غالب هلسا غالب هلسا هو الروائي الذي نجده، حين نقرأه، حاضراً في حوار مستمر مع الكتابة والعيش والحياة، مع السّياسة والحبّ والحريّة، مع الناس، معنا، ومع هؤلاء الذين سيأتون بعدنا. في «الخماسين»، في «السؤال»، في «ثلاثة وجوه لبغداد»… وربّما في كلّ ما كتب وأبدع من روايات، طرح غالب سؤال الكتابة الأعمق، عن معنى علاقة الكتابة بالحياة، واكتشف أنّ لهذه العلاقة طابع الضرورة، وعلى مسافة من هذه الضرورة يموت الكاتب، أو يفقد حياته. يعيش الروائي، كما يقول غالب، «اللحظة ليكتب عنها»، وفي لحظة الكتابة، تكون الحياة مؤجّلة.
يعيش فيترك الحياة وراءه، وإذ يكتب يعصر «كلَّ ما فيه من حياة»، ويبدو له ذلك فاجعاً جداً، كالموت يأتي بعد حياة مليئة بالآلام والعذاب…يأتي «قبل أن يمتلىء الإنسان بالحياة» (ثلاثة وجوه لبغداد).
بين الكتابة والحياة، طرح غالب السؤال، فلم يترك الكتابة ولم يترك الحياة، بل وقف بينهما مدركاً علاقة الضرورة هذه. وقف روائيّاً من نوع خاص يحوِّل الحياة إلى لحظة كتابة ويبدع بالكتابة الحياة. كان، كما يقول، يفقد روحه وتوهّجه «وتتمزق الخيوط التي تصله بالحياة الحقيقيّة، الحياة الحارّة البكر، لأنّه يخلق حياة أخرى بديلة على الورق».
يخلق حياة بديلة فيعيد إليها حقيقة الحياة، حرارتها وبكارتها، ويدخل هو نفسه، ككاتب، إليها. يدخل لا ليروي سيرته الذاتية، بل ليجعل من الكاتب الذي يكتب واحداً من هؤلاء الذين يروي عنهم، واحداً يتحرّك بينهم، يحاورهم، يعيش علاقات الصراع. لا يعظ، ولا يأتي بالرسالة. لا يقف على منبر ويحكي مِنْ عل كأنّه وحده يقبض على الحقيقة، أو كأنّ الحقيقة لغزٌ لا يفكّه إلاّ سدنتها، بل يمارس العيش مع شخصيّاته، وبالممارسة هذه يولد الكلام، تتبلور الرؤية فتتعرّى سلطة القمع، يتكشّف المكبوت مخزوناً داخليّاً يخلُّ بتوازن الإنسان والحياة (شخصيّة السفاح في رواية «السؤال»). مكبوت جنسي يحرّك سلطةً قمعيّة ويحكمها، أو قمع سياسي هو رمزٌ لقمع أعمق يطال جوهر الوجود بما يعنيه من حبٍّ وولادة واستمرار (رواية «السؤال» ورواية «ثلاثة وجوه لبغداد»).
القمع، حسب غالب، علامةٌ على لجم تعيشه مجتمعاتنا العربية، ويحول دون تطوّرها. إنه تكبيلٌ لطاقات العطاء البشري، وارتدادٌ بمشاعر البشر إلى مستوى الغريزة.
كتب غالب الرواية ليعيش في عالمها، ولتعيش شخصيات الرواية عالم الناس والمجتمع، فإذا الرواية نسيجٌ لعلاقاتٍ صراعيّة تعيش زمنها وتقوله. في روايات غالب تتحوّل الكتابةُ عن الحياة إلى موضوعٍ للرواية. هكذا يطرح السردُ سؤاله عن الخيال وعن أشياء الخيال.
طرح غالب سؤاله، حمل أوراقه ودار بين الناس يطلب إليهم أن يحكوا عن حياتهم (الخماسين)، فتسقط المسافة بين المتخيّل والوقائعي، بين الحياة والسرد عن الحياة.. بين قول الحياة والإخبار عنها. تسقط المسافة بين الراوي والكاتب.. فالكتابة، أو هذه الحياة الأخرى التي على الورق، ليست سوى سؤال مطروح على الحياة نفسها، على العيش.. وغالب الذي يكتب، الروائي الذي يموت «ليكتب حياة الآخرين، يدخل بنفسه، وباسمه، عالمَ الرواية (كما في «ثلاثة وجوه لبغداد).
يتكشّف لنا سؤال غالب هلسا عن معنى العلاقة بين الكتابة والحياة كسؤال عن معنى العلاقة بين الحياة والحياة، فهو لم يضع الحياة والكتابة في جانب يواجه بهما الموت، ويخلِّد الحياة كتابةً بنفيها واقعاً. أي ليست الكتابة، في نظره، حياةً يناقض بها الموت.. فالصراع عند غالب هو بين حياة الكتابة وعيش الحياة. هكذا وحين يختار الكاتب حياة الكتابة يموت.
إنّ الصراع، بهذا المعنى، هو في نظر غالب، وكما يتمظهر في معظم رواياته، صراعٌ بين أن يعيش الكاتب، وأن يكتب هذه الحياة البديلة على الورق، وفي هذا الصراع يتبدّى «موت» الكاتب كضرورة للكلام كتابةً على الحياة.
يعيش فيترك الحياة وراءه، وإذ يكتب يعصر «كلَّ ما فيه من حياة»، ويبدو له ذلك فاجعاً جداً، كالموت يأتي بعد حياة مليئة بالآلام والعذاب…يأتي «قبل أن يمتلىء الإنسان بالحياة» (ثلاثة وجوه لبغداد).
بين الكتابة والحياة، طرح غالب السؤال، فلم يترك الكتابة ولم يترك الحياة، بل وقف بينهما مدركاً علاقة الضرورة هذه. وقف روائيّاً من نوع خاص يحوِّل الحياة إلى لحظة كتابة ويبدع بالكتابة الحياة. كان، كما يقول، يفقد روحه وتوهّجه «وتتمزق الخيوط التي تصله بالحياة الحقيقيّة، الحياة الحارّة البكر، لأنّه يخلق حياة أخرى بديلة على الورق».
يخلق حياة بديلة فيعيد إليها حقيقة الحياة، حرارتها وبكارتها، ويدخل هو نفسه، ككاتب، إليها. يدخل لا ليروي سيرته الذاتية، بل ليجعل من الكاتب الذي يكتب واحداً من هؤلاء الذين يروي عنهم، واحداً يتحرّك بينهم، يحاورهم، يعيش علاقات الصراع. لا يعظ، ولا يأتي بالرسالة. لا يقف على منبر ويحكي مِنْ عل كأنّه وحده يقبض على الحقيقة، أو كأنّ الحقيقة لغزٌ لا يفكّه إلاّ سدنتها، بل يمارس العيش مع شخصيّاته، وبالممارسة هذه يولد الكلام، تتبلور الرؤية فتتعرّى سلطة القمع، يتكشّف المكبوت مخزوناً داخليّاً يخلُّ بتوازن الإنسان والحياة (شخصيّة السفاح في رواية «السؤال»). مكبوت جنسي يحرّك سلطةً قمعيّة ويحكمها، أو قمع سياسي هو رمزٌ لقمع أعمق يطال جوهر الوجود بما يعنيه من حبٍّ وولادة واستمرار (رواية «السؤال» ورواية «ثلاثة وجوه لبغداد»).
القمع، حسب غالب، علامةٌ على لجم تعيشه مجتمعاتنا العربية، ويحول دون تطوّرها. إنه تكبيلٌ لطاقات العطاء البشري، وارتدادٌ بمشاعر البشر إلى مستوى الغريزة.
كتب غالب الرواية ليعيش في عالمها، ولتعيش شخصيات الرواية عالم الناس والمجتمع، فإذا الرواية نسيجٌ لعلاقاتٍ صراعيّة تعيش زمنها وتقوله. في روايات غالب تتحوّل الكتابةُ عن الحياة إلى موضوعٍ للرواية. هكذا يطرح السردُ سؤاله عن الخيال وعن أشياء الخيال.
طرح غالب سؤاله، حمل أوراقه ودار بين الناس يطلب إليهم أن يحكوا عن حياتهم (الخماسين)، فتسقط المسافة بين المتخيّل والوقائعي، بين الحياة والسرد عن الحياة.. بين قول الحياة والإخبار عنها. تسقط المسافة بين الراوي والكاتب.. فالكتابة، أو هذه الحياة الأخرى التي على الورق، ليست سوى سؤال مطروح على الحياة نفسها، على العيش.. وغالب الذي يكتب، الروائي الذي يموت «ليكتب حياة الآخرين، يدخل بنفسه، وباسمه، عالمَ الرواية (كما في «ثلاثة وجوه لبغداد).
يتكشّف لنا سؤال غالب هلسا عن معنى العلاقة بين الكتابة والحياة كسؤال عن معنى العلاقة بين الحياة والحياة، فهو لم يضع الحياة والكتابة في جانب يواجه بهما الموت، ويخلِّد الحياة كتابةً بنفيها واقعاً. أي ليست الكتابة، في نظره، حياةً يناقض بها الموت.. فالصراع عند غالب هو بين حياة الكتابة وعيش الحياة. هكذا وحين يختار الكاتب حياة الكتابة يموت.
إنّ الصراع، بهذا المعنى، هو في نظر غالب، وكما يتمظهر في معظم رواياته، صراعٌ بين أن يعيش الكاتب، وأن يكتب هذه الحياة البديلة على الورق، وفي هذا الصراع يتبدّى «موت» الكاتب كضرورة للكلام كتابةً على الحياة.