مصطفى نصر - بائع اللبن

الضرورة تقتضي ألا أذكر اسمه الحقيقي. هو صاحب البيت الذي فيه قهوة أبو دومة. كان وقتها هو أهم شخص في المنطقة، بنقوده الكثيرة، وأسرته التي تمتلك بيوتا كثيرة في الشارع العمومي وبعض الحارات، وفي مناطق أخرى بعيدة. بيته مواجه للحارة المواجهة لقهوة أبو دومة.
كنا في حاجة للإقتراب من قهوة أبو دومة لسماع الراديو، فكلنا - تقريبا - بيوتنا ليس فيها كهرباء، فنجتمع قريبا من القهوة بعد الخامسة لنسمع المسلسل الإذاعي: سمارة وتوحة، وحسن ونعيمة . ونحرص أيضا على سماع برنامج ساعة لقلبك الذي يذاع مرتين في الأسبوع، كان أبو دومة يضيق بتواجدنا، لكنه لم يكن شرسا ولا سبابا، فكان يتحجج بأشياء كاذبة، فأن يقول مثلا:
- أصل واحد قريبنا مات في الصعيد، فعيب لما أفتح الراديو.
فنسير وقتها بعيدا عن قهوته، فنجد عربة زبالة صاحب البيت الذي فيه القهوة. العربة مركونة بجانب بيته، بابها معلق بمفصلات، يخلعونها لكي يدخلون الأجولة والقفف. ثم يركبون الباب ويغلقونه بالمفصلات، فنجلس على حافته، وقد رآني صاحب البيت، فقال لي: قوم كده وأنت عامل زي المرزبة.
يقصد إن جسدي الممتليء، يمكنه أن يكسر باب عربته.
والمرزبة، قطعة من الحديد لها يد، يدقون بها الصاج ليفردونه.
00
صاحب البيت الذي تقع فيه القهوة له مواقف لا تنسى فيها نزق، فقد تحاوز متولي الفص سن الشباب، وشاب شعر رأسه ولم يتزوج، فمن سترضى به من سكان المنطقة، فدله البعض على الحل، وهو السفر لقرية من القرى القريبة من الإسكندرية، الفتيات هناك لا تجد الزواج.
وسافر متولي الفص وجاء بفتاة بيضاء. ولأن معظم سكان المنقطة صعايدة، فأي امرأة جاءت من وجه بحري يقولون عليها " فلاحة واجتمع الرجال حول متولي الفص وعروسه الفلاحة ليزفوهما معا:
صلي على النبي،
والباقي يردون عليه.
ودخل صاحب البيت الذي تقع فيه القهوة، صافح متولي الفص، ثم قرص فتاته من خدها، ناظرا إلى الجمع حوله وصائحا بأعلى صوته:
- هس أنت وهو.
وصمت الجميع، ونظر هو إلى الفتاة البيضاء المرتبكة مما يحدث وصاح:
خد البنت الفلاحة أحمر زي التفاحة.
( قال كلمة على وزن خد، لا أستطيع كتابتها هنا )
ورد الجميع عليه ضاحكين.
وأحمر وجه الفتاة المسكينة.
00
ابتعدنا هذا الصباح عن قهوة أبو دومة، بعضنا جلس على باب عربة الزبالة المركونة بجوار باب البيت، والباقي وقف حول العربة، وإذ بنا نسمع صراخ وعويل آتي من البيت الذي تقع فيه القهوة، وسب ولعن، أسرعنا لدخلة البيت لنتبين الخبر. وإذ بصاحب البيت يمسك الشاب الأبيض الطويل الذي يبيع اللبن في المنطقة، ويضربه في عنف. وصل به غيظه منه إنه كان يعضه. نزل به من أمام شقته في الدور الثالث حتى باب البيت وهو يضربه في عنف. ووقع سطل اللبن على درجات السلم، وسال اللبن كله فوق الدرجات. وزوجتا صاحب البيت تحاولان منعه من ضرب بائع اللبن. قائلتين له:
- الرجل ما يقصدش.
وتجمع الكثير حولهما، خلصوا بائع اللبن منه بصعوبة، كان وجهه ممزق وفيه كدمات زرقاء. وسأل الرجال، صاحب البيت:
- بتضربه ليه كده؟
فحكى الحكاية:
- نايم في أمان الله، وده واقف على باب الشقة عمال ينادي:
- اللبن، ياللي عايزين اللبن، ياللي بتحبوا اللبن.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...