تتمتع القوانين في العالم بمكانة خاصة، تصل في أماكن كثيرة حد التقديس، قد يكون السبب أنها تنظم علاقات البشر فيما بينهم، وتشكّل ذاك الرادع الحصين من ارتكاب الشرور والخطيئة. ولأن القانون ولد من رحم الخطيئة، كان عليه أن يحمل معه العقوبات، التي تفنّنت البشرية في تطويرها.
وصلنا عبر التاريخ المكتوب بأن أول قانون، هو قانون سومري يعود إلى الملك لبت عشتار، الذي عثر عليه في تل حرمل، وهو أقدم شريعة وصلتنا من العراق القديم، ويسمى قانون مملكة أشنونة. ثم جاءت بعده شريعة حمورابي الشهيرة التي قُسمت القوانين إلى اثني عشر قسمًا، ونقشت على مسلة من حجر توسطت مدينة بابل. إلا أن هذه القوانين كانت تتعدل لصالح الطبقة الميسورة، فيدفع الجاني بدلًا ماليًا عن عقوبته، كما لو أن العقوبات صمّمت للفقراء فحسب.
إلى الآن مازالت "المسلات الحمورابية" رمزًا للقانون والعدالة، تتباهى عواصم العالم الشهيرة، بنصب مسلات رمزية، كدلالة لسيادة القانون.
"العين بالعين"، تلك القاعدة التي كانت ولا تزال تختصر مفهوم العدالة لدى الشعوب! فهل تحققت العدالة على الأرض، أم أنها بقيت حكرًا على صفات الآلهة التي تسكن السماء؟
بعد أن ضرب "انفجار التغيير" المنطقة العربية كان من نتائجه أن حدث طوفان النزوح السوري، ما سمح للسوريين بالخروج من قمقم القمع الأسدي، والانتشار في كل بقاع الأرض. نسبة كبيرة من السوريين وصلت أوروبا توقًا للعدالة، ولأنها "الأم المقاتلة دفاعًا عن حقوق الإنسان"، حسب الاعتقاد السائد.
معظم السوريين ظنوا أن رحلة النزوح ماهي إلا فترة مؤقتة، وبأن العدالة ستتحقق وسيحاكم المجتمع الدولي الوريث الأسدي على ما اقترف من جرائم بحق شعبه، لكنهم مع ذلك، ساروا في تيه التأقلم، مع مجتمعات ولغات غريبة عن ثقافتهم، وكان لكل واحد منهم تجربته الخاصة التي خاضها أثناء محاولة اندماجه في المجتمع الجديد. وخلال هذا التيه ما بين محاولة التأقلم، ولسعات الحنين والترقب والانتظار الحارق لانتهاء جولات الحرب الدائرة في سوريا، عاش السوري تجاربه الخاصة التي مكنته من معرفة نسيج مجتمعات، ظهرت له للوهلة الأولى بأنها تتربع على قمة الرقي الحضاري.
لكن الحقيقة جاءت عكس ذلك. في استطلاع بسيط قمتُ به، ومن متابعتي لأحوال السوريين في فرنسا خصوصًا، وباقي دول أوروبا التي استقبلت اللاجئين عمومًا، تحدّث كثر ممن عانوا من تجارب كشفت وجهًا آخر للمجتمعات الأوروبية. كانت الشكوى الأولى أو المعاناة التي أثرت عميقًا في نفوس اللاجئين هي العنصرية.
قدمت "اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الانسان" تقريرًا، يكشف مدى تفشي العنصرية في فرنسا. وقد جاء على لسان رئيسة اللجنة كريستين لازيرج: "إن زمن الاعتداءات الجسدية قد ولّى، لكن العنصرية التي تتطور اليوم أكثر خبثًا، ولم تعد حكرًا على المجموعات المتطرفة"، وأضافت: "تتفشى العنصرية في كافة طبقات المجتمع، وأن مستوى التسامح يتراجع بشكل ملفت".
في فرنسا كما في ألمانيا وغيرها، لا تخلو تجربة يعبرها المهاجرون الغرباء إلا ويكون من بين ثلاثة تجارب تجربة واحدة، على الأقل، تحمل في مضمونها سمّ العنصرية.
