كانت تصفية المعارضين قي الخارج نظاما داخل النظام، نظام له مؤسساته ورجاله وميزانياته وله خبراؤه ومجندوه ومغرياته، وكانت تصفية المعارضين عبارة عن بزنس بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، ومن ضحاياه كان الصديق المحامي محمود نافع وعنه كتبت هذه القصة وهي تصور الحدث الحقيقي لمقتله.. استغل القاتل ضعف نظر محمود فذهب إليه مطمئنا في وضح النهار.
من أعمال التشكيلية مريم هنيديمن أعمال التشكيلية مريم هنيدي
بزنس
اقتله ..
اسأل عنه سطور الكتب المحظورة ومظاهرات الساخطين، وجمعيات حقوق الإنسان، والزنازين التي تعفنت بأجساد من دخلوها.. الهواء مشبع برائحة الورق والكتب تحتل كل مساحة الجدران والأرض وعلى إفريز النافذة المغلقة .. نظر من خلف زجاج نظراته.
تفضل..؟
قالها وهو يفسح لي الطريق إلى كرسي قريب.. لم يتلق رداً مني.. كنت أتفحص تفاصيل وجهه الصغير.
قال في انجليزية طليقة..
CAN I HELP YOU تراجع خطوتين فيما كفه الصغيرة تختفي داخل جيب سترته الخارجي، كان واضحا أنه فوجئ بصمتي وسكوني.
اقتله.. لا تخدعك نظرة الطفولة في عينيه.
قطعة الفولاذ الصغير الكاتمة تندس بين لحمي وثيابي فتحتويني طمأنينة مطلقة.
اقتله..
أصابع يده تعالج علبة التبغ في اضطراب ظاهر، عندما أشعل عود الثقاب تأكدت أنه يغرق في بحر جليدي ..لم يبتعد بنظراته عني.. خلف زجاج النظارة رأيت عينين قاطعتين.. تقدمت نحوه خطوتين.. لم يتراجع لكن العرق نزل من جبهته وتقاطر على أرنبة أنفه وشفتيه، فظلل زجاج نظراته بغيمة ضبابية، امتص أنفاسا شرهة متلاحقة من لفافة التبغ ثم سحق ما تبقى منها بالمنفضة الصغيرة التي توشك أن تختفي في ركام من مجلات اختلفت لغتها وأحجامها كان ذلك واضحاً من اختلاف رسم حروف عناوينها.. فعل ذلك بقسوة متعمدة.. واجهني مرة أخرى تملكته حيرة فيما يجب عليه أن يفعل.. فرد ذراعيه ثم أسقطهما في استسلام غاضب.. التفاتتي جهة الباب المغلق كانت خاطفة نظر إلي بعينين لم يخف إطار نظارته هالة زرقاء تحيط بهما فيما الانتفاضة الخفيفة من ذراعه القصيرة تقول :لا تهتم.. تفضل..؟ قال بصبر نافذ.
اقتله..
كنت أفكر في تسارع الزمن أو مفاجأة غير متوقعة، عندما ضغطت على زر الجرس الخارجي كان هو الذي فتح.. لم يكن حذراً.. ابتسم وفتح الباب على مداه كأنما يستقبل صديقاً لم تقصر غيبته.. سبقني، كان في إمكاني أن أنهي مهمتي في تلك اللحظة، لكن الاستدارة السريعة لجسده وهو يخطو بخطوات قلقة إلى الداخل لم تسعفني من رصد ملامح وجهه الذي تبين لي فيما بعد أنها ملامح موظف أرشيف عتيق.
اقتله.
لم يكن ضوء الغرفة قوياً أو هكذا خيل إلي ولم يكن هو بعيداً عني.. تفصلني عنه مسافة ذراع ليس إلا .. لم يجلس.. كان يتوقع مني أن أفعل ذلك قبله لكنني تجاهلت نظراته المتسائلة.. كأنما هي جدران الغرفة، هذه الكتب، كل شيء أمامي يتحول إلى كتاب لماذا يقرؤون الكتب؟ اجتاحتني موجة حقد عاصف.
اقتله.. هي المرة الأولى وأنت جدير بها، كذلك قال الرجل الذي يقف في المساحة المعتمة من الغرفة الشاسعة فيما أصابعه تفتح محفظة صغيرة أنيقة.. يكفي أن تصوب، ثم تضغط لن يستغرق الأمر سوى ومضة.. لا تلقي “به” في وعاء النفايات.. سنحتاج إليه وربما إليك.
انقطع رنين الهاتف عند النداء الرابع أيقنت أنه وحيداً.. أشعل لفافة تبغ أخرى ولم يقدم لي واحدة وكنت سأرفضها وكانت من نوع رديء.
انطلقت كفى بوهج البرق ثم صوت مكتوم وصوت آخر لزجاج يتناثر.
من أعمال التشكيلية مريم هنيديمن أعمال التشكيلية مريم هنيدي
بزنس
اقتله ..
اسأل عنه سطور الكتب المحظورة ومظاهرات الساخطين، وجمعيات حقوق الإنسان، والزنازين التي تعفنت بأجساد من دخلوها.. الهواء مشبع برائحة الورق والكتب تحتل كل مساحة الجدران والأرض وعلى إفريز النافذة المغلقة .. نظر من خلف زجاج نظراته.
تفضل..؟
قالها وهو يفسح لي الطريق إلى كرسي قريب.. لم يتلق رداً مني.. كنت أتفحص تفاصيل وجهه الصغير.
قال في انجليزية طليقة..
CAN I HELP YOU تراجع خطوتين فيما كفه الصغيرة تختفي داخل جيب سترته الخارجي، كان واضحا أنه فوجئ بصمتي وسكوني.
اقتله.. لا تخدعك نظرة الطفولة في عينيه.
قطعة الفولاذ الصغير الكاتمة تندس بين لحمي وثيابي فتحتويني طمأنينة مطلقة.
اقتله..
أصابع يده تعالج علبة التبغ في اضطراب ظاهر، عندما أشعل عود الثقاب تأكدت أنه يغرق في بحر جليدي ..لم يبتعد بنظراته عني.. خلف زجاج النظارة رأيت عينين قاطعتين.. تقدمت نحوه خطوتين.. لم يتراجع لكن العرق نزل من جبهته وتقاطر على أرنبة أنفه وشفتيه، فظلل زجاج نظراته بغيمة ضبابية، امتص أنفاسا شرهة متلاحقة من لفافة التبغ ثم سحق ما تبقى منها بالمنفضة الصغيرة التي توشك أن تختفي في ركام من مجلات اختلفت لغتها وأحجامها كان ذلك واضحاً من اختلاف رسم حروف عناوينها.. فعل ذلك بقسوة متعمدة.. واجهني مرة أخرى تملكته حيرة فيما يجب عليه أن يفعل.. فرد ذراعيه ثم أسقطهما في استسلام غاضب.. التفاتتي جهة الباب المغلق كانت خاطفة نظر إلي بعينين لم يخف إطار نظارته هالة زرقاء تحيط بهما فيما الانتفاضة الخفيفة من ذراعه القصيرة تقول :لا تهتم.. تفضل..؟ قال بصبر نافذ.
اقتله..
كنت أفكر في تسارع الزمن أو مفاجأة غير متوقعة، عندما ضغطت على زر الجرس الخارجي كان هو الذي فتح.. لم يكن حذراً.. ابتسم وفتح الباب على مداه كأنما يستقبل صديقاً لم تقصر غيبته.. سبقني، كان في إمكاني أن أنهي مهمتي في تلك اللحظة، لكن الاستدارة السريعة لجسده وهو يخطو بخطوات قلقة إلى الداخل لم تسعفني من رصد ملامح وجهه الذي تبين لي فيما بعد أنها ملامح موظف أرشيف عتيق.
اقتله.
لم يكن ضوء الغرفة قوياً أو هكذا خيل إلي ولم يكن هو بعيداً عني.. تفصلني عنه مسافة ذراع ليس إلا .. لم يجلس.. كان يتوقع مني أن أفعل ذلك قبله لكنني تجاهلت نظراته المتسائلة.. كأنما هي جدران الغرفة، هذه الكتب، كل شيء أمامي يتحول إلى كتاب لماذا يقرؤون الكتب؟ اجتاحتني موجة حقد عاصف.
اقتله.. هي المرة الأولى وأنت جدير بها، كذلك قال الرجل الذي يقف في المساحة المعتمة من الغرفة الشاسعة فيما أصابعه تفتح محفظة صغيرة أنيقة.. يكفي أن تصوب، ثم تضغط لن يستغرق الأمر سوى ومضة.. لا تلقي “به” في وعاء النفايات.. سنحتاج إليه وربما إليك.
انقطع رنين الهاتف عند النداء الرابع أيقنت أنه وحيداً.. أشعل لفافة تبغ أخرى ولم يقدم لي واحدة وكنت سأرفضها وكانت من نوع رديء.
انطلقت كفى بوهج البرق ثم صوت مكتوم وصوت آخر لزجاج يتناثر.