشقي المجلوق بين الوعي بالأشياء والناس والأسواق وانكسارات الحب والكبت.. وابتعاد كل المأمول .. والإحباط الذي أضحى خليلا .. وخصامات عديمة الأسباب .. ولجاجات كلام ضرورية في كل مكان.. ولكأنها الهواء .. وتقزز مستشر من الدين .. وغضب على الحكام .. وحيلة أنت تراها تسللت من بين يديك فوقفت بعيدا تستهزيء منك عليك!.
...ولا الصباحات المزركشة التي تنساك لتنساها !فمرة هي الثمالة بعينها تجعل منك أضحوكة الشارع والناس ..وأخرى تلفيك تعبا كليل الأكتاف .. داب المشي حاملا صخرة سيزيف.
... ولا الزوالات !تلك الزوالات ذوات الإشارات !إلى ليل آخر آت !إنه آت !وأنت تستعد له بكل ما أوتيت من قوة ... آه !ومن أين لك القوة ؟ ضاعت منك !!ا نطوت الليالي ردافا ودخلت جسدا وروحا في ماكينة الجالوقة !.
... أما السروية فتلك الزمردة وهي نقطة الوهج بين عالمين .. عالم حزين تنخر فيه عباب الحزن الذي لاينتهي .. وعالم تصنعه بسابق عمد وترصد .. فتقف تمثالا يحاكي " بودا " أمام المرآة .. تعالج روحك وجسدك !.. لكم كان تلقي عليه ماتيسر من رداءاتك البالية .. ثم تقدف به وراء أدخنة السروية نحو انطلاق مغشوش !.
... تتحدثون عن الجالوقة على أنها شيء ذو قيمة ..وهي لاتعدو أن تكون سوى قطعة من معدن تعالجها الأرجل والأيادي في كل الاتجاهات !!كلما انقذفت الزغبية إلا وعلا صراخها وعويلها .. الجالوقة تيهان بين الدروب الضيقة لاتخرج منه إلا بشق الأنفس .
الجالوقة لما تنفرج السرويات على الخاطر .. يكون قد هذأ صراخها وعويلها .. فتأخذ أنت نوبتها .. وبدل الصراخ والعويل .. تشرع منك الأوركسترا في توقيع سمفونية الليل .. ذاك الليل الذي يسبق النهار .. وتكون أنت فيه السيد الفزاعة التي تفر منها عصافير الدوري .
رحكماك يامظلمو وشمتها في حق الرتابة والترادف .. رحماك ياقطعة معدن تبلدت عواطفه فانصهر مترنما تواشيحه بين الدروب الضيقة والحواري ذات الشعب يبسط شراكه للاحلام حيثما تكون ... يسانده في ذلك صبر جميل يمتطيه مغالبا ومناشدا حتى يبلغ منهوكا قبسات الضياء والصباح .. تلك التي تنسى دائما أسماءها .. لأنها لاترسى لها على اسم قرار .
معوجة ضلاع الجالوقة من فرط الانقذاف والعويل .. تاخذ لها أشكالا تختلف صباحا عن صباح .. تكتشف هذا حينما تجد لها مكانا في مزابل كما اتفق !مركونة في أطراف الحومات .. تلفيها ياوعدي خامدة هامدة وتفوح منها روائح الهدوء والسكينة .. والناس..!! أولئك الناس .. أولئك السكارى الحقيقيون .. أولئك المستيقظون .. تلفيهم غير بعيدين عنها .. وماضون كل في حال .. يأكلون .. يضحكون .. يصرخون ..يبيعون ويشترون .. ويزمجرون!.
هي تعلم أنهم ميقات صلاة العصر سيقفلون .. وفي ذروة الضياء سيرجعون خاري القوى .. ولنومهم القسري المملوء بالتعب والنصب والرياء والنساء .. وبكل ما ملكت أيمانهم سيستسلمون !؟.
أما أنت !فأنا معول عليك .. لأنك متاح كجندي الحدود .. ولياقاتك كلها على أحسن حال .. وما لايرام أراك في غنى عنه .. فسبح باسم ربك الذي خلق .. وانشر شراك الأحلام أخرى لليل الآخر لعلك تنال رضى جالوقتك العتيدة .. إني أراها استعادت عافيتها على أكمل وجه .. وتأبطت ذرع الوقيعة والنزال .. فهلم إذن !؟.. ياصاحبي إلى متاهة الجالوقة ..


-- الجالوقة أو التجلويق كلمة عامية مغربية مراكشية وتعني في الأصل المتلاشيات المعدنية ..ولكنها تعبر مزاجيا عن التشرد ..



ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...