من جانب آخر حول انحسار العدالة، تبرز حالة الفساد التي تعاني منها فرنسا، على وجه الخصوص، لا سيما في التهرب الضريبي وتبييض الأموال لدى الطبقة السياسية الحاكمة. نشرت الصحف حالات كثيرة تشي بحجم الفساد عند مسؤولين ووزراء عبر حكومات متعاقبة في فرنسا، وما زالت ملفات التحقيق فيها مفتوحة إلى الآن، أشهرها فضيحة الرئيس ساركوزي مع الراحل معمر القذافي، حين قام الأخير بتمويل حملته الانتخابية. كما فعل قبله جاك شيراك مع رئيس الغابون عمر بونغو حين موّل حملته الانتخابية آنذاك. وإلى البارحة، تصدّرت فضائح الفساد الأخبار في فرنسا، حيث قام البرلمان الأوروبي بتصويت ساحق،على رفض مرشحة إيمانويل ماكرون، السيدة سيلفي غولار بفعل ما أثير حولها من شبهات فساد مالي، كان مكتب مكافحة الفساد في الاتحاد الأوروبي قد فتح تحقيقًا حول هذه القضية. إلا أن الأمر الأكثر خطورة هو فساد بعض ممارسات القيمين على تحقيق العدالة.
من الملفت ما قامت بنشره الصحف الفرنسية عن الرئيس السابق فرانسوا هولاند حول تدخله بالنظام القضائي الفرنسي، واستخدام سلطته في ذلك. كما لم ينجُ جاك شيراك من هذا الاتهام في السابق، بتهمة تضليل العدالة ومحاولة استخدام سلطته للتدخل في النظام القضائي الفرنسي، كما حدث في فضيحة "كليرستريم".
هناك مثل شعبي منتشر في فرنسا يقول: "لا تبحث عن محامٍ يعرف القانون، بل ابحث عن محامي يعرف القاضي". قد يعكس هذا المثل حقيقة ما يدور في أروقة المحاكم، من فساد ومحسوبيات، وهذه الأخيرة ليست سوى مرآة، تعكس أوضاع البلاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وما تلك الأمثلة إلا غيض من فيض، وما تم الكشف عنه ونُشر في العلن. وكلما ضاقت دائرة العدسة، سيتكشف عمق الفساد أكثر. حتمًا ستكون الحقيقة كارثية في حال تناولنا العدالة الدولية، حيث ميزان القوى والمصالح هو المتحكم.
هذه هي البلاد التي اعتقدنا يومًا أن القانون هو السيد فيها، واتكأت أحلامنا عليها، لتنتصر لقضيتنا في سوريا، حين تدخلت لتحقق لنا العدالة، فهل سننجو؟
وصلنا عبر التاريخ المكتوب بأن أول قانون، هو قانون سومري يعود إلى الملك لبت عشتار، الذي عثر عليه في تل حرمل، وهو أقدم شريعة وصلتنا من العراق القديم، ويسمى قانون مملكة أشنونة. ثم جاءت بعده شريعة حمورابي الشهيرة التي قُسمت القوانين إلى اثني عشر قسمًا، ونقشت على مسلة من حجر توسطت مدينة بابل. إلا أن هذه القوانين كانت تتعدل لصالح الطبقة الميسورة، فيدفع الجاني بدلًا ماليًا عن عقوبته، كما لو أن العقوبات صمّمت للفقراء فحسب.
إلى الآن مازالت "المسلات الحمورابية" رمزًا للقانون والعدالة، تتباهى عواصم العالم الشهيرة، بنصب مسلات رمزية، كدلالة لسيادة القانون.
"العين بالعين"، تلك القاعدة التي كانت ولا تزال تختصر مفهوم العدالة لدى الشعوب! فهل تحققت العدالة على الأرض، أم أنها بقيت حكرًا على صفات الآلهة التي تسكن السماء؟
بعد أن ضرب "انفجار التغيير" المنطقة العربية كان من نتائجه أن حدث طوفان النزوح السوري، ما سمح للسوريين بالخروج من قمقم القمع الأسدي، والانتشار في كل بقاع الأرض. نسبة كبيرة من السوريين وصلت أوروبا توقًا للعدالة، ولأنها "الأم المقاتلة دفاعًا عن حقوق الإنسان"، حسب الاعتقاد السائد.
معظم السوريين ظنوا أن رحلة النزوح ماهي إلا فترة مؤقتة، وبأن العدالة ستتحقق وسيحاكم المجتمع الدولي الوريث الأسدي على ما اقترف من جرائم بحق شعبه، لكنهم مع ذلك، ساروا في تيه التأقلم، مع مجتمعات ولغات غريبة عن ثقافتهم، وكان لكل واحد منهم تجربته الخاصة التي خاضها أثناء محاولة اندماجه في المجتمع الجديد. وخلال هذا التيه ما بين محاولة التأقلم، ولسعات الحنين والترقب والانتظار الحارق لانتهاء جولات الحرب الدائرة في سوريا، عاش السوري تجاربه الخاصة التي مكنته من معرفة نسيج مجتمعات، ظهرت له للوهلة الأولى بأنها تتربع على قمة الرقي الحضاري.
لكن الحقيقة جاءت عكس ذلك. في استطلاع بسيط قمتُ به، ومن متابعتي لأحوال السوريين في فرنسا خصوصًا، وباقي دول أوروبا التي استقبلت اللاجئين عمومًا، تحدّث كثر ممن عانوا من تجارب كشفت وجهًا آخر للمجتمعات الأوروبية. كانت الشكوى الأولى أو المعاناة التي أثرت عميقًا في نفوس اللاجئين هي العنصرية.
قدمت "اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الانسان" تقريرًا، يكشف مدى تفشي العنصرية في فرنسا. وقد جاء على لسان رئيسة اللجنة كريستين لازيرج: "إن زمن الاعتداءات الجسدية قد ولّى، لكن العنصرية التي تتطور اليوم أكثر خبثًا، ولم تعد حكرًا على المجموعات المتطرفة"، وأضافت: "تتفشى العنصرية في كافة طبقات المجتمع، وأن مستوى التسامح يتراجع بشكل ملفت".
في فرنسا كما في ألمانيا وغيرها، لا تخلو تجربة يعبرها المهاجرون الغرباء إلا ويكون من بين ثلاثة تجارب تجربة واحدة، على الأقل، تحمل في مضمونها سمّ العنصرية.
من جانب آخر حول انحسار العدالة، تبرز حالة الفساد التي تعاني منها فرنسا، على وجه الخصوص، لا سيما في التهرب الضريبي وتبييض الأموال لدى الطبقة السياسية الحاكمة. نشرت الصحف حالات كثيرة تشي بحجم الفساد عند مسؤولين ووزراء عبر حكومات متعاقبة في فرنسا، وما زالت ملفات التحقيق فيها مفتوحة إلى الآن، أشهرها فضيحة الرئيس ساركوزي مع الراحل معمر القذافي، حين قام الأخير بتمويل حملته الانتخابية. كما فعل قبله جاك شيراك مع رئيس الغابون عمر بونغو حين موّل حملته الانتخابية آنذاك. وإلى البارحة، تصدّرت فضائح الفساد الأخبار في فرنسا، حيث قام البرلمان الأوروبي بتصويت ساحق،على رفض مرشحة إيمانويل ماكرون، السيدة سيلفي غولار بفعل ما أثير حولها من شبهات فساد مالي، كان مكتب مكافحة الفساد في الاتحاد الأوروبي قد فتح تحقيقًا حول هذه القضية. إلا أن الأمر الأكثر خطورة هو فساد بعض ممارسات القيمين على تحقيق العدالة.
من الملفت ما قامت بنشره الصحف الفرنسية عن الرئيس السابق فرانسوا هولاند حول تدخله بالنظام القضائي الفرنسي، واستخدام سلطته في ذلك. كما لم ينجُ جاك شيراك من هذا الاتهام في السابق، بتهمة تضليل العدالة ومحاولة استخدام سلطته للتدخل في النظام القضائي الفرنسي، كما حدث في فضيحة "كليرستريم".
هناك مثل شعبي منتشر في فرنسا يقول: "لا تبحث عن محامٍ يعرف القانون، بل ابحث عن محامي يعرف القاضي". قد يعكس هذا المثل حقيقة ما يدور في أروقة المحاكم، من فساد ومحسوبيات، وهذه الأخيرة ليست سوى مرآة، تعكس أوضاع البلاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وما تلك الأمثلة إلا غيض من فيض، وما تم الكشف عنه ونُشر في العلن. وكلما ضاقت دائرة العدسة، سيتكشف عمق الفساد أكثر. حتمًا ستكون الحقيقة كارثية في حال تناولنا العدالة الدولية، حيث ميزان القوى والمصالح هو المتحكم.
هذه هي البلاد التي اعتقدنا يومًا أن القانون هو السيد فيها، واتكأت أحلامنا عليها، لتنتصر لقضيتنا في سوريا، حين تدخلت لتحقق لنا العدالة، فهل سننجو؟