محمد مزيد - ساق بيضاء.. قصة قصيرة

يجلسُ هوبي هناك على العجلةِ المتروكة ، يطيلُ جلوسه بإنتظار تلك المرأة التي ترتدي عباءة يخرج منها سّاقها البيضاء. لا يعبأ بالناس ، ولا يهتّم به أحد . أمه وأخوته الثلاثة تركوه لإعتقادهم إنّه نصف مخبول نصف عاقل . قال عنه الأخ الأوسط ( وهو نائب ضابط هرب من الجيش اثناء حرب ايران ) إن هوبي سيعقل بمجرد أن يساق الى الخدمة العسكرية . لا يشغل بال هوبي إي شيءٍ في الدنّيا ألا ذات العباءة التي تُظهر ساقها عندما تقترب مقبلة من السوق . فتاة بيضاء جميلة الوجه، يُعتقد إنها كردية من المهجرين ، سكنت الجنوب أثناء حملات المطاردة للكرد الفيلية.
يجلس هوبي هناك ، على بنيد عجلة شوفرليت متروكة ، بإنتظارها ، يقف خلفه أخوه الهارب من الحرب على مسافة أمتار قليلة يراقبه ، تأتي الفتاة من السوق ، لا ينظر هوبي الى وجهها الأبيض ، بل الى تلك العضلة البيضاء من ساقها المنسلة من فتحة العباءة . هل كانت تتقصد إظهار ساقها بهذا الشكل المثير ؟
يآوي هوبي الى سريره في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل ، لا ينام كثيرا ، واضعاً كفه على وسطه ، يحلم كيف يضم بأحضانه ذات الساق الابيض .
سيق هوبي الى لواء مشاة في البصرة ، وأسر في معركة نهر جاسم . لسوء حظه بقي في الأسر أكثر من عشرين عاما ، رفضت الحكومة الايرانية تسليم كل الأسرى العراقيين بعد إنتهاء الحرب التي دامت ثماني سنوات . أُطلق سراحه من الاسر ووصل هوبي الى بيت أهله فوجد أخاه الهارب متزوجا . واجه هوبي جحودا وعدم ترحيب من أخيه وزوجته التي كان يخجل من النظر الى وجهها.
فرح هوبي لأن عجلة الشوفرليت ، مكانه جلوسه الأثير ، مازالت في مكانها . كان طوال سنوات الأسر ، يحّن الى جلسته بإنتظار تلك المرأة ذات الساق البيضاء ، وعاد ثانية بعد الاسر، يطيل جلوسه بانتظار رؤية محبوبته ، تمضي الأيام والشهور والسنوات ، هوبي جالس على العجلة ما تبقى من عمره وهو ينتظر إطلالة الساق البيضاء تنسّل من عباءة ، لا يهتم بالناس كما إنه لا يعبأ بأحد . لا يدري إنّه لن يستطيع إنتشال نفسه من دوامة ذلك الأنتظار الجنوني ، لا يدري أن المرأة الذي ينتظرها ، تضطجع الآن في الغرفة المجاورة لغرفته يداعب ساقها أخوه نائب الضابط الهارب.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